التطبيع مع الأسد: ماذا سيفعل حزب الله؟/ منير الربيع
تعيش الدول المؤثرة في الأزمة السورية حالة إنكار واسعة. ربما السياسات المصلحية لهذه الدول هي ما فرض اتخاذ مثل هذه المواقف المتضاربة ما بين المعلن والواقع. منذ أشهر وسوريا دخلت حالة التقسيم الجغرافي والديمغرافي، الذي يفرز مناطق نفوذ تتكرس في إتفاقات خفض التصعيد، في مقابل تأكيد كل الدول حرصها على وحدة الأراضي السورية، لتبقى هذه المواقف مجرّد إعلانات تخالف مسار الأمور ميدانياً. دخلت الجغرافيا السورية في نفق توزيع مناطق النفوذ، وهي العبارة الملطّفة عن التقسيم. للأكراد منطقتهم، بدعم أميركي في الشرق، وللأتراك كذلك في الشمال، للروس والإيرانيين الساحل والوسط ودمشق، وللأميركيين والأردنيين في الجنوب. وأخطر ما في مناطق النفوذ هذه أنها تتخذ طابعاً ديمغرافياً او مذهبياً، او إثنياً. وهو ما يعني إمكانية تعميم هذا النموذج على دول المنطقة، إذ يكفي اتباعه في سوريا والعراق، ليصبح حالة واقعية على الجميع التكيف معها، إن لم تشكّل حوافز لأطراف أخرى تطالب بالمثل.
قبل أيام تحدّث المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، أن هناك من يسعى إلى لبننة الحالتين السورية والعراقية. واللبننة المقصودة هنا، تندرج في إطار توزيع السلطات على الأساس المذهبي، لكن ما تشهده سوريا أخطر من ذلك، إذ إن التوزيع لا يقتصر على المواقع في بنية الحكم، بل هو يطال المجتمع وحدوده الإدارية، لأن التطهير الذي شهدته سوريا، والكلام عن المجتمع المتجانس، يصبّان في خانة واحدة، هي استحالة إعادة إندماج كل مكونات الشعب السوري في بوتقة مؤسساتية واحدة، وفي بقعة جغرافية تشاركية.
يعيش لبنان حالة إنكار مماثلة لحالة الإنكار الدولي بشأن سوريا. في العلن مواقف ترفض التطبيع مع النظام السوري، لكن الفعل الممارس يختلف كلياً عن ما هو معلن، لا يمكن في هذه الحالة الحكم على النيات، والدخول في شيطان التفاصيل وتكهناته، إذا من كان يعارض ذلك يوافق عليه ضمناً، لكن الأكيد أنه غير قادر على إحداث أي تغيير في مسار الأمور. الطرف الأقوى في البلد، والذي كرّس نفسه في المحور المنتصر إقليمياً، يعتبر أنه يذهب بفعل الأمر الواقع إلى ضرورة التطبيع مع النظام السوري، وإعادة تفعيل العلاقات مع لبنان، وكأن سبع سنوات من تاريخ سوريا قد مسحت.
السؤال الأساسي الذي يطرح ويجب الإنطلاق منه، هو عن اللقاء بين وزير الخارجية جبران باسيل، ووزير خارجية النظام السوري وليد المعلّم، وإذا ما كان في الإمكان حصول هكذا لقاء خارج إرادة الحكومة، وبيانها الوزاري، والنأي بالنفس. يرفض رئيس الحكومة أي تنسيق مع النظام السوري. بالتالي، فإن اللقاء هو خروج عن السياسة العامة للحكومة. فيما هناك من يفضّل عدم التعليق على الموضوع، وعدم إثارته من خلال وضعه في إطار اللقاء الشخصي. لكن الوضع في لبنان عملياً، يشهد عملية شد حبال يقودها المحور المؤيد لدمشق، وهو يسعى إلى فرض التطبيع بحكم الأمر الواقع، وجرّ لبنان بأسره إلى الأسد.
إلا أن الطرف المعارض، لا يزال يعتبر أنه من المبكر الاتجاه نحو هكذا خطوة، لأن الترتيبات في سوريا لم تنته، وليست واضحة بعد، فيما محاولات حشر هذا التطرف تتنامى، من خلال إثارة موضوع إعادة الإعمار، وبأن قائد ممانعة التطبيع مع دمشق، وهو رئيس الحكومة سعد الحريري، يطمح إلى دخول سوق إعادة إعمار سوريا. بالتالي، يحاول هؤلاء القول إن حالة الإنكار اللبنانية تشبه إلى حدّ بعيد حالة الإنكار الدولية بشأن حقيقة الوضع في سوريا.
يفضّل بعض المقربين من رئيس الحكومة عدم الدخول في تفاصيل ما يحكى عن سوريا، لأن الوضع لم يتضح بعد. ويعتبرون أن الحديث عن إعادة الإعمار مازال مبكراً. ويشيرون إلى أن ما يجري، هو بناء على إتفاق مسبق بين الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين. ويقضي الإتفاق بأن تظهر التطورات كأنها عفوية وغير مرسومة، إلى حين نضج موعد إعلان الإتفاق السياسي. ويعتبر هؤلاء أن حزب الله والمحور الذي ينتمي إليه يستعجلان تطبيع العلاقات مع سوريا، لإعلان نصر سياسي في لبنان، يوازي ما قد تحقق في سوريا، فيما المعارضون، يرون أن النصر لم يتحقق، لأن إيران ستكون الخاسر الأكبر في سوريا.
لا ينفي هؤلاء التنازلات التي يقدّمها الحريري، ويعتبرون أنه يسير بواقعية، وربما لديه معطيات تقوده إلى هذه التصرفات. فبالنسبة إليهم، أن الإتفاق الروسي الأميركي، الذي تشارك فيه دول الخليج، سيكون على حساب إيران في سوريا، وبأن إيران ستخسر سوريا في المستقبل، فيما ستربح جزءاً من العراق، وتسعى للتعويض عن ذلك في لبنان، لأن أي تراجع إيراني في سوريا، يجب أن يكون مقروناً بمكسب في لبنان. وهذا المكسب تريده إيران على شاكلة تسليم لبنان إلى سوريا، ووضعه تحت وصايتها. بالتالي، هي تريد له أن يوضع تحت وصايتها بفعل قوة حزب الله المتنامية. ويشير هؤلاء إلى أن حزب الله سيعوّض في لبنان، سواء أكان في الانتخابات النيابية والنتائج التي ستتحقق، أم في الحكومة التي ستشكّل بعد الانتخابات. وفي حال عدم تحقيق ذلك بالسياسة، لا يستبعدون لجوء الحزب إلى حركة معينة، تضع البلد بأسره تحت سيطرته.
المدن