التحالف السوري – الإيراني وحماية أمن إسرائيل/ خالد غزال
في تصريح لافت للنظر في توقيته، قال نائب وزير الخارجية الإيراني حسين عبد اللهيان: «اذا أراد التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم الدولة تغيير النظام السوري، فإن أمن اسرائيل سينتهي». يعطف هذا الكلام على مشابه له سبق لرامي مخلوف، أحد أهم مراكز القوى للنظام السوري، ان أطلقه بداية الانتفاضة السورية وحذر فيه من ان سقوط النظام سيهدد أمن اسرائيل. يطرح التصريحان ومعهما مجمل الممارسات المتصلة بالقضية الفلسطينية جملة أسئلة حول ادعاءات ما يعرف بمعسكر الممانعة وخططه في مواجهة اسرائيل والولايات المتحدة وسائر الغرب.
في استعادة للدور «الممانع» في جانبه السوري، تكذب الوقائع الممتدة لأربعة قرون على هذه الممانعة، فقد شكل النظام السوري أحد أركان منظومة حماية أمن اسرائيل، ولعب هذا الجيش دور حرس حدود لها، بحيث كانت الجبهة السورية من أكثر الجبهات هدوءاً، كما اختفت منطقة الجولان من الإعلام السوري في وصفها منطقة محتلة وقد ضمتها اسرائيل. في المقابل، وطوال وجود الجيش السوري في لبنان، لم يتصد يوماً لأي هجمات اسرائيلية على أراضيه. فقد كان النظام السوري أحد أعمدة السياسة الأميركية في المنطقة منذ انخراطه في خطة تصفية المقاومة الفلسطينية، ودخوله حرب الخليج تحت راية العلم الأميركي، وصولاً الى محاربة الحركات المناهضة للسياسة الأميركية في المنطقة.
راهنت السياسة الأميركية على هذا النظام، وظلت مراهنتها قائمة طوال سنوات الانتفاضة الأربع. مارست أميركا سياسة منعت إمكان إسقاط النظام، واستخدمت أسلوب تصعيد حرب أهلية لتدمير سورية، لأنها كانت تخشى سقوط الأسد في الأشهر الأولى من الانتفاضة، مما يعني بقاء سورية قوية وقابلة لأن تتحول الى دولة معادية لإسرائيل وتهدد أمنها فعلاً. انعقد حلف موضوعي بين الأسد والولايات المتحدة في إدارة حرب اهلية يسعى الأسد فيها الى البقاء، وتؤمن الولايات المتحدة تدمير سورية بحيث لا يبقى منها سوى الأشلاء.
اما السياسة الإيرانية تجاه اسرائيل ودعم القضية الفلسطينية، فلم تكن سوى ادعاءات و «جعجعة» من دون أي فاعلية. كنا نسمع دائماً تهديدات بعدم وقوف إيران مكتوفة الأيدي تجاه ما يصيب الشعب الفلسطيني، وانها ستتدخل لمنع العدوان عليه. حصلت محطات عدوانية متعددة على هذا الشعب، في كل مرة كانت إيران تبلع ألسنتها، ولم نر اي تدخل يساعد على الحد من العدوان، ليس فقط عسكرياً، بل من الجوانب الإنسانية. في مقابل ذلك، لعب النظام الإيراني دوراً مخرّباً ضد القضية الفلسطينية، من خلال سعيه الى تعميق الانقسام الفلسطيني، وإعطائه طابعاً طائفياً ومذهبياً، بما ينزع عن القضية الفلسطينية طابعها القومي والعروبي، وإلحاقها بالصراعات الدينية والمذهبية القائمة في المنطقة.
اذا كان من مساعدة مهمة تتلقفها اسرائيل من التحالف الإيراني السوري، فهو هذا الانحراف بالقضية الفلسطينية من كونها حلقة مركزية في مواجهة المشروع الصهيوني الاستيطاني الأخطر في المنطقة العربية، وإدخال شعبها في حروب داخلية أهلية، كانت طليعته الأساسية ما مارسته إيران في انقلاب حركة حماس على السلطة الفلسطينية منذ سبع سنوات ودعمها بشكل مطلق، وإفشال كل مشروع مصالحة كانت تجري لإعادة توحيد الشعب الفلسطيني. هذا الدور كانت اسرائيل تراه أفضل الأدوار المساعدة لخطتها في ضرب القضية الفلسطينية. تجلى ذلك في السنة الأخيرة عندما توصل الفلسطينيون الى المصالحة وإعادة التوحيد، والتي لم تكن إيران وسورية راغبتين فيها، فأتى الجواب الاسرائيلي صريحاً بأن هذه الوحدة هي أخطر ما يواجه اسرائيل وأمنها ومستقبلها، فترجمت هذا التحذير بحرب تدميرية في قطاع غزة خلال هذا العام، ولم نر لإيران صوتاً داعماً للشعب الفلسطيني فيها.
اما فضائح معسكر الممانعة فقد تجلت من الموقف من التحالف الغربي ضد تنظيم «داعش». اختفى الكلام التهديدي السيادي من جانب النظامين السوري والإيراني، واستبدل بترحيب سوري في تدخل الطيران الغربي في قصف مواقع داخل الأراضي السورية، وانتقدت إيران الولايات المتحدة الأميركية لعدم إرسال قوات برية الى العراق، كما اختفت كل التعابير المناهضة للولايات المتحدة وسياستها الاستعمارية، غاب شعار «الشيطان الأكبر»، واحتل مكانه غزل متبادل حول المصالح المشتركة بين إيران والتحالف الغربي. لم يقتصر هذا التغييب للنبرة العدائية على النظامين، بل طاول التنظيمات والأحزاب المدعية «ممانعة» في خطابها.
توقفت نبرات العداء للتحالف الغربي من جانب مدعي الممانعة، وبات هذا المعسكر يستجدي التحالف الغربي لضمه الى صفوفه في معركته ضد إرهاب كان لهذا المعسكر الممانع الدور الرئيسي في إطلاقه ورعايته وتمكينه من التوسع، سواء في سورية أم العراق. فبئس هذه الممانعة، ممارسة وخطاباً.
* كاتب لبناني
الحياة