الاستثمارات الإيرانية في سورية وأهمية «القلق الأميركي»/ عدنان كريمة
مع بروز ملامح العودة التدريجية لمسيرة الهدوء في سورية تحت مظلة النفوذ الروسي، تمهيداً لإيجاد الحل السياسي والتحضير لمرحلة إعادة الإعمار. ومع بدء موسم تقاسم مناطق النفوذ والمصالح، تكثف إيران جهودها للحصول على أكبر حصة من خلال «تعاونها الاستراتيجي» مع النظام، والذي يضمن مصالحها الاقتصادية لفترة طويلة تزيد على 50 سنة، بموجب اتفاقات موثقة ومبرمة بين دمشق وطهران. وهي تستعجل الخطوات التنفيذية لتقوية نفوذها السياسي والعسكري والاقتصادي، وحتى الاجتماعي «الديموغرافي»، ودعم استثماراتها وتنويعها، انسجاماً مع إدراكها أن روسيا قد تسير نحو صفقة إقليمية دولية تؤدي الى إنهاء هذا النظام ورئيسه بشار الأسد، على حساب مصالحها.
لافت في هذا المجال، أن طهران لم تهتم للقلق الأميركي الذي أبداه رئيس الأركان جوزيف دانفورد، تعليقاً على إعلان إيران أخيراً أنها تعتزم إنشاء مصفاة نفط كبرى قرب مدينة حمص في وسط سورية، ومحذراً من «زيادة نشاطات ايران في سورية»، في وقت تطالب واشنطن باستمرار، بإنهاء الوجود الإيراني في هذا البلد.
ويؤكد مدير تقنيات المصب في معهد بحوث صناعة النفط الايراني أكبر زمانيان، أن المصفاة ستقوم بتكرير 140 الف برميل يومياً من النفط السوري الخفيف والثقيل، وسيتم تشييدها بمشاركة كونسورتيوم بين إيران وفنزويلا، إضافة الى سورية.
ويأتي هذا الاستثمار في إطار اتفاق بين البلدين يشمل قطاع الطاقة، وتقوم بموجبه إيران بإعادة بناء وتجهيز مصفاتي حمص وبانياس اللتين كانتا تعملان قبل الحرب، ويكفي إنتاجهما حاجات سورية الاستهلاكية. كذلك حصلت إيران على ترخيص باستثمار نحو خمسة آلاف هكتار لإنشاء مرافئ وخزانات للنفط في الساحل السوري، إضافة الى تعاون في استثمار مشاريع الكهرباء بإنشاء محطات توليد ومجموعات غازية على الساحل، وإعادة تأهيل محطات في دمشق وحلب وحمص ودير الزور وبانياس. وأعطى النظام إيران حق استثمار مناجم الفوسفات في ريف حمص، وهو يعتبر من أكبر حقول الفوسفات في العالم.
أما في قطاع الاتصالات، فتستعد طهران لاستثمار مشغل ثالث للخليوي، الى جانب شركتي «سيرتيل» و «إم تي في» اللتين يمتلك رامي مخلوف معظم أسهمهما، ويبلغ حجم الاستثمار في المشغل الجديد نحو 300 مليون دولار، على أن تكون حصة الجانب السوري فقط 20 في المئة، في مقابل 80 في المئة لشركة إيرانية.
إضافة الى ذلك، هناك استثمارات زراعية لإيران في مساحات كبيرة لا تقل عن خمسة آلاف هكتار، ولكن يبقى الاستثمار العقاري أهم الاستثمارات الإيرانية في سورية وأكثرهم ربحاً فضلاً عن ضمان الملكية في الدوائر الرسمية، بتشجيع ودعم من الحكومة الإيرانية، وتسهيلات من الحكومة السورية. وقد توافرت للإيرانيين مناقصات حكومية مفتوحة فقط لهم في مناطق متعددة، فضلاً عن أحياء سكنية مدمرة اشتروها لإعادة إعمارها، وأحياء أخرى تم ابتزاز سكانها، وإجبارهم على التخلي عن مساكنهم، في مقابل مبالغ مالية زهيدة، وقامت الحكومة الإيرانية بدور كبير، بتشجيع الشركات والتجار والمقاولين على تملك العقارات المختلفة في سورية، وجندت شبكة ضخمة من المؤسسات والسماسرة، وضخت ملايين الدولارات لتحقيق أهدافها، حتى أنها وفرت لرجال الأعمال والمستثمرين «اعتمادات خطوط ائتمان» بمبالغ كبيرة بالعملات الأجنبية لاستثمارها في هذا القطاع. أما الحكومة السورية فقد أصدرت عام 2013 القانون رقم 25 الذي سمح بتبليغ المدعى عليه بالدعوى غيابياً، من طريق الصحف في المناطق الساخنة، خصوصاً بالنسبة للمدينين المتعثرين لدى المصارف الذين تطرح أملاكهم للبيع بالمزاد العلني. والأمر هنا متاح للمشترين الإيرانيين لأنهم يملكون المال، بينما يعاني معظم رجال الأعمال السوريين من أزمات مالية بسبب خسائرهم نتيجة الحرب، حتى أن تدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار، ساهم في إجبار السوريين على بيع عقاراتهم أمام إغرائهم بالمال من المستثمرين الإيرانيين.
لا شك في أن كل هذه التطورات ساهمت في إحداث تغيير ديموغرافي لمصلحة المستوطن الإيراني، في ظل حملة تجنيس شملت عدداً لا يقل عن 45 ألف إيراني (وفقاً لمعلومات رئيس تجمع المحامين السوريين غزوان قرنفل)، إضافة الى عدد من اللبنانيين والعراقيين.
وهكذا، يشتري الإيرانيون نفوذهم في سورية، مدعوماً بقوات عسكرية وميليشيات متعددة ومتنوعة. وقد خضعت الحكومة السورية لشروط إيران الاستثمارية، بعدما عجزت عن دفع الديون المترتبة عليها، والمقدرة بنحو 35 بليون دولار (وفقاً لصحيفة «ليبراسيون» الفرنسية نقلاً عن المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا)، ومن أهم شروطها «هيمنة إيرانية كاملة على آلية صنع القرار في دمشق.
وإذا كانت الحكومة السورية وقعت اتفاقات تسمح ببقاء روسيا مدة 50 سنة وربما تمتد الى 100 سنة، فإن مدة الاستثمارات الإيرانية أقل من ذلك، مع العلم أن وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري أديب ميالة حددها بـ25 سنة، «على أن تعود ملكية جميع الاستثمارات بعدها الى الدولة السورية». ولكن لا بد من الإشارة الى وجود بعض الاختراقات في الاستثمارات «جغرافياً» بين الجانبين سواء كان ذلك في الساحل السوري، أو في مناطق البادية شرقي مدينة حمص.
فهل يستمر القلق الأميركي مع تنفيذ «خريطة لافروف» التي أعادت تعريف الاستقرار في سورية على أساس توزيع الحصص؟ وهل تستطيع «استراتيجية واشنطن» احتواء النفوذ في سورية والعراق واليمن لوضع حد للتدخل الإيراني؟ ربما الجواب مرهون بنتائج الصفقة الدولية المرتقبة بين روسيا والولايات المتحدة بإنجاز الحل السياسي للأزمة السورية.
الحياة