الثورة وتحالف السلطة فى سوريا
عماد مسعد محمد السبع
منذ 18مارس الماضى وهناك واقع سياسى جديد يتشكل فى سورياعلى خلفبة تصاعد موجة الإحتجاجات الشعبية ضد حكم الأسد الذى يعتبرالأكثرأستقرارآ بين الأنظمة العربية .
ثمةحاجة لرصد نموذج الدولة الشمولية التى دشنها البعث بتوجهاته القومية منذ مطلع ستينات القرن الماضى والتى ترتكز قوتها فى الأساس على قاعدة من البرجوازية الكبيرة ( التجارية والإحتكارية ) بالإضافة إلى البيروقراطية العليا النافذة بجهاز الدولة , والمدعومة بتأييد من الجناح العسكرى للنظام وأجهزته الأمنية .
ففى ضوء معطيات المشهد السورى القائم يمكن القول بأن هذا التحالف الطبقى مازال يحافظ على وحدته وتماسكه وقوة قمعه , كما أن الآليات التى يعتمدعليها للهيمنة على السلطة السياسية وضبط المجتمع تبقى فاعلة ومنجزة على أرض الواقع .
فالنظام مستعد للضرب بلا هوادة وبالرصاص الحى وبنمط وحشى على المعارضين لبقاءه وأستمراره فى سدة الحكم , وقد نجح حتى الآن فى تجنيد التظاهرات المؤيدة له , وفى أجهاض ميلاد ” الكتلة الجماهيرية الحرجة ” القادرةعلى أسقاطه كما حدث فى تونس ومصر .
فالسوريون فى ( دمشق وحلب ) مازالوا يراقبون الحدث الإنتفاضى بالضواحى دون مشاركة , ولم يبدى ( السنة ) الذين يشكلون كثافة سكانية بهاتين المدينتن ممانعة جديدة للنفوذ التاريخى ( العلوى ) فى أدارة الحكم وعمليات النظام والأمن .
كما أن الأقليات العرقية لم تندمج فى المشهد الإحتجاجى , فالأكراد جرى منحهم الجنسية سريعآ وبالنظر إلى البعد الجيوسياسى الهام لهم بالمنطقة الشمالية الشرقية , كما أمتنعت الطائفة الدرزية عن المشاركة , فضلآ عن المسيحيين الذين يشكلون نحو 13% من السكان و الذين التزموا الصمت وفق منحى التقية السياسية التى التزموها منذ وصول البعث للحكم فى العام 1963 .
ومن هنا يثور الجدل بشأن مدى قدرة تلك الحركة الإحتجاجية الوليدة على أسقاط ” آل الأسد ” وفى ضوء غياب المعطى الخاص بتفسخ الطبقة الحاكمة وعجزها عن الإستمراروكشرط لازم لإنضاج موقف ثورى شامل فى مواجهتها .
فوفق قوانين الثورة الإجتماعية لا يكفى أن تتزايد معدلات القهرعلى الفئات المستغلة وأن ترفض العيش وفق الأسلوب القديم , ولكن أن يتداعى أيضآ الصمود الداخلى للطبقة الحاكمة وتبرز تناقضاتها وتفقد القدرة على البقاء بذات الأسلوب .
ومن البين أن الفئة المنتفضة التى تمردت على ثقافة الخوف تقدمت بفعل معطيات خاصة بالواقع الإقتصادى والإجتماعى السورى , وبمتغيرات الحالة المزاجية التى أضحت سائدة عقب تدافع موجات الإحتجاج العربى .
فهناك مخزون من الإحباط و الإحتقان ناتج عن تهميش قطاع واسع من الفئات الشعبية وكأثر للسياسات الإقتصادية التى أنتهجتها الحكومة السورية منذ العام 1986 .
فقد رفعت الدولة يدهاعن كفالة كثير من المستلزمات الضرورية للمواطنيين , وحيث توارى دورالقطاع العام والحكومى , وتوسعت فى تطوير قطاع السياحة والمقاولات والبنوك الداخلية ومنحت أمتيازات للإستثمارالخارجى وبما أدى لإثراء طبقة جديدة محدودة من التكنوقراط ورجال الأعمال المرتبطة به , فى وقت لم يكن له مردود أوعائد تنموى على المواطنين .
ولذلك تزايدت نسبة السوريين تحت خط الفقر لتصل لنحو 30% , وتراجع متوسط دخل الفرد لنحو 11 آلاف ليرة فى الشهر , فضلآ عن بطالة تجاوزت نحو 70% من الخرجيين ,ونزوح نحو مليون فلاح إلى أطراف دمشق وحوران بعد تدنى الأجور فى القطاع الزراعى , فى حين أستأثرت قلة محيطة بالسلطة والبيروقراطية الحكومية والمستمثرين الجدد بالنصب الأكبر من الدخل والثروة القومية .
وهكذا تآكلت الوفورات الإجتماعية للطبقة الوسطى فى ظل أقتصاد أتسم بصفة الريعية فى السنوات الأخيرة , و نتيجة لغياب التنمية والأنشطة الإنتاجية والإتجاه لتزكية رأسمال الخاص وحركة الإستثمار السياحى والإستهلاكى ,فضلآ عن شيوع الفساد وتراجع الخدمات التعليمية والصحية .
وتضافرمع التدهور الإجتماعى والإقتصادى تراجع سقف توقعات السوريين التى أرتبطت بصعود بشار( الشاب المنفتح صاحب الثقافة الأنجلوسكسونية ) على مسرح الحدث السياسى وكخليفة لوالده البعثى المحافظ .
تراجع بشار ناتج عن عجزه عن أجراء تحولات سياسية جذرية فى بنية النظام وأليات عمله وأدارته , ومن ثمة أنجاز شرعية جديدة لحكمه تحل محل واقعة ( التوريث السياسى ) التى اوصلته للسلطة .
ومن هنا فأن نموذج الأوليجاركية السورية ( نمط النظام البوليسى التعبوى مع الزمرة المالية والريعية المسيطرة على السلطة ) لم يعد قادرآ على أشباع الحالة العقلية ( State of mind ) أوالمزاج السائد لدى القاسم الأوسع من السوريين
فمنطق النضال ضد الأمبريالية والصهيونية ورفع شعارات المقاومة والممانعة يضحده الفساد والواقع الإقتصادى الذى يخدم مصالح الإمبريالية ويوطد العلاقة مع الرأسمالية المعولمة وقيم السوق وجهاز الأثمان .
كما أن شراء الولاءات والقبول الشعبى من خلال ضخ أعانات ومكرمات وزيادة المرتبات لن يفيد البعث لأنه أعتمد منذ زمن منهج التعبئة الجماهيرية والإعلامية القائم على خطاب سياسى وأيديولوجى مجرد .
فضلآعن الأسد لن يراهن على دعم سياسى ومعنوى إيرانى مؤثر بعد أن نالت أحداث الإنتخابات الإيرانية الرئاسية من صورة جبهتها الداخلية ومن حضورها وتأثيرها داخل المشهد الأقليمى .
كما أن القيادة السورية لم تعول كثيرآ على التطمينات التى حملها رئيس المخابرات العامة المصرية – اللواء / مراد وافى – فى زيارته الأخيرة لدمشق لأنها لم تثق بعد فى نوايا المجلس العسكرى أوالجماعة الثورية المصرية الصاعدة .
ومن هنا أدرك التحالف السلطوى البعثى أن أوراقه صارت محصورة فى ” الداخل السورى ” , وفى أستمرار وحدة مصالح اجنحته وتماسكه الداخلى والحيلولة دون صراعها وتفسخها .
فقادة الجيش والأجهزة الأمنية – التى تجمعهم روابط الدم والعشيرة بالأسد و طائفته – يعلمون جيدآ أن المطالبة برأس الأسد تعنى المطالبة أيضآ برؤوسهم , وأنهم سيسقطون حتمآ فى حال سقوط البعث كحزب مندمج عضويآ فى بنية الدولة والنظام .
روابط التحالف السلطوى القائم فى سوريا هى الذى تصيغ مستقبل الصراع , وطالما أن الطبقة الحكمة تعتقد فى قدرتها على الإستمراربذات الأساليب البعثية المعتمدة – فلن يقدم النظام أية تنازلات جديدة , و سيجهض تطويرالحركة الإحتجاجية لموقف ثورى شامل , وسنكون أمام حمام دماء لا سابق له .