الاختفاء القسري.. محنة تخنق السوريين/ سلافة جبور
مصير مجهول، وتعتيم كامل، وأسئلة لا تلقى أجوبة، هذا هو حال آلاف العائلات السورية التي تبحث اليوم عن أبناء لها اختفوا قسرياً خلال السنوات الماضية دون أن يتركوا أي أثر.
والاختفاء القسري ليس حدثاً طارئاً على حياة السوريين، فقد شهد عقد الثمانينات، وخلال الصراع بين نظام حكم حافظ الأسد ومعارضين له، اختفاء ما يزيد عن عشرة آلاف شخص بحسب تقديرات منظمات حقوقية محلية، ولايزال هوءلا المختفون في عداد المفقودين حتى اليوم.
أحد هؤلاء المختفين هو محمد، وهو من منطقة القلمون، والذي اعتقلته السلطات السورية عام 1983 على خلفية الاشتباه بانتمائه لتنظيم الإخوان المسلمين في سوريا، ومنذ تلك اللحظة لا تعرف عائلته عنه أي شيء.
تقول شقيقته هدى إن السلطات السورية رفضت الاعتراف بوجوده في السجن، على الرغم من سؤال عائلته عنه بشكل دائم.
وأضافت للجزيرة نت “رغم أننا نرفض الحديث في الموضوع، إلا أنني ووالديّ نعلم بأنه استشهد على الأغلب”.
لكن عدم وجود إثبات على موت محمد يُبقي أملا في حياة عائلته، وتقول هدى “أحياناً أتمنى لو يعترفون بموته فذلك أسهل بكثير، الانتظار مؤلم”.
عودة الظاهرة
وبعد اندلاع الثورة على نظام بشار الأسد في مارس / آذار 2011، أطلّت ظاهرة الاختفاء القسري برأسها في سوريا من جديد.
وبلغ عدد المختفين قسرياً حوالي 85 ألف شخص، بحسب إحصائيات الشبكة السورية لحقوق الإنسان.
ومعظمهم هؤلاء اختفوا لدى النظام أو قوات ومليشيات تابعة له، إضافة إلى آخرين يقبعون في سجون تنظيم الدولة الإسلامية والفصائل المسلحة الكردية.
وتحتفل الأمم المتحدة غدا السبت باليوم الدولي لضحايا الاختفاء القسري، للتذكير بمحنتهم ومآسي عائلاتهم.
ومنذ عام 2011، حددت الأمم المتحدة يوم الثلاثين من أغسطس من كل عام، يوما للتذكير بمن يختفون بشكل غير طوعي، سواء بسبب اعتقال أو احتجاز أو اختطاف، وهو ما يشكل انتهاكاً لحقوق الإنسان وجريمة دولية يعاقب عليها القانون.
وبحسب الأمم المتحدة، فإنه يكثر استخدام الاختفاء القسري كاستراتيجية لبث الرعب داخل المجتمعات.
ويقول رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني أن الاختفاء القسري في سوريا نوع من إرهاب الحراك الشعبي، مشيرا إلى اعتقال نظام بشار الأسد رموز الثورة منذ عام 2011.
وأضاف عبد الغني للجزيرة نت أن الشخص يعتبر مختفيا قسريا بعد مرور شهر على خطفه أو اعتقاله وعجز عائلته عن معرفة مكان وجوده.
وحسب عبد الغني فإن معظم حالات الاختطاف تتم على أيدي النظام والمجموعات المقاتلة إلى جانبه، كجيش الدفاع المدني والمليشيات الشيعية العراقية واللبنانية والإيرانية.
ويرفض النظام والمليشيات المقاتلة إلى جانبه الإدلاء بأي معلومات عن المختفين قسريا، وفق رواية عبد الغني.
أما الفصائل المعارضة فغالباً ما تفاوض بسرعة على المحتجزين لديها بهدف مبادلتهم مع معتقليها ومخطوفيها، وهو ما يحدث بكثرة في محافظتي حمص واللاذقية، وهو ما يعرف بالخطف والخطف المضاد.
ولا يحتفظ تنظيم الدولة الإسلامية في سجونه بالكثير من المحتجزين، إذ ينفذ عمليات إعدام مباشرة لمعظمهم، رغم وجود أسماء عديدة لا زالت في عداد المختفين قسرياً لديه.
وكان التنظيم أعدم مؤخرا الصحفي الأميركي جيمس فولي بعد اختفاء دام أشهراً طويلة.
مشاكل اجتماعية
ويقول عبد الغني إن الاختفاء القسري يسبب مشاكل اجتماعية معقدة من بينها عودة بعض المختفين بعد أن فقدت زوجاتهم الأمل في رجوعهم وتزوجن من آخرين.
ويضيف أن آلاف الأسر تعاني مشاكل معيشية كبيرة بعد أن فقدت معيليها بسبب الاختفاء القسري.
من جانبه، يقول الناطق الإعلامي باسم مركز توثيق الانتهاكات في سوريا بسام الأحمد إن معاناة عائلة المختفي قسرياً لا تقل عن محنة الشخص نفسه، ويجب التعامل معهم كضحية خاصة بعد انتشار الصور المسربة عن عمليات التعذيب في سجون النظام السوري.
ويضيف للجزيرة أن “ظاهرة الاختفاء القسري خطيرة جداً على المجتمع في ظل عدم تحمل المنظمات العالمية مسؤولياتها وتخاذل المجتمع الدولي حيال الملف السوري”.
ويعتبر الأحمد أن قضية المعتقلين والمختفين قسرياً من القضايا الشائكة والمعقدة التي لم يسلط عليها الضوء كما يجب.
ويوضح أن إحصائيات مركز توثيق الانتهاكات في سوريا تؤكد اعتقال النظام ما لا يقل عن 200 ألف شخص وأن الآلاف منهم باتوا في عداد المختفين قسرياً.
ويشير إلى وجود مئات حالات الاختطاف نفذتها جهات عديدة تابعة للنظام أو جهات أخرى مثل تنظيم الدولة الإسلامية المسؤول المباشر عن الكثير من حالات الاختفاء القسري في محافظات الرقة ودير الزور وحلب، على حد قوله.
ويذكر الأحمد باختفاء رزان زيتونة -وهي مؤسسة مركز توثيق الانتهاكات في سوريا- مع ثلاثة من زملائها وفي شهر ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، ولا يزال أثرهم مفقوداً بشكل كلي حتى الآن.
-دمشق