الباب” المفتوح على مفاجآت/ عبد القادر عبد اللي
عندما بدأت عملية “درع الفرات” العسكرية، أعلنت تركيا أن الهدف من العملية هو إبعاد خطر “داعش” عن حدودها، ومنع “قوات سورية الديموقراطية” من العبور إلى غرب الفرات وتكريد المناطق العربية لوصل الكنتونات الكردية. وأشار كثيرون إلى أن العملية ستنتهي عند مدينة الباب على خطوط التماس بين “داعش” والنظام السوري.
تمكنت الولايات المتحدة الأميركية من تأجيل الهدف الثاني للعملية بحجة قوية لا أحد يستطيع إنكارها: “ستخرج عناصر حزب الاتحاد الديموقراطي PYD جناح حزب العمال الكردستاني في سوريا من غرب الفرات بعد تحرير المنطقة من داعش، لأنها إذا خرجت الآن، يمكن أن يعود هذا التنظيم إلى المنطقة”.
هذا الأمر فرض حالة من الترقب لمعركة ستدور بين الجيش السوري الحر بدعم ناري تركي و”قوات سوريا الديموقراطية” التي تشكل “وحدات حماية الشعب” عمودها الفقري في منبج بعد الانتهاء من معركة الباب.
مع اقتراب الجيش السوي الحر من مدينة الباب، بعد تطهير دابق بسهولة لم تكن متوقعة، انقلبت التوقعات، وحدثت المفاجآت.
على الرغم من انتقادات تركيا المستمرة لعمليات طرد العرب والتركمان من الكنتونات الكردية، فهي لم تعلن رسمياً موقفاً مناهضاً لها، وحصرت موقفها بمعارضة وصل الكنتونات الكردية الثلاثة فيما بينها على حساب القرى العربية. واعتماداً على هذا الأمر لم يكن متوقعاً حدوث اصطدام بين الجيش السوري الحر بدعم تركي وقوات “PYD” المرابطة في عفرين.
في الوقت نفسه لم يكن من مصلحة “PYD” الاصطدام بهذه القوات انطلاقاً من عفرين، وخاصة بعد حساسية الشاحنة المحملة بجثث جنود الجيش السوري الحر التي جالت في مدينة عفرين، والتقاط البعض معها صور سلفي. حتى إن إدارة كنتون عفرين أبدت ما يمكن اعتباره حسن نية، وفتحت طريقاً تجارياً من سرمدا التابعة لمحافظة إدلب قرب معبر باب الهوى إلى الراعي عبر أراضيها بحسب ما نقله بعض التجار في سرمدا.
فجأة أعلن الجيش السوري الحر أن هجوماً بقذائف الهاون من منطقة تل رفعت استهدفت قواته، وسقط ضحايا في الهجوم، وبعده توالت الهجمات. بعد ذلك أُعلن عن تقدم لقوات “PYD” من كنتون عفرين نحو الباب وكأن العملية سباق نحو الوصول إلى هذه المدينة، وهذا ما جعلها باباً يُفتح على المفاجآت.
أعلن الجيش التركي أنه أنذر هذه القوات عبر الولايات المتحدة للعودة إلى مناطقها، وأعطاها مهلة تنتهي في الساعة الثامنة من مساء العشرين من تشرين الأول/ أكتوبر. وبعد انتهاء مدة الإنذار بدأت الطائرات التركية بقصف مواقع “PYD”، وردت هذه القوات بإطلاق قذائف الهاون على الأراضي التركية، وهكذا دخل الصراع بعداً جديداً، وتوسعت جبهة قتال قوات عملية “درع الفرات” لتشمل “داعش” وقوات “PYD” في كنتون عفرين.
سئل وزير الدفاع الأميركي أشتون كارتر، عن موقف الولايات المتحدة من الصدام بين “PYD” في منطقة عفرين والقوات التركية، ولكنه في إجابته تحدث حول التعاون مع تركيا، والنجاح المحقق ضد “داعش”، وامتدحها، ولم يتطرق للموضوع الأساسي، واكتفى بالقول نحن على تواصل دائم مع شركائنا الأتراك حول المواضيع كلها، وسنبحث كل شيء في الاجتماع القادم مع وزير الدفاع التركي فكرت إشق، ولكنه لم يعرج على الموضوع أيضاً بعد لقائه المسؤولين الأتراك.
الغريب فعلاً أن الأميركان يعملون كل ما بوسعهم لمنع الاصطدام بين القوات التركية وقوات “PYD”، ولا يخفون هذا الأمر، ويعلنونه بشكل رسمي، ولكن في العملية الأخيرة جاء الرد من مكان آخر: “الجيش العربي السوري”. فقد هدد جيش النظام في دمشق بأنه سيسقط الطائرات التركية فيما لو عادت لقصف مواقع “PYD”، واستعار وزير الخارجية الروسية “القلق” من بان كيمون، وأعلن أنه قلق من هذا القصف.
على الرغم من الصدام الأخير في الحسكة بين قوات النظام السوري و”PYD”، فإن المؤشرات كلها تدل على تعاون كبير بين هاتين الجهتين مستمر منذ بداية التحول إلى العمل المسلح في سورية. صحيح أن “PYD” ينكر هذا التعاون، ولكن المؤشرات أقوى من الإنكار. ويمكن تفهّم هذا التعاون باعتباره حاجة النظام السوري لقوات “PYD” في مواجهة المعارضة المسلحة السورية، واستفادة هذه القوات من تلك الحاجة لكسب حقوق الأكراد وتحقيق مصالحهم.
ولكن ما الذي دفع قوات “PYD” إلى الاندفاع نحو الباب، وقصف قوات الجيش السوري الحر؟ حدود كنتون عفرين صعبة، فهو باستثناء ممر ضيق على النظام، ليس له أي معبر آخر. فالجيش الحر شرقه، وجيش الفتح جنوبه، وتركيا شماله وغربه، وليس هناك سوى ممر ضيق إلى حلب الغربية يصله بالعالم الخارجي، والحكمة تقول إنه يجب أن يعمل على تهدئة الوضع لا تأجيجه.
ما حدث يطرح سؤالاً مشروعاً: هل ينفِّذ “PYD” أوامر النظام السوري ولو كانت هذه الأوامر تعارض مصالحه؟ هل من مصلحته فتح تلك الجبهة؟ لأن فتح تلك الجبهة جعلت الجيش السوري الحر يعلن بأنه سيحرر تل رفعت ومحيطها. و”PYD” في تلك المنطقة معزول تماماً وليس له قوة إمداد خارج “النظام السوري”.
هل فتح جبهة كنتون عفرين على الجيش الحر معركة استباقية خوفاً من عملية انتقام لما سمي “عملية الشاحنة”؟ هذا الأمر غير مقنع، لأن الوضع هناك صعب، وسيكون أصعب، وفتح الخط التجاري بين سرمدا والراعي عبر عفرين يدل بوضوح على استشعار “PYD” هذه الصعوبة بل الخطورة.
إذا كانت هذه العملية تمت بالتنسيق مع جيش النظام كما يدل تصريح “الجيش العربي السوري” بأنه سيسقط الطائرات التركية التي تقصف مواقع “PYD”، فهذا الأمر لن يضع “PYD” وحده في موقف صعب للغاية، بل سيؤثر سلباً على القضية الكردية، وحقوق الأكراد بشكل عام، وخاصة في منطقة عفرين.
المدن