الثورة السورية بين مطرقة السلطة وسندّان المعارضة
لم يعد خافياً على أحدٍ ما يواجهه الشعب السوري من ظلم طال حدود الخيال في ظل ثورته الشعبية. لم تتردد هذه السلطة منذ اليوم الأول من إستعمال القوة المفرطة في مواجهة متظاهرين عزل يحملون أغصان الزيتون، يهتفون للحرية والكرامة والديمقراطية التي طالما حلموا بها.
إن روادع القبضة الأمنية ووقوف الجيش إلى جانب النظام لم يكن له تبعاته السلبية فقط، بل كان بمثابة صفعة في صميم المؤسسة العسكرية السورية، التي من المفترض أنها وُجدت لحماية الشعب في وجه العدو، لا أن تكون أحجار شطرنج مسيّرة بيد النظام كيفما يشاء، لتكون بهذا بعيدةً كل البعد عن واجبها ومكانها الأساسيين.
إن كل هذا التطاول العسكري والأمني من قبل النظام في قمع الشعب يعود مرده الحقيقي لعدة أسباب، البعض منها خارجي والآخر داخلي. الدور المخزي الذي لعبته الدول العربية والإقليمية المجاورة خلال الأشهر الماضية هو أحد الأسباب الخارجية. فهي لم تتخذ موقفاً يناصر الشعب السوري، بإستثناء بعض الإيجابية الناعمة في الدور التركي المتذبذب الذي كان يتشدد في تصريحاته ضد النظام أحياناً ويتهاون أحياناً أخرى. والدليل هو التهديدات والمهل التي وجهها رئيس الوزراء التركي رجب طيب ارد وغان إلى دمشق بأنه لن يسمح بحلبجة أخرى وأن حماة خط أحمر. ولكن كل هذه الاسطوانة كانت تخمد بعد أيام رغم المهلة التي حددها الأتراك للنظام السوري.
سبب آخر هو الموقف البائس والمخجل لأمريكا والدول الأوربية وكذلك مجلس الأمن والاتحاد الأوربي الذين لم يتفقوا على وضع خارطة وصيغة معينة تساند الشعب السوري، باستثناء بعض العقوبات المالية والمعنوية. ولكن المتضرر الأكبر من هذه العقوبات سيكون الشعب السوري. التجربة العراقية في عهد صدام حسين أحسن مثال على ذلك. فلم تؤثر العقوبات على النظام طوال عشرة سنوات وكان الخاسر الأكبر هو الشعب.
المعارضة السورية الداخلية وموقفها السلبي حتى هذه اللحظة يشكل عاملاً آخر. سأحاول ان أتجاهل السببين الأوليين الخارجيين وأركز على دور المعارضة السورية الداخلية، فهي لم تتخذ موقفاً ثابتاً إلى جانب الحراك الشعبي بعلانية وشفافية مطلقة.
المواقف التي تتخذها المعارضة – مع احترامي الشديد لها- والأراء التي تدلي بها تشير بوضوح إلى أنها لم تبلّور بعد الموقف الحقيقي لها من هذا الحراك، كأنها تحاول الاصطياد في الماء العكّر ربما لحسابات مصلحية مستقبلية. فهي لم تتبني شعار “إسقاط النظام” كما رفعه الشباب السوري الثائر والذي ربما تجاوز مرحلة الخوف. هذه المعارضة، من أحزاب وشخصيات مستقلة وأصحاب إيديولوجيات مناهضة للسلطة كان لها دور كبير في مناهضة النظام في الماضي وذاقت المرّ في أقبية سجون النظام ولم يساندها آنذاك أحد. واليوم نرى بوادر الفرصة التي كانت تعمل المعارضة من أجلها، ويساندهم فيها السواد الأعظم من الشعب من خلال ثورة ديمقراطية سلمية بيضاء تطالب بالحرية والعزة والكرامة. فلما لا تحاول تلك المعارضة رص صفوفها لتكون المرجع والغطاء الأساسي لثورة الشباب والوقوف معه سوية في هذا الحراك، والعمل على تشكيل جسد جديد وموحد يواجه السلطة ويرسمون معاً خارطة جديدة في المساعي لبناء دولة سورية المدنية الحديثة؟
إن الشباب السوري الثائر ليس لديه أهداف ومصالح سوى تحرير بلده من الظلم المدقع الذي يلاقيه منذ استلام البعث. وهو يطمح إلى وقوف شخصيات معارضة وطنية ذات ماض نضالي إلى جانبه، كي يستطيعوا العمل سوية وتشكيل نواة للانتقال السلمي والديمقراطي.
ولكن ما يحزن حقاً في ظل الثورة السورية أن هذه المعارضة أثبتت فشلها بعض الشيء، من خلال عدم اتخاذها جهارة موقفاً معلن وصريح في الداخل من هذا الحراك. فمنهم من يدعي وقوفه مع الشارع. ولكن أي شارع يتحدثون عنه وهم جزء اساسي في تحمل المسؤولية بإستمرار القتل والتعذيب والإعتقالات من قبل الآلة العسكرية والأمنية ولم يستطيعوا التوحد ولم شملهم تحت أي اسم وسقفٍ كان.
ومن هنا نستطيع وضع اللائمة على هذه المعارضة الوطنية من الداخل وحتى الخارج بأنها جزء من عدم إيصال هذا الحراك إلى مبتغاه في الحرية والكرامة. فكل هؤلاء المعارضين لديهم ثأر سابق مع هذا النظام من هارب ومعتقل، حوسبوا على أفكارهم وأرائهم التي تمسكوا بها. ولكن كل هذا التكتم يضع أكثر من إشارة استفهام، خاصة وهم يقومون كفرقاء وجماعات معينة من مؤتمرات هنا وهناك. كل يبحث عن أهدافه وأجنداته والدبابات ما زالت تقصف كل يوم بوابل قذائفها مدينة وبلدة ومحافظة تلو الاخرى.
لقد سئم الشباب اليوم من الكم الهائل لهذه المؤتمرات الخارجية والداخلية والدعوات التي لم تصل إلى ورقة توحدهم، ليظهر كل منهم عضلاته في تلك الساحات الخاوية من المطلب الحقيقي للحراك. لذا أليس من الأجدى بهم لو أنهم إستطاعوا التنازل والوصول إلى حل مثالي يرضي الشعب السوري الذي يضحي من أجل حرية أبنائه؟ أم أنهم ينتظرون أن يدفع الشعب الثمن الأكبر ليتسلقوا على أكتاف هؤلاء الأبطال بعد نجاح الثورة؟
إن الحل الأمثل اليوم لتوحيد جهود السياسيين المعارضين والمتظاهرين المطالبين بالحرية، هو خلق معارضة سورية وطنية موحدة، تضع خلافاتها الفكرية جانباً وتعمل على المصلحة السورية في التشاركية والتعددية التي تمثل كافة مكونات الشعب السوري، معارضة تنهي هذه الحقبة الدموية وترسم خارطة طريق لهذه الثورة لصالح الشعب السوري.