الإنترنت بديلاً رغم السموم الطائفية
محمد الشلبي
دمشق | في اليومَين الماضيَين، بدا المشهد في سوريا منقسماً إلى قسمَين: تظاهرات احتجاجية راجلة في المناطق الشعبية، طالب فيها المتظاهرون العزّل بالحرية، وناصروا أهالي درعا. وكما كان متوقعاً، قوبلت هذه التحركات بإطلاق رجال الأمن السوري الرصاص الحي، ما أدى إلى سقوط عدد من الضحايا، واعتقال قسم كبير من المشاركين الذين أفرج عن بعضهم لاحقاً. أما المشهد الثاني، فقد بدا مختلفاً، وكان عبارة عن تظاهرات مؤيدة للرئيس السوري بشّار الأسد وسلطته. هنا شاهدنا السيارات الفخمة التي خرجت من الشوارع الراقية لمناصرة الرئيس، فعمل رجال الشرطة على تنظيمها وتوفير الحماية لها. هذه المسيرات نفسها لا تزال مستمرة حتى اليوم.
وبين هذا التحرّك وذاك، وقفت الفضائيات العربية والعالمية عاجزة عن تقديم قراءة واضحة للمشهد. اكتفت بعرض ما خصها به الإعلام السوري للتظاهرات المؤيدة، بينما استعانت بمقاطع الهاتف الخلوي التي حُمّلت على مواقع التواصل مثل «فايسبوك» و«يوتيوب»… لنقل صورة الاحتجاجات المعارضة. هذا الواقع ـــــ أي غياب التوازن في التغطية ـــــ دفع قسماً كبيراً من المتظاهرين السوريين المعارضين، إلى التعبير عن نقمتهم على الفضائيات العربية الإخبارية، وخصوصاً «الجزيرة»؛ إذ رأى هؤلاء أن الفضائية القطرية تقاعست وتأخّرت في التغطية السورية، بعدما عدّها السوريون سندهم الأول، وخصوصاً إثر تغطيتها للثورات العربية المتلاحقة ووقوفها إلى جانب الشعب العربي المنتفض أينما كان (تقريباً). هكذا، غابت عبارة «خاص» عن مجمل المشاهد التي عرضتها المحطة الإخبارية الشهيرة، بعدما تميزت طوال الشهرَين الماضيَين بلقطات وأشرطة حصرية فضحت من خلالها ممارسات الديكتاتوريات المتهاوية، وخصوصاً في تونس، مصر واليمن… وهو ما جعلها في طليعة المحطات الإخبارية العربية.
«يوم الجمعة الماضي، نقلت مختلف القنوات الفضائية مشاهد مباشرة عن اعتصام الشباب الأردني في عمّان وأعمال العنف التي لحقت به، بينما لم تكترث بتظاهراتنا أي فضائية عربية أو غربية. أين الموضوعية والصدقية التي يتغنّون بها؟» قد تكون هذه العبارة التي قالها أحد المعتصمين في ساحة المرجة في وسط العاصمة السورية خير دليل على الامتعاض المنتشر بين المتظاهرين السوريين.
مقابل هذا «التجاهل» الفضائي، بدا الإعلام الرسمي السوري مصرّاً على نظرية المؤامرة التي يستحضرها في كل مرة تبدو سوريا أمام مأزق داخلي. وهي النظرية التي تؤكد وجود عناصر تخريبيّين مندسين في المجتمع السوري. عناصر يقفون وراء جميع الأحداث الدموية والفوضى التي عصفت بالبلاد، وتحديداً في درعا التي تُعَدّ اليوم قبلة الثورة السورية على النظام، كما وصفها العديد من المواقع الإلكترونية.
أما ضيوف المحطات الفضائية المختلفة، من رجال الإعلام أو السلطة السورية، فلا يزالون حتى اللحظة يدافعون بشراسة عن وجهة النظر والسيناريو الذي يتبناه الإعلام السوري الرسمي، ضاربين عرض الحائط بجميع المشاهد الدموية للتظاهرات السورية المعارضة، وإطلاق الرصاص الحي، وصور الجثث الملقاة على الطرقات.
وفي ظل هذا الغياب التلفزيوني عن حقيقة ما يجري على الأرض، وجد المواطن السوري ضالته في شبكة الإنترنت وبعض المواقع الإلكترونية، والصفحات الإخبارية على «فايسبوك»؛ إذ تابع الناشطون عبر هذه المواقع الأحداث لحظة بلحظة، وعُرضت مشاهد بالجملة، تحدث بوتيرة متسارعة جداً، صوّرتها كاميرات الهواتف الخلوية. وقد رافقت هذه الصور والأشرطة تعليقات بالمئات، باتت أشبه بمتنفّس ديموقراطي بعيد عن السطوة المباشرة للرقابة. بدورها، جاءت صفحة «شبكة شام» الإخبارية معادلة لـ«شبكة رصد» التي برزت خلال الثورة المصرية على «فايسبوك»، وجذبت أعداداً كبيرة من المتصفحين والمعلقين، فيما اتجهت بعض الصفحات الأخرى إلى بث شعارات تثير الغرائز الطائفية. في هذا الإطار، نشرت «شبكة شام» بيانات ونداءات ترفض الخطاب الطائفي والمذهبي، ودعت إلى التهدئة وتجنّب العنف، في رد مباشر على كل من اتهمها بالسعي إلى إشعال فتنة طائفية في سوريا.
ولعل أحد أبرز البيانات التي نشرتها الشبكة كان الآتي: ««شبكة شام» تعلن أنها ستغلق موقعها مقابل أن تسمح الحكومة السورية لكل وسائل الإعلام بالدخول إلى جميع مدن سوريا وقراها. نناشد كل القنوات الفضائية أن تضغط إعلامياً على سوريا كي تسمح لها بالدخول وكشف الحقيقة. لماذا تمنعون وسائل الإعلام من التصوير؟ ألستم أنتم من يدّعي أنّ الوضع هادئ؟ إذاً اسمحوا للإعلام بالدخول إن كنتم لا تخشون شيئاً».
يبدو أن الأحداث التي تعيشها سوريا، أعلنت بداية سقوط عروش شبكات إعلامية عريقة، لطالما غنّى وهلل لها الشعب العربي، قبل سقوط ما بقي من الأنظمة العربية المستبدة.