التشبيح الإعلامي: للثورة نصيب أيضا
فادي عرودكي
عندما قامت ثورة الحرية والكرامة في سورية، لم يكن الغرض هو الحرية وحدها وإن كانت الشعار العام الذي جمع المتظاهرين، على الأقل في الشهور الأولى للثورة. بل إن الثورة كانت تهدف إلى إحداث قطيعة مع جميع الممارسات المتّبعة على المستوى الرسمي قبل 15 آذار، أو على الأقل هكذا كنّا نطمح، نحن الذين حلمنا بهذه اللحظة ولم نكد نصدّق أنها تتحقّق في سورية! الحرية كانت شعارًا عامًّا ومهمًّا بكل تأكيد، يختزل الكثير من المطالب التي خرج من أجلها السوريون، ولكن التفاصيل لا تقلّ أهمية، والمحكّ يكون عند التطبيق.
الثورة تَنْتُجْ عندما يفقد الشعب قدرته على التحمّل، فلا تحدث الثورة من أول حادثة اضطهاد أو ظلم أو تنكيل .. بل يلزم آلاف الحوادث حتى يصل الشعب إلى حالة لا يمكنه فيها أن يتحمّل المزيد من الإهانات، وفي الحالة السورية بالتحديد، حيث نسبة التحمّل لدى السوريين تجاوزت مثيلاتها العربية لأسباب عديدة، يصبح للثورة مدلولات كثيرة عن الرغبة الحقيقية للشعب في القطيعة مع الممارسات المتّبعة، المسؤول عنها النظام بكل تأكيد .. بشكل مباشر أو غير مباشر. إحدى هذه الممارسات الكثيرة هي رداءة الأداء الإعلامي، مضمونًا وفنيًّا ومصداقيّة. وسأترك الحديث عن الجانبين الأول والثاني لأهل الاختصاص، لأتناول في هذا المقال الجانب الثالث وهو المصداقية.
لا أحتاج إلى كثير من الأدلة حتى أثبت رداءة الإعلام الرسمي السوري، وانتفاء مصداقيته ومهنيته. بل إن التندّر على هذا الإعلام يتنبنّاه النظام نفسه أحيانًا، وجميعنا يعلم الطرفة التي تقول بأن على السوري أن يقلّب على هيئة الإذاعة البريطانية حتى يعلم ماذا يحدث في سورية! وإحدى النكت التي شاعت مؤخرًّا تقول بأن مذيعة الإخبارية السورية (أو الدنيا المملوكة من ابن خال الأسد، رامي مخلوف) أجرت مقابلة مع إحدى المواطنات فقالت الأخيرة: “الله يخليلنا ياكن، والله كل ما بفتح عليكن بشعر بالتفاؤل وبنسى الهموم يللي بتصيبني من ورى متابعة قناة الجزيرة” فسألتها المذيعة: “طيب ليش عم تحطي على الجزيرة؟!” فأجابت المواطنة: “والله يا أختي كمان بدنا نعرف شو عم يصير بالبلد!”.
وكان الإعلام الرسمي السوري إحدى المسائل المبكّرة التي تسبّبت في تصاعد حدة المظاهرات تجاه النظام، فبدلا من أن يكون التعامل الإعلامي موضوعيًّا، استخدم الإعلام أوصافًا لا تليق بحق أهالي درعا، ثم عمد إلى فبركة مقاطع الفيديو واعترافات المواطنين المأخوذة عنوة، وبعد ذلك استخدم سياسة نفي ما يجري في سورية، أو تبرير ما لا يمكن نفيه (عندما تظاهر الدمشقيون في الميدان، ادّعت قناة الاخبارية أنهم خرجوا ليشكروا ربّهم على تساقط الأمطار!). هذه السياسة الإعلامية التي استهترت بعقل المواطن السوري عادت على النظام بحنق شديد من قبل المتظاهرين، وخسر على إثرها معركة المصداقية الإعلامية بسهولة أمام قنوات أكثر احترافية ومهنية كالجزيرة والعربية، دون أن يعني ذلك أنهما أكثر مصداقية .. ولكن من الصعب أن تخسر أمام إعلام يدّعي أن المواطنين يشكرون ربهم على تساقط الأمطار! إن أهم الشعارات التي نادى بها المتظاهرون في الشهور الأولى هي “كاذب كاذب كاذب، الإعلام السوري كاذب”، والحضور السلبي للإعلام السوري في شعارات المتظاهرين مبّكرا في الثورة دليل على أن هذا الإعلام كان جزءًا كبيرًا من المشكلة.
لا شكّ أن ما ذكرتُه آنفًا بديهي، على الأقل لجميع المنصفين ومناصري الثورة، وربما يدرك مناصري النظام هذه الطامة أيضا. ولكني تعمّدت أن أذكر حوادث معيّنة ومحطات رئيسية حتى أبيّن أن الثورة كانت على النقيض مع سياسة التشبيح الإعلامي التي اتّبعها النظام، ونقيض التشبيح الإعلامي هو الموضوعية الإعلامية القائمة على المهنية والمصداقية. إن المصداقية الإعلامية تتطلّب بالتأكيد نقل الخبر كما هو، دون زيادة أو مبالغة، أو دون نقصان على شاكلة “لا تقربوا الصلاة”. كذلك فإن المهنية الإعلامية تتطلّب نقل الخبر دون أجندة أو توظيف ضمن غرض سياسي، وعادة ما يقوم أصحاب الأجندات بإخفاء أخبار ونقل أخرى بما يتناسب مع أجنداتهم ما يؤدّي حتما إلى إعطاء صورة مخالفة للواقع ومتحيّزة لا تعكس العوامل الحقيقية على الأرض.
قد لا يكون إعلام الثورة بمستوى التشبيح الإعلامي الذي يقوم به النظام، فالمنافسة مع الإعلام الرسمي السوري في مجال التشبيح الإعلامي صعبة جدا إن لم تكن مستحيلة، كيف تتنافس مع إعلام يكذب حتى في نشرة الطقس! ولكن إعلام الثورة للأسف الشديد شهد تحديّات حقيقية في مجال المصداقية والمهنية خاصة في الشهور الأخيرة للثورة. وعجيب أمر هذا الإعلام الذي حاول أن يثبت بشتى الوسائل “سلمية” الثورة في بدايتها، وكان هناك حرص شديد على نفي أي مظاهر للتسلّح، بل وهوجم بشراسة من طرح هذه النقطة (بغض النظر عن رأينا في أسلوب وزمان الطرح)، ثم قام نفس هذا الإعلام بالمفاخرة بالتسلّح لاحقا وأحيانًا بشكل مبالغ فيه لا يعكس حقيقة الأعداد أو العتاد الذي بحوزة الطرف الثائر. وفي مرّات عديدة، شاهدنا الإعلام الثوري يستخدم وسائل استخدمها النظام في إعلامه، مثل طريقة تصوير اعترافات المعتقلين من الشبيحة، أو الإقصاء التام للطرف الآخر وكأنه غير موجود، وغيرها من الممارسات. كذلك تبنّى بعض مناصري الثورة وإعلامييها ومنصاتهم الإعلامية نبرة تشبيحية بمفردات ربما لا يليق استخدامها في المجال المهني، وطغى خطاب المزايدة والتحريض الطائفي والاتهامات دون أسانيد .. وكان ذلك مع أنصار الثورة قبل مؤيدي النظام!
الثورة مدرسة أخلاقية تسعى للنهوض بالمجتمع من قواعده حتى أعلى هرمه، وليست طرفا يجب نصرته بأي ثمن حتى لو كان على الباطل! الثورة هي إطار أُطْلِق على الذين انحازوا للحقّ في المقام الأول، والانضمام للثورة كان انضمامًا للحقّ، فلا ينبغي أن تتحوّل الثورة إلى مجرّد طرف في معادلة، تكون محقة مرة وعلى باطل مرة أخرى! الثورة فيها من الجمال والتنوّع والتضحيات ما يكفيها عن اختلاق أي أكذوبة، أو استخدام أي اسفاف، أو إدعاء أية أباطيل لا أساس لها. الثورة كسبت مناصريها تباعًا في الشهور الأولى بسبب مصداقيتها وطرحها لقضية محقة، وفي اللحظة التي تصبح فيها نظيرًا للنظام على الطرف المقابل، لا تصبح المعركة معركة حق وباطل، صادق وكاذب، إنسان وشبيح، بل تصبح خلافًا سياسيًا بين طرفين .. وجميعنا يدرك كم هذا خاطئ وظالم لأرواح أكثر من 16 ألف شهيدًا! الثورة قامت لتعلن قطيعتها مع الماضي، مع الكذب والدجل والتزييف، لا لتستنسخ أساليب النظام وممارساته ولكن بلون مختلف! الغاية لا تبرّر الوسيلة مهما كانت الغاية نبيلة، فكيف إن كانت هذه الوسيلة تتعارض مع صلب الغاية!
التشبيح لا انتماء له، قد يكون منحبكجي الانتماء، وقد يكون ثورجي الانتماء، والحصانة الوحيدة منه هي الرادع الأخلاقي الذي يضع في المقام الأول مصلحة البلد والرغبة في حقن الدماء والوصول إلى حلّ يلبي طموحات السوريين ويحقّق الآمال التي من أجلها سالت الدماء وقُدِّمت التضحيات. التشبيح الإعلامي هو جزئية واحدة من مجموعة من الجزئيات التي انحدر فيها كثيرون من مؤيدي الثورة، ولا بدّ من مراجعة صادقة تصحّح مسار الكثير من الثوار قد يلتحقوا مجدّدا بالثورة .. ثورة الحرية والكرامة! عاشت سورية حرة!
لك يا عيني عليك يا بطل, انا من اول ما بلشت اسمع بحالات اغتصاب وانو لاقوا سكين عند موقع احدى المجازر مكتوب عليها يا حسين, ومدري شو عرفت انو بدهن يحمسوا العالم, والي بيكذب بيكون في شي غلط عندو بالنية, يا اما بدو يقلبها طائفية يا اما بدو يحمس الناس والجيش الحر مشان يمشي الامور باتجاه بدها ياه قوى خارجية, متل ما كان حزب البعث بسوريا والوطني بمصر يقولوا انو لا صوت يعلوا على صوت المعركة كمان هلق عم يقولولنا انو لا صوت يعلو على صوت الثورة, وانا بقول انو صوت الحق يعلو فوق الجميع