الثورة السورية… طريق الانتصار: الاضراب العام
غياث نعيسة
اطلقت المجموعة التي تتحكم، حتى الآن، اعلاميا بتسمية الجمع على الجمعة الاخيرة من شهر ت1/اكتوبر 2011 اسم “جمعة الحظر الجوي” ، و يأتي هذا في سياق ميل ترسخ لدى قسم من المعارضة السورية في الخارج منذ اشهر ،بدأ يجد صدى له في الداخل و ان بقي محدودا، يقوم على قناعة بضرورة تدخل عسكري خارجي لحماية المدنيين. و في الواقع ، يعتقد هؤلاء ، بشكل مبطن او معلن، ان لا امكانية فعلية لإسقاط النظام السوري دون تدخل عسكري خارجي .
و الحال، فان المثال الليبي الذي يستند عليه دعاة التدخل لتأكيد ما يذهبون اليه كمخرج وحيد لحماية المدنيين و اسقاط النظام انما يشير الى خلاف ذلك تماما، اذ يشير مقال لصحيفة الغارديان البريطانية قبل يومين الى عدد القتلى قبل تدخل الناتو في ليبيا كان يتراوح بين الف الى الفي قتيل ليصل عددهم لغاية يوم مقتل القذافي ما بين العشرين و الخمسين الفا من القتلى و ما يزيد من الجرحى. و يصف التقرير الصحفي المدن التي ادعى الناتو بحمايته للمدنيين فيها انها تشبه مدينة غروزني في الشيشان، اي انها مدن اشباح و دمار و خراب.
ان الدعوة للتدخل العسكري الخارجي يعبر جزئيا عن عظمة التضحيات الكبيرة التي تقدمها الجماهير السورية في مواجهتها لالة القتل الدكتاتورية، و لكنها تعبر بشكل اخص، و في احسن الحالات، تعبرعن قصر نفس القوى السياسية الداعية له و افتقارها لاستراتيجية كفاحية تسمح للجماهير الشعبية بالانتصار على الطغمة الحاكمة ، و هذه الدعوة للتدخل تعبر أيضا لدى اصحابها عن استهتار و عدم ثقة بقدرة الشعب السوري و ثورته العظيمة على الظفر . لان التدخل العسكري الخارجي سيجرد قوى شعبنا الثورية من التحكم بمسارات مستقبل بلادها و سيادتها و يجعلها اسيرة لمصالح الدول الكبرى او الاقليمية، بهذا المعنى نرى انه مضر و مدمر للثورة ، و أخيرا ، لا توجد قرائن ملموسة تشير الى رغبة راهنة للدول الكبرى بالتدخل العسكري في سوريا.
لكن جماهير شعبنا الثائرة لا تنتظر عونا من اي دولة اخرى ، بل هي تستند على عزيمتها و اصرارها على متابعة ثورتها من اجل اسقاط النظام و بناء دولة ديمقراطية تعددية و مدنية تحقق المساواة و الحرية و العدالة الاجتماعية، حيث انها تابعت المظاهرات اليومية و الاشكال المتعددة و المبدعة لاحتجاجاتها. و كان اهم شكل كفاحي استعملته الجماهير الثائرة هو اعلانها و قيامها في 26 ت1/اكتوبر بالإضراب العام على الصعيد الوطني بعد ان كان مقتصرا لنحو اسبوع في منطقة درعا، و لأول مرة من انطلاق الثورة قبل ثمانية اشهر. و الاضراب العام هو من ارقى اشكال الكفاح الجماهيرية، و يمكن ان يشكل مع تكتيكات كفاحية اخرى الدرب الاقصر و الاصح لإسقاط الدكتاتورية بيد الشعب السوري و باقل تكلفة انسانية .
عندما نتحدث عن الاضراب العام ،تعود فورا الذاكرة الحية لكفاح الشعب السوري الى عام 1936 عندما اطلقت الكتلة الوطنية دعوتها الشهيرة للإضراب العام الذي استمر و بنجاح لمدة شهرين و ترافق مع موجة من المظاهرات الاحتجاجية ضد الاحتلال الفرنسي ، وقد شمل الاضراب العام ، حينئذ، اغلب المرافق الادارية و التعليمية و التجارية. و لا تخلو الذاكرة من الدعوة له بعد ذلك التاريخ ،اذ يمكننا ان نشير الى اضراب التجار لثلاثة ايام في دمشق عام 1965 وصولا الى الدعوة له في اذار عام 1980 . انه شكل من اشكال النضال الجماهيري ليس غريبا او فريدا في تاريخ نضال الجماهير السورية.
تميز الاضراب العام الاخير في 26 ت1/أكتوبر الماضي بانه كان جزئيا و عفويا، بمعنى انه كان في البداية حصرا في منطقة درعا و من ثم تمت الدعوة له من قبل عدة قوى سياسية كإضراب عام على الصعيد الوطني في 26 من الشهر الماضي اي بمناسبة زيارة وفد الجامعة العربية لدمشق ، ان هدف هذه القوى السياسية كان اعلاميا بمناسبة هذه الزيارة اكثر منه سياسيا، حيث ان اي منها لم توضح تماما لماذا تدعو له و لا حددت مدته او اعلنت انتهائه او اقترحت الية مرافقته، لدرجة ان الناس لم تكن تعرف تماما لماذا تشارك بإضراب عام ، سوى الدافع العفوي لها وهو عدائها للنظام و رغبتها بإسقاطه، كما ان الناس المشاركة فيه طرحت تساؤلات حول كيفية ادارة الحياة اليومية في ظل اضراب عام طويل المدى. على هذا الصعيد اثبتت كل القوى السياسية المعارضة تخلفها الذريع عن حركة الجماهير و متطلباتها.
الاضراب تكتيك كفاحي فعال
شهد القرن التاسع عشر بروز شعار الاضراب كأداة كفاحية في اوساط الحركة العمالية، لدرجة انه شاع لدى بعض اقسامها اعتقاد انه يكفي ان تتوقف الطبقة العاملة عن العمل لمدة طويلة نسبيا لكي يتوقف الانتاج تماما و تسقط الطبقة الرأسمالية و دار حينها الحديث عن مفهوم “الشهر المقدس” بمعنى المدة الكافية لإضراب عام كي يجبر الرأسمالية على تقديم كل التنازلات المطلوبة و البعض رأى فيه امكانية لإسقاطها.
لكن الاضراب و الاضراب العام تحديدا كان غالبا يتميز في القرن التاسع بطابع اقتصادي يهدف الى تحسين شروط حياة الطبقة العاملة ، و لم يأخذ مضمونا سياسيا حقيقيا الا في القرن العشرين و خاصة مع الثورة الروسية الاولى في عام 1905 .
وللإضراب انواع عديدة، منها الاضراب الجزئي ان كان لمدة محددة أو في منشأة أو منشآت من قطاع معين ، و هنالك الاضراب المنتشر او المعمم و هو إضراب يشمل قطاع او عدة قطاعات من الانتاج او في اطار منطقة بعينها. أما الاضراب العام المحدد زمنيا او المفتوح فهو ذلك النوع من الاضرابات الذي يتجاوز الانتماءات الفئوية و المهنية و القطاعية في منطقة او بلد معين ، وهو عمل واع و منظم و متفق عليه ، وهذا ما يميزه عن الاضراب المعمم او المنتشر. و شكله الاعلى هو الاضراب العام الجماهيري الثوري الذي يطرح قضية اسقاط السلطة ، و هو ما سنركز عليه باختصار.
تصف روزا لوكسمبورغ الاضراب العام الجماهيري بانه ” الشكل الذي يتلبسه النضال الثوري … انه النبض الحي للثورة و دافعها الاكثر قوة في نفس الوقت.. الاضراب الجماهيري هو شكل حركة الجماهير و شكل تمظهر النضال الجماهيري في الثورةّ”. و قد اشار تروتسكي الى ان الاضراب العام بإيقافه المؤقت للعمل انما يشل في نفس الوقت جهاز الانتاج و الجهاز المركزي للسلطة. و لذلك كان يرى ” ان الاضراب العام يطرح قضية السلطة”، و يؤكد تروتسكي قيمة الاضراب العام كاهم تكتيك ثوري في تشديده على ان ” الاضراب العام يشكل اهم وسائل النضال الاكثر ثورية، و لا يكون الاضراب العام ممكنا الا عندما يرتفع الصراع الطبقي فوق المطالب المحدودة او الفئوية، ويمتد عبر كل المهن و الاحياء و يمحي الحدود بين النقابات و الاحزاب و بين الشرعية و اللاشرعية ، و يحشد غالبية الجماهير في مواجهة البرجوازية و الدولة” و يعلن انه بعد الاضراب العام كتكتيك ثوري لا يوجد سوى العصيان المسلح.
يوضح تاريخ الحركة العمالية على ان الاضراب العام يملك ميلا داخليا ، و مهما كانت الشعارات التي طرحت من اجله، الى التحول الى صراع ثوري معلن ، اي نضال مباشر من اجل السلطة. من هنا تأتي اهمية التركيز على ضرورة تنظيم الاضراب العام و جعله اقصر ما يمكن زمنيا لكي لا يضر بالسكان لانهم قد يكونون ، ان لم ينظموا حياتهم خلاله بشكل منظم و جيد، اول ضحاياه. ولهذا لكي ينجح الاضراب العام لا بد من تنظيم الاعداد له و لإعلانه و لتنظيم الحياة اثنائه، لا مكان كبير للعفوية في انجاحه.
هذا الميل الداخلي الثوري للإضراب العام هو ما لحظه اكبر الثوريين في القرن الماضي، بمعنى امكانية تحول الاضرابات الاقتصادية الى اضرابات سياسية و الاضرابات الجزئية الى اضرابات عامة، و امكانية ربط الاضرابات القطاعية بالحركة في كليتها. كما لاحظ الثوريون العنصر الاساسي الذي برز خلال اهم الاضرابات العامة الثورية في القرن الماضي، ألا و هو تعبيراتها و هيئاتها التنظيمية، و ان هذه الهيئات التنظيمية للإضراب ضرورية لتحقيق النجاح له ، و ادارة شؤون حياة الناس في لحظة من الشلل الكامل للمجتمع من خلال بناء هيئات الرقابة و مجموعات الدفاع و التموين ..الخ. كما انها تشكل فسح للنقاش الديمقراطي في كل القضايا ، تستطيع من خلالها كل تيارات الحركة التعبير عن أراءها. لذا، فان هيئات الاضراب العام تمتلك وظيفتين تداولية و تنفيذية ،و هي بهذا المعنى تشكل بداية فعلية لقيام ازدواجية السلطة في المجتمع.
تنظيم الحياة اثناء الاضراب
من المفيد اعادة التذكير انه بغياب تنظيم جيد في اعداد و اعلان و ادارة الاضراب العام فان الجماهير قد تكون الضحية الاولى له . لذلك فان تنظيم الحياة اليومية للناس اثنائه تعتبر هامة جدا. و لا يضر ان نؤكد على ضرورة ابقاء المخابز و القطاع الصحي(المشافي و عدد مناسب من عيادات الاطباء و المستوصفات و الصيدليات، و سيارات الاسعاف …الخ) خارج نطاق الاضراب العام. في الوقت نفسه ، يجب ان يشل الاضراب العام المجتمع فعليا.
من الاشكال المجربة في تسهيل حياة الناس و تنظيمها خلال فترة الاضراب سنطرح بعض الافكار، في الوقت الذي نثق فيه بان جماهير شعبنا ستبدع اشكال اخرى مناسبة لكل التحديات المطروحة عليها.
+ نظام التبادلات المحلية: و هو يشمل تبادل السلع و الخدمات و المهارات ، متعدد الاطراف ويمكن ان يشمل اكبرعدد ممكن في حي او عدة احياء و قد يتجاوزها الى مستوى المدينة. بمعنى، فلان يعطي دروسا، و علان يعطي خضارا من حديقته في مقابل ذلك ،و الثالث يساعد في ترميم بيت فلان … الخ. و يمكن لتسهيل نظام التبادلات المحلية، في حال شموله لاعداد كبيرة من الناس ، اختراع عملة افتراضية لا علاقة لها بالعملة الرسمية، تقوم على اعتراف الكل بقيمتها ، مثلا القول بان ساعة عمل تساوي 50 وحدة من العملة و هي تساوي كيلو من تلك الخضار …الخ. هذه العملة مهمتها تسهيل التبادل بين الناس و ليس الادخار.
+ التعليم الحر : لا يجب ان يكون الطلبة ضحايا النضالات او ان يتوقف تعليمهم في فترات الصراعات، نظام التعليم الحر لن يكون مغلقا على طلاب المدارس و الجامعات بل هو مفتوح لكل راغب بالتعلم.
تقوم المدارس الحرة على الادارة الذاتية للتعليم المجاني للأطفال لغاية البكالوريا ،بفضل تطوع المعلمين المتوفرين في الاحياء المعنية او بالاستعانة من الاحياء الاخرى ، و من الهام في هذه المدارس الحرة ان يتعلم فيها الاطفال ايضا اخلاق العيش المشترك و الجماعي و المجتمعي ، و ان يتعلموا اخلاقيات الحياة المشتركة و تحمل المسؤولية و كيفية ادارة الخلافات و النزاعات. اما التعليم الحر الجامعي فيتكون من محاضرات مجانية مفتوحة للجميع.
+ تعاونيات( او تنسيقيات) الشراء المشترك : و تهدف الى تجميع الناس لشراء ما يحتاجونه بشكل مشترك، مما يسمح لهم بتسهيل توفر المواد الاساسية للمشاركين ( دون ان يبحث كل منهم عن توفيرها بمشقة لنفسه) و بأسعار مخفضة نظرا لان اسعار الجملة ارخص ، و يلغي الشراء المشترك من الوسطاء و يسمح بتقاسم التكاليف ( الكميون او السيارات و الشحن و التخزين …الخ)، كما يسمح هذا النوع من التعاونيات بتوفير بضائع ذو جودة افضل و شرائها لدى صغار المنتجين و الحرفيين و المزارعين و هو شكل من اشكال التشجيع و الدعم للأخيرين ، الذين ايضا يمكن ان يشكلوا تعاونيات لهم. و هذا الشكل من التعاونيات له تأثير اقتصادي فعال على النظام لأنه يسمح بمقاطعة مؤسساته التي تنتج و تسوق لهذه المواد.
+ تعاونيات صغار المنتجين : و هي تعني التجميع و التوفير المشترك للقدرات و الكفاءات و النشاطات المهنية ، لتعزيز او تنمية نشاطات مفيدة اجتماعيا( صغار المزارعين و الحرفيين ، تصليح الكهرباء او العربات او التلفونات و المصارف الصحية و البناء و غير ذلك..).
+ تعاونيات السكن : لا تسمح هذه الانواع من التعاونيات بحل مشكلات عدد من السكان في ظرف ثوري كالمهجرين او المفقرين او المتضررين او المهدمة بيوتها فحسب، بل انها تسمح أيضا بحل العديد من القضايا الاجتماعية حتى في ظروف عادية او شبه عادية. و مهمتها هي وضع اليد على ابنية الدولة غير المفيدة او الفارغة و تحويلها الى سكن جماعي للسكان الذين هجروا او دمرت منازلهم ،بشكل مجاني او شبه مجاني. كما بإمكانها ان تشتري او تستأجر ،بشكل جماعي ، شقق او ابنية تسمح لها بحل مشكلة اجتماعية اساسية هي توفير مأوى لائق للسكان. و يتم ادارة و تمويل مساكن هذه التعاونيات بشكل جماعي.
+ القروض بلا فائدة : يمكن لبعض الميسورين و المنتجين تشكيل ما يشبه صندوق مشترك و جماعي ينظم تمويل و دعم السكان و التعاونيات الاخرى المحتاجة و لأغراض ضرورية اجتماعيا ، و من بين اجراءات الدعم و التمويل لهذا الصندوق المشترك امكانية ان يقدم قروض يجب تسديدها و لكن بلا فائدة لمساعدة المشاريع الاجتماعية الضرورية او للناس المحتاجين.
+ التوزيع المجاني للطعام على المحتاجين : تتشكل هيئات في الاحياء و الاماكن المتضررة تقوم على العمل الجماعي و الطوعي مهمتها تقديم وجبات مجانية للمحتاجين من الناس بشكل لائق و عملي.
من اجل انتصار الثورة: الاضراب العام
السؤال الرئيس المطروح على الثوريين في سوريا منذ اندلاع الثورة قبل ثمانية اشهر هو كيف يمكن اسقاط النظام الدكتاتوري بيد الشعب السوري بأقل تكلفة بشرية و بأقصر وقت ممكن؟ فقد أصبح واضحا في وعي الجماهير الثائرة أن المظاهرات الاحتجاجية، على اهميتها و ضرورة استمرارها ، لا تكفي وحدها لإسقاط نظام مدجج بالسلاح و قوى الجيش و الامن و بوحشية لا مثيل لها. في المقابل، فان دعاوي عسكرة الانتفاضة التي لا تلقي رواجا لها ، حتى الآن ، بسبب المخاطر الكبيرة التي تحملها، في الشروط الراهنة، بما قد تؤدي الى مفاقمة دائرة العنف و الموت في مواجهة نظام ما تزال موازين القوى العسكرية ، و بلا ادنى شك، لصالحه ، مع مخاطر ابقاء اقسام كبيرة من السكان وجلة من الانخراط في الثورة تاركة الساحة للمسلحين ،و ما تحمله، علاوة على ذلك، من خطر الانزلاق الى حرب اهلية مدمرة، بحيث يبدو فيه هذا الخيار لانتصار الثورة السورية غير ملائما في هذه الظروف الراهنة بل و ضارا لها. و اخير هنالك التدخل العسكري الخارجي الذي تناولنا اعلاه ضرر الرهان عليه.
اذن ، كيف يمكن ان تنتصر الثورة السورية بالاعتماد على كفاحية و عزيمة الجماهير الثائرة وحدها، و ما هي التكتيكات التي يمكن ان توصلها الى النصر، بمعنى اسقاط النظام الدكتاتوري؟
اننا نعتقد ان التكتيك الملائم من اجل انتصار الثورة السورية هو تبني الاضراب العام الجماهيري المفتوح مع ربطه و تمفصله، في اللحظة المناسبة منه ،بالعصيان المدني.
ولأن الاضراب العام سلاح ثوري فعال و هو عمل واع و منظم و متفق عليه كما ذكرنا، فإننا ندعو، من اجل انجاحه، الى التوقف عن طرحه ، كل على عواهنه في كل شاردة و واردة ، و الاعداد له، من الآن، بشكل جدي وبالتفاهم بين كل قوى الثورة المعنية ، مع تربية الجماهير حوله، بشرحه و مدى اهميته و مدلوله لهم، و كيف يمكن متابعة الحياة في ظله وادارته، و دفع المترددين و الخائفين للمشاركة فيه، مع متابعة اشكال الاحتجاجات الاخرى كالمظاهرات و الاعتصامات. بل و يمكن الدعوة الى اضرابات قطاعية او جزئية للتدرب عليه. و العنصر الهم في نجاحه هو الاتفاق على يوم محدد( وليس كل قوة سياسية تدعو الى يومها الخاص) للدعوة له بعد مرحلة الاعداد الجدي و الجماعي له، و ما يتطلب ذلك من بدء تشكيل هيئات الاضراب التي اشرنا اعلاه الى اهمها. و عندما تحين اللحظة الملائمة في سياق الاضراب العام المفتوح و مع حالة الشلل الذي سيسببه في المجتمع و اجهزة السلطة ، عندئذ ،يمكن طرح العصيان المدني لانتزاع كل اوراق الشرعية من نظام الطغمة الحاكمة و اسقاطه، فالعصيان المدني وحده لا يسقط نظام دكتاتوري مثل النظام السوري ، لكن العصيان المدني، باعتباره رفض لتطبيق او الخضوع لقوانين السلطة (مثل عدم دفع الضرائب و عدم ابراز الهويات الشخصية و رفض الخدمة الالزامية و عدم دفع فواتير الماء و الكهرباء و الهاتف و الانترنت ……الخ) ، يجرد السلطة من اخر اوراقها و هي شرعيتها و قبول او خضوع السكان لأوامرها و قوانينها . و الحال ، فان العصيان المدني لا يكون ثوريا الا بارتباطه بالإضراب العام الجماهيري و ليس كتكتيك يستخدم وحده بخلاف ما يشاع عنه.
هذا هو الطريق الذي يرى اليسار الثوري في سوريا انه الاصلح من اجل انتصار الثورة الشعبية فيها، و هو يستدعي ائتلاف القوى الثورية و توافقها حوله كشرط لنجاحه، فالجماهير الشعبية الثائرة هي ذات التغيير و الثورة و ليست موضوعه.
غياث نعيسة
2 ت2/نوفمبر 2011