الثورات المضادة ليست جديدة … من رومانيا إلى سوريا/ أنّـا ماريـا لوكـا
بوخارست، رومانيا – ميل الأنظمة التوتاليتارية العسكرية الى الردّ بالطريقة نفسها عندما تُواجهها ثورة ما؛ أي أنها تعمل على تحويل انتباه الشعب نحو عدو أكثر خطراً، بحيث يمكنهم الادّعاء بأنهم مخلِّصون بدلاً من أن يكونوا مضطهدين. وبالتالي كلما كان هناك ثورة ما، يكون هناك ثورة مضادة كذلك.
منذ ربع قرن تقريباً على سقوط الستار الحديدي، ونحو ربع قرن من الحرية في أوروبا الشرقية كنتيجة لذلك، وعلى الرغم من أنّ المقارنة بين الاثنين لا تصح في عدة أوجه، فإنّ التظاهرات التي تتالت بسرعة، وغزت المنطقة العربية العام 2011، تعكس هذه الثورات المضادة للشيوعية التي جرت في أوروبا في وقت سابق. وبالفعل فإنّ الأحداث في بعض هذه البلدان تحمل دروساً عديدة للدول العربية التي تشهد تحوّلاً في الوقت الحالي، لا سيما والناس يتساءلون ما الذي حدث لثوراتهم.
الرومانيون على سبيل المثال، عاشوا خلال أكثر الثورات المضادة للشيوعية دمويّة في أوروبا الشرقية. ففي كانون الأول 1989، مات أكثر من 1300 شخص في غضون أسابيع قليلة فقط. وفي حين علم معظم الناس وهم على صواب، بأنّ الإجراءات الصارمة التي اتخذها النظام الشيوعي ضد المظاهرات هي التي قتلت كل هؤلاء الناس، فقلة بينهم علمت مدى عنف النظام وحجم ارتكاباته.
بدأت الثورة الرومانية في تيميسوارا، مدينة في جنوب غرب ترانسيلفانيا، بعد أن سحقت وكالات الاستخبارات تظاهرات قامت في إحدى مباريات كرة القدم. وعندما نزل الناس إلى الشوارع في 16 كانون الأول 1989، للتظاهر ضد قرار إقالة أحد الكهنة الموحّدين من أبرشيته، بسبب انتقاده النقص في الحرية الدينية في رومانيا، أُريق المزيد من الدماء. ومن ثم اجتاح المتظاهرون مقر الحزب الشيوعي ومؤسسات أخرى للدولة. وفي 17 كانون الأول، أعلن الجيش الأحكام العرفية وبدأ بإجراءات صارمة لفرض القانون.
وقد دعا النظام المتظاهرين “بالإرهابيين”، حتى إنه سلّح الموظفين في أحد المصانع في منطقة مجاورة بعُصيٍّ خشبية، قائلاً لهم إنّ الهنغاريين سيطروا على تيميسوارا. ومع ذلك فقد وقف هؤلاء الرجال الى جانب المتظاهرين.
وفي 22 كانون الأول، اندلع المزيد من العنف في بوخارست، العاصمة الرومانية. حيث تمّ تنظيم تظاهرة ضخمة دعماً للرئيس نيكولا تشاوشسكو والحزب الشيوعي، تحوّلت الى ثورة مضادة للشيوعية. وانتشرت التظاهرات في أنحاء البلاد، وسرعان ما اجتاحت الأجهزة الأمنية. (هرب تشاوشسكو في اليوم التالي بعد أن أطلق وزير الدفاع النار على نفسه). ومن ثم وقف جنود الجيش الى جانب الناس، لأنهم لم يجدوا بديلاً آخر.
غير أنّه تبيّن أنّ نجاح الحركة لن يدوم. فقد كان لمجموعة من كبار القادة مخطط آخر. ففي محاولة منهم للتحرّر من دورهم في فرض القانون، بدأوا حملة منظمة لنشر معلومات خاطئة. حيث دعا الجنرالات الناس الى حمل السلاح وقتال الإرهابيين الذين زعموا أنهم يرتدون ثياباً مدنية ويتوشحون بأعلام الثورة لكي يبدوا كمتظاهرين.
وقد نجح التكتيك الى درجة معينة. ففي 23 و24 كانون الأول 1989، فتح الرومانيون النار على بعضهم البعض في شوارع بوخارست. حيث أطلق الجنود النار على جنود آخرين مقتنعين بأنهم كانوا يقاتلون من قيل لهم بأنّهم إرهابيون. وحتى إنّ الضباط وزعوا الأسلحة على المدنيين.
ومن ثم أعقبت ذلك حال من الفوضى. حيث بدأ قادة الجيش والناشطون السياسيون، عبر شاشات التلفزة، بالطلب من الناس قتل كافة الأعداء المحتملين. فتم مثلاً القبض على تشاوشيسكو وزوجته، وإعدامهما في 25 كانون الأول عقب محاكمة صورية اتهمته بارتكاب إبادة جماعية. إلاّ أنّ الجماهير غضبت بسبب عدم إجراء محاكمة كاملة كما يجب لمحاسبته على هذه الجرائم.
وفي النهاية، استغرق المحققون عقدين من الزمن لفهم الأحداث والثورة المضادة في أوروبا الشرقية. ولسنوات قادمة، سوف يكافح المصريون والليبيون والتوانسة والسوريون للتأقلم مع الثورات المضادة التي تجري حالياً في كافة أنحاء البلدان العربية.
وبغض النظر عن ذلك، يرى اليوم العديد من الناس الإسلاميين في بلدان ما بعد الربيع العربي كأكبر عدو لهم، مفضلين الحكم العسكري كبديل أفضل منهم. فالنشاطات المضادة للثورات تحصل مثلاً في تونس وليبيا. وفي مصر، انتهت ولاية الإخوان المسلمين القصيرة بأن بات الحزب أقل شعبية حتى من العسكر— الذي أعاد لاحقاً سيطرته بعد انقلاب أعقب مظاهرات 30 حزيران الماضي.
وفي سوريا، يستخدم نظام الأسد تكتيكات مشابهة. إذ اختطفت القاعدة، وهي عدو مخيف أكثر من الأحزاب الإسلامية الأكثر اعتدالاً، الثورة السورية. وقد ثبتت بالطبع منفعة ذلك للنظام، الذي خلق الظروف الملائمة لنموها. واليوم بات كل السوريين ـ سنّة ومسيحيين وأكراداً وعلويين ـ يعيشون في رعب مستمر.
وعلى الرغم من أنّ الغرب لا يبدو دائماً مدركاً لهذه الاستراتيجيات المضادة للثورة، فلطالما كانت نية الأسد هي إظهار نفسه على أنّه البديل الوحيد للثوار السوريين. وفي حين أنّ العناصر المتطرفة في المعارضة السورية، وبينها العديد من أتباع القاعدة تأمل بالسيطرة على سوريا، فإنّ النظام يقدّم لها مساعدة كبيرة. ونتيجة لذلك، يخوض السوريون اليوم حرباً دموية أسفرت حتى الآن عن مقتل 120000 شخص وملايين المهجّرين. وبالتالي يجب على القوى الغربية أن تلحظ هذه المقاربة التي يعتمدها النظام، لأنّ الفوضى التي تلم بالبلد جعلت من الأسد الرابح الوحيد في سوريا.
آنا ماريا لوكا تغرّد على تويتر @aml1609
هذا المقال ترجمة للنص الأصلي بالإنكليزية
(ترجمة زينة أبو فاعور)
موقع لبنان الآن