الثورة السورية والوصاية التركية
رائد شما
طال حقد الأسد أصابع الفنان السوري الكبير علي فرزات. العنف الهمجي الذي استعمله بلطجية الأسد على علي فرزات يُظهر جلياً كم هي مؤلمةٌ هذه الريشة وكم هو مؤلمٌ هذا القلم. أصبحت الريشة كابوساً والقلم خازوقاً لهذا الطاغية المستبد الأحمق.
الوصاية التركية
تركيا قبلة المعارضة السورية ومربط خيلها، وعلى أرضها تعقد المؤتمرات وتشكّل المجالس! أصبحت
دعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما المتأخرة جداً الأسد للتنحي ثم تكليفه تركيا بمطالبته بالرحيل والتي بدورها رفضت ذلك ودعت إلى إعطائه فرصة للإصلاح، بما يتوافق مع تصريحات وزير الخارجية القطري الأخيرة “الحريصة على استقرار سوريا وحدودها مع اسرائيل ووقف العنف من الطرفين!”.وقبل ذلك خروج أحد “رموز” المعارضة من سوريا تحت غطاء تركي وموافقة النظام ليتصدر مؤتمر المعارضة في استنبول. كل هذا يندرج بما يمكن تسميته بمؤامرة ضد الثورة تشارك فيها قطر وتركيا لاختزال المعارضة السورية بما سمي “المجلس السوري الوطني”. والهدف طبعاً محاولة أخيرة لإنقاذ النظام وإعطائه فرصة ليقف من جديد تحت المظلة التركية أو في حال سقوطه سيكون البديل جاهزاً وتحت سيطرة الدوحة وأنقرة كما تريد واشنطن.
هذا المؤتمر الذي عقد في تركيا وأي مؤتمر أو مجلس عقد أو سيعقد أو يشكل في تركيا لن يكون هدفه اسقاط النظام في الوقت الحالي وإنما سيستخدم من قبل تركيا كورقة ضغط ضد النظام أو كبديل له ولمحاولة احتواء ما يسمى المعارضة السورية واختزالها ببضعة أفراد تحركهم تركيا كدمى وقت اللزوم وتهميش أي مبادرات أخرى تنطق باسم الشارع السوري. ما تفضّله السياسة التركية هو أن يضعف النظام ويقدم تنازلات لها ولأزلامها.
نجح أردوغان بلعب دور البطل “المدافع” عن مطالب المتظاهرين السلميين ليكسب تأييد الشارع الثائر ويزيد من نفوذه في سوريا. الدبلوماسية التركية تستغل الضعف العربي لتفرض نفوذها على المنطقة وهذا من حقها لكن من حقنا أيضاً أن نبحث عن مصالحنا وأن نرفض الهيمنة التركية.
النموذج التركي والإخوان المسلمين
النموذج التركي أي نموذج حزب العدالة والتنمية لن ينجح في سورية على الأقل في الوقت الحالي. لأن حزب العدالة وإن كان إسلامياً في الأصل إلى أنه أقرب إلى حزب قومي يتبنى مذهب “العثمانية الجديدة” التي أسسهها ثعلب الحزب ومفكره، وزيرالخارجية الحالي أحمد داود أوغلو. أي أن حزب العدالة هو حزب تركي قبل أن يكون إسلامي قبل بمدأ علمانية الدولة ويملك رؤية عصرية اجتماعية وبرنامج اقتصادي واضح. بعكس حركة الإخوان المسلمين التي لم تقبل العلمانية (وهي فصل الدين عن الدولة وليس الإلحاد والعياذ بالله) في سوريا بل يدعو قادتها إلى (دولة مدنية وهو مصطلح فضفاض وغير واضح). كما أن هذه الجماعة على عكس حزب العدالة التركي لم تنشأ في رحم الواقع السوري وإنما صُدّرت من مصر وترتبط بشكل أو بآخر مع التنظيم الدولي للجماعة.
أهم نقطة في خطورة طرح بديل إسلامي في المرحلة الحالية هو غياب الدستورفي سوريا الذي يكفل حرية كل الأفراد والأقليات وغياب المؤسسات القادرة على حماية علمانية وديموقراطية الدولة حتى ولو وصل حزب إسلامي إلى السلطة. وبذلك سوريا ستدخل في دوامة التقسيم إلى دويلات.
من الخطأ أن تقصى القوى الإسلامية وهي ذات وجود وأرضية. لكن الخطأ الأكبر أن تُفرض بدعم من الغاز القطري والأتراك كبديل جاهز. صحيح أن أغلبية الشعب السوري من المسلمين السنة لكن الأصح والأهم أن أغلبية السنة ليسوا إخوان مسلمين. في نفس الوقت يجب تشجيع تشكيل حزب اسلامي ديمقراطي “سوري” معتدل يكون قادراً على سحب أصوات “المحافظين” وقادراً بالتالي على وضع حدَ لإدعاء الإخوان المسلمين تمثيل الشارع السني (المحافظ).
مرثاة المعارضة السورية
المعارضة السورية أصبحت مقسمة إلى حد يرثى له…. إلى درجة أن كل معارض أصبح يتقاسم الكعكة السورية مع زوجته وابنه في بعض الأحيان ومع نفسه في أحيان أخرى. كيف سيثق الشعب بمعارضة من نوع جماعتي أنطالية واستنبول وكلاهما تحاول إقصاء الأخرى من هيئة المفترض أنها ستكون انتقالية ومؤقتة، أي أنها لن تحكم وإنما ستدير البلاد في حال سقوط النظام. كيف يطالب البعض بعدم إقصاء أحد (الحديث عن الإخوان المسلمين) وهم أول من يمارس الإقصاء واللعب في الخفاء.
المعارضة بتشتتها وعدم نضجها أصبحت شريكاً مع النظام في حربه على الشعب السوري. لا يوجد في واقع الأمر معارضة حقيقية ذات برنامج سياسي واقتصادي واضح في سوريا إنما هي شخصيات تضاربت مصالحها مع النظام أو ركبت الثورة بعدما كانت لأمسٍ قريب تسبّح بحمد أجهزة النظام الأمنية، أو صامتة مهادنة تحاور النظام في السِر والعلن.
لا بد من إيجاد البديل …الأمل معقود على الشرفاء في الداخل والخارج وبالأخص شبابنا الثائر المثقف بتأسيس مبادرات وأحزاب تشكل بديلاً عن النظام المجرم وما يسمى بالمعارضة… عدم تبلور رؤية واضحة وبرنامج سياسي واضح للثورة أمر خطير يدفع شرائح كبيرة من المجتمع السوري إلى القلق والتخوف من مرحلة ما بعد النظام وتفضيله عن المجهول. وهذا سيعطي الأسد فرصة لكسب الوقت وربما إضعاف الثورة.
الدرس الليبي
دخل الثوار”القبائل الشرقية” طرابلس مؤيدين بعون الله وطائرات الناتو وبركة النفط. ليبيا الآن أمام تحدي بناء المؤسسات والانتقال الديمقراطي والتعافي من جراح الحرب الأهلية. الدرس الأهم المستخلص من ليبيا هو أهمية الموارد الطبيعية في دفع الغرب إلى التدخل.
بلا شك فإن سقوط القذافي سيكون له تداعيات على النظام السوري، فبشار الأسد راهن على النظام الليبي وصموده وحتى على تقسيم لييبا. ووقف مع صديقه القذافي ودعمه إلى آخر لحظة وربما كان دعمه بشكل أكبر لو لم ينتفض شعبنا في سوريا.
والعبرة من سقوط القذافي بغض النظرعن كون التمرد ضده تم على أساس قبلي وبدعم من حلف شمال الأطلسي هو كيف يصبح الطاغية أعمى لا يرى ما يدور حوله والأهم “لا يعرف متى يتوقف”.
مستقبل الثورة “السلمية”
عُرِف عن السيد المسيح تسامحه فهو الذي قال “إذا صفعك أحدهم على خدك الأيمن أدر له الأيسر” لكن لم يُعرف عنه مطالبته المتظاهرين السوريين بتلقي الرصاص بصدرٍ عار. أظن أن السيد المسيح يقصد بكلامه من يضربنا بالرصاص المطاطي والهراوات وليس من يقصفنا بالأسلحة الثقيلة والدبابات والمروحيات ويرسل لنا فرق الموت والمرتزقة.
الأفضل دائماً هو عدم اللجوء إلى العنف من أجل تحقيق المطالب. لكن وكما تقول كوكب الشرق “للصبر حدود” وأنا أقول أن للتحمل حدود. من يصرّ بأن الثورة يجب أن تبقى سلمية إلى الأبد عليه أن يمنح كما يردد البعض بشار الأسد فرصة ليصلح على ما تبقى من شبابنا الثائر الحر الشامخ.
استمرارية العنف من قبل النظام ستدفع البعض عاجلاً أم آجلاً إلى التفكير بحمل السلاح أو الحذاء للدفاع عن النفس والأهل.وحده النظام هو المسؤول عن تحول الشباب من التظاهر السلمي إلى مرحلة الدفاع عن النفس.
الضباط وأفراد الجيش المنشقين يجب أن يكون لهم دور فعال في المرحلة القادمة من خلال تنظيمهم لأي تحرك مضاد للنظام وحماية المدنيين والعمل على دفع المزيد من أفراد الجيش للإنضمام إلى الثورة. هؤلاء سيكونوا نواة لمؤسسة عسكرية ثورية سورية وطنية والتي ستواجه النظام وستحمي الثورة من أزلام تركيا والغاز والنفط. .
التدخل العسكري الدولي في سوريا مستبعد في الوقت الحالي لعدم وجود الإغراء المادي فيها ولأن الملف السوري أصبح بيد “الأتراك” الذين يريدون كما ذكرت فيما سبق السيطرة على سورية وتحويلها إلى ولاية تركية بأقل تكلفة ممكنة. استمرارية الثورة السورية بهذا الإيقاع البطيء مع غياب نسبي لدمشق والمناطق الكردية وغياب كلّي لحلب والسويداء والشارع المسيحي يعني أننا سندخل في طريق مسدود والوضع الراهن سيستمر. يجب أن تنتقل الثورة مرحلة تصعيدية جديدة تتحول من مجرد تظاهرات إلى “ثورة حقيقية” وحرب استنزاف تضعف النظام وتجبر الأطراف الدولية على التفكير جدياً بإزاحته. الحرص على استقرار سوريا وتأمين حدود إسرائيل هو ما يدفع الأطراف الدولية على إبقاء النظام وبالتالي عجزه عن الحفاظ على هذا الاستقرارسيدفعهم للإطاحة به.
العقوبات “اللطيفة” التي فرضتها أو ستفرضها الدول الغربية على الأسد لن تضعفه إلى درجة يسقط معها وإنما ستجعله فريسة سهلة للهيمنة التركية. إذا أردنا أن تنتصر الثورة فيجب عندها التفكير بقلب هذه المعادلة…. استمرار الوضع الراهن هو من مصلحة تركيا وقطر وعملائهم وقد يبقي النظام.
الحل هو التفكير الجدي بوضع حد لوجود الشجرة الفاسدة والبناء المتصدع.