الثورة السورية تدخل سنتها السادسة/ خير الله خير الله
بعد أيام، تدخل الثورة السورية سنتها السادسة. الأكيد أن سوريا التي عرفناها والتي استقلت رسميا في العام 1944، لم تعد موجودة. للمرّة الأولى هناك مسؤولون روس يتحدّثون عن دولة اتحادية في سوريا، في وقت صارت فيه موسكو صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة في دمشق.
لا يعني ذلك، بأي شكل، الاستخفاف بالوجود العسكري الإيراني. هذا الوجود العسكري يمكن اعتباره وجودا مباشرا عبر “الحرس الثوري” الذي زاد تورّطه في المعارك الدائرة في محيط حلب، أو غير مباشر عبر ميليشيات مذهبية تابعة لإيران مثل “حزب الله” اللبناني أو أخرى عراقية وأفغانية لا تخجل من الإعلان عن أنهّا تخوض حربا ذات طابع مذهبي ليس إلا.
هناك أمور عدّة لم تتغيّر منذ اندلاع الثورة السورية، التي هي الأنقى بين كلّ الثورات العربية نظرا إلى أنها ثورة شعب يمتلك إرادة قويّة ويبحث أيضا عن استعادة بعض من كرامته المسلوبة منذ سنوات طويلة. وهناك أمر واحد تغيّر هو السقوط الكامل للنظام تحت الهيمنة الإيرانية، ثم الهيمنة الروسية في مرحلة لاحقة.
سُلبت الكرامة السورية منذ إعلان الوحدة مع مصر في شباط – فبراير 1958، حين بدأ تأسيس الدولة الأمنية بإشراف من الضابطين المصري عبدالحكيم عامر والسوري عبدالحميد السرّاج. بعد ذلك، جاء استيلاء البعث على السلطة من خلال انقلاب عسكري ليسدّ كلّ أبواب الأمل أمام السوريين، خصوصا مع انقلاب البعث العسكري على البعث المدني في الثالث والعشرين من شباط ـ فبراير 1963، تمهيدا لاستيلاء الطائفة العلوية على البلد على دفعات، وصولا إلى احتكار حافظ الأسد للسلطة كلّها في العام 1970.
ما مرّت به سوريا لم يمرّ به بلد آخر في المنطقة باستثناء العراق الذي لم ير يوما أبيض منذ صيف العام 1958، عندما انقلب العسكر فيه على الأسرة الهاشمية وأسسوا لنظام هيمن عليه البعث لسنوات طويلة، وانتهى بسقوط البلد في يد إيران. غيّرت إيران، منذ العام 2003، بفضل ميليشياتها المذهبية طبيعة المجتمع العراقي، هي التي لم تخف يوما رغبتها في الانتقام من كلّ ما هو عربي في المنطقة. استكملت إيران مهمّة البعث الذي كان تكفّل بتهجير أفضل العراقيين من العراق.
من أهمّ الأمور التي لم تتغيّر في سوريا منذ اندلاع الثورة هو البحث المستمرّ لدى النظام القائم عن شرعية ما. لم يكسب هذا النظام أي شرعية من أيّ نوع كان في يوم من الأيام.
جاء النظام على ظهر دبابة وتابع مسيرته عن طريق القمع والقتل والهيمنة الطائفية وإلغاء الآخر بكل الوسائل المتاحة. انتهى نظاما عائليا تديره مافيا، بكل ما في كلمة مافيا من معنى.
كلّ كلام عن الشرعية التي يمتلكها النظام السوري من النوع المضحك – المبكي، خصوصا أنّه صادر هذه الأيّام عن شخص مثل الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله الذي يقول في خطاب حديث له إنّ الأسد الابن خاض تجربتين انتخابيتين.
يستطيع نصرالله، الذي أصبحت المملكة العربية السعودية هاجسا لديه، الاستخفاف بعقول مؤيديه. لكنّه لا يعرف أن اللبنانيين والسوريين والعرب عموما يعرفون تماما أن لا شرعية لنظام أقلّوي لم يكن لديه في يوم من الأيّام سوى طموح البقاء في السلطة ونهب العائلة الحاكمة لثروات سوريا بغض النظر عن الجرائم والممارسات الابتزازية التي يستوجبها مثل هذا الطموح.
لا بدّ من الاعتراف هنا بأن ثمّة فارقا بين نظام حافظ الأسد والنظام الذي ورثه منه ابنه ابتداء من العام 1998، أي قبل سنتين من وفاة الأسد الأب. يكمن هذا الفارق في أنّ حافظ الأسد كان يمارس لعبة التوازنات في المنطقة، مستخدما الورقة الإيرانية قدر المستطاع وقدر ما هو مسموح له بذلك لابتزاز العرب الآخرين. أما بشّار الأسد، فقد سقط باكرا في الشباك الإيرانية وراح يصدّق ما يقوله له حسن نصرالله ودخل في لعبة من نوع آخر تصبّ في الهيمنة على لبنان وتحويله إلى مستعمرة إيرانية. لم يدرك يوما معنى المشاركة في مغامرة مجنونة مثل المشاركة في جريمة اغتيال رفيق الحريري، والنتائج التي ستترتب على ذلك في لبنان وفي المنطقة كلّها.
بعد خمس سنوات على اندلاع الثورة السورية، تغيّر شيء واحد هو استكمال الهيمنة الإيرانية والروسية على سوريا.
صار هناك ما يجمع بين إيران وروسيا في سوريا، خصوصا بعدما تبيّن أن إيران وحدها ليست قادرة على إبقاء بشّار الأسد في دمشق. أثبت سلاح الجو الروسي أنّه يستطيع أيضا المشاركة في خوض الحرب التي يتعرّض لها الشعب السوري، وذلك بتواطؤ كامل مع إدارة باراك أوباما، ووزير الخارجية الأميركي الساذج الذي اسمه جون كيري.
إذا عدنا إلى ما لم يتغيّر منذ اندلاع الثورة السورية التي كشفت، بين ما كشفته، عقم السياسة التركية، فما لم يتغيّر أيضا يتمثّل في الرغبة الإسرائيلية التي تلتقي مع رغبة النظام القائم في الانتهاء من سوريا.
في كلّ يوم يمرّ نكتشف مدى الإعجاب الإسرائيلي بما يقوم به بشار الأسد بالتفاهم مع إيران وروسيا والميليشيات المذهبية العراقية واللبنانية والأفغانية. كلّ ما يحصل من تدمير وخراب يصبّ في خدمة مشروع تقسيم سوريا وتهجير أكبر عدد ممكن من السوريين من بلدهم.
سوريا إلى أين؟ لا شك أن خطر تفتيت البلد قائم أكثر من أيّ وقت وقد قطع شوطا بعيدا على تلك الطريق. ولكن ما لا يمكن الاستخفاف به أيضا وجود رغبة شعبية بالاستمرار في الثورة والانتهاء من النظام.
من يعرف السوريين، يعرف أن الثورة السورية مرت بثلاث مراحل، وهي على عتبة مرحلة رابعة. في المرحلة الأولى، كانت التظاهرات الشعبية المسالمة وفي الثانية، كان “الجيش الحر” وفي الثالثة كانت مرحلة المجموعات المتطرّفة من نوع تنظيم “داعش” الذي لم يكن النظام بعيدا عن تشجيع ظهوره وانتشاره. هناك بالطبع تنظيم “النصرة” الذي سعى إلى تمييز نفسه عن “داعش” ووحشيته، ولو نسبيا…
في المرحلة الرابعة سيقوم جيل سوري جديد يعرف تماما أن ليس في استطاعته الاتكال على أحد، لا على العرب الآخرين، ولا على تركيا ولا على أوروبا والولايات المتحدة. سيؤكد هذا الجيل أن إيران لا تعرف سوريا، كذلك روسيا.
تقسّمت سوريا أم لم تتقسّم، وهي باتت مقسّمة، هناك حرب طويلة ستظل دائرة على أرضها. من كان يتصوّر أنّ السوريين سيصمدون كلّ هذه السنوات، وأن صمودهم سيطول أكثر مما طالت الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية؟
نقلاً عن “العرب”