الثورة السورية بعد سبع سنوات:ماذا جرى؟ولماذا؟
المركز العربي للابحاث
الثورة السورية بعد سبع سنوات:ماذا جرى؟ولماذا؟ 26 ورقة بحثية خضعت للتحكيم الأكاديمي (المركز)
انطلقت السبت أعمال الندوة الأكاديمية “مآلات الثورة السورية: ماذا جرى؟ ولماذا؟” التي يعقدها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات على مدى يومين في الدوحة. وتضم الندوة نخبة من الباحثين والأكاديمين في الشأن السوري من سوريّا والوطن العربي والعالم، بغرض تقديم قراءة علمية لتطورات المشهد السوري في شكل أوراق ودراسات علمية أُعدت في ضوء التحولات الداخلية والخارجية.
افتتح الندوة الدكتور مروان قبلان، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، ورئيس وحدة تحليل السياسات. أشار قبلان إلى أن الندوة تضم ست وعشرين ورقة بحثية خضعت للتحكيم الأكاديمي، هي عبارة عن محاولة أكاديمية لطرح سؤالين كبيرين ومحاولة الإجابة عنهما بما يتصف به الباحث الأكاديمي بموضوعية وليس بحيادية. وهما أولاً: لماذا تحولت الثورة السورية التي انطلقت سلمية، حضارية، بشعاراتها الوحدوية الداعية إلى الحرية والديموقراطية والكرامة الإنسانية وبمطالب إصلاحية سياسية واقتصادية إلى صراع أهلي مدمر قبل أن تتحول إلى حرب وكالة إقليمية ودولية، أدت إلى مأساة إنسانية. وثانياً: هل كان حتمياً أن تسلك الثورة هذا السبيل، وأن تصل الثورة إلى هذه النتائج، أم كان ثمة خيارات أخرى ممكنة لو اختلفت الظروف والفاعلون ومن ثم القرارات التي تم اتخاذها. وأضاف قبلان أن السؤالين المركزيين لماذا حصل هذا؟ وهل كان ممكناً تجنبه؟ يعكسهما عنوان هذه الندوة الأكاديمية، وسيكونان ناظمين لكل محاورها التي يتطلب الوقوف عليها والإضاءة على كل مستويات الصراع الذي كان يعتمل في بنية المجتمع السوري وبين دول الإقليم، وعلى المستوى الدولي، وفجرته الثورة السورية دفعة واحدة بانطلاقتها.
كيف تحولت سوريا إلى ساحة صراع دولي؟
في الجلسة الأولى التي حملت عنوان “كيف تحولت سوريا الى ساحة للصراع الدولي” قدم الباحث كريستوفر فيليبس، بحثاً بعنوان “سوريا: ساحة معركة دولية”. وخلص فيها أن الثورة السورية تحولت من ثورة مدنية إلى حرب أهلية، ومن ثم إلى ساحة صراع دولي بالوكالة. ورأى أن هذه التحولات لم تكن منفصلة عن بعضها، وكما لم تحدث بشكل مفاجئ أو جذري فحسب، بل كان لها سياقها البنيوي الذي ساهم في حدوث هذه التحولات منذ بداية الأحداث.
أما الباحث أسامة أبو ارشيد فقد قدم بحثاً بعنوان “تحولات الموقف الأميركي من الثورة السورية خلال 7 سبع سنوات”، معضلة غياب استراتيجية واضحة للولايات المتحدة الأميركية والتي أثرت على مسار الثورة السورية. ورأى ارشيد أن الثورة السورية سببت أزمة من بدايتها للولايات المتحدة، وهي التي لم تتمكن من وضع استراتيجية واضحة للتعامل مع الملف السوري، وقد اتسمت استراتيجية واشنطن بالغموض والارتباك، ويتمثل ذلك في التحولات والتناقضات في مواقف الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس باراك أوباما؛ وقد انعكس موقف أوباما على موقف إدارة الرئيس الأميركي الحالي، دونالد ترامب، الذي يشهد حالياً تخبطاً أكثر في التعاطي مع الأزمة السورية، مما أوقع واشنطن في خلافات عديدة مع حلفائها حول الملف السوري.
وفي المداخلة الثالثة للباحث محمود الحمزة، بعنوان “المقاربة الروسية للثورة السورية: الدوافع، والنتائج، والآفاق”، أشار فيها أن جوهر السياسة الروسية منذ انطلاق الثورة السورية، كان مدفوعاً بعدة أهداف، من أبرزها؛ الاقتصادية والجيوسياسية والدينية. ورأى الحمزة أن روسيا منذ بداية أحداث الربيع العربي لم ترحب بهذه الثورات، نتيجة الخسائر الاقتصادية الكبرى لروسيا في العراق وليبيا وغيرها، إضافة إلى عوامل جيوسياسية وأيديولوجية وأخرى متعلقة بالخوف من انتشار المد الإسلامي ليصل إلى روسيا التي تضم 20 مليون مسلم سني، وكذلك أسباب قوية مرتبطة بطبيعة القيادة الروسية، كل ذلك دفع روسيا إلى اتخاذ موقف إستراتيجي بحماية نظام الأسد مهما كلف الثمن. ويبدو أن هذا الموقف الروسي لم تختلف معه أميركا ولا إسرائيل بل جاء لمصلحة أجنداتهما، إذ إن نتائج الإصرار والعناد الروسيّين معروفة وهي تدميرٌ وقتلٌ وتهجيرٌ وتقسيم. والأسوأ من كل ذلك، حسب رأي الحمزة، هو تعامل الروس مع موضوع الثورة على أنه موضوع المعارضة السورية التي تسعى لمكاسب خاصة بها، وليس قضية شعب يريد الحرية والكرامة.
القوى الإقليمية وتأثيرها في المشهد السوري
ناقشت الجلسة الثانية للندوة “الفاعلون الإقليميون في المشهد السوري”، وحاولت أوراق الباحثين المشاركين في هذه الجلسة تشخيص تأثير القوى الإقليمية على المشهد السوري. ففي مداخلة بعنوان “الموقف الإسرائيلي وتحولاته من الحرب في سوريا” عالج الباحث محمود محارب، الموقف الإسرائيلي المركب من الثورة السورية من ناحية تأثره بجملة من المتغيرات والعوامل من أبرزها أن إسرائيل اعتبرت قيام نظام ديموقراطي في سوريّا يمكن أن يحمل معه آثاراً سلبية عليها وعلى المنطقة العربية. ومن مصحلة إسرائيل إطالة أمد الصراع واستنزاف الجميع في المنطقة. فقد تعاملت إسرائيل مع الثورة السورية من منظور طائفي، ولا سيما دعوتها إلى تقسيم سوريا إلى دول عدة على أسس طائفية وإثنية في أي حل مستقبلي. واعتبر محارب أنه من المتوقع أن تستمر إسرائيل في استراتيجيتها في التعامل مع النظام السوري من خلال شن ضربات على عسكرية لمواقع وتشكيلات قتالية قد تهدد أمنها، ولكنه استبعد أن تقدم إسرائيل على شن حرب على إيران في سوريا.
وقدم الباحث سمير صالحة، مجموعة من الاستنتاجات للتنازلات التركية في سوريا لمصلحة العديد من اللاعبين الإقليميين والدوليين أو اقتسامها معهم. وفي الورقة التي جاءت تحت عنوان “تركيا والأزمة السورية من أين؟ وإلى أين؟”، أشار صالحة أن المرحلة المقبلة في مسار الازمة السورية ستكون أخطر، وهذا يتطلب من الإدارة التركية، التي تخضع لامتحان علاقات حقيقي مع دول المنطقة، أن تقوم بمتابعة تفصيلية للأحداث في سوريا، وذلك نظراً لدخولها مستنقعاً سياسياً وعسكرياً أثر على علاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية. واختتم مداخلته بأن تركيا ستبقى شريكاً حليفاً للثورة السورية، إلا أن ذلك يفرض على المعارضة السورية كما قامت تركيا، بإعادة تقييم سياستها وإجراء مراجعة نقدية ذاتية لمسار الثورة السورية، وذلك بناءً على الدروس والتجارب التي مر بها الجميع على مدار السنوات الماضية.
وسلط الباحث سعود المولى، الضوء على أدوار إيران وحزب الله في سوريا، وذلك في مداخلته التي جاءت تحت عنوان “إيران وحزب الله في سوريا: أبعد من الأهداف العسكرية”. ويرى المولى أن إيران لم تتخلص من التفكير الإمبراطوري عن نفسها بأنها دولة كبرى ذات مصالح حيوية في الشرق الأوسط. وأن الدور الإيراني في المنطقة يرتكز على مفاصل عدة من بينها، علاقة الدولة بالدين في إيران، وعلاقة إيران بالتشيع، وهذا حافزٌ رئيسي في سياسة واستراتيجية إيران من زمن الشاه إلى زمن ولاية الفقيه، في لبنان/ كما في سوريا والعراق والخليج العربي. واستناداً على ذلك يرى المولى أن هذا المدخل التاريخي والأيديولوجي مكنه من فهم دور حزب الله في تنفيذ سياسات إيران، ولا سيما في سوريا.
وعن “العراق وتبدلات الهوية الطائفية للدولة السورية” حاول الباحث حيدر سعيد، فهم الكيفية التي وظف فيها نظام قومي عربي علماني الهويات الطائفية في سياسته الخارجية، ليس فقط في دعمه لجماعات طائفية محددة، على حساب أخرى، بل في إظهار نفسه جزءاً من هذه الهوية. وقد رأى حيدر السياسة الخارجية السورية تجاه العراق منذ 2003 تختلف عن السياسة الخارجية الإيرانية، إذ استطاعت السياسة الإيرانية المحافظة على مركب معقد يجمع بين مواجهة المشروع الأميركي ودعم النخبة الشيعية الصاعدة في العراق، في حين قدمت سوريا نفسها بوصفها جزءا من المحيط العربي السني في العراق وكانت جزءا من مشروع دعم الأطراف السياسية السنية ورعايتها. التغير حدث برأيه في السياسة الخارجية السورية نتيجة تبدلات الهوية الطائفية للدولة السورية، ليس فقط من خلال دعم النظام لجماعات طائفية محددة، بل إظهار نفسه جزءا من الهوية الشيعية بعد الثورة، وبدأ استعمال النظام السوري للهوية الشيعية بعد عام 2011، والقبول بتعريفه جزءا من المحور الشيعي الذي تقوده إيران، مما غير منظور السياسة الخارجية السورية تجاه العراق بالكامل.
فضاءات الصراع الأخرى
مثّلت فكرة “أسلمة الثورة” واحدة من المقولات الرئيسة التي جرى تداولها منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011 من قِبَل أطراف متعددة ولغايات مختلفة؛ هذا ما بدأ فيه الباحث معتز الخطيب، ورقته التي حملت عنوان “المشايخ والنظام والثورة في سوريا: الدين موالياً ومعارِضاً”، حيث أشار إلى أن بعض المثقفين السوريين استخدموا فكرة خروج التظاهرات من المساجد” حجةً لإدانة الفعل الثوري الذي هو في نظرهم فعلٌ رجعيٌّ لا يتوافق مع مشروع التحديث الذي يطمحون إليه. وأكد الخطيب إلى أن فكرة الأسلمة تحيل إلى معضلة العلاقة بين الديني والسياسي في سوريا، كما تعكس الصراع على شكل المجال العام الذي مثّلت الثورة إرهاصات ولادته في مجتمع متنوع دينيّاً ومذهبيّاً ويغلب عليه التدين والمحافظة، أي إنّ مشروع التغيير الذي يجسده فعل الثورة حمل مخاوفَ، بقدر ما حمل من آمال بحسب الأطراف المتعددة المنخرطة فيه أو التي يَمسها فعل التغيير.
أما الباحثة لورا دي إليفرا، ركزت في بحثها الذي حمل عنوان “السياسات الاجتماعية والعمل الإنساني ساحة بديلة للمعركة”، على العمل الإنساني في مسار الحرب السورية التي دفعت أكثر من خمسة ملايين سوري إلى الفرار من وطنهم الأم واللجوء إلى البلدان المجاورة والبلدان الأبعد. في حين أصبح نحو 6.5 ملايين سوري مشرّدين داخلياً منذ عام 2011. نتيجة لذلك، شهد العمل الإنساني تنامياً مع تفجر الحرب في سوريا، وفي هذا السياق، بات توفير المساعدات مسألة رئيسة تسعى جميع القوى السياسية المعنية بالنزاع السوري للتأثير فيها، والسيطرة عليها والتحكم فيها إن أمكن. وفي الوقت الذي أسّس فيه أولئك الذين يناهضون نظام الأسد بنى اجتماعية وإنسانية خاصة بهم وعملوا على مأسستها بدعم من الشتات السوري وبتمويل الجهات المانحة الدولية، حاول النظام السوري بدوره الاستعانة بالمؤسسات الخيرية الموجودة أصلاً وإنشاء أخرى جديدة من أجل كسب مودّة السكان المحليين.
الباحث هوشنك أوسي قدم بحثاً بعنوان “حزب الاتحاد الديموقراطي محنة الهويّة، والدور، وحجم التأثير في مآلات الأزمة السورية”، وبرأيه يبرز اسم حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردي)(PYD) بوصفه أحد التعقيدات والعوائق التي عرقلت ترتيبات التسوية في المشهد السوري، لأسباب عدّة. فالحزب يعتبر نفسه معارضاً للنظام السوري، ومن حقّه المشاركة في مؤتمرات الحلّ، على مقاعد المعارضة، وهو يسيطر على مساحات واسعة من الأراضي السورية، عسكرياً وإدارياً. وتعتبره المعارضة حليفاً للنظام، والمساحة التي يسيطر عليها، هي بتكليف وتنسيق مع الأخير. وتعتبره تركيا فرعاً لحزب العمال الكردستاني في سوريا. وتعتبره أميركا حليفاً لها في محاربة تنظيم “داعش” الإرهابي، وترفض الانتقادات والمطالب التركيّة بالكفّ عن دعم الحزب. وتراه موسكو “حليفاً” من جهة، ومن جهة أخرى تضعه على طاولة البازارات والصفقات مع أنقرة. في حين أن الحزب المسيطر على المناطق الكردية السوريّة، يعتبر نفسه أنه حرر هذه المناطق من النظام السوري، بينما يتّهمه خصومه من الكرد والعرب، بأن النظام ما زال موجوداً في تلك المناطق، وما جرى، أن النظام سلّم جزءاً من سلطات المنطقة لهذا الحزب حتى يتفرغ للمناطق الأخرى، وأن ثمّة تنسيقاً بين الحزب والنظام.
الاقتصاد السياسي للصراع السوري
الجلسة الأخيرة من أعمال اليوم الأول من الندوة الاكاديمية عالجت “الاقتصاد السياسي للصراع السوري”، إذ قدم الباحث سمير سعيفان، بحثاً بعنوان “سوريا: التدمير وتحديات إعادة الإعمار”قدم فيها صورة عن واقع التدمير المادي الذي جرى في سوريا، والتحديات التي تواجه إعادة الإعمار والتي تحتاج لتكاليف عالية من خلال استعراضه للدراسات التي أنجزت حول هذا الموضوع، وللأرقام التقريبية التي طالت البنية التحتية، حيث تشير الأرقام التقديرية إلى تدمير 4.4 مليون منزل بشكل كامل، إضافة إلى نصف مليون منشأة حكومية. والجدير بالذكر أنه عام 2010 كان في سوريا 100 ألف منشاة صناعية دُمّر 50 % منها، كما ان قطاع الزراعة تعرض للتدمير في سوريا من خلال تحطيب الغابات إذ تم تخريب 20 مليون شجرة هذه الأرقام فضلا عن تهجير 12 مليون سوري وخسرت سوريا معظم كوادرها، كما أشار سعيفان أن العنف قد وظف 17% من قوة العمل في أجهزة الدولة لمواجهة الاحتجاجات وقوى المعارضة. تظهر الأرقام العبء الكبير للدمار الذي طال الموارد المالية والمادية والبشرية الهائلة. تطرق الباحث لتحديات إعادة الإعمار، وهي عديدة، وستشكل الجزء الأكبر والأهم منها، بدءاً بشروطه السياسية ومصادر تمويله وبدائل أشكال إدارته، وانتهاءً بتنظيمه وأولوياته وتعقيداتها الكثيرة. ورأى أن التحديات السياسية وشكل حلها تمثل مفتاح حل بقية التحديات ومُوجّهها، بين حل سياسي شامل بتوافق إقليمي ودولي، فمن دون حل سياسي لن يكون ثمة إعادة إعمار. حتى مع حل سياسي مقبول، سيكون تأمين المصادر المالية والمادية التي تتطلبها إعادة الإعمار أمراً صعباً (هبات مالية من مانحين، مشروعات ينفذها مانحون، قروض من مؤسسات دولية وعربية، اجتذاب رؤوس أموال المستثمرين السوريين وغير السوريين وإعادة إطلاق الاقتصاد السوري).
إذ قدم الباحث مناف قومان، بحثاً بعنوان “الاقتصاد السياسي للمعارضة السورية: تقييم تجربة المجالس المحلية ووحدة تنسيق الدعم”، فقد تطرق في بداية بحثه الى معاناة سكان المناطق المحررة والمحاصرة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية نتيجة الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي المزمن الذي وصلت إليه البلاد، وقصور عمل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية بعد عدم اتباعها إستراتيجيات تنموية تتواءم وظروف الحرب وتخفف من معاناة السكان وتساعدهم على شظف العيش. وخلص الباحث إلى نتائج مفادها أن الأزمة خلّفت نتائج كارثية على مستويات المعيشة لدى سكان مناطق المعارضة. يترافق هذا مع عدم اتباع الحكومة المؤقتة، ممثلة في المجالس المحلية ووحدة تنسيق الدعم التابعة للائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة السورية، إستراتيجيات تنموية مستدامة تكفل مواجهة التحديات الجمة التي تواجهها المجتمعات المحلية والوقوف على استحقاقات الأسر لتحسين مستويات معيشتها.
الباحث أيمن الدسوقي، قدم بحثاً بعنوان “مقاربة الحركات الجهادية للحكم المحلي وأثرها في مسار الثورة السورية: مقارنة بين “تنظيم الدولة الإسلامية” ورأى أن انحسار سيطرة النظام السوري قد هيأ الظروف أمام بروز أنماط حكم محلية، منها ما شكّلته الحركات الجهادية كـ”تنظيم الدولة الإسلامية” و”هيئة تحرير الشام”، وعلى الرغم من تشاركهما في الأصل وتقاطعهما في الهدف من حيث السعي لتأسيس حكم إسلامي، كلٌ بحسب منظوره الخاص، فإنهما افترقا في مقاربتهما لحكم مناطق سيطرتهما وإدارتها، ما أدى حسب رأي الباحث إلى تفاوتهما في كيفية تأسيس الحكم، كذلك في المسميات المستخدمة والهياكل التنظيمية والأدوات المستخدمة في الإدارة والحكم، فقد اعتمد التنظيم إستراتيجية متعددة المراحل عنوانها “إدارة التوحش” لتأسيس حكمه وتجسيده بـ”الدولة الإسلامية”، في حين مالت “هيئة تحرير الشام” وريثة “النصرة” إلى تبني إستراتيجية تدريجية مرتكزاتها الاندماج المحلي والتكيف الأيديولوجي والتحول المصلحي لتحقيق التمكين الذي قد يأخذ أشكالاً ومسمياتٍ عدة. وعلى الرغم من الفروقات بين التنظيم والهيئة في مقاربتهما لمسألة الحكم، فقد كان لتجربتيهما في هذا الصدد أكبر الأثر في مسار الثورة السورية، وذلك عبر تقويضهما تجربة المجالس المحلية في مناطق سيطرة كل منهما، سواء عبر إنهائها كما قام بذلك تنظيم “الدولة الإسلامية”، أو من خلال إقصائها أو اختراقها وتوظيفها في مشروعها كما تعمل على ذلك “هيئة تحرير الشام”.