الجامعة العربية: هل آن أوان التغيير؟
فايز سارة
كشفت ثورات الربيع العربي عن الحاجة الملحة والضرورية لإحداث تغييرات جوهرية تشبه الثورة في جامعة الدول العربية، وهذا ما أكدته طريقة تعامل الجامعة العربية مع ثورات الربيع العربي، التي يمكن رسم ملامحها في ثلاث حالاث، الأولى، تتمثل في تجاهل الجامعة للأحداث وغض النظر عما جرى في بعض البلدان على نحو ما حدث في ثورات تونس ومصر وفي تحركات اليمن والبحرين، وتجسدت الثانية في تأثر الجامعة السريع بالأحداث واتخاذ موقف منها، وجاء في سياق ذلك تبني الجامعة قراراً ساخناً يدعم التدخل العسكري الدولي الذي نفذه «الناتو» في ليبيا، والموقف الثالث، يمثله موقف الجامعة من تطورات الأزمة في سوريا، وهو موقف تأخر حتى ظهر، وعندما ظهر اعتراه التردد في اتخاذ الإجراءات العملية رغم أن خياره بدا واضحاً في رفض سياسات النظام في المعالجة الأمنية العسكرية للوضع واستخدام القوة ضد الحراك الشعبي، ودعوة السلطات السورية الى تغيير سياساتها وممارساتها في التعامل مع التحركات الشعبية، وهو السياق الذي ولدت في مضمونه مبادرة الجامعة العربية، قبل أن تطلق من خاصرتها البرتوكول الخاص ببعثة المراقبين العرب ليكونوا شهوداً على ما يحدث في سوريا.
إن التناقض الملموس في مواقف الجامعة العربية، يمثل عاملا يفرض بذل جهود عربية جدية في المستويين الرسمي والشعبي من اجل تغيير الجامعة وتثويرها، مما يؤدي الى إعادة النظر ليس في مؤسسات الجامعة وأجهزتها، بل في رؤية الجامعة وآليات عملها، والأهم في التغييرات المطلوبة، إجراء تبدل نوعي في أنماط التفكير والتدبير المعمول بها في الجامعة وهيئاتها.
والعامل السابق في راهنيته وضروراته من أجل التغيير في الجامعة العربية وتثويرها، يمكن أن يضاف الى عوامل اخرى، كانت دفعت العرب في العشرية الماضية الى طرح ضرورات اصلاح جامعة الدول العربية، وفي هذا السياق قدمت افكار ومشاريع، كان هدفها عصرنة الجامعة العربية وتطويرها ورفع مستويات أدائها بما يخدم القضايا العربية، ويحقق لها افضل ظروف النجاح والتقدم في مواجهة ما اصابها من الضعف والترهل، وعدم القدرة على خدمة ومعالجة الأوضاع العربية وتداعياتها في المستويات الداخلية وفي العلاقات القومية والدولية.
وتحقيق مثل هذا الهدف في دور وأنشطة الجامعة العربية، يتطلب إصلاحات تشمل بصورة أولية وأساسية، الإطار السياسي في عمل الجامعة ولا سيما في امرين اثنين، اولهما إعطاء الجامعة دور المبادر فيما يخص اهدافها ومهماتها بخلاف ما هو عليه الوضع حالياً، مما يعني تولي الجامعة مهمة رسم وتطوير والمساهمة في تنفيذ السياسات العربية على نحو ما يفعل الاتحاد الاوربي في تعامله مع السياسات الأوروبية، والأمر الثاني إعطاء الجامعة العربية، التي كانت هيئة تمثل الحكومات العربية، بعداً وعمقاً شعبياً في سياساتها وبناها مما يجعلها أكثر تمثيلاً للإطار العربي، وهو تطور واقعي تتجه إليه اغلب المنظمات والهيئات الدولية والاقليمية، ومنها الامم المتحدة، وسوف يتقوى هذا التوجه في الجامعة العربية مع التغييرات التي يعبر عنها الربيع العربي.
وأهمية إصلاح الاطار السياسي، لا تكتمل ولا تصبح ذات فاعلية إلا بتحقيق اصلاحات اخرى، تشمل الاطار القانوني والتنظيمي، بحيث يتم وضع اطر تعيد ترتيب علاقات الجامعة ومؤسساتها مع البلدان العربية وفقاً لمحتويات الاطار السياسي في توجهاته الجديدة، ثم القيام بخطوات مماثلة من اجل تطوير العلاقات الداخلية في هيئات الجامعة وفيما بينها. وهو ما يفترض ان يشمل الجانبين الاداري والمالي في انظمة عمل الجامعة وهيئاتها وعلاقاتها، وما يترتب عليها من علاقات داخلية وخارجية.
إن إصلاح الجامعة العربية بات ضرورة ملحة اكثر من أي وقت مضى، وهو امر لا تفرضه فقط الاحتياجات العربية العامة، التي كانت قائمة قبل مجيء تطورات الربيع العربي، وأكثرها ما زال قائماً، بل إن اصلاح الجامعة وصولاً الى تثويرها اصبح في الضرورات الملحة في ضوء ما حمله الربيع العربي من تحركات وأفكار وممارسات وتغييرات ادى بعضها الى ثورات انتصرت، وأخرى في طريقها للنصر، وثالثة منتظرة في سياق عربي سيلف المنطقة، ويفرض عليها تبدلات جوهرية وعميقة لا يمكن استثناء أي بلد عربي منها، كما لا يمكن استثناء الجامعة ذاتها، والتي هي كما يقال بيت العرب كلهم.
كاتب وناشط سياسي سوري
الحياة