الحراك الديبلوماسي حول سورية ومصير الأسد –مقالات مختارة-
صناعة عناصر التسوية في سورية/ غازي دحمان
تدرك جميع الأطراف المعنيّة بالأزمة السورية أنّ الوضع الحالي لا يشكّل فرصة لصناعة تسوية في سورية، نظراً لحجم التعقيد الذي تنطوي عليه الأزمة وعدم وضوح الصورة، لكن إدراك المخاطر الكبيرة التي يولدها إستمرار الأزمة والتي تتوالد بشكل ميكانيكي مذهل، وكذلك إعتقاد الأطراف أنّه من المفترض قيامها بدور ولو بحدّه الأدنى يتطابق مع مسؤولياتها في حفظ السلام العالمي، وبخاصةً بعد إنجازها لما تعتقده صفقة العصر، الإتفاق النووي مع إيران، ومحاولة هذه الأطراف إستثمار مناخ التقارب الحاصل بينها على هامش مفاوضات النووي، يدفعها إلى محاولة تنشيط الحراك حول الملف السوري، أو أقلّه إبقاء المسألة مطروحة.
ملامح هذا الحراك وحدوده تكشف بشكل واضح أنّ سقف أطرافه منخفض وطموحاتها واقعية وغير مندفعة، ومن الطبيعي انها إستنتجت من خبرتها السابقة بأنّ التسوية لن تحصل لمجرد حضور أطراف الصراع إلى جنيف أو موسكو، تلك ليست سوى تكتيكات يمارسها الطرفان لتحسين مواقعهما الديبلوماسية، ولن تحصل التسوية نتيجة تصورات نظرية للحل يصوغها خبراء في العلوم السياسية عن طبيعة نظام الحكم وشكل الدولة. تلك قضايا جيدة لكنها متقدمة كثيراً وثمة فجوة كبيرة بينها وبين الواقع الجاري.
بدل ذلك يذهب الحراك الدولي بإتجاه صناعة عناصر التسوية، ويشير حتى اللحظة إلى محاولة بناء عناصر محدّدة تساهم في إنتاج عملية التسوية، وهذه العناصر تتمثل بوجود طرفين مستعدين للتفاوض ولذلك جرى التركيز في الفترة الماضية على بلورة طرف معارض واضح من خلال توحيد المعارضة السورية «الإئتلاف الوطني» و»هيئة التنسيق»، وثاني تلك العناصر وجود خريطة طريق للتسوية ويبدو أن خطوط هذه الخريطة تقوم على توحيد الجهود على محاربة «داعش» في مرحلة أولى قبل البحث في قضايا الحل الباقية والتي تأتي على رأسها المرحلة الإنتقالية والقوى التي ستقودها، وثالث تلك العناصر انخراط القوى الكبرى بإتصالات مع إيران تمهيداً لتعديل موقفها أو التوصل أقله إلى صيغة مقبولة معها.
يقوم التحرك المشار إليه على فرضيات يتطلب فحصها والتحقق منها على أرض الواقع، مثل فرضية أنّ «داعش» بات يمثل خطراً مشتركاً على جميع الأطراف الإقليمية والدولية وبالتالي وجود مصلحة عند الجميع للتوافق على آليات محاربته، ونقطة الضعف في هذه الفرضيّة أنّ الكثير من أطراف الصراع، بما فيها نظام الأسد وبعض القوى الإقليمية ترى في وجود «داعش» فرصة تكتيكية لها أكثر من كونه خطراً وجودياً عليها، وثمة فرضيّة أخرى قوامها وجود إختراقات إلى حد ما في الموقف الروسي تجعله أكثر مرونة وانفتاحاً على تقبل مقاربات جديدة لحل الأزمة وبخاصة بعد الإنفتاح الروسي على السعودية وطرح بوتين فكرة التحالف الرباعي في مواجهة «داعش»، وهذه الفرضية تعاني من ضعف أيضاً ذلك أن الموقف الروسي نفسه قام على فرضية خاطئة أساسها إعتقاد الكرملين أنّ أطراف التحالف المشار إليه باتت في موقف مأزوم جراء وصول الارهاب اليها، وبالتالي هي بحاجة لمن ينزلها عن الشجرة، والفرضية الثالثة تقوم على إحتمالات إنعكاس الإتفاق النووي مع إيران، بعد مدة زمنية، على مواقفها الإقليمية، وهو ما فنّده وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس بعد زيارته طهران.
هذا في الشكل العام، أما في ما يخص منهجبّة التحرك وآليات العمل، فيبدو أنّ الجهود الدولية تذهب بإتجاه تفكيك الواقع في سورية وتوضيح الصورة الداخلية والوضع الإقليمي المرتبط بها للبناء عليه، وفي هذا السياق تأتي مقترحات الوسيط الدولي ستيفان دي ميستورا «محادثات حول مواضيع محددة في شكل متواز أو متزامن، عبر مجموعات عمل بين السوريين». من هنا وبعكس المرات السابقة يجري التركيز على تفاصيل صغيرة تتعلق بالفوارق التفصيلية بين القوى الميدانية وأحجامها وإرتباطاتها ومدى فعاليتها، وهذا الأمر انعكس بشكل واضح على المدة الزمنية لإنجاز هذا التحرك إذ يبدو أنّ غالبية الأطراف ترغب في إستمرار حالة الستاتيكو القائمة لمدة أطول وعدم حصول تغييرات تخل بالتوازن القائم وتخلق معادلة جديدة وبخاصة من جهة فصائل المعارضة حتى يصار الى إنضاج عناصر التسوية بشكل أفضل.
لكن من الواضح أن أطراف الصراع الداخلية باتت على بينة بطبيعة الحراك وظروفه وبناء عليه راحت تعمل بدورها على صناعة حيثيات واضحة كأوراق مساومة قادمة وباتت تجهز النطاقات التي ستتحرك بداخلها وهو ما يقف في خلفية إعلان بشار الاسد نيته التمركز في مناطق محددة وفي محاولة «حزب الله» تفريغ المنطقة من الزبداني الى القصير من المقاتلين والسكان، وكذلك إقتراب الفصائل المقاتلة في الشمال من خط القرى العلوية بشكل أكبر، فيما يبدو أنه عمليات ترسيم حيثيات جغرافية لمرحلة التفاوض المنتظرة.
ولعلّ العائق الأكبر الذي يقف في مواجهة هذا التكتيك أنه يأتي متأخراً لدرجة أنه لا يصلح لتحقيق إختراقات مهمة في جدار الأزمة السميك، كما أن فعاليات هذا التحرك تبدو مقتصرة على بناء تصوّر في المدى المنظور وفهم الخريطة وترتيبها لإستيعاب تسوية ما، وهذا الأمر يحتاج مدّة زمنية تطول لأكثر من عام لبناء هذا السياق هذا اذا استمرت الأمور على سوية معينة من الزخم الديبلوماسي، إضافة إلى أن بؤرة هذا التحرك تنطوي على محاولة صناعة أوراق ضاغطة على أطراف الصراع وقادرة على تحريك مواقفهم ومواقعهم في الأزمة، وهو أمر تجاوزته ظروف الأطراف الميدانية التي تكيّفت بدرجة كبيرة مع الواقع وصنعت لنفسها مصادر تمويل في إطار إقتصاد الحرب ومصادر دعم بشري من البيئات المفقرة بازدياد يكفيها للقتال مدداً زمنية أطول حتى لو ضمن مساحات أضيق.
المشكلة أن صناعة عناصر التسوية هي نفسها قد تكون عناصر لزيادة تفجير الأزمة وإستدامة الحرب. أي خطأ بسيط في المقادير ودرجة الحرارة قد يحرق التسوية بدل إنضاجها.
* كاتب سوري
الحياة
عُقدة مصير الاسد/ باسل العودات
بعيد استخدام النظام السوري العنف والقتل كوسيلة لقمع انتفاضة شعبية طالبت بالحرية والكرامة، ارتفع سقف مطلب السوريين ليصل إلى حد إسقاط النظام، وكانوا يعنون بذلك المنظومة السياسية والأمنية والعسكرية التي ضيّقت على السوريين وحرمتهم حقوقهم وأذاقتهم المر طوال خمسة عقود، وبعد فشل الرئيس السوري في تلبية ما يريده الشعب، وإصراره على الحل العسكري والحربي، بات مطلب “إسقاط الأسد وكبار رموز نظامه” هو المطلب الأساسي للملايين من السوريين.
انتقلت مطالب السوريين بسرعة من التلميح إلى القول المباشر، من الأطراف إلى المركز، ولم يعد أحد من ملايين المتضررين يُميّز بين النظام ورأسه، وأصبحت الأولويات “إسقاط الأسد” قبل إسقاط نظامه، وهو بالطبع ما رفضه النظام وأصدقاؤه، وباتت عقدة “مصير الأسد” هي التي تُعيق إيجاد حل للأزمة السورية.
كانت مطالب المعارضة السورية واضحة، وعبّر عنها معارضون سوريون من كافة التوجهات والمستويات، وأكّدت تلك المعارضة في إعلامها وبياناتها وتصريحاتها على أن “التغيير يبدأ من رأس الهرم”، فيما قال مؤيدو النظام “الأسد أو لا أحد”، و”الأسد أو نحرق البلد” وغيرها، وساهمت هذه العقدة/ المطلب بتأخير إيجاد حل للأزمة السورية، أو ربما استعصاء الحل.
طرح أكثر من وسيط عربي ودولي عقدة “مصير الأسد” للنقاش، ورفض النظام السوري وحلفاؤه مناقشتها، وعُطّلت وساطات وفشلت مبادرات مرتبطة بهذه العقدة، وساهم عنف النظام بالإضافة لمقابلات وتصريحات شخصية للأسد بتمسك المعارضة بضرورة حل هذه العقدة قبل غيرها.
اختلف السوريون ومن بعدهم الروس والأمريكيون على تفسير بيان جنيف في ما يتعلق بـ “مصير الأسد”، كما فشل مؤتمر جنيف 2 نتيجة هذه العقدة بشكل أساسي، حيث حاول وفد النظام عرقلة المفاوضات حين تقترب من الإشارة لمصير الأسد بإدخالها بمتاهات الأولويات، فيما شددت المعارضة على أن حل هذه العقدة سيؤدي تلقائياً لحل الكثير من المشكلات المستعصية.
فشلت كل المبادرات العربية والإقليمية والدولية حول سورية بسبب هذه العقدة، فلم يقبل النظام السوري أن يناقشها، كما أعلنت إيران وروسيا أكثر من مرة أن بقاء الأسد شرط لا تنازل عنه، فيما رفضت بعض قوى المعارضة طروحات تقضي ببقائه لفترة انتقالية تمتد ربما لأشهر مقابل سحب كل صلاحياته.
رفضت إيران بحث مصير الأسد في كل المراحل، وكانت خلال أربع سنوات ونيّف من أشد المدافعين عن بقائه في كل المحافل السياسية والإعلامية، فضلاً عن دعمها العسكري والسياسي غير المحدود له، وألمحت إلى أن أقصى ما يمكن هو إجراء إصلاحات بالنظام (على طريقتها وطريقته) ومنح (بعض) المعارضة بعض (فتات الحُكم)، ويقول العارفون ببواطن شؤون النظام إن إيران تحمي الأسد شخصياً ولا تثق بأحد غيرها لفعل ذلك. أما روسيا، فقد ادّعت أكثر من مرة بأنها لا تأبه لمصير الأسد ولا تُمانع أن يتغيّر، وأنها ليست متشبّثة به، لكن كل تصرفاتها وسياساتها واستراتيجياتها كانت مبنية في واقع الأمر على رفضها فكرة تنحي الأسد أو تنحيته، سواء بالسياسة أو بالعسكرة.
كذلك الأمر، اصطدمت كل الاجتماعات التي جمعت سياسيين ودبلوماسيين روس وأمريكيين وأوربيين وعرباً بعقدة “مصير الأسد”، وربما كان الكثيرون سعداء بهذه الصخرة التي تُحطّم المراكب، لأنها العقدة السحرية التي تُنهي الاجتماعات الطويلة، وتمنح إجازة لرجال السياسة والمُكلفين بالملف السوري، وتُعطي كل الأطراف الوقت الذي يريدونه، وتُرجئ كل الجهود وتؤجل الحل.
خلال اجتماعات وزير الخارجية الروسي والسعودي قبل أيام، وقبلها بأيام، خلال اجتماعات وزير الخارجية الروسي ونظيره الأمريكي، اتفق الجميع على وسائل وطرق حل معظم عُقد الأزمة السورية عدا عقدة “مصير الأسد”، حيث ما لبث كل واحد منهم أن أعلن بعد انتهاء الاجتماعات عن رؤيته المختلفة حول هذه العقدة وإصراره على حلها وفق نظرته.
لو كانت هذه العقدة عقدة سورية بكلُيتها، ربما كان بالإمكان إيجاد حل لها بوقت أبكر، وفي الغالب، لو لم تتدخل إيران وروسيا بتعميقها، لوجد السوريون طرفاً ما من داخل النظام يبادر لقلب الطاولة واستبدال الأشخاص والبدء بإيجاد حل للأزمة السورية المستعصية، لكن كون هذه العقدة دولية عقّد الأمور.
تشير الوقائع والمواقف إلى أن إيران لن تتخلى عن الأسد، وكذا الأمر بالنسبة لروسيا، فهو بالنسبة لهما لا يُعوّض، وربما أن أقصى ما يمكن أن توافقا عليه ـ تحت الضغط ـ هو إجراء تغيير في نظامه أو إبعاده عن الضوء ببطء شديد جداً، فمن الصعب إيجاد حليف متماهي شديد الارتباط والانسجام كما الأسد، ومن الصعب إيجاد علاقة عضوية عميقة غير قابلة للتصدع كما علاقته بهما، ولا وقت لدى الدولتين لتجريب آخر، أو لإعادة تأهيل شخص ليحمل مثل هذه الصفات.
يُصرّ الكثير من السوريين على أنه لا مكان للأسد في مستقبل سورية، وأنه جزء من المشكلة وليس جزءاً الحل، ويريدون من أية عملية سياسية أن تُنهي الأسد وكبار رموز نظامه، وإلا فإنهم سيواصلون التحدي، سياسياً أو عسكرياً حتى ينهار النظام، لكنّهم يأملون أن يستطيع المجتمع الدولي أن يجد وسيلة لإخراجه من الحكم عبر عملية سياسية تُقلّص سفك الدماء وتوقف الدمار وتُحافظ على ما تبقى من مؤسسات دولة في سورية.
ينسى الإيرانيون والروس، أو بالأصح لا يعيرون أي اهتمام، إلى أن ما جرى في سورية هو أكبر وأسوأ جريمة وكارثة تُدمّر بلداً وتهجّر الملايين عرفها التاريخ الحديث، وأنه يجب على الطرف الذي تسبب بها أن يدفع الثمن أمام شعبه وأمام التاريخ، وإلا فإن الأزمة السورية ستستمر وسيدفع عديدون ثمناً باهظاً لاستمرارها.
المدن
لن يسقط نظام الأسد أكثر من ذلك/ لؤي حسين
تمكن النظام السوري من استيعاب صدمة الاحتجاج عليه بعد مضي ما يقرب الشهرين على انطلاق التظاهرات في آذار (مارس) ٢٠١١، وبات واضحاً حينذاك أنه لا يمكن إسقاطه مثلما حصل في ثورتي تونس ومصر، وأنه لن يكون سقوطه، إن حصل، إلا عبارة عن تحوله إلى مجرد ميليشيا. لكن، على رغم وضوح هذا المسار فقد تم وضع جميع سيناريوات الانتقال إلى نظام حكم جديد، دائم أو انتقالي، من جانب أطياف المعارضة السورية، أو حتى من جانب أطراف أو مؤسسات دولية، باعتماد فكرة اليوم التالي، أي اليوم الذي يلي رحيل الرئيس الأسد وأشخاص من أركان حكمه، من دون الاتفاق على عددهم أو أسمائهم، بل إن منظمتين إحداهما أميركية وأخرى ألمانية بنتا مشروعاً مهمّاً باسم «اليوم التالي» (the day after).
اعتمدت هذه الفكرة (في ظاهرها) على وضع برامج وآليات محددة ليصار العمل فيها في اليوم التالي لرحيل بشار الأسد وعدد من قياداته، حيث ستتاح السلطة يومذاك لكيان معارض أو لشخصيات معارضة، وذلك كي لا ترتبك السلطة الجديدة، أو تعتمد الارتجال.
لكن هذه الأفكار على رغم حسن هيئتها وقوامها فهي لا تتعدى كونها كلاماً ساذجاً وأفكاراً مدرسيّة وتأمليّة لا تقارب الواقع البتة، بل هي عبارة عن هروب من راهنية الواقع وسؤاله الرئيسي: كيف يمكن ترحيل الأسد وطغمته الحاكمة أولاً.
سذاجة هذه الفكرة تتأتى من أنه لن يكون هناك يوم تالٍ لرحيل الأسد. أي بعبارة أوضح إن قيض لنا وشهدنا اليوم الذي يرحل فيه الأسد (وفق آليات العمل المعتمدة) فلن يحالفنا الحظ بمشاهدة سلطة متاحة لتنفيذ أي برامج، إذ إن كل ما سيبقى خلف الأسد لن يكون أكثر من حطام دولة. فقادة النظام السوري اعتمدوا منذ البداية العمل على تحويل النظام إلى ميليشيا كطريقة وحيدة لاستيعاب الحركات الاحتجاجية. وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على الصراع، وتحديداً بعيد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية الزائفة التي بدا فيها النظام كأنه حصل على مبتغاه بتحقيق شرعية انتخابية لم يعترف له بها أحد غير حليفين أو ثلاثة من جملة دول العالم أجمع، بدأ يُظهر النظام إشارات إنجاز التحول إلى مجرد ميليشيا، فلم يعد يأبه لغير تأمين المال والمقاتلين، مستغنياً في شكل تام عن السياسة والاجتماع والاقتصاد، بل إنه ما عاد يشعر بأي حاجة لاستعادة القبول الدولي، فأخذ يتعامل مع روسيا على أنها هي التي في حاجة إليه أكثر من حاجته لها، وباتت وسائل إعلامه ومحللوه السياسيون يعبّرون بوضوح عن دور النظام بتعويض روسيا عن الحصار الدولي المفروض عليها، وعن دور النظام بكسر القطبية العالمية الواحدية للولايات المتحدة لمصلحة روسيا.
هذا الأمر لم تنتبه إليه روسيا إلا خلال المؤتمر (الأول) الذي عقدته في موسكو، والذي جمعت فيه وفداً للنظام مع وفود لجهات سياسية سورية تم اعتبارها جهات معارضة. بعد ذلك رضخت روسيا لهذا التحول، فهي عملياً تحتاج إليه في صراعها الدولي مع الولايات المتحدة. فهي تريد الظهور دوماً أمام المجتمع الدولي على أنها قادرة على «إقناعه» بما تريده، مثلما حصل بمسألة السلاح الكيماوي، وأنها ما زالت قادرة على لعب دور رئيسي في المسألة السورية. قبلت روسيا على نفسها ذلك على رغم أن النظام أصبح بالنسبة لها كالولد العاق الذي لا يمكنها إخضاعه، كما لا يمكنها التبرؤ منه وتسليم أمره لأهل الحي لأن ذلك من شأنه أن يُضعف هيبتها ومكانتها أمام الجيران الدوليين.
لكن إيران ما زالت قادرة، حتى الآن، على «إقناع» النظام السوري بكثير مما تريده، وتحاول الآن زيادة مقدرتها على «إقناعه» أكثر فأكثر من خلال فرض شروط أشد قسوة مستغلة حاجاته المتزايدة إلى الدعم المالي والمادي.
ما أريد قوله أن النظام وصل منذ ما يقرب السنة إلى الدرك الأسفل من السقوط، وما عاد يمكن أن يسقط أكثر من ذلك. ولن تكون الخسائر الميدانية المتوقعة سوى تغيرات كمية ليست ذات معنى على هذا المستوى.
إذاً، أمام هذا التحول هل يمكننا اعتبار اليوم التالي قد آن أوانه وأصبح موعده اليوم؟
سورية الآن مجرد أكوام من الركام والحطام، حطام دولة وحطام مجتمع وحطام مؤسسات وحطام اقتصاد وحطام أخلاق وقيم، كل ما فيها حطام، البيوت حطام والمدن حطام والبشر حطام. لم تعد يصلح معها أي من الكلمات أو المصطلحات التي اعتُمدت وراجت طيلة السنوات الأربع والنصف السابقة، لا مصطلح إسقاط النظام ولا التسوية أو التفاوض معه، ولا مصطلح المعارضة أو الموالاة، ولا مقولة الحل السياسي أو ادعاء الحل العسكري، كل هذه طمرها الركام وما عـاد يمكنها أن تنبت فوقه.
نعم، اليوم هو ميعاد اليوم التالي. اليوم لم يعد يوجد ما يمكن فعله سوى إقامة الدولة السورية المنشودة المبنية على أسس المواطنة والقائمة على المساواة بين المواطنين من دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو الطائفة أو الجنس أو الثقافة، والتي من أهم مهامها إقامة العدالة بين جميع المواطنين وجميع المكونات الاجتماعية. فلم تعد يصلح أيّ من البرامج الإرجائية. فكل كلام يُرجئ المباشرة ببناء هذه الدولة إلى وقت لاحق، أو ينتظر متغيراً ما، سيكون كلاماً متخلفاً عن متغيرات الواقع السوري، وسيبقى إرجائياً دوماً.
قد يظهر هذا الكلام على أنه رأي تأملي لا يمت إلى الواقع بصلة وليس له أية مقومات وجود سورية، فأي دولة تحتاج بالحد الأدنى لكي تقوم إلى قطعة من أرض، وبعض من شعب، و «حفنة» ولو صغيرة من قيادات يمكنها أن تشكل سلطة ما، وجيش قادر على فرض سيطرة هذه السلطة وسيادتها على هذه الأرض ولمصلحة هذا الشعب، وهذا لا يتوافر أي منه الآن، فجميع الأراضي السورية يسيطر عليها مسلحون متعددو التوجهات والولاءات، ومن بقي من السوريين بات رهينة القوى الطغيانية أو رهينة الجوع والتشرد، وجميع القيادات السورية الحقيقية لا يمكنها أن تملأ «الحفنة»، وجميع المسلحين الموجودين الآن تقريباً إما ميليشيات أو مرتزقة.
هذا الكلام صحيح، لكن سورية لم تعد في حاجة إلى عمل معارض أو عمل موالٍ، إنها في حاجة فقط إلى عمل إنقاذي، وإنقاذها لا سبيل له، حسب اعتقادي، إلا ما ذكرته. لهذا، يتوجب العمل على إيجاد تلك المقومات ولو كانت بأبعاد مجهرية الآن، فهذا كفيل بأن يزرع الأمل من جديد في نفوس السوريين، وحينئذٍ ستتسع تلك الأبعاد لتشتمل على كل ذرة أرض سورية (مهمة أو غير مهمة) وعلى كل فرد سوري (دافع عن الوطن أم لم يدافع) وعلى كل مقاتل سوري قاتل تحت راية جهة ما اعتقاداً منه بأنه يدافع عن الوطن السوري.
* رئيس تيّار بناء الدولة السورية
الحياة
ما لم تذكره المبادرة الإيرانية/ حسين عبد العزيز
أن تخرج مبادرة للحل السياسي من إيران، الداعم الرئيسي للنظام السوري وصمام أمنه، فهذا يعني أنها مبادرة ليست لإيجاد حل حقيقي ينهي الأزمة في البلاد، بقدر ما هي محاولة لتثبيت دعائم النظام على حساب الثورة، تحت عنوان أولوية محاربة الإرهاب ووقف العنف.
جاءت المبادرة أكثر وضوحا في جانبها العسكري، وفضفاضة في مضمونها السياسي، كما هو الحال مع مبادرتها الأولى عام 2012، والتي عرفت بالنقاط الست (الوقف الفوري للعنف، تقديم المساعدات الإنسانية، متابعة موضوع الحوار الوطني الذي يمهد لمصالحة ثم حكومة انتقالية، الإفراج عن المعتقلين، وقف بث الأخبار غير الصحيحة، لجنة لتقييم الخسائر وإعادة الإعمار)، وكما الحال مع مبادرتها الثانية التي طرحت في مارس/آذار 2014، الأصل للمبادرة الحالية (وقف إطلاق النار، السيطرة على الحدود ومنع دخول المقاتلين الأجانب والسلاح، فتح الأبواب أمام المساعدات، الحكومة الانتقالية).
ماذا تعني المبادرة الإيرانية الحالية (وقف إطلاق النار، تشكيل حكومة وحدة وطنية، إعادة كتابة الدستور السوري، إجراء انتخابات بإشراف دولي)، وما الذي تخفيه؟
أولاً، تستبعد المبادرة رؤية المعارضة السورية للحل التي تدعو إلى تزامن المسارين، العسكري والسياسي، معا (الورقة التي قدمها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في “جنيف 2″) وتتبنى طهران بدلا من ذلك رؤية النظام كاملة، وهي المتعلقة بوقف إطلاق النار أولاً، قبل الانتقال إلى البعد السياسي، أي أن أساس الحل في سورية عسكري في المقام الأول، وليس سياسيا كما تحاول إيران أن تظهر.
ومع تحول الساحة السورية إلى صراع مكشوف على المستوى الدولي، وكثرة الفاعلين فيها، فإن التركيز على وقف إطلاق النار، أولاً، يعني استمرار الصراع سنوات أخرى. ويعني ثانيا محاولة تغير الواقع الميداني، تحت غطاء دولي، قبيل الشروع في المسار السياسي، فوقف العنف يتطلب وقف إمداد السلاح للمعارضة، وبالتالي تجريدها من قوتها، في وقت يستمر حلفاء النظام بإمداده بكل ما يحتاجه من بشر وسلاح، بحجة محاربة الإرهاب، ما قد يجعل من نظام الأسد شريكا للمجتمع الدولي.
“مبادرة ليست لإيجاد حل حقيقي ينهي الأزمة في البلاد، بقدر ما هي محاولة لتثبيت دعائم النظام على حساب الثورة، تحت عنوان أولوية محاربة الإرهاب ووقف العنف”
ثانياً، طرح تشكيل حكومة انتقالية، بدلا من هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة وفق بيان جنيف، محاولة للالتفاف على أهم بند في الوثيقة الدولية، كما فعل النظام في مؤتمر “جنيف 2″، فالحكومة، وفق هذا المفهوم، تتبع للرئاسة في الدستور السوري الحالي، وبالتالي، صلاحياتها الدستورية والتنفيذية ليست مطلقة، وربما حتى ليست واسعة لتحقيق الهدف الذي لأجله شكلت. وتروج طهران حكومة وحدة مع المعارضة، تكون صلاحيتها الفعلية بيد النظام ومهمتها محاربة الإرهاب، لا تغيير بنية النظام السياسية والأمنية والعسكرية، إنها باختصار محاولة للقضاء على مخرجات “جنيف 1” السياسية.
ثالثاً، البند الأخطر في المبادرة الإيرانية، تعديل الدستور بما يتوافق وطمأنة المجموعات الإثنية والطائفية، فهو يهدف إلى تطمين الأقليات من النظام لا من المعارضة. بمعنى آخر، تسعى المبادرة إلى بناء تحالف طائفي ـ إثني في مواجهة السنة السياسية، بتطمين الأكراد بحقهم في تشكيل حكم ذاتي، وتطمين الأقليات الطائفية بوجود محاصصة سياسية، على غرار لبنان والعراق.
وبناء على ذلك، يتشكل حلف عابر للأقليات في مواجهة السنة السياسية، تكون الأقلية العلوية في قلبها، للحيلولة دون تشكل كتلة تاريخية سنية، من شأنها أن تمارس هيمنة في المستقبل.
رابعاً، أما الانتخابات، فجاءت مبهمة أيضا في المبادرة الإيرانية التي لم تحدد نوعيتها، أهي انتخابات برلمانية أم رئاسية، أو كلتاهما معا؟ وأين مصير الأسد منها؟ وهل تقبل نتائج الانتخابات الرئاسية التي حصلت العام الماضي أم لا؟
الغموض الذي يلف المستوى السياسي في المبادرة، وهذا البند خصوصا، مقصود بحيث يترك تفسيره لمرحلة لاحقة، تبعا لتطورات الأوضاع في سورية. وباختصار، لا ترقى المبادرة الإيرانية إلى مستوى وصفها بالمبادرة، وأهميتها ودلالتها في توقيتها، لا في مضمونها:
-إدراك إيران تهاوي النظام السوري، ودخوله عنق الزجاجة، وعدم قدرته على اجتراح حلول عسكرية لصالحه، على الرغم من الدعم الكبير المقدم له.
-مخاوف إيران من حدوث تحول في الموقف الروسي حيال سورية بدت ملامحه في الظهور منذ فترة، وتوج في مباحثات الدوحة الثلاثية، وموافقة موسكو على تمرير قرار مجلس الأمن 2235 حول سورية، والذي كانت إيران على علم مسبق به.
-مخاوف إيران من التطورات التي قد تحصل في شمالي سورية، بعيد الاتفاق التركي ـ الأميركي وتأثيره المباشر على معادلة الصراع في سورية.
العربي الجديد
عودة النشاط إلى الحراك الدبلوماسي بشأن سوريا/ بكر صدقي
انفتحت شهية الصحافة على محاولة قراءة ما وراء الظاهر من الحراك الدبلوماسي متعدد الأطراف الجاري بنشاط حول المشكلة السورية، وتعددت السيناريوهات المفترضة وتنوعت حول كيفية إخراج الزير السوري من بير الفوضى والعنف اللذين يعصفان به منذ سنوات. ليس جديداً، في هذا السياق، القول بأن «الحل السياسي هو الوحيد الممكن» كما يكرر الأمريكيون بصورة خاصة، وجميع المعنيين بالمشكلة السورية بصورة عامة، منذ سنوات. بل الجديد هو أنهم باتوا الآن يقصدون فعلاً ما يقولونه بذلك، في حين كانوا جميعاً منهمكين في كل شيء ما عدا السعي إلى حل سياسي. مع ذلك يمكننا القول إن حلفاء النظام هم الذين بدأوا بكسر الحلقة المفرغة، لاستشعارهم بتراجع الوزن النسبي للنظام في معادلات الحرب الداخلية، بصورة مطردة لا أفق لعكسها.
وعلى رغم تأكيد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره السعودي عادل جبير، على «استمرار خلاف روسيا مع وجهة النظر السعودية فيما يتعلق بمصير رأس النظام»، يمكننا ملاحظة أن ما تم تسريبه من «مبادرة إيرانية» يتضمن فكرة جديدة تماماً تتعلق بـ»ضمان حقوق الأقليات دستورياً» في أول إشارة إيرانية إلى تغيير في النظام السياسي لسوريا. خاصةً إذا ربطنا ذلك بالمفاوضات التي جرت بين ممثلين عن الحكومة الإيرانية وحركة أحرار الشام حول مقايضة بين مدينة الزبداني التي فشل حزب الله المدعوم من قوات النخبة في جيش النظام الكيماوي في السيطرة عليها، وقريتي الفوعة وكفريا المحاصرتين من غرفة عمليات «جيش الفتح» في ريف محافظة إدلب.
وتتمتع مدينة الزبداني بقيمة استراتيجية كبيرة لحزب الله لأنها بمثابة معبر لإمداده بالسلاح والعتاد، لكن سوء حظه الجغرافي قضى بأن سكانه من المسلمين السنة. أي أنه حتى لو تمكن الحزب وحليفه السوري المزود بسلاح الطيران من القضاء على مقاومة الثوار المتحصنين في المدينة، ستبقى الحقيقة الديموغرافية عقبة لا يمكن تذليلها إلا بتطهيرها من سكانها. لذلك كان المطلب الإيراني في المفاوضات مع حركة أحرار الشام يتمثل بترحيل متبادل للسكان السنة من الزبداني والشيعة من الفوعة وكفريا بصورة متقابلة. فشلت المفاوضات، في مرحلتها الأولى على الأقل، واشتد الضغط العسكري بالتقابل على الزبداني من جهة والقريتين الشيعيتين في الشمال من جهة أخرى، قبل اتفاق الطرفين على هدنة لمدة 48 ساعة.
بالنظر إلى عملية المقايضة المفترضة هذه ذات السمة الطائفية والاستراتيجية، يمكن فهم الكلام الإيراني الجديد حول «ضمان حقوق الأقليات» في دستور لسوريا ما بعد الحرب. بمعنى أن طهران التي يئست من قدرة رجلها في دمشق على الاحتفاظ بكامل سوريا، باتت تخفض سقف تطلعاتها إلى مستوى مناطق نفوذ داخل سوريا قائمة على خطوط طائفية، الأمر الذي ألمح إليه أيضاً رأس النظام الكيماوي ـ وللمرة الأولى أيضاً ـ في ظهوره الإعلامي الأخير، حين تحدث عن انسحابات محتملة لقواته من مناطق «أقل أهمية» لضمان حماية مناطق «أكثر أهمية»، واعداً حزب الله، ضمن مجموعة ميليشيات شيعية مرتزقة متعددة الجنسيات، بحصة من الأرض السورية مقابل إسقاط الحق في الوطن السوري عن معارضي النظام، وذلك بتحديده لملكية هذا «الوطن بمن يدافع عنه، وليس من يحمل جنسيته أو جواز سفره» كما قال.
تجب الإشارة كذلك إلى تقدم قوات «جيش الفتح»، في الأسبوعين الأخيرين، في سهل الغاب، بوصفه تهديداً مباشراً وخطيراً لإحدى مناطق الحاضنة الشعبية للنظام. سنرى، في الأيام القليلة القادمة ما إذا كانت التجاذبات الاقليمية والدولية ستسمح لجيش الفتح بالسيطرة على معسكر جورين، أم ترغمه على الوقوف عند حدوده. لكل من هذين الاحتمالين دلالة مختلفة فيما يتعلق بقبول إيران بما يطرح من حلول سياسية أو رفضها لها ومحاولة فرض مطالبها.
إذا كانت التطورات الميدانية المذكورة أعلاه هي الإطار المحلي لاقتراب روسيا وإيران من فكرة الحل السياسي، فإنجاز الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى (5+1) هو الإطار الدولي الذي أتاح التغييرات في مواقف الفاعلين في المشكلة السورية. من ذلك هذا التقارب السعودي ـ الروسي الذي جعل القيادة الروسية تدرك أن مصالحها في الاقليم ليست محكومة حصرياً بنظام نافق في دمشق، عبء استمرار دعمه أكبر من أي مكاسب يمكنه أن يجنيها منه، بل لديها خيارات أخرى واعدة أهمها دول الخليج التي اكتشفت بدورها قيمة تنويع علاقاتها الدولية بعيداً عن تلك الأحادية المقتصرة على واشنطن أو تكاد.
وفي خط مواز للتقارب السعودي الروسي، كان من شأن إنجاز الاتفاق النووي إخراج طهران من عزلتها وفتح أبواب واشنطن وباريس أمامها، فضلاً عن نهاية العقوبات القاسية التي أرهقتها. أما تركيا الغارقة في مشكلاتها وتناقضاتها الداخلية من جهة، وفي الصراع السوري من جهة ثانية، فقد شكل توقيع الاتفاق النووي حافزاً مهماً لأنقرة لإنهاء خلافها مع واشنطن حول الحرب الدولية على داعش. فمن جهة أولى بات التقارب الأمريكي ـ الإيراني مقابل الفتور الأمريكي ـ التركي عامل إخلال بالتوازن بين القوتين الاقليميتين الرئيسيتين المتنافستين، ومن جهة ثانية شكلت العلاقة الدافئة المستجدة بين واشنطن وحزب العمال الكردستاني نذير خطر بالنسبة لأنقرة، وحافزاً إضافياً لها للتفاهم مع الأمريكيين. وهكذا تمكن أردوغان من تمرير حربه المفتوحة على «الكردستاني» مقابل فتحه لقواعده الجوية، إنجرليك وغيرها، أمام طائرات التحالف الدولي لضرب داعش في الأراضي السورية، إضافة لضمان عدم سيطرة وحدات حماية الشعب الكردية على المنطقة الممتدة من جرابلس إلى أعزاز وصولاً إلى مارع قرب حلب، أي ما راج في الإعلام على أنه «منطقة آمنة» في حين صرح الأمريكيون، مراراً، رفضهم لفكرة المنطقة الآمنة داخل الأراضي السورية.
الخلاصة أن الحركة الدبلوماسية النشطة على أكثر من خط، ليست من باب إدارة الأزمة كما كانت الحال سابقاً، بل هي بحث جدي بين الفاعلين الاقليميين والدوليين عن حل سياسي متوافق عليه. المرجح أنه ليست هناك صيغ جاهزة لهذا الحل، بل هو يخضع لمساومات شاقة بين الدول المعنية.
٭ كاتب سوري
القدس العربي
عن «الحلّ السياسي» في سوريا: ما كان وما صار وما سيكون/ ثائر ديب
تبدو مسيرة «الحلّ السياسي» كأنّها انطلقت في سوريا. وقعقعة السلاح المتواصلة لا تخفي أصوات مبادرات الحلول أو التصريحات التي تلي حوارات كانت بعيدة الاحتمال حتى البارحة. ثمّة، في هذا الصدد، لقاءات روسية أميركية لافتة، ولقاءات سعودية ســــورية مفاجئة، واجتماعات عُمانية دالّة. كلّ ذلك في سياق توقعات بأن يكون للاتفاق النووي الإيراني مع دول (5+1) عواقبه الســـياسية في العراق واليمن وسوريا ولبنان. ودليل ذلك ما صدر سريعاً من مسوّدة جــــديدة لمبادرة إيرانية بخصوص سوريا، وما أثاره من نقاش بــــندها الـــــثالث الذي يدعو إلى «إعادة كتابة الدستور بما يتوافق وطمأنة المجـــموعات الإثنية والـــطائفية».
على الصعيد الداخلي، وبرغم دعوة أطراف خارجية هذه المعارضة أو تلك إلى هذا اللقاء أو ذاك في موسكو أو أستانا أو اسطنبول أو جنيف أو القاهرة أو سواها، يبدو ما يُدعى بالمعارضة السياسية السورية عموماً على أنّه الأضعف والأقلّ شأناً والأشدّ التباساً وغموضاً. ولا تخرج عن ذلك كثيراً تلك المعارضات المسلّحة التي تتميّز بطابعها الإسلامي شبه المطلق وتبعيتها التامة لمموّليها ورعاتها المختلفين وكون الغلبة والشوكة فيها للتيارات التكفيرية الإرهابية. وبعد ما يقارب السنوات الخمس على انطلاق الاحتجاجات السورية، لا تزال الأسئلة مطروحةً: مَن هي القوى المعارضة السورية التي يُفترَض أن تجلس قبالة النظام على طاولة الحلّ أو التفاوض السياسي؟ ما هي تعبيراتها؟ ومَن تمثّل؟ وهل ثمّة أهمية لحجم تمثيلها؟ وهل ستبقى ذات طابع سياسي حزبي ومدني غالب، على نحو ما هي عليه «هيئة التنسيق» و «الائتلاف» نوعاً ما، أم ستحل محلها على مدى المفاوضات الطويل قوى تمثّل الطوائف والعشائر والإثنيات والمقاتلين في ظلّ ركاكة أداء المعارضة السورية وتخلّفها الصارخ، بل تهافتها وربما تفاهتها، كما في ظلّ الدعوات والخطط المتنامية لاعتبار الصراع في سوريا مشكلة جماعات وطوائف وإقامة الحلول على هذا الأساس؟
ليس تزايد الدور الخارجي وتهافت الدور الداخلي سوى الدليل على خروج أعنّة الصراع من أيدي السوريين، الأمر الذي بدأ منذ اختيار الحلّ الأمني حلاً لمشكلة سياسية مزمنة وعميقة ومنذ اختيار التسلّح والعسكرة المقابلين ردّاً على ذلك. ومعنى هذا أنّ الارتهان للخارج كان قد بدأ باكراً جداً، بعد أشهر لا تتعدّى أصابع اليد الواحدة من انطلاق الثورة السورية في 2011. وربما يبدو اليوم كما لو أنَّ القوى الخارجية على اختلافها قد حققت غاياتها في سوريا أو باتت أمام تحديات جديدة تقتضي حلولاً تصرف الدم السوري على أساس فواتير أخرى، أبرزها مواجهة الإرهاب. ولا يكاد يخرج عن ذلك سوى تركيا الأردوغانية التي لا يقتصر أمرها على ما تواجههه من مشكلات خطيرة متزايدة وعلى عدم تحقيق أيّ غاية بعد، بل يتعدّى ذلك إلى تنغيص شديد تشعر به بسبب احتمال خروجــــها من المولد بلا أيّ حمّص، حتى الحمـــّص السوري، بعدما زيّنت لها الأوهام إمبراطوريةً «إخوانية» تبدأ بتونس وتمرّ بليبيا ومصر وسوريا ولا يُعْرَف أين تنتهي.
بعد الهدم وتحقق الغايات وبروز احتياجات جديدة تأتي الحلول وضروب إعادة التركيب، خصوصاً بعدما بات الكيان السوري ككل عجينة قابلة للتشكل في صور شتّى بحسب مشيئة الفاعلين والصانعين. وهذا يعني، بالطبع، أنّ عبارة «الحلّ السياسي» لم تعد تعني ما كان يمكن أن تعنيه لو بقي الحاسم فيها هم السوريون أنفسهم، ولم يتحوّل هؤلاء في معظم قواهم السياسية إلى وكلاء للقوى الخارجية الإقليمية والدولية. وما يتجه إليه السوريون اليوم إنما هو ضرب من «الحلّ السياسي» بعد حروب طاحنة اقتلعت ما يقارب نصف الشعب السوري من بيوته، وقتلت مئات آلاف منه، ودمّرت معظم بنيته التحتية، وشقّت الجيش والعَلَم، وهتّكت النسيج الوطني، وجلبت الإرهاب والتكفير أو عززت مواقعهما، ولا تزال متواصلة. ومن الطبيعي، إذاً، ألا يكون «الحلّ السياسي» اليوم كما كان يمكن أن يكون عليه قبلاً.
والمؤسي في الأمر، بل الكارثي والمفجع فيه، أنّ «الحلّ السياسي» كان مكتوباً أصلاً في لوح الصراع السوري المحفوظ، لا بالمعنى العام الذي مفاده أنَّ ما من صراع إلا ونهايته الحلّ، بل بمعنى أنَّ بنية المجتمع والنظام السوريين، وميزان القوى الداخلي السوري، وحال القوى السياسية المعارضة السورية بعد عقود وحشية من القمع وتكسير العظام، وموقع سوريا الجيوسياسي كانت تحتّم جَعْلَ «الحلّ السياسي»، في مرحلة أولى على الأقلّ، إطاراً للصراع والثورة لا أفقاً لهما فحسب. وكان هذا يقتضي الحفاظ على سلمية الحراك مهما كان الثمن (ومن المؤكّد أن هذا الثمن كان ليبقى أقلّ بما لا يُقاس مما دُفِع إلى الآن) والحفاظ على طاقة السوريين الذين نزلوا إلى الشارع بعد عقود من الخرس ولو مقابل الفشل مرّات (ذلك الفشل الذي من المؤكّد أنه كان ليبقى أكثر نجاحاً من الكارثة التي نواجهها اليوم). وكان ذلك يقتضي مبادرة قوى المعارضة السورية لا إلى المشاركة في أيّ حوار تُدعى إليه مهما يكن، بل إلى الدعوة إلى ذلك هي نفسها، خصوصاً في بلد استولى فيه النظام على كلّ شيء وأدخلته الاحتجاجات في أزمة سياسية عميقة فرضت عليه إمّا بدء مسيرة التنازلات أو الحلّ العسكري. كان على مبادرات الحلّ السياسي المعارِضة أن تحمي الحراك الوليد لا أن تدفعه إلى الدمار. كان عليها أن تفاوض النظام، مثلاً، على استخدام الرصاص المطاطي (الذي يبدو أنّها لم تسمع به شأنها في ذلك شأن النظام) لا أن ترفض كلّ تفاوض ما لم يكن على تسليم السلطة. كان عليها أن تقيم الصلات بين تنظيماتها المحطمة الخارجة من المعتقلات والسوريين المحتجّين، لا أن تترك أمر الشارع لهواة بائسين تحركهم نوازع غرّة وتخدعهم صور «الجزيرة» عن سهولة إسقاط مبارك وقتل القذافي وحرق صالح، أو للتيارات الإسلامية وحلفائها من أدعياء اليسار، تلك التيارات وأولئك الحلفاء الذين اشتهروا بأنهم، إلى جانب النظام، مقبرة كلّ أمل في سوريا.
لم تسر الأمور على هذا النحو المرغوب، بالطبع. وبمرور الوقت كانت شروط «الحلّ السياسي» تزداد سوءاً بالنسبة إلى السوريين. وفي حين كان يمكن لهذا «الحلّ» في البداية أن يكون نقلةً على طريق سوريا ديموقراطية مدنية، ربما يكون اليوم خطوة نحو تقاسمٍ دولي وإقليمي للنفوذ، وتقاسم داخلي طائفي وإثني للسيطرة والأدوار، خصوصاً أنّ القوى الفاعلة في غالبيتها العظمى، خارجيةً وداخلية ـ من أوباما إلى بوتين، مروراً بطهران وتركيا والخليج، وصولاً إلى بعض قوى «هيئة التنسيق»، دع عنك كتبة الطائفية المستجدّين من بقايا «اليسار»، أقصد «يسار النصرة» ـ باتوا يرطنون بالمكوّنات الطائفية والإثنية كما يرطن المرء ببديهية لا تحتاج إلى نقاش. وفي ظلّ هذا كلّه، يبدو مستغرَباً في الحقيقة أنّ المعنيين الدوليين في الشأن السوري لا يزالون يدعون قوى سياسية حزبية ومدنية إلى المشاركة في الحوار والتفاوض. ولا نعلم إلى متى سيستمر هذا قبل إحلال ممثلين للطوائف والعشائر والإثنيات محلهم أو تحويلهم هم أنفسهم إلى هؤلاء الممثّلين، بما فيهم النظام.
يبدو أنّ صمود الدولة السورية في وجه كلّ قوى تفتيتها ـ من استبداد النظام وفساده وخياراته التي أنهكتها إلى تحطيم المعارضة العسكرية لها في كثير من الأماكن وارتباط معظم المعارضة وطائفيتها وتردادها رواية النظام ذاتها عن تطابقه مع الدولة ـ هو الذي لا يزال يبقي قيمةً للقوى السياسية والحزبية القديمة الهزيلة وللشخصيات السياسية على اختلاف أدائها. غير أنّ السؤال هو إلى متى ستقوى بــــقايا الدولة ـ الدولة التي أقامها الاستقلال والأنظمة الوطنية المتــــعاقبة قبل أن يبدأ الاستبداد الفاسد بنخرها وتحاول هذه الحــــرب الهدّامة أن تُجـــــهز عليها ـ إلى متى ستقــــوى على الصمود إزاء هذين الطرفين العاتيين وحلفائهما؟
كانت القوى الوطنية الديموقراطية، ممثّلةً بـ «هيئة التنسيق» والقوى والشخصيات القريبة منها، أبرز من رطن بـ «الحلّ السياسي» الوطني منذ البداية، وتستحق ممارستها النظرية والعملية لما نادت به أن تُتابع وتُفْحَص وتُنقَد، الأمر الذي لعلّه يكون مدار المقالة المقبلة.
السفير
إسقاط الاستبداد أم إسقاط الدولة؟/ سمير العيطة
ليس من الصعب ملاحظة وجود تطوّر تدريجيّ في أدبيّات المعارضة السياسيّة المعروفة. لكنّ هذا لا ينفي أنّها ما زالت أسيرة بعض المفاهيم التي تمّ إطلاقها منذ بداية الحراك الشعبيّ ومحاولتها وضع أسسٍ سياسيّة لمساراته ومآلاته. هكذا تستمرّ هذه المعارضة باستخدام تعبير «النظام» الذي يجب إسقاطه (!) بدل رحيل «السلطة»، وما يثيره ذلك من التباس إسقاط «الاستبداد» وإسقاط «الدولة».
هكذا، ما زلنا نقرأ في أدبيّات المعارضة التي تُعنى بـ «آليات استعادة الاستقرار والانتقال إلى الدولة الآمنة في سوريا»، أنّ «نظام الأسد» عجز عن «أداء بعض وظائفه المتعلّقة بالدور السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة»، وأنّ «امتلاكها – أي الوظائف – من قبل قوى المعارضة السياسيّة والعسكريّة سيشكّل تحوّلاً واضحاً في الممارسة السياسيّة»، وما سينقلها «من خانة الحزب إلى مؤسسة الدولة».
لم ينتبه واضعو هذه الجمل، بمعزل عن نياتهم، أنّ الذين نجحوا في تحويل حزبٍ إلى مؤسّسة دولة، هم مثلاً الحزب الشيوعيّ الذي أنشأ الاتحاد السوفياتي أو مؤخّراً «داعش» التي أنشأت «الخلافة الإسلاميّة». ولم يتنبّهوا أنّ مثل هذا العرض، وبمعزلٍ عن التفاصيل، سيشكّك القارئ في ما تعنيه «الدولة الآمنة»… بعد أن تتوقّف الحرب.
الأنكى والأفدح من ذلك هو استمرار الإصرار على استخدام تعبير «الممثّل الشرعيّ» للإشارة إلى «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة». مع أنّ هذا «التمثيل» انتقل من مفهوم أن يكون «وحيداً» للشعب السوري(!) ليضحي فقط لـ «قوى الثورة»، برغم تصريح الكثيرين من أعضائه أنّه عجز في الواقع عن خدمة الشعب و «الثورة» بالطريقة المناسبة، وبرغم بداية عقده تحالفات مع قوى سياسيّة معارضة أخرى.
الإصرار على تعبير «الشرعيّة» فيه الكثير من الغرابة، لأنّ الانتخاب الديموقراطي الحرّ أو الممارسة هما ما يمكن أن يمنحا الشرعيّة، وليس اعتراف بعض الدول. والإصرار على هذه الصفة يفرض التزامات تجاه قوى ومواطنين هم أيضاً ناهضوا السلطة ودفعوا أثماناً لذلك، عدا عما هو أهمّ، وهو الالتزام تجاه جميع السوريين حتّى لو كانوا مناهضين له.
إنّ بيان جنيف لا ينصّ على استبدال الدولة السوريّة، بل يُصرّ على ضرورة استمرارها وإصلاحها كي «تتصرّف بما يتماشى مع معايير حقوق الإنسان». وليس على «الائتلاف» أن يتحوّل إلى دولة، إلاّ إذا كان الهدف هو التقسيم. بل إنّه في أحسن الأحوال نوعٌ من «البرلمان»، هذا إذا انفتح وتوسّع كي يُضحي بمثابة نواة «مؤتمر وطنيّ». حينها يجب أن يشمل ما هو أوسع بكثير من «المعارضة». وهذا ما يبدو بعيداً عن توجّهات «الائتلاف» اليوم.
ليس «الائتلاف» وحده من يستخدم تعابير تحوي ما يدعو إلى الالتباس في ما يتناقض مع الالتزامات الوطنيّة. فـ «حزب الاتحاد الديموقراطي» يستخدم تعبير «دستور» للإشارة إلى قواعد الإدارة الذاتية التي أقامها في الشمال الشرقي من البلاد. و «هيئة التنسيق» تنزلق هي أيضاً إلى خطاب تغيير «النظام ورموزه ومرتكزاته كافة».
هذا كلّه لا يلغي مسؤوليّة السلطة الأولى عمّا ذهبت إليه البلاد، إلاّ أنّ تركيز المعارضة السياسيّة لا يمكن أن يكون فقط على قضيّة رحيل رئيسها، بل على إبراز القدرة على تحمّل مسؤوليّة التغيير تجاه جميع المواطنين.
إنّ دي ميستورا وفريقه على حقّ حين يطالبون بمجموعات عمل تضع أسساً للتفاوض حول الحلّ السياسيّ على أساس «إعلان جنيف». إذ إنّ توحيد التعابير وإزالة الالتباسات للانتقال للعمل الجديّ حول تفاصيل وقف الحرب والانتقال السياسيّ والخروج من الفوضى، تحتاج إلى وقت ملحوظ وجهد حقيقيّ.
السفير
سوريا: مبادرات عديدة ونتائج متواضعة/ حسين العودات
بعد سنوات خمس على اندلاع الانتفاضة السورية وبدء الأزمة بسبب رفض النظام الاستجابة لمطالب المنتفضين، وبعد تردّد وتراخٍ وعدم اتخاذ قرارات صارمة بإنهاء الأزمة من قبل المجتمع الدولي، حيث كانت المبادرات والممارسات في ذلك الوقت تهتم بإطالة مدة الوقت الضائع انتظاراً لحجز حصة في النتائج، ولم تكن الدول ذات النفوذ تتفق على توازن المصالح وتحقيق المطامح في سوريا، ويُلاحظ في الشهرين الأخيرين ازدحام المبادرات الدولية والعربية إضافة إلى مبادرة دي ميستوراً (أي الأمم المتحدة) وكثرت هذه المبادرات حتى خلتَ أن دول العالم مشغولة بحل الأزمة السورية. إلا أنه، حتى الآن، وبرغم كثرة هذه المبادرات، فإن نتائجها متواضعة. ولعلها جميعها في طور التمهيد للوصول إلى مبادرة موحّدة تتفق عليها الدول الكبرى والدول الإقليمية، وعند ذلك تصبح قابلة للتنفيذ برغم العقبات التي تخلقها السلطة السورية وبعض فصائل المعارضة، فالسلطة مازالت تحلم بتحقيق نصر عسكري على قوات المعارضة المسلحة، وتطرح أمام العالم أنها المواجه الرئيس للمنظمات الإرهابية. بينما تصرّ بعض فصائل المعارضة على تنحي الرئيس بشار الأسد قبل بدء أي محادثات لعقد تسوية. ولذلك، فليس سوى اتفاق الدول التي ذكرت قادراً على فرض التسوية التي يتم الاتفاق عليها وإلزام الطرفين المتصارعين بقبولها، ونصل بذلك إلى بداية نهاية المأساة السورية وعذابات الشعب السوري.
بدأت المبادرات المتعدّدة والمزدحمة قبل أسابيع عدة بتلك المبادرة التي طرحها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أمام الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي، والتي كانت في الواقع مبادرة خيالية وغير قابلة للتطبيق مطلقاً، لأنها تتجاهل تعقيدات الأزمة السورية. وفحوى مبادرة الرئيس الروسي يتضمن قيام تحالف تركي ـ سعودي ـ سوري (أي مع السلطة السورية) لمواجهة المنظمات الإرهابية. وبعد الانتصار عليها يمكن البحث في الأزمة السورية وإمكانية حلها، كما تمنى الرئيس بوتين على الأمير السعودي استقبال مبعوث سوري للحوار معه وعرض وجهة النظر السعودية. وبالفعل استقبل الأمير محمد بن سلمان في جدة اللواء علي المملوك رئيس مكتب الأمن القومي السوري، وعرض أمامه مبادرة سعودية جديدة تتضمّن انسحاب القوات الإيرانية واللبنانية والأفغانية والعراقية وغيرها من القوات الأجنبية التي تتواجد في سوريا وعودتها إلى بلادها، ثم إجراء انتخابات في سوريا تُشرف عليها الأمم المتحدة. وعند ذلك يمكن إلقاء تبعية التسوية وتفصيلاتها وخريطة طريقها على الشعب السوري (الذي يتولى قلع شوكه بيديه)، ولم يجب المبعوث السوري بأي شيء كما لم يجري حواراً شاملاً مع الأمير.
بعدها بأيام، اجتمع وزير الخارجية الأميركية جون كيري ووزير الخارجية السعودية ووزير الخارجية الروسية في الدوحة لبحث الأزمة السورية، كما تبع ذلك اجتماع ثنائي بين لافروف وكيري في كوالالامبور، ولم تصدر عن الاجتماعين أي معلومات تشير إلى مبادرة جديدة سيتم تبنيها. إلا أن إيران طرحت بدورها تعديلاً لمبادرة سابقة تتضمن أربعة بنود هي: الوقف الفوري لإطلاق النار، تشكيل حكومة، تعديل الدستور السوري بما يضمن حقوق الأقليات، ثم إجراء انتخابات في سوريا، وقد رفضت فصائل المعارضة السورية والدول المتحالفة معها هذه المبادرة لأنها تؤسس للمحاصصة في سوريا، ولأن الانتخابات من دون إشراف جهة محايدة وقادرة يسمح بالتلاعب بها، فضلاً عن أن حكومة الوحدة الوطنية اصطلاح غامض، حيث لم تحدد المبادرة صلاحياتها ووظائفها وأهدافها وعلاقتها بالرئيس السوري ومدى الالتزام بنقل صلاحيات منه إليها. كما لم تحدد المبادرة كيف يمكن فرض وقف إطلاق النار على جميع الأطراف. وقد استدعت الحكومة الإيرانية وزير الخارجية السوري إلى طهران لعرض المبادرة أمامه، من دون أن يصدر عن الاجتماع معلومات مفيدة. وكان دي ميستورا المبعوث الدولي لسوريا قد تقدم لمجلس الأمن بمبادرة تتضمن تشكيل لجان أربع، بحيث تتولى اللجنة الأولى بحث فك الحصار عن المحاصرين السوريين وتأمين المساعدات الغذائية والصحية، أما الثانية فتهتم بوضع الميثاق الوطني وصلاحيات هيئة الحكم، وتبحث اللجنة الثالثة القضايا العسكرية والأمنية والدمج بين القوى المسلحة وإعادة هيكلة الجيش فضلاً عن وقف إطلاق النار، وتضع اللجنة الأخيرة مشروعاً لإعادة إعمار سوريا، على أن يتزامن عمل هذه اللجان جميعها في آن واحد. وبذلك يعتقد دي ميستوراً أنه فوّض هذه اللجان المشكلة من سوريين مهمة وضع الصلاحيات وخريطة الطريق وصولاً إلى تسوية شاملة، أي أنه وضع ملامح حل سوري.
في الأسبوع الماضي، قام وزير الخارجية السعودية بزيارة موسكو لبحث إمكانية توحيد وجهات النظر من أجل حل الأزمة السورية، كما سيزورها خلال هذه الأيام وزير الخارجية الإيراني للأمر نفسه. وهكذا يلاحظ أن المبادرات تتساقط على سوريا وعلى رأس السوريين بغزارة من دون الوصول إلى نتائج ملموسة. والملاحظ في هذه المبادرات عدم وجود رد فعل حقيقي من الدول الأوروبية ومن الإدارة الأميركية. ولعل هذا يضعف المبادرات ويسلبها فعاليتها، إلا إذا كانت تمهيداً لعرض مشروع متكامل على الإدارة الأميركية وعلى الدول الأوروبية لحل الأزمة، منفتح وقابل للنقاش والتغيير والتطوير. ولذلك، أكد المسؤولون الروس أكثر من مرة أن مبادرتهم هذه والمبادرات الأخرى وقرارات مؤتمري موسكو ما هي إلا في إطار مقررات مؤتمري جنيف الأول والثاني وتهيئة لهما. وعلى أي حال، فقد دعت موسكو وفداً من «الائتلاف الوطني السوري» وآخر من لجنة مؤتمر القاهرة لبحث هذه النشاطات والفعاليات الروسية جميعها. ولعل النشاط الروسي تنامى بسبب اعتقاد السياسة الروسية أن إيران بعد الاتفاق النووي لن تبقى منغلقة سياسياً ومنفتحة اقتصادياً، بل ستنفتح سياسياً على الغرب، مما يخلخل تحالفها مع روسيا ويثبت توجهها الغربي. والسبب من جهة ثانية يتمثل باعتقاد السياسة الروسية أن قوة المنظمات الإرهابية تتنامى بسبب استمرار الأزمة السورية، وليس بعيداً أن تقفز هذه المنظمات إلى القوقاز وتحرّض الشعوب الإسلامية هناك على حمل السلاح. وبالتالي وجدت أنه من الضروري إنهاء الأزمة السورية الذي يمهد للانتصار على المنظمات الإرهابية.
على أي حال، من المتعذر استكمال أي مبادرة من دون قبول أميركي وأوروبي إضافة للقبول الروسي والإيراني والسعودي. كما أن النظام السوري سيرفض أي مبادرة واقعياً إلا إذا أجمعت عليها هذه الدول من الحلفاء وغير الحلفاء، وبالتالي سيضطر هذا الإجماع أصحاب الرؤوس الحامية لقبول المبادرة الموحدة.
إن المبادرة التي تتفق عليها دول العالم من أصدقاء سوريا ومن الآخرين، هي الوحيدة القابلة للتنفيذ والقادرة على فرض نفسها على السلطة السياسية وعلى المعارضة، لأن الصراع في الواقع هو أيضاً خارج الحدود السورية وكذلك حل الأزمة. ولم تعد المبادرات الناقصة أو الجزئية أو التي تأتي من طرف واحد أو طرفين قادرة على ذلك. هكذا إذاً، تتعدد المبادرات سواء كانت روسية أم إيرانية أم سعودية أم من الأمم المتحدة (دي ميستورا)، من دون أن تصل إلى هيكلية كاملة قادرة على تأدية المهمات، ومازالت تحتاج لمشاركة أطراف عديدة أخرى بحيث تحقق التوازن في المصالح بين السلطة والمعارضة، وتحقق بعض مطالب المعارضة وخاصة معاقبة مَن ولغت أيديهم بالدماء، كما تحقق أخيراً التوازن بين مــــصالح دول الجوار وآرائها، وكـــذلك الدول الأخـرى الأوروبية وغير الأوروبية التي تؤثّر جدياً في حل الأزمة.
إنها إذاً مبادرات عديدة ومن جهات متعددة متوافقة أو متناقضة لكنها جزئية وتمثل غالباً رأي مقدّمها من دون الأخذ بالاعتبار الآراء الأخرى، وهذا ما جعلها متواضعة النتائج.
السفير
مؤتمر القاهرة وإشكالية التمثيل/ منير درويش
سأل احد المواطنين على الفيس بوك عضواً في لجنة مؤتمر القاهرة للمعارضة السورية ،ردا على موضوع له حول تمثيل المؤتمر للشعب السوري قائلا . كيف عرفتم ان غالبية الشعب السوري معكم أو أنكم تمثلونها ؟ هل اجريتم استفتاءً حول ذلك أو قمتم بالاتصال مع هذا الشعب أو مؤسساته …الخ
وهنا اقول للسائل وهو محق بسؤاله .
إن ما ميز مؤتمر القاهرة أنه لم يدعي تمثيله للشعب السوري لأن التمثيل يحتاج إما لاستفتاء عام او الى تكليف من المؤسسات المتنوعة التي تمثل هذا الشعب وتفويض منها
لكن المؤتمر مثل التوجهات العامة لغالبية الشعب السوري عندما تبنى الحل السياسي التفاوضي طريقاً لحل الأرمة في سورية وفق بيان جنيف وهو خيار تؤيده غالبية الشعب السوري بدل العنف والحل العسكري المدمر.
كما تبنى الحفاظ على وحدة سورية ارضاً وشعباً ، وقيام حكم ديمقراطي تعددي في دولة ديمقراطية ، دولة القانون التي يتساوى فيها المواطنون دون اي تمييز مهما كان نوعه، وتبنى حق المكونات التي يتألف منها الشعب السوري بممارسة حقوقهم القومية السياسية والثقافية وفق المواثيق والعهود الدولية ضمن وحدة الأرض السورية، ومكافحة الإرهاب وخروج القوى المسلحة الغير سورية منها، فضلا عن التأسيس لدولة حديثة دولة مؤسسات تحفظ حقوق كافة المواطنات والمواطنين وبينها حقوق المرأة والطف، وتؤدي الى بناء تنمية تفيد منها غالبية المواطنين.
هذا بعض مما تبناه مؤتمر القاهرة في الوثائق التي أقرها، وأعتقد أن الاطلاع عليها ستغني الإجابة أكثر .
الا يعبر ذلك عن التوجهات العامة لغالبية الشعب السوري ويمثل خياراتهم الأساسية ؟
كلنا شركاء
سورية وحرب التوقعات المفتوحة/ مالك ونوس
منذ انهمرت الرصاصات الأولى على المظاهرات السلمية التي شهدتها سورية، أوائل عام 2011، قلت في جلسة نقاش صغيرة: “سنرى الدبابات في الشوارع”. جفل أحد الأصدقاء، ونظر إليَّ نظرة استنكار واستهجان، لكنه لم ينطق بأية عبارة. بعد سنوات، ذكّرني بذلك النقاش وبما قلته، ثم سألني: “ماذا تتوقع من تطورات؟”. فأجبته، إنني لست متنبئاً، ولكن، في الحرب الدائرة في سورية، وفي مثيلاتها من الحروب، يكفي أن تتوقع حدوث شيء ما ثم تنتظر، لتشهد حدوثه بعد فترة. وهذه الحرب، كما جميع الحروب القذرة، تكون مفتوحة على كل التوقعات والاحتمالات.
وكان أن توقع كثيرون أن تكون الحرب في سورية سريعة و(نظيفة)، لكنهم نسوا وقتها أن الحرب في سورية لا يمكن أن تكون استثناء عن غيرها. فكل ما يمكن أن يحكى عن الشروع في شن حروب توصف بالنظيفة كلام يجانب الحقيقة. فوفق أي مقياس نستخدمه لتصنيفها، نجد أن كل الحروب تصبح قذرة في مرحلة من مراحلها، تكون عادة الأطول. ولا تعتبر سرعة الحسم وقلة الضحايا محددات لتصنيفها نظيفة، فالنظافة في حل النزاعات هي عندما يجلس أناس نظيفون، يحملون الأقلام والأوراق بدل الأسلحة، إلى طاولات نظيفة، ويوقعون على أوراق نظيفة اتفاقاتٍ، تنهي النزاعات وترضي الجميع.
شهدت الحرب الدائرة في سورية كل الفظاعات التي شهدتها الحروب التي وقعت قبلها، وكل ما كنت تستبعد حصوله في بلد التعايش الطويل بين مكوناته الإثنية والدينية المختلفة والمتعددة حصل. ولا ندري، والحال على ما هي عليه، إن كانت هذه الحرب ما تزال حبلى بما لا نتوقعه، فلم يكن أحد يتصور أن صرخة ستخرج من إحدى الأمهات، تطلب من أي كان إبلاغها إن كانت جثة ابنها الذي قتل دفنت أم تركت في العراء لوحوش الليل تنهشها. وما زالت هذه الصرخة تطلق يومياً، وتتلاقى مع صرخات أمهاتٍ أخريات على طول خريطة البلاد. فقد بات مشهد مرور الناس قرب جثة ملقية بجانب الطريق في المناطق المنكوبة مألوفاً، حيث تبقى الجثث على هذه الحال، ولا تجد من يدفنها، حتى تأتي عليها الضواري قطعة قطعة.
“شهدت الحرب الدائرة في سورية كل الفظاعات التي شهدتها الحروب التي وقعت قبلها، وكل ما كنت تستبعد حصوله في بلد التعايش الطويل بين مكوناته الإثنية والدينية المختلفة والمتعددة حصل”
وحين بدأت تتواتر أخبار اللامعقول الحاصل في الحرب، قال أحدهم: “انتظروا قليلاً، وستصبح سورية مضرب مثل”. كل من تعز عليه بلاده لا يتمنى أن يحصل شيء يعكر فكرةً نسَجها في خياله عن بلاد حَلم أن تصبح يوماً حاضرة لأطفاله، يكبرون فيها ويعلون بأيديهم مدامك أحلامهم. لكن ذلك كله يتكسر عند سماعك صحافياً يقول، بعد تجواله في مدينة عدن المحررة من الحوثيين: “من كثرة الدمار، حسبت نفسي أمشي في حلب”. نعم، أصبحت سورية والسوريون مضرب مثل، وأصبحتَ تشيح نظرك وأذنك حين يأتي الكلام عن عمليات ذبح بني بشرٍ. هي جرائم يقوم بها أجانب على أرض بلادك، وربما بعض ضحاياها أجانب أيضاً، لكن الأرض كانت خصبة لتلقي بذوراً أخرجتها، وأخرجت معها ما لا تستطيع البشرية تصوره من أساليب قتل، بعضها مستحدث، وبعضها منبوش من التاريخ.
والحرب المفتوحة على جميع التوقعات مفتوحة على توقع حصول سلامٍ أيضاً. وبعد أن اعترف النظام، أخيراً، بواقع وصل إليه منذ زمن، لكنه لم يعلنه سوى اليوم، وهو عدم قدرته على الاحتفاظ بمناطق ومدن متباعدة، وتراجعه منذ مدة طويلة عن مناطق أخرى، لاحت في الأفق بوادر حلول قد توقف عجلة هذه الحرب. إذ لم يعد للحرب وقود، مات كل شباب البلاد في أتونها، ومن استجلب من خارج البلاد للإدلاء بدمه مات أيضاً، وما عادت الأرحام تجود، فلا بد للسلام. ولكن، ككل ما حظي به السوريون، وكان يأتيهم مرفقاً بمنةٍ، منقوصاً، فيه من الخلل ما يفسد فرحتهم، أتت المبادرة التي اقترحتها إيران عرجاء.
في قلوب كثيرين غصة أن إيران التي تلاعبت بالبلاد، وباعدت فرص إنهاء الحرب، ها هي تأتي بمبادرة للسلام. لم لا، فليكن، فالأهم لدى كثيرين وقف إراقة الدماء التي ما عادت الأرض قادرة على ابتلاعها. ولكن إعادة إنتاج النظام هي ما لا يمكن أن يتقبله كثيرون. وإن لم يكن ذلك هو المقصد من مبادرتها، ففيها بنود قد تكون فتاكة، إن قبلت كما هي. ففي البند الثالث تنص المبادرة على تعديل الدستور بما يتناسب وطمأنة المجموعات الإثنية والطائفية”. فهل شكت الأقليات من مَظْلَمة وقعت عليها من قبل؟ وهل مشكلات البلاد منحصرة بمشكلات أقليات وأكثريات. في وقت يعتبر كثيرون أن ثورتهم خرجت من أجل تصنيف ساكن هذه البلاد مواطناً، والاعتراف بحقوقه. إن محاولة دولة تصنيف أبناء الشعب دولة أخرى على أساس إثني وطائفي، على شاكلة تصنيف أبناء شعبها، وتشريع ذلك في دساتير وقوانين، هو أداء أقرب إلى أداء مستعمر منتصر، يريد فرض سلامه، لا أداء وسيطٍ تفترض به النزاهة. لا يصح تشبيه الدستور الإيراني المقترح سوى بقانون بريمر الذي صاغه هذا الأميركي للعراق، بعد احتلاله عام 2003، وما زال العراقيون يدفعون ضريبة تطبيقه، فرقة وطائفية وفساداً تفرخ بمجملها فقراً ومرضاً وتخلفاً.
وحين لا يمكن لمتورطين في حربٍ قذرة سوى فرض سلام على شاكلتهم، يبقى التعويل باستحالة تمرير ذلك بوجود من لا يفرّطون بأرواح أحباء ماتوا على جبهات القتال، أو تحت القصف والحصار والجوع، أو في مخيمات اللجوء، ولا بأرواح من أصبحوا طعاماً للأسماك، وهم يحاولون العبور إلى ضفة النجاة.
الجديد
أيهما أولاً، «داعش» أم بشار؟/ جمال خاشقجي
بعد عاصفة «غير بريئة» هبّت من عواصم عدة، روّجت أن ثمة تغييراً في الموقف السعودي حيال نظام بشار الأسد وأنها باتت مستعدة للقبول به، حسم وزير خارجية المملكة العربية السعودية عادل الجبير الأمر، مرة في برلين وأخرى في موسكو، وخلال أيام سريعة متتالية، مؤكداً أن الرياض لا ترى لبشار أي دور في المستقبل ولا حتى في حكومة انتقالية.
ولكن بقيت هناك ثغرة يحاول منها الروس، ومعهم الأميركيون، اختراق الموقف السعودي المبدئي، وذلك بالترويج لنظرية «داعش أولاً» وهي نظرية خاطئة سياسياً وميدانياً، وكان حرياً بالأميركيين قبل الروس الإقرار بذلك بعدما لاحظوا صعوبة تشكيل قوات خاصة سورية لمحاربة «داعش» فقط على رغم كل إغراءات المال والتدريب والتسليح، فما أن يسمع المتطوع السوري بأن وظيفته هي محاربة «داعش» فقط وليس النظام الذي ثار عليه حتى ينسحب من البرنامج، ومن بقي منهم ودخل سورية مدججاً بالسلاح، أصبح محلاً للشك ونهباً للفصائل الأخرى، ولكن لو قبل الأميركيون بالرأي السعودي والتركي «بشار أولاً» لأصبح هؤلاء أبطالاً، وربما بؤرة جذب لمزيد من المتطوعين، ولكنهم لا يزالون يقولون «داعش أولاً»!
السعودية هي الأقرب وفي وسط الأحداث، والمتضرر المباشر من حال الانهيار في سورية ونتائجها، كالحرب و«داعش» والفوضى والتهريب وتجارة البشر والسلاح، كما أنها الأدرى بواقع الحال هناك، وبالتالي لا بد من الاستماع إليها وهي تقول: «الأسد أولاً» فما مبررات هذا القول؟
لأنه لن يحارب «داعش» على الأرض غير سوريين، لا سعوديون ولا روس، فهم أصحاب المصلحة في ذلك، اكتووا بنار التنظيم ويعلمون أنه من سيحول بينهم وبين حلمهم ببناء سورية الحرة لكل السوريين، لا يريدون استبدال استبداد «آل الأسد» باستبداد «داعش»، وليس صحيحاً مقولة الروس إن سورية ستسقط تباعاً بيد «داعش» حال سقوط الأسد، فالمعارضة السورية بوطنييها وإسلامييها هم من يقاوم اليوم تمدد «داعش» في بلادهم، وليست قوات النظام التي انهارت أمام «داعش» في تدمر قبل أسابيع قليلة، فيما يشبه «الاستلام والتسليم»، فخلال اجتماع موسكو بين الوزيرين السعودي والروسي، شنّ «جيش الإسلام»، وهو فصيل إسلامي قيل إنه يحظى بدعم سعودي، هجوماً شرساً على «داعش» في ريف دمشق الشرقي، بعدما تقدم باتجاه القلمون وطريق دمشق – حمص، منطلقاً من مناطق نفوذه ببادية تدمر. إنها معارك ما كانت الثورة السورية في حاجة إليها، ولكن «جيش الإسلام»، وهو من أكبر الفصائل في الجنوب، غير مستعد لأن يقبل بـ «داعش» وإن بدا أنهما يحاربان العدو نفسه، وهو ليس وحده في ذلك، فهناك ائتلاف من فصائل المعارضة في حلب هم الذين يستبسلون في وقف تقدم «داعش» نحو حواضر سورية الداخلية، وفي الوقت نفسه يحاربون النظام، ويتلقون في مقابل ذلك عشرات البراميل المتفجرة المحظورة دولياً من دون أن يتدخل العالم!
باختصار، من يحارب «داعش» اليوم هي سواعد المعارضة المتوضئة وليس جيش بشار الأسد. لماذا ترى الرياض هذا ولا تراه موسكو وواشنطن؟
الحقيقة الثانية، أنه لو نجح الروس والأميركيون، ومعهم قوى إقليمية تنحو نحوهم، في تمرير نظرية «داعش أولاً» وقبلت بذلك السعودية وتركيا وقطر، فمن سيقاتل التنظيم على الأرض إن لم يقاتله السوريون، ويكمل مهمة قوات تحالف تقصف وتقتل من علو؟ فتكون النتائج مثل ما حصل الثلثاء الماضي عندما قصف التحالف موقع فصيل معارض لا علاقة له بـ «داعش» ولا حتى «النصرة»، فأوقع ضحايا وزاد في غضب السوريين، ما سيجعلهم يعزفون عن دعم تحالف كهذا، إن لم يزد ذلك من شعبية «داعش» وإشاعة التطرف بينهم. بالتأكيد لن يرسل الروس ولا الأميركيون رجالاً إلى المستنقع السوري، ولن يتطوع السعوديون أو الأردنيون لمهمة كهذه، وأستبعد أن يشارك حتى الجيش المصري المتحمس لفكرة «قوات عربية مشتركة» لمحاربة الإرهاب، والحريص على بقاء بشار، فمن الذي سيقاتل على الأرض السورية غير جيش بشار الأسد وحلفائه الإيرانيين و»حزب الله»؟ هل يمكن أن يعني ذلك أي شيء غير قمع الثورة السورية وترك الأسد وحلفائه الطائفيين يفتكون بالشعب السوري المعارض؟
إذاً سنعود مرة أخرى إلى أن القوة الوحيدة على الأرض التي ستقاتل «داعش» هي قوة وطنية سورية، قد تشمل حتى ما تبقى من الجيش السوري، كما اقترح الوزير عادل الجبير في موسكو، ولكن لن يحصل هذا إلا بعد سقوط بشار.
ما من شك في أن «داعش» شيء قبيح، ويمثل خطراً على روسيا والسعودية معاً، كما قال لافروف الثلثاء الماضي، ولكن بشار الأسد لا يقل سوءاً! فالأرقام تقول إن ضحاياه من السوريين أضعاف أضعاف ضحايا «داعش»، هذا إذا كان ثمة دافع أخلاقي لكل هذا الحراك، ولكن لنأخذ بالافتراض الروسي وننشغل فقط بما يهدد العالم الخارجي، إن نظام الاسد الفاشل الذي لم يستطع حماية التراب السوري هو أحد أسباب انتشار «داعش»، وثمة فارق بين «ظهور» وانتشار. فكرة «داعش» السيئة ستبقى دوماً معنا مكبوتة، حتى يأتي نظام مستبد فاشل يفقد السيطرة على الوطن، فينتشر «داعش» مثل بكتيريا تفتك بجسد مريض منهك فقد أسباب المناعة «والممانعة أيضاً»، وان أهملت تنتقل عدواها وشرها إلى من جاورها.
لذلك كله «الأسد أولاً».
* إعلامي وكاتب سعودي
الحياة
شعب الزبداني ضد شعب لافروف/ حسام عيتاني
تنتهي بعد ساعات الهدنة بين مقاتلي المعارضة السورية في الزبداني وبين قوات «حزب الله» وجيش النظام السوري. الهدنة التي تفاوض ممثلون سوريون مع مندوبين إيرانيين عليها وجرى تمديدها الى 72 ساعة، تدخل فقط ضمن إجراءات بناء الثقة بين طرفين يدركان مدى تصميم كل منهما على عدم التراجع عن مطالبه وإصراره على المضي في السعي إليها حتى النهاية.
وفي الوقت الذي كانت تجري المفاوضات في تركيا، رأى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن «الشعب السوري وحده من يقرر بقاء بشار الأسد» في منصبه وأن أولوية هذا الشعب اليوم هي «مكافحة الإرهاب».
قول شيء وقصد شيء آخر من ثوابت السياسة في هذا العصر. ومن غير المجدي تتبع المعاني التي يقصدها لافروف أو نظراؤه من سياسيي النظام السوري. الصدق ليس من مهمات وزراء تلوثت أيدي حكوماتهم ودولهم بدماء مئات الآلاف من القتلى المدنيين الذين يشكلون جزءاً من «الشعب» الذي أشار لافروف إليه.
مع ذلك المسألة ليست هنا، بل في رؤية مسؤولين إيرانيين يفاوضون مباشرة ممثلي المقاتلين الذين يدافعون عن بلدة شبه مدمرة يريد الإيرانيون الاستيلاء عليها بأي ثمن لهدف لا علاقة لمصالح «الشعب» السوري به. فينهض السؤال عما يريده حقاً هذا الشعب الذي يقاتل قوات النظام المدعومة من المسلحين اللبنانيين والعراقيين والأفغان والمستشارين العسكريين الإيرانيين، على ما تظهره الحقائق الميدانية من جهة، ويتمسك بنظام بشار الأسد على ما تقول تصريحات الوزير الروسي من جهة ثانية.
وليست هي المرة الأولى التي يفاوض الإيرانيون المقاتلين السوريين مباشرة. فقد تولوا تنظيم وضمان خروج مقاتلي المعارضة من حمص القديمة في 2014، بعدما أحال المسؤولون السوريون الوسطاء من أهل المدينة إلى السفارة الإيرانية في دمشق كمركز للعمليات في حمص وحيث يصدر القرار العسكري والأمني منها. ولم يكن الأمر سراً ولا مغفلاً بل إن الصور كانت تلتقط للضباط الإيرانيين وهم يقفون قرب المقاتلين المغادرين ونشرت وسائل الإعلام تلك الصور.
بهذه الصراحة أدار الإيرانيون معركة حمص. وبهذه الصراحة يديرون القتال في الزبداني. ثمة مصالح لهم في سورية منها إبقاء طريق دمشق– الساحل مروراً بحمص مفتوحة، وهو ما سعوا إلى تحقيقه في 2014، ومنها أيضا الحفاظ على طريق دمشق- بيروت في أيديهم إضافة إلى «غلاف لبنان»، أي المناطق السورية المحيطة بالحدود اللبنانية. لا يهمهم في ذلك إذا قتل آلاف السوريين من «الشعب» أو مئات المسلحين من حلفائهم في «حزب الله». العقل الاستراتيجي الإيراني البارد الذي توصل الى الاتفاق النووي في فيينا، لا يبالي بهذه التفاصيل.
تتغير في هذه الصورة تعريفات «الشعب». فيصبح المفاوض الإيراني في تركيا والمسلح اللبناني في الزبداني هما التجسيد الحقيقي للشعب السوري، وينقلب ابن بلدتي الزبداني وداريا وحي جوبر وغيرها الى ممثل لـ «الإرهاب» الذي وضع «الشعب» مكافحته في قمة أولوياته.
بهذا المعنى ليس الشعب تلك الكتلة السكانية التي انتفضت منذ أربع سنوات ونصف مطالبة بالكرامة والاعتراف بإنسانيتها وبحقها في التعبير عن نفسها، بل هو من يملك القدرة على الحفاظ على نظام بشار الأسد. يختفي هنا شعب الزبداني ويحضر بديلاً منه المفاوض الإيراني كممثل حقيقي لشعب يحدد هويته لافروف وأشباهه.
الحياة
قراءة في الحراك الديبلوماسي الجديد/ راغدة درغام
أفكار نقل سورية إلى عتبة جديدة تتكاثر وتتناقض وتتلاقى، إنما آليات تحقيق الانتقال ضئيلة وتبقى رهن التفسيرات والأولويات والتحالفات المختلفة. سورية اليوم هي السوق المفتوحة على التصعيد باسم التوافق على سحق «داعش». وعلى رغم الجديد في المقاربة النظرية، ما زالت سورية المقبرة الفعلية لجميع الأطراف الفاعلة ميدانياً. روسيا، حليف النظام السوري، باتت مكلفة بقيادة العملية السياسية بينما إدارة أوباما تنشغل بتسويق «الاتفاق النووي» في الكونغرس، إنما الاختلاف مستمر بين واشنطن وموسكو حول كيفية القفز على «عقدة الأسد». القاسم المشترك بين المبادرة الروسية والمبادرة الإيرانية ومبادرة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، هو القفز على العملية السياسية المتفق عليها دولياً، والمتمثلة بإنشاء هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات واسعة. الأطراف الثلاثة (موسكو وطهران ودي ميستورا) تريد من الدول الخليجية المعارضة للتمسك بالأسد أن تقوم بالانقلاب على مواقفها عبر القفز على «عقدة إيران». تريد منها الموافقة على دور مركزي لإيران في الحل بسورية وعلى أساس مرجعية بديلة لمرجعية جنيف تتفق عليها عملياً الأطراف الثلاثة. وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أوضح موقف الرياض الرافض بقاء الأسد، لكنه أجرى مع نظيره الروسي سيرغي لافروف مباحثات في موسكو هذا الأسبوع لم تنحصر في المسألة السورية بل تعدتها إلى اليمن والعراق والعلاقة الثنائية. وزير خارجية إيران محمد جواد ظريف زار لبنان ودمشق وسيتوجه إلى موسكو –وربما أنقرة أيضاً– للطمأنة والدعوة إلى الحوار.
النقاط الأربع في المبادرة الإيرانية هي وقف النار في سورية، حكومة وحدة وطنية، تعديل الدستور بما يضمن حقوق الأقليات والإتنيات، وانتخابات بوجود مراقبين دوليين. هذه المبادرة انقلاب على مرجعية جنيف ذات النقاط الست التي كانت طهران واضحة منذ البداية بعدم موافقتها عليها، والسبب تمسّك طهران بالأسد ورفض فكرة استبدال حكمه بهيئة حكم انتقالية.
لدى النظرة الخاطفة على النقاط الأربع يمكن القول إن هذه مبادرة معقولة. عند التدقيق في الوقف الفوري للنار، يسأل البعض إن كان في ذهن طهران إضفاء الشرعية على الميليشيات التي صنعتها في سورية، يسأل البعض الآخر: ماذا يعني وقف النار الفوري ما دام «داعش» مستبعداً منه؟
تلك «الحكومة الوطنية الموسعة» هي لغة الانقلاب على «هيئة الحكم الانتقالية» ذات «الصلاحيات الواسعة». إنها وسيلة القفز التام على بيان جنيف1 وعملية جنيف2.
طهران تريد تعديل الدستور بما يضمن حقوق الأقليات والإتنيات، ما أعاد إلى الأذهان «اتفاق الطائف» الذي نظّم حصص الحكم في لبنان. هذا له معنى أبعد، عنوانه أن إيران تنصب نفسها راعياً لتعديل الدستور في سورية.
الأهم أنه عبر المبادرة الإيرانية والمبادرة الروسية ومبادرة دي ميستورا يتم نصب إيران جزءاً أساسياً من الحل في سورية بالتوازي مع الإطاحة بمبادئ جنيف. بكلام آخر، إن المبادرات الثلاث مبنية على مرجعية بديلة لمرجعية جنيف، وعلى دور أساسي لإيران، مع تلبية شرطها الإطاحة بهيئة الحكم الانتقالية، ومبنية على القفز على «عقدة الأسد» عبر حذف المطالبة بإزاحته، إما قبل أو بعد العملية الانتقالية، وكل ذلك تحت عنوان «سحق داعش»، والحل السياسي.
موسكو ترى أن بقاء النظام السوري ضروري لسحق «داعش»، وأن إزاحة الأسد ستؤدي إلى انهيار النظام، وبالتالي ترى أن الحل السياسي في سورية يجب أن يتم ببقاء الأسد –ولو لفترة انتقالية فقط– ريثما يتمكن النظام من استعادة قواه لتحقيق سحق «داعش».
واشنطن ترى أن الحؤول دون انهيار النظام يتطلب إزاحة الأسد. لأن القوى الضرورية في المعركة ضد «داعش»، من تركيا إلى الدول الخليجية إلى المعارضة المسلحة المعتدلة، كلها لن ترضى بأن تسحق «داعش» لتدعم بقاء الأسد في السلطة. وبما أن الأوضاع الميدانية متدهورة في غير مصلحة النظام، ترى واشنطن أن إنقاذ النظام من الانهيار يتطلب من موسكو وطهران الاقتناع بأن لا مناص من إزاحة الأسد ولو تدريجياً. وهذا ما عبّر عنه الرئيس باراك أوباما الأسبوع الماضي.
طهران تتحدث عن الحل السياسي لكنها عملياً في خندق واحد مع دمشق في الإصرار على الحل العسكري، وهي ماضية فيه عبر «الحرس الثوري» وعبر «حزب الله»، فالنظام في دمشق يريد جر إيران إليه أكثر، لتعاونه ميدانياً وتوسّع مشاركة «حزب الله» في القتال.
في طهران يبدو أن شد الحبال بين الحمائم والصقور قد بدأ، وان لدى كل من الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته جواد ظريف الضوء الأخضر –حالياً على الأقل– من المرشد علي خامنئي بإرسال رسائل الطمأنة والاعتدال. يبدو أن لديهما صلاحية التحدث باسم الدولة التي تود التوصل إلى تفاهمات مع جيرانها. ما هو غير واضح بعد هو إن كان لدى «الحرس الثوري» صلاحيات، بالموازاة، للتحدث باسم الثورة في إيران. نتيجة شد الحبال ستنعكس بالتأكيد على سورية.
في هذه المرحلة، تزداد لغة الحلول السياسية، الإقليمية والدولية، فيما يستمر القتال والتسليح. تزدحم المبادرات، وهناك كلام عن إجراء محادثات بين الدول الخمس الكبرى والقوى الإقليمية تضم مصر وإيران وتركيا. هناك كلام عن «مجموعة اتصال» خماسية تضم الولايات المتحدة وروسيا مع السعودية وإيران وتركيا. روسيا تريد مطالبة «كل أطراف» النزاع في سورية بمحاربة الإرهاب عبر بيان رئاسي لمجلس الأمن.
فقد استطاعت موسكو إقحام لغة جديدة في ما يصدر من مجلس الأمن في الشأن السوري، ونجحت -عبر سماح الولايات المتحدة لها بذلك– في إقحام فقرة داخل البيان نصت على أن مجلس الأمن «يجدد تأكيد عزمه على معالجة كل عوامل التهديد الإرهابي في سورية. ويدعو كل الأطراف إلى التزام إنهاء الأعمال الإرهابية التي يرتكبها تنظيما داعش والنصرة وكل الأفراد والمجموعات الأخرى والكيانات المرتبطة بتنظيم «القاعدة». لم تطرح الولايات المتحدة ولا الدول الأوروبية أي لغة تتعلق بدور «حزب الله» في القتال بسورية أو استخدام النظام البراميل المتفجرة. كلها رضخت أمام وضع روسيا مكافحة إرهاب «داعش» و «النصرة» و «القاعدة» قبل تطبيق «جنيف– 1».
وسعت فينزويلا حليفة موسكو في مجلس الأمن إلى الإطاحة بنص في مشروع البيان الرئاسي يدعو إلى «تطبيق بيان جنيف1، بما فيه تشكيل هيئة حكم انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة»، وقالت إن تلك الفقرة «لا تأخذ في الاعتبار موقف الحكومة السورية»، وإن «تشكيل هذه الهيئة غير دستوري ويتجاوز النظام القانوني في سورية». وهي بمواقفها تلك، كشفت حقيقة المواقف الروسية وليس فقط المواقف الإيرانية والسورية المعهودة.
الجديد هو اللغة الجديدة في العلاقة الأميركية– الروسية في الشأن السوري حيث كانت العلاقة في البدء تصادمية ثم تهادنية ثم قامت على غسل الأيدي الأميركية من سورية وتركها ميداناً مفتوحاً لما تريده موسكو. اليوم، هناك خطب ودٍ متبادل بين الطرفين، على مستوى الرئيسين، عبر النافذة السورية، بعدما استعادت العلاقة الأميركية– الروسية حميميتها عبر البوابة الإيرانية في الاتفاق النووي. وهكذا عاد الثنائي سيرغي لافروف وجون كيري إلى الابتسام والعناق والشراكة في المواقف، ولذلك أطلقا معاً مبادرتهما الديبلوماسية مع دول مجلس التعاون الخليجي في الدوحة الأسبوع الماضي.
استطراداً للقاء الدوحة، بدت ملامح توافق روسي– سعودي على عدة ملفات خلال لقاء عادل الجبير مع سيرغي لافروف في موسكو، إنما استمر الافتراق في الشأن السوري، تماماً بسبب «عقدة الأسد» و «عقدة جنيف» معاً. اتفقا على سحق «داعش» واختلفا على مصير الأسد.
المحادثات السعودية الروسية في الشأن الإيراني تعدّت الاتفاق النووي ودخلت في تفاصيل الأدوار الإيرانية في سورية والعراق ولبنان واليمن. لافروف تعمّد تقنين الحديث العلني في سورية في مكافحة الإرهاب. والجبير أصر على ان «لا مكان للأسد في مستقبل سورية» وأنه «جزء من المشكلة وليس من الحل». أوضح موقف الرياض من دعوة فلاديمير بوتين إلى إنشاء تحالف إقليمي لمحاربة «داعش»، وقال إن الرياض لن تشارك في تحالف تكون السلطة في دمشق جزءاً منه، لأن «قوات الأسد ساعدت في تعزيز مواقع تنظيم داعش».
في الشأن العراقي واليمني والليبي، لفت الوزيران إلى أن هناك تزايداً في الاتفاق بينهما حول الملفات الثلاثة، وهذا مبشّر. إنما ليس واضحاً بعد إن كانت موسكو راغبة أو قادرة على التأثير في المواقف والأدوار الإيرانية في اليمن مثلاً، أو إن كانت جاهزة للخوض في موضوعي العراق وليبيا بصورة مكثفة. فموسكو منصبّة على مسألة الإرهاب، سورية أولوية من أولوياتها، علاقتها مع إيران تحالفية، وهي فرحة بعلاقاتها الحالية مع إدارة أوباما.
موسكو تريد أيضاً توقيع اتفاقات التعاون العسكري مع دول المنطقة ومن بينها السعودية وتعرف تماماً أن التعاون العسكري مع مصر تغطي تكاليفه الدول الخليجية.
تريد الديبلوماسية الروسية مواصلة الحوار مع الديبلوماسية السعودية وتريد فتح حوارات أخرى عن ترتيبات أمنية في الخليج تشملها وتشمل إيران.
المهم ليس فقط ما تريده موسكو وطهران في سورية ومن الدول الخليجية. والمهم لا يتوقف عند ما تريده واشنطن، وهي تنفتح على طهران وتوكل إلى موسكو إدارة الحلول الإقليمية. المهم أن حلحلة ما في حراك ديبلوماسي بدأت وهي في حاجة إلى قراءة معمقة بين السطور لأن اللغة الروسية– الفارسية– الأميركية الجديدة محنّكة، ولأن المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا زاد الغموض بإضافة التنميق الإيطالي على الحنكة الإنكليزية– الفارسية– الروسية المبطنة.
الحياة
إنقاذ الأسد أو إنقاذ سوريا/ رندة حيدر
تنبىء حركة الاتصالات الدولية والاقليمية الأخيرة والمساعي التي يبذلها اكثر من طرف لايجاد تسوية سياسية للحرب الاهلية في سوريا بدينامية ديبلوماسية دولية جديدة من الصعب التكهن بنتائجها واحتمالات نجاحها. ولكن يبدو ان نجاح الديبلوماسية الدولية في التوصل الى اتفاق نووي مع إيران قد شجع الدول العظمى على محاولة تطبيق الحل الديبلوماسي على الحرب السورية.
والمطروح حتى الآن مقاربتان أساسيتان لانهاء الحرب وبدء العملية الانتقالية. فمن جهة هناك النقاط الاربع التي تطرحها إيران الداعمة لنظام الأسد والتي تنص على التوصل إلى وقف للنار، وتشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جميع الاطراف، وتوزيع السلطة مع بقاء الأسد الى حين اجراء انتخابات جديدة في إشراف دولي. وفي المقابل، هناك المقترحات الأميركية التي لا تزال تتسم بالغموض مثل العمل على وقف النار، ثم البدء بالعملية السياسية الانتقالية التي قد تستمر سنتين يمكن خلالهما أن يبقى الرئيس الأسد في منصبه على ان يتعهد تركه في ما بعد. والمقصود، كما نقل الزميل هشام ملحم عن أوساط أميركية هو “اجراء تغيير في القيادة وليس تغيير النظام”.
من الواضح تماماً حجم التباعد بين المقاربتين للحل السياسي في سوريا. وهذا لا يتناول الموقف من بقاء الأسد ورحيله فحسب، بل الوجه الجديد لسوريا الدولة والوطن المهدد بالمزيد من التفتت وربما الانهيار الكامل اذا استمرت حرب الاستنزاف الدائرة حالياً الى ما لا نهاية.
تتابع إسرائيل عن كثب حركة الاتصالات الدولية، فهي معنية مباشرة بمصير سوريا أكثر منها بمصير الأسد. وللمرة الاولى منذ بدء الحرب الاهلية السورية بدأت تبرز تقديرات إسرائيلية ترجح صعوبة صمود نظام الأسد فترة طويلة. ففي رأي الباحث في الشؤون السورية إيال زيسر وصاحب اكثر من كتاب عن سوريا، أن الخسائر التي تكبدها النظام السوري في الاشهر الاخيرة جعلته اليوم يركز جهوده على الدفاع عن المنطقة التي لا تزال خاضعة لسيطرته، أي العاصمة دمشق والشريط الساحلي الذي يربطها بحمص وحماه. ويشير الى انه للمرة الاولى منذ بداية الحرب الاهلية باتت قوات المعارضة على أبواب دمشق ودرعا والقنيطرة وعلى مشارف اللاذقية. لكن هذا لا يعني السقوط الوشيك، فنظام الأسد”يترنح” لكنه لا يزال واقفاً على قدميه.
لا يمكن الفصل بين ما يجري على أرض المعركة ومحاولات التسوية. وبينما يسعى بعض الاطراف الدوليين الى منع كارثة انهيار سوريا ووقوعها في قبضة التنظيمات الإسلامية المتطرفة، يحاول البعض الآخر فقط انقاذ الأسد وتعويمه.
النهار
مصير الأسد واللعب على المكشوف/ هاني شادي
أوضحت زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى موسكو ومباحثاته مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، أن الفجوة بين البلدين كبيرة في ما يتعلق بمصير الرئيس السوري بشار الأسد. وهو ما اعترف به الوزيران خلال مؤتمرهما الصحافي المشترك في العاصمة الروسية في الحادي عشر من أغسطس/ آب الجاري. فالوزير السعودي كان مباشراً وصريحاً عبر تأكيده على أن «الأسد جزء من المشكلة وليس جزءاً من حل الأزمة السورية»، وعبر تشديده أيضاً على أن الرئيس السوري لن يكون له أي دور في مستقبل تسوية الوضع في سوريا، مستنداً في ذلك إلى بيان «جنيف ــ 1» في 30 حزيران / يونيو 2012. وواصل الجبير أمام الصحافيين في لغة تشبه «الإنذار»، قائلاً: «نؤمن بأن بشار الأسد قد انتهى وأنه سيرحل عبر عملية سياسية أو في سياق العمليات العسكرية».
في ظل تصريحات الوزير السعودي هذه خلال المؤتمر الصحافي، الذي كان يُنقل على الهواء للعالم، والتي نعتقد أنها كانت مفاجئة، بدرجة ما، لنظيره الروسي من حيث العلنية والمباشرة، ما كان من سيرغي لافروف إلا أن جدّد موقف بلاده من مصير الأسد بالتأكيد على أنه «يتعيّن على السوريين أنفسهم تقرير مصير الرئيس السوري من خلال حوار شامل بمشاركة جميع الأطراف المعنية من أجل تحديد ملامح المرحلة الانتقالية». وفي لغة تحذيرية، شدّد لافروف على أن «إسقاط نظام الأسد عسكرياً سيؤدي إلى استيلاء تنظيم «داعش» على السلطة في سوريا»، مشيراً إلى أنه «لا يودُ أن يأمل أحد البلدان المؤثرة والمنخرطة في أحداث الأزمة السورية بأن مشكلة الأسد يمكن أن تُحلّ بطريقة عسكرية».
ولعل ما يلفت الانتباه أيضاً في المؤتمر الصحافي المشترك بين لافروف والجبير، أن الأخير أقر بضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، ومنها الجيش السوري، وإمكانية استخدامه في الحرب على الإرهاب بعد سيناريو تنحّي الأسد. وقد يفتح هذا، في رأي البعض، طريقاً ما أمام موسكو للحفاظ على مصالحها في سوريا مستقبلاً. وبرغم أن الوزير السعودي أكد أهمية التعاون مع روسيا في الحرب على الإرهاب، إلا أنه أشار إلى وجود تحالف دولي، يقصد التحالف الذي تقوده واشنطن، لمحاربة «داعش» في سوريا والعراق. وهو ما يعني التحفظ، عن أقلّ تقدير، على دعوة الرئيس الروسي الى تشكيل تحالف بين المملكة العربية السعودية وتركيا والأردن وسوريا الحالية وغيرها من الدول لمواجهة تنظيم «الدولة الإسلامية» والتنظيمات الإرهابية الأخرى.
ويعتقد فريق من الروس أنه لا يمكن إغفال الدور الروسي في تسوية الأزمة السورية، ولذلك يرى هؤلاء أن السعودية سوف تواصل نشاطها في محاولة «شراء الموقف الروسي»، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية التي تعاني منها روسيا، والتي تفاقمت أكثر بسبب العقوبات الغربية على خلفية الأزمة الأوكرانية. ولا يظن هذا الفريق بأن موسكو سوف تتخلّى عن دعم الأسد ونظامه، متعللاً بأن «الأموال السعودية لا تكفي لإغراء روسيا بذلك». في الوقت ذاته، نرى قسماً آخر من المراقبين الروس أكثر تحفظاً في ما يتعلق بالتقارب الروسي ـ السعودي، حيث يعتقد أن جميع الاتفاقات التي تم التوصل إليها حتى الآن بين موسكو والرياض في المجال الاقتصادي مجرد اتفاقات نيات ووعود بضخ استثمارات سعودية في روسيا. فمحاولة المملكة العربية السعودية تحسين العلاقات مع روسيا، بحسب هؤلاء، ترمي إلى تمرير السيناريو السعودي لتسوية الأزمة السورية عبر الوعود باستثمار نحو 10 مليارات دولار في الاقتصاد الروسي، والتعاون مع روسيا في مجال الطاقة النووية وشراء أسلحة روسية. ويؤمن هؤلاء بأن تنفيذ مثل هذه الاتفاقات والوعود سيعتمد، في غالب الظن، على المدى الذي قد يجعل روسيا والسعودية تسيران في الاتجاه نفسه بشأن الأزمة السورية. ويُشدّد هذا الفريق من المراقبين الروس على أنه من دون موافقة موسكو على تنحّي الأسد، لن يتطور التعاون بالحجم الكامل بين البلدين.
بجانب هذين الفريقين، نلاحظ فريقاً روسياً ثالثاً يعتقد بأن السقف المرتفع الذي أعلنه الجبير في المؤتمر الصحافي مع لافروف، لا يعكس ما دار في المباحثات بينهما خلف الأبواب المُغلقة في العاصمة الروسية. ويرى هذا الفريق أنه يمكن التوصل إلى حل وسط بين البلدين بشأن الأزمة السورية لضمان مصالح روسيا، خاصة في ظل تعقُد علاقات كل من موسكو والرياض مع واشنطن في الوقت الراهن.
ولكن إذا كان لافروف والجبير قد أكدا أثناء المؤتمر الصحافي المشترك أنهما يتمسكان بـ «جنيف ــ 1»، فلماذا يختلفان على «مصير الأسد»؟ هذا السؤال يطرح نفسه بقوة في ظل التقارب الروسي ـ السعودي الأخير، والذي من المفترض أن يُكلل بزيارة العاهل السعودي إلى موسكو هذا العام. ربما يكون الاختلاف في الأولويات. فالرياض لا ترى دوراً للرئيس السوري سواء في المرحلة الانتقالية أو ما يليها من مراحل تسوية الأزمة السورية، خاصة أن الهيئة الانتقالية بحسب «جنيف ــ 1» من المفترض أن تتمتع بصلاحيات كاملة. وهذا يعني، ببساطة، سحب الصلاحيات من الأسد. أما موسكو، فترى أن أولوية الفترة الانتقالية هي محاربة «الإرهاب»، مع إقرارها، على ما يبدو، بأن هيئة «جنيف ــ 1» الانتقالية تعني سحب «بعض وليس كل» الصلاحيات من الرئيس السوري. وهذا قد يعني، في رأي البعض، أن موسكو قد ترضى، بعد «القضاء على داعش»، بوضع جديد في سوريا. ولذلك، نجد الروس يطرحون ضمن ما يطرحون في الكواليس، إمكانية إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية مستقبلاً. كما أن مسألة مصير الرئيس السوري أصبحت على طاولة النقاش العلني بين الروس ومسؤولي الدول الأخرى، أي أن «اللعب» بات حالياً على المكشوف.
السفير
انسحاب في اليمن وتشدّد في سوريا/ د. نقولا زيدان
تحت عنوان ترتسم كلماته بالعبارة الآتية: «شيء ما يجري في المنطقة» بإمكان المرء أن يُفصح عما يحس به جراء هذا التحرك السياسي والديبلوماسي الذي تشهده المنطقة العربية الآن وكأنها قد شبعت بما فيه الكفاية من الحروب الداخلية المتواصلة وسفك لا يتوقف للدماء وأزمات معقدة عالقة هي بأمس الحاجة إلى حلول.
فالانفراج الجزئي الذي ولّده الاتفاق النووي الإيراني مع الدول الكبرى الست أعقبه زيارة عدد من الديبلوماسيين الغربيين الكبار لطهران ابتداء بممثلي وكالة الطاقة النووية ومروراً بموغريني وشتانماير وفابيوس وانتهاء بمن هم متوقع قدومهم إلى عاصمة أكثر دول المنطقة إثارة للشغب والمتاعب: إيران.
وعلى الرغم من أن الاتفاق أشاع في الساحة الإيرانية جواً عاماً من الارتياح والاسترخاء فإن نظام الملالي الحاكم هناك لم تصدر عنه حتى اللحظة أي مبادرات نوعية عملية من شأنها حلحلة جميع الملفات العالقة في المنطقة والتي تشكل الستاتيكو السائد والمستمر في المستقبل المنظور. وتتشارك في إمساك مقاليد السلطة ولو بنسب داخلية متفاوتة داخل المشهد الإيراني تكتلات ما زالت قادرة على نسج توازنات ضمنية في ما بينها وهي الحرس الثوري بكل تشعباته الاقتصادية والسياسية، وقوى المرجعيات الدينية بزعامة الولي الفقيه التي تشكل العصب الإيديولوجي للنظام وأخيراً قوى بيروقراطية الدولة المتمثلة بالرئاسة والجهاز التنفيذي للنظام. ويسود فكر عنصري استعلائي متجلبباً بعباءة دينية مزعومة أوساط تكتلات النظام المصرّة على الاعتقاد، وهي تقدم في هذا الصدد الأدلة والبراهين والأمثلة، أن المشاريع العسكرية والتدخل المستمر لإيران في الأوضاع الداخلية لبلدان المنطقة العربية هو الذي زوّدها بأسباب القوة للمضي قدماً على امتداد عقد كامل من الزمن للتفاوض المتكافئ مع الغرب وانتزاع أفضل الشروط الممكنة لعقد الاتفاق النووي العتيد. لذا يطالب قادة الحرس الثوري (سليماني، همداني…) بأن تضخّ إيران مزيداً من الأموال في البرنامج العسكري الطموح وبالأخص البرامج الصاروخية البالستية، ما قد يدفع بهذه القوة العسكرية إلى أن تطالب بالحصة الأكبر من الأموال المتوقع الإفراج عنها والتي تقدر قيمتها بين 100 بليون دولار و150 بليوناً والتي سيفرج عنها من خلال إجراءات بيروقراطية وقضائية معقدة.
إن النظام الإيراني بعد إتمام عقد الصفقة ينظر بعين القلق نحو الدول والمناطق التي انصبت فيها جهوده العسكرية وتدخلاته السياسية والأمنية، وما تطلب ذلك خلال عقد كامل من الزمن من انفاقات مالية ضخمة قادته إلى عجز مالي كبير لدرجة أن سمعنا منذ أيام وزير النفط الإيراني يصرح أن إعادة العافية لهذا القطاع قد تتطلب جهوداً وتوظيفات على امتداد سنوات عدة مقبلة، أي بالضبط إلى وضع هذا القطاع كما كان عليه منذ 10 سنوات خلت. ليس هذا فحسب بل تجد طهران نفسها في مأزق إن في العراق أو سوريا. فالوضع العراقي حيث يبلغ تدخلها لحد بسط حماية إيرانية مكشوفة، يتخبّط في التفكك والانهيار، بفعل عدم قدرة حكومة العبادي على تطهير الإدارة والجيش من الفساد والهدر والمحاصصات الطائفية المفضوحة، والعجز الكامل عن تأمين الخدمات اليومية للعراقيين. بل الأسوأ هو استمرار المواجهة الدموية مع إرهاب داعش التي عجزت الطلعات الجوية للتحالف الأممي عن وضع حد له، في الوقت الذي ما زالت «الموصل» فيه تحت سيطرته والذي يقف الجيش والحشد الشعبي الشيعي وما أمكن جمعه من ميليشيات سنية محلية، مراوحاً على تخوم الرمادي. ويتردد الحرس الثوري الإيراني عن القيام بتدخل عسكري واسع النطاق هناك، فقد ارهقه الوضع السوري بما فيه الكفاية على مختلف الصعد ولم يحقق تورط حزب الله بإيعاز من طهران ما ظنه هذا الأخير مهمة سهلة المنال في الساحة السورية.
يتركز هذا «الشيء ما» الذي يدور في أفق المنطقة العربية في موقعين مهمين: الوضع السوري والوضع اليمني.
في الوضع اليمني خسرت طهران سياسياً، حتى ولو استطاع تحالف الحوثيين صالح تحقيق انتصارات عسكرية أول الأمر. فعلى المستوى السياسي لم تجرؤ دولة عربية واحدة على الاعتراف بشرعية انقلاب الحوثيين في أيلول الماضي بل حتى طهران نفسها نأت بنفسها عن هذا الاعتراف المتحدي للمجتمع الدولي، وظلت بعيدة عن جلسات الحوار في جنيف التي تعطلت عندما رفض الحوثيون القرار الدولي 2216 ذي الصلة. وفي المقابل حققت الدول العربية بقيادة المملكة العربية السعودية إنجازاً كبيراً بإطلاق عاصفة الحزم، فكانت علامة تاريخية فارقة دلت على أن العرب بمقدورهم المواجهة العسكرية أمام الخطر الإيراني الداهم. ولم يكن بمقدور النظام الإيراني ركوب مخاطر مواجهة عسكرية من شأنها التأثير سلباً على مفاوضاته بشأن الاتفاق النووي الذي عمل عقداً كاملاً من الزمن للوصول به الى خواتيمه المتوخاة. فالروس بعد تأرجحهم بعض الوقت توقفوا عن دعم الحوثيين لوجستياً كما رأينا في المراحل الأولى للانقلاب فتورطهم في اليمن كان سيعطل عليهم صفقات الاسلحة مع مصر والسعودية، اي حرمانهم من هذه المبالغ بالقطع النادر التي هم بحاجة ماسة اليها في مواجهتهم العقوبات الغربية الاقتصادية بسبب الأزمة الأوكرانية. وبالمقابل سمع الايرانيون على الارجح كلاماً اميركياً من قبيل «كفى!» لأنهم قد ذهبوا في غيهم أكثر مما هو محتمل. لذلك رحنا نشهد إنكفاء وتقهقراً وانسحابات عسكرية حوثية متواصلة ابتداء من عدن ومروراً بتغر وإب وشبو، يرى فيها بعض المراقبين مقدمة ضرورية لعودة مفاوضات جنيف المعلقة والتي تفسح في المجال امام الحل السياسي تبعاً للمبادرة الخليجية.
ويبقى الملف السوري المعقد، حيث سارعت طهران كما الرياض بدورها للدعوة مجدداً الى ضرورة الوصول الى حل سياسي. ففي اجتماعات الدوحة مؤخراً، في الوقت الذي بدأ وزير خارجية ايران جولته الاقليمية، والتي واكبها وزير خارجية الاسد في زيارة غامضة الى عمان اكثر الدول العربية قدرة على التوفيق بين تأثرها بطهران ورغبات واشنطن في آن معاً، دعا كل من وزراء خارجية اميركا وروسيا والسعودية الى وجوب قيام حل سياسي في سوريا، لا سيما ان وضع الاسد العسكري في خط انحداري متواصل فالنظام الاسدي بالكد يسيطر على 25% من اراضي سوريا. ومعارك الزبداني وقرى القلمون مستمرة وحزب الله عجز ميدانياً عن دحر الفصائل المعارضة المسلحة. كما ان المعارك في الشمال مستعرة، حيث يسعى أردوغان لإيجاد منطقة عازلة بغطاء جوي اميركي، الجميع يقولون بـ «الحل السياسي» وهذا مهم، انما الأهم هو الاتفاق على حل سياسي واحد.
ان سوريا وبالتالي لبنان هما النافذة التي تطل منها ايران على المتوسط، ونفوذها في هذين البلدين مسألة في غاية الحيوية. يوافق الإيرانيون على الحل السياسي في سوريا كما يقولون لكن عليه مراعاة المصالح الايرانية هناك، أكان ذلك باستمرار الاسد ام بدونه. فإن كانت روسيا تحاول مجدداً استضافة موسكو 2 للحوار بين النظام الاسدي وبعض خصومه فإن طهران لا تمانع في ذلك علّ هذه الخطوة تساهم في مزيد من الشرذمة للمعارضة.
في هذا الاطار علينا كلبنانيين عدم التفاؤل كثيراً بنتائج زيارة محمد جواد ظريف الى بيروت، التي تفادت الخوض في أية حلول للأزمة اللبنانية، ذلك ان الحل السياسي للملف السوري ما زال قيد البحث وبدون ايجاد حل له سوف تبقى الأزمة عندنا تراوح مكانها.
المستقبل
مغالاة في التعويل على حلّ قريب لسوريا بقاء الأسد انتقالياً استنساخ لتجربة العبادي/ روزانا بومنصف
على رغم انطلاق اتصالات دولية واقليمية غير مسبوقة في ما يتصل بالازمة السورية تضطلع روسيا في جانب اساسي منها بدعم أميركي على الارجح وفق ما تقول مصادر معنية، فان شكوكاً كبيرة تستمر في الدفع لعدم المغالاة في التعويل على امكان بلورة حل في المدى المنظور. اذ ان الجدية التي تتسم بها هذه الاتصالات لا تختلف عن جديتها حين جرى العمل على جنيف واحد ومن ثم على جنيف 2 او على الاجتماعات التي ادارتها موسكو مرتين للنظام والمعارضة من دون ان تنجح كل هذه الجهود، ولو ان مجموعة مؤشرات مؤثرة تبدلت بين كل الجهود السابقة والجهود الحالية مع تبدل ظروف بعض اللاعبين كايران مثلاً التي انتهت من اثقال العقوبات الدولية عليها بسبب ملفها النووي. واللافت بالنسبة الى هذه المصادر ان الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي رأى متغيرات في مواقف روسيا وايران ازاء الرئيس السوري بشار الاسد لم يرفع الآمال حيال امكان ايجاد حل للأزمة السورية في عهده وان ذلك قد يكون ممكناً بحيث يضاف الى ارثه السياسي كرئيس للولايات المتحدة. اذ لا يزال اوباما يسعى الى محاولة النفاذ الى تمرير الاتفاق النووي مع ايران في الكونغرس الاميركي ما عد دفعه لروسيا في اتجاه المساعدة على ايجاد حل للازمة السورية بمثابة اغراء للكونغرس بان الاتفاق مع ايران قد يكون فتح الباب على حل الأزمات المعقدة في المنطقة ومن بينها الازمة السورية. ولكن ثمة تساؤلات اذا كانت واشنطن تسلم لروسيا بهذا الدور في المنطقة على حساب تراجع نفوذها هي وما اذا كان ذلك يأتي في اطار التسليم بان الولايات المتحدة لا تملك القدرة الكافية على المساعدة في ايجاد حلول وهي تالياً عاجزة عن ذلك لعدم امتلاكها الاوراق المؤثرة على بعض الاطراف او نتيجة عدم رغبتها في دفع اثمان للمساومة في هذا الاطار علما ان الرهان كان دوماً خلال الاعوام المنصرمة من الازمة السورية على واشنطن من النظام السوري كما من ايران في موازاة رهان حلفاء الولايات المتحدة عليها ايضاً ام ان تحضير الاجواء الملائمة متروك لروسيا في هذا التوقيت حتى نضوج بعض المواقف.
بعض السياسيين اللبنانيين يرسمون علامات استفهام مشككة بناء على تجربة لبنانية استنزفت جهوداً ومبادرات كثيرة اقليمية ودولية ولأعوام طويلة قبل ان يرسو الحال بعد انهاك دام للبلد ووللافرقاء فيه على اتفاق الطائف الذي استغرق اعداده وقتا طويلاً وليس اشهرا فقط وحاول ان يجمع بين المتناقضات الداخلية والاقليمية والدولية. وليست صيغ الحلول او مشاريعها ما ينقص الازمة السورية باعتبار ان الأعوام الاربعة الماضية من عمر الازمة السورية حفلت بدراسات كثيرة من كل الجهات ومن خبراء سياسيين ومسؤولي استخبارات لم تهمل اي اقتراح او احتمال وفي اي ظرف يمكن ان يأتي الحل وكيف وإلام يؤدي، علما ان بورصة هذه الاحتمالات زاوجت احياناً كثيرة بين احتمال بقاء الاسد في ظل غياب البديل مع اصلاحات جذرية على القاعدة التي باتت شهيرة بان الشيطان الذي نعرفه افضل مما لا نعرفه بحيث ظل الاسد موجوداً في المعادلة السياسية مع استمرار وجوده في السلطة ولو حاكماً على العاصمة وبضعة مدن اخرى. وتقول مصادر سياسية ان ثورة رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في الايام القليلة الماضية لجهة اطاحة مراكز ومواقع تعوق مساره الاصلاحي يشكل مؤشراً على ان بقاء جزء من الارث القديم في الواجهة كما هي مع بقاء نوري المالكي نائبا لرئيس الجمهورية مثلا على رغم اختيار العبادي ينبغي ان تشكل درساً بان مثل هذه التجربة ستبقي الازمة قائمة على غرار ما واجهه العبادي منذ وصوله بحيث عجز بمساعدة اميركية وايرانية عن تحرير المدن العراقية من سيطرة تنظيم الدولة الاسلامية فيما تنهار اكثر فاكثر الدولة العراقية. وهذه تجربة اقل ما يقال فيها انها ستنسحب على احتمال ابقاء الاسد مع حكومة انتقالية بحيث من المرجح الا يتركها تحكم او يسمح بانتقال البلد الى مرحلة اخرى اياً تكن الصلاحيات التي ستبقى له بل ستكون وصفة عن استمرار الازمة في البلد كما حال العراق الذي لا يود احد في الغرب ان يكرر تجربته في سوريا.
البعض يبني على ان كلاماً جدياً يتحدث به بعض المصادر من زاوية ان ما ادلى به وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في موسكو الثلثاء الماضي حول الحفاظ على المؤسسات السورية والتي من ضمنها الجيش السوري تفيد بان هناك نقاط التقاء عدة لن يكون صعباً الوصول اليها اذا وجد الافرقاء الاقليميون مصلحة اكبر لهم فيها من استمرار الحرب راهناً. فكما ان هناك مرونة روسية بدأ يتحدث عنها البعض على مستوى دولي ورسمي رفيع ازاء الرئيس السوري، فان ثمة من يتحدث عن مرونة سعودية في المقابل ازاء بعض صيغ الحلول لم تكن متوافرة سابقا، وذلك على رغم ان كلاً من وزير الخارجية الروسي ونظيره السعودي اعلنا مواقف لم تظهر تبدلاً او تعديلاً في المواقف المعروفة لكلا البلدين حتى الان.
النهار
الاخفاق في تجاوز الأسد/ سميح صعب
تسعى روسيا وايران الى أخذ الازمة السورية في منحى آخر غير الذي تتمترس فيه الولايات المتحدة وتركيا والسعودية وقطر منذ أربع سنوات ونصف سنة ألا وهو تغيير نظام الرئيس بشار الاسد. ولكن لا مؤشرات لاحتمال نجاح روسيا أو ايران في مسعاها بتحويل مجرى الاحداث نحو مواجهة الخطر الجهادي أكثر منه التركيز على تغيير النظام في سوريا.
ان واشنطن ومعها تركيا وبعض دول الخليج العربية وجزء من المعارضة السورية في الخارج، تعتقد ان الحد الادنى المقبول لتغيير الموقف من الازمة السورية يتمثل في القبول بالنظام من دون الاسد. ولذلك يتوقع هؤلاء من روسيا وايران مجاراتهم في مقولة ان الرئيس السوري يجب ألا يكون جزءاً من الحل وفي المقابل تقبل اميركا وتركيا والسعودية وقطر بأي صيغة للحل في سوريا على أساس انه يمكن هذه الدول ان تقول إنها حققت جل أهدافها من الحرب.
ولكن لا يبدو ان روسيا او ايران في وارد المضي في المقايضة، لانهما تدركان ان التخلي عن الاسد لن يقود الى حل في سوريا، بل سيشكل مرحلة أخرى من مراحل الحرب السورية، خصوصاً ان البديل من الاسد ليس متوافراً في الوقت الحاضر، ذلك ان المعارضة الخارجية مشلعة الولاءات ولا تملك من الارض ما يؤهلها للامساك بالزمام. وعليه لن تسهم ازاحة الاسد، الاّ في تقوية شوكة الجهاديين من “داعش” و”القاعدة” بينما تبحث أميركا عن “معتدلين” لتدريبهم فلا تجد.
أربع سنوات ونصف سنة يبدو انها لم تكن كافية لاحداث تغيير في الخطاب الاميركي أو التركي أو الخليجي من سوريا ولا يزال المطلب هو هو: رحيل الاسد إما طوعا وإما بالقوة. وعندما تطرح موسكو أو ايران موضوع الاحتكام الى الانتخابات لتقرير مصير من يريده الشعب السوري رئيساً، يرفض هؤلاء اللجوء الى الانتخابات مخرجاً ولو أجريت في اشراف دولي.
هذا الموقف يلغي كل ما يحكى عن بداية بحث جدي في حل سياسي للازمة السورية. كما ان البحث عن “مناطق آمنة” سواء على الحدود التركية أو على الحدود الاردنية أو سعي اسرائيل الى توسيع احتلالها للجولان، كلها خطوات تنم عن عدم ثقة بأن الحل بات قريباً في سوريا على رغم ان الرابح الوحيد على الارض السورية هم الجهاديون الذين تخشاهم كل الدول على اراضيها ولا تفعل شيئا لكبحهم في سوريا أو في العراق. لا بل ان كل الحلول المطروحة غربياً أو خليجياً أو تركياً، لا تؤدي الى شيء سوى دفع “داعش” نحو دمشق.
النهار
لافروف وتسويق الأسد/ عبد الرحمن الراشد
لم يكل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف منذ بداية الأزمة السورية من الدفاع عن نظام بشار الأسد، وهذا سبب أساسي في إطالة عمر النزاع ورفض الأسد لتقديم التنازلات، وعندما طالت الحرب دخلها التطرّف والإرهاب الديني. وقد وقفت موسكو ضد كل الحلول السياسية مثل لقاء جنيف، وتصر بشكل غريب على المحافظة على كامل نظام الأسد. ويمكن أن نتفهم دوافع الموقف الروسي لو أن منافستها الولايات المتحدة كانت طرفًا في محاربة الأسد، لكن الأميركيين وقفوا على الحياد السلبي، بل ومنعوا تزويد المعارضة المعتدلة من أية أسلحة نوعية.
إذًا لماذا يحرص الروس على مساندة نظام الأسد؟
قد يفسر موقفهم بأنه ينسجم مع حربهم على الجماعات الإرهابية، وفي سوريا بالفعل يوجد بين صفوف «داعش» مقاتلون إسلاميون روس. الحقيقة، موقف روسيا المساند لنظام الأسد قديم وسابق سنة كاملة لظهور أي مقاتل إسلامي في الساحة السورية. وكانت موسكو صريحة في تأييده وحرصت أكثر من مرة على استعراض قوتها البحرية في طرطوس للتأكيد على دعمها لنظام دمشق.
إضافة إلى ذلك، فإن الدول العربية الموالية للمعارضة سبق أن أبلغت موسكو استعدادها للتعاون معها ميدانيًا لمقاتلة الجماعات الإرهابية في سوريا، وإطلاع موسكو على كل ما يحدث من جانبها، إلا أن الروس يصرون على ضرورة التعاون مع النظام هناك.
وقد يفسر الموقف الروسي بأنه مبدئي، ضد أي تغيير للخريطة السياسية، وضد إضعاف توازن القوى الإقليمية، يعكس حالة القلق في موسكو مما حدث في أوكرانيا. لكن هذا، أيضًا، لا ينسجم مع المواقف الروسية في مناطق النزاع الأخرى، ولم تُبْدِ موسكو أي قلق من الفوضى في ليبيا أو العراق أو غيرها!
وروسيا حتى «تشوش» على ضيوفها دائمًا تكرر أمامهم أنها لا تهتم بمصير الأسد، وأن الرئيس فلاديمير بوتين زار المنطقة ورفض زيارة دمشق. وردد المسؤولون هذه التأكيدات، «الأسد لا يهمنا» أمام زوار الكرملين، من أميركيين وأوروبيين وخليجيين، لكن الحقيقة أن الداعم المستمر للأسد هو الحكومة الروسية؛ هي التي أعطته الخبراء والأسلحة والنفط وطبعت له حتى عملته بعد أن توقفت مطابع سويسرا ضمن المقاطعة!
أما لماذا هذا الإصرار الروسي على حراسة نظام الأسد، فلا يمكن فهمه إلا في إطار وجود تحالف وثيق مع إيران، التي تعتقد أنها قادرة على اكتساح المنطقة، وفرض هيمنتها، كما نجحت في العراق. وتعرف إيران أنه من دون تأمين الحكم في سوريا، فإن العراق لن يستقر لها.
والثنائي الإيراني الروسي يلعب الموقف المنسجم نفسه في قضايا أخرى، مثل الاتفاق النووي مع الغرب، والعلاقة مع العراق. ويستفيد من سياسة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، بالتخلي عن حلفاء بلاده في المنطقة، حيث يفرض الإيرانيون والروس شروطهم، مثل القبول بالأسد رئيسًا وليس فقط بنظامه، رغم ما قد يعنيه ذلك من إشكالات خطيرة لاحقًا.
الشرق الأوسط
لماذا يرى أوباما بارقة أمل في سوريا؟/ حسين عبد الحسين
مجدداً، يستخدم الرئيس الأميركي باراك أوباما سوريا كبش فداء للصداقة التي يسعى لاقامتها مع الجمهورية الاسلامية في ايران. هذه المرة، جاء الاستغلال الاوبامي للمأساة السورية عن طريق وكالة “اسوشيتد برس”، التي نقلت عن الرئيس الاميركي قوله انه صار يرى “بارقة أمل” في سوريا بسبب ادراك روسيا وايران ان حليفهم الرئيس السوري بشار الأسد اصابه ضعف شديد، ما يجبرهم على البحث عن خيارات اخرى، اذا يبدأ حوار جدي حول الحل.
وتصريح أوباما ليس الاول من نوعه، ففي المقابلة التي منحها لتوماس فريدمان، صحافي نيويورك تايمز في الاسبوع الاول الذي تلا التوصل لاتفاقية فيينا، قال أوباما إن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اتصل به هاتفياً وفاتحه بموضوع سوريا. وقال أوباما حينها ان اتصال بوتين سببه ضعف الأسد، ربما لا ينهار الأسد قريبا، ولكن، هناك خوف من اقتراب حتمية انهياره. وقتذاك، لم تلتقط غالبية المتابعين تصريح أوباما حول بوتين وسوريا، ربما بسبب الانهماك بالملف الايراني.
هذه المرة، جاء التسريب على لسان الصحافية روبن رايت، التي يبدو انها شاركت في لقاء لمجموعة من الصحافيين مع الرئيس الاميركي قبل ايام من ذهابه الى عطلته الصيفية، التي تمتد اسبوعين يقضيها وعائلته في جزيرة مارثاز فينيارد في شمال شرق الولايات المتحدة. و”اسوشيتد برس” وصفت رايت بـ”الصحافي”.
ولمن لا يعرفها، روبن رايت هي واحدة من اكثر الصحافيين تأييدا لنظام الجمهورية الاسلامية في ايران منذ الثمانينات، وهي عادت من زيارة لايران قبل اسابيع كتبت على اثرها مقالة نشرتها في مجلة “نيويوركر” المرموقة، قالت فيها ان الايرانيين باشروا ببرنامجهم النووي السلمي ردا على استخدام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الاسلحة الكيماوية ضد الجنود الايرانيين اثناء الحرب بينهما.
وان تنقل وكالة انباء الخبر على لسان “الصحافي” رايت المؤيدة للنظام الايراني، وان يلتقط الخبر احد الاعلاميين المقربين من الادارة فيطرحه سؤالا على الناطق باسم البيت الابيض جوش ارنست، الذي اكد بدوره الحوار بين أوباما والصحافيين، وأكد ان الخبر “يصف” رؤية أوباما للوضع السوري، يشي بأن حضور رايت لاجتماع البيت الابيض، ونشر الخبر في وكالة الانباء، واعادت تأكيده هي عملية متكاملة لزرع الخبر وبثه. ربما اعتقدت ادارة أوباما ان رؤية أوباما لـ “بارقة الأمل” في سوريا لم يستوف حقه في المقابلة مع فريدمان، فأرادت اعادة خلق الخبر وبثه. اما تورط رايت فيه فيشير الى مصلحة ايرانية في الأمر. والمصلحة الايرانية – الاوبامية في اعادة تسليط الضوء على رؤية الرئيس الاميركي للحل في سوريا مبنية على اعتبارات متعددة.
أولاً، من شأن تصريح أوباما ان يوحي وكأن الاتفاقية النووية مع ايران تؤدي الى انفراجات حتمية في ملفات شرق اوسطية عالقة اخرى، مثل سوريا. ويأمل أوباما ان يؤدي الحديث عن الانفراجات في سوريا الى حشد المزيد من الدعم للاتفاقية مع ايران المقرر التصويت عليها في الكونغرس بين ٨ و١٧ من الشهر المقبل.
ثانياً، تصريح أوباما يكرس تطابق الرؤيتين الاوبامية والايرانية حول الملف السوري، والقاضية بحوار بمشاركة ايرانية كحل وحيد للخروج من الازمة.
في الفترة السابقة للاتفاقية النووية مع ايران، حرص أوباما على تكرار القول إن اي مشاركة اميركية عسكرية مباشرة في سوريا، او غير مباشرة عن طريق تسليح الثوار، من شأنها ان تنسف حظوظ الاتفاقية، فأحجم عن القيام بأي خطوة وترك الازمة السورية تنفلت من عقالها. بعد الاتفاقية مع ايران، صار أوباما يستخدم “بارقة الحل” في سوريا ليوحي ان نتائج الاتفاقية النووية مع ايران الايجابية بدأت تظهر.
لا أمل لدى أوباما في سوريا ولا خطة ولا رؤية، بل تكرار للازمة الحل السلمي والحوار العقيم نفسه، الذي تشترط ايران ان يتم بشروطها وتصر روسيا على ان ينحصر بمحاربة “الارهاب”، الذي يتضمن كل المجوعات المقاتلة، بحسب رؤية موسكو. وتصور واشنطن لحل في سوريا لا يختلف عن رؤية موسكو وطهران.
أما الاعتقاد الفعلي لإدارة أوباما لما سيحصل في سوريا فيتمثل حتى الآن في موقفين: تصريح وزير الدفاع آشتون كارتر انه يتوقع ان يخرج أوباما من الحكم قبل الأسد، وقيام مستشارة الأمن القومي سوزان رايس بتشكيل فريق من الخبراء يضع سيناريوات سورية في طليعتها بقاء الأسد والتعايش معه. اما كل الثرثرة عن “بارقة أمل” عند الرئيس الاميركي وما شابهها، ففي الغالب هي مناورات اعلامية هدفها خدمة الاتفاقية النووية مع ايران وحشد التأييد الاميركي لها.
المدن
كيمياء سورية بين أميركا وروسيا/ علي بردى
يشكل القرار 2235 الذي اتخذه مجلس الأمن أخيراً علامة فارقة في سياق الحرب السورية. يعكس وجود كيمياء جديدة بين أميركا وروسيا. ثمة تفاهم بينهما على مقاربة جديدة لهذه الأزمة. لن يكون عابراً تحديد الجهات المسؤولة عن استخدام غاز الكلور وغيره من المواد الكيميائية سلاحاً في سوريا. يؤسس للمساءلة والمحاسبة. بيد أن الأهم أنه يفتح نافذة لتسوية سياسية على هذا الأساس.
تروي المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة سامانتا باور أنها لم تر عيناً لم تدمع وقت استمع أعضاء مجلس الأمن الى شهادات بعض ضحايا الهجمات بغاز الكلور وغيره من السموم في سياق الحرب السورية. تقاسمت مع نظيرها الروسي فيتالي تشوركين مبدأ مراعاة المصالح المشتركة وما بات يسميه البعض الإلتزامات الأخلاقية المشتركة حيال ما يحصل في سوريا. لو كان هذا العالم منصفاً لكانت البراميل المتفجرة وحفلات القتل الجماعي أبكتهم أيضاً. بلغ العنف حداً يفوق التصور والإحتمال حتى عند الذين احترفوا ذرف دموع التماسيح. لا يضاهي هذه الوحشية ويفوقها سوى ما تقترفه الجماعات الإرهابية. كانت حجة المدافعين عن النظام أن الإرهاب هو مرض سوريا. تسلحوا بمنطق أن الإرهاب سرطان يوجب العلاج الكيميائي. يدعي البعثيون علماً في معالجة الأمراض المستعصية في هذا العالم العربي الحزين. هذا بذاته مبك.
على أهميته البالغة، لم يكن كافياً القرار 2118 لعام 2013. إنما خلّص الرئيس السوري بشار الأسد نفسه حين وافق على تخليص سوريا من 1180 طناً من الترسانة الكيميائية المعلنة. لا أحد يدرك هذه الحقيقة مثل سيغريد كاغ (رئيسة البعثة المشتركة للأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية آنذاك) التي قادت هذه المهمة بنجاح مشهود. غير أن هذا النجاح لم يضع حداً لاستخدام المواد الكيميائية البسيطة الأخرى، والمتوافرة تجارياً للإستعمال المنزلي، سلاحاً كيميائياً فتاكاً في سياق الحرب السورية.
يتعدى القرار 2235 حسم هذه الإدعاءات. هناك من يعتقد أن بعده السياسي الممكن أهم من ظاهره الكيميائي. فالمأزق الذي وصلت اليه الأزمة السورية دفع الأميركيين والروس الى البحث عن مقاربة جديدة. لا يمكن الضحايا من القتلى والجرحى والمحاصرين واللاجئين والنازحين أن يبقوا مجرد أرقام. لا طرف قادر على حسم هذا الصراع لمصلحته. تتفق واشنطن وموسكو على أن الأولوية المطلقة تبقى لمكافحة الخلايا الإرهابية. لكن التساؤل الأهم يتعلق بما إذا كان بينهما تفاهم على أن الرئيس بشار الأسد ليس هو الشخص المناسب لمواجهة هذا الخطر الإستراتيجي. لا منفعة من الجدل على كونه جزءاً من المشكلة.
تمكنت الولايات المتحدة وروسيا من التوصل الى تفاهم لا سابق له يمكن أن يشكل نافذة الى توافق على حل سياسي. يحتاج الأمر الى أشهر، بل سنوات، بغية إخراج سوريا من النفق المظلم. الأيادي الملطخة لا تصنع تسوية مقبولة وبلداً سوياً. هذه هي المقاربة الجديدة وهذه هي البداية.
النهار
روسيا تفشل في إقناع السعودية بالأجندة الإيرانية
رأي القدس
تُقرأ حركة الدبلوماسية السعودية نحو روسيا كتعبير عن دور المملكة الوازن في الشؤون العربية، والذي أعطت عملية «عاصفة الحزم» في اليمن رصيداً إضافياً له. كما تحمل تطلّعاً لإمكان تغيير في الموقف الروسي من سوريا، وذلك بعد الإيجابية التي أظهرتها موسكو في الموضوع اليمني، وتمثلت في عدم استخدامها حق النقض مما أدى لصدور قرار مجلس الأمن رقم 2216 حول اليمن، وتضمن عقوبات تحت الفصل السابع على الحوثيين والرئيس السابق علي عبد الله صالح وتجريد الميليشيات من السلاح وإخراجهم من المدن.
القرار الذي اعتمد في نيسان / ابريل من هذا العام أخرج إيران، على مستوى الشرعية الدولية، من الشأن اليمني، وأفشل محاولاتها المتعددة للتدخل بحريا أو جويّا لإمداد الحوثيين، وهو ما أدى في النهاية إلى التقدم الكبير الذي نراه لقوى الشرعية اليمنية. بل إن موقف موسكو ذاك ساهم في تسريع الاتفاق النووي بعد سحب الورقة اليمنية من طهران وأضعف قدرتها على القول إنها بلد امبراطوري يسيطر على أربع عواصم عربية، وهو أمر ما انفك كبار المسؤولين الإيرانيين يرددونه.
أما الدبلوماسية الروسية فتحاول، من جهتها، الاستفادة من تجربتها مع الأعضاء الدائمين لمجلس الأمن (+ ألمانيا) في إنجاز الاتفاق النووي الإيراني، وتوظيف علاقاتها الوثيقة مع النظامين الإيراني والسوري لفتح مسار جديد في المسألة السورية. وكان أول إنجازات هذه الدبلوماسية اعتماد مجلس الأمن مؤخرا قرارا بالإجماع للتحقيق في استخدام السلاح الكيميائي في سوريا.
لكن خلاصة لقاء وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، التي قال فيها الجبير إن لا مكان للأسد في مستقبل سوريا تعني إن آمال موسكو بإقناع المملكة بتعويم الرئيس السوري قد وصلت إلى خاتمتها المنطقية.
تقوم فكرة موسكو التي أطلقتها خلال زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم الأخيرة لها على قيام تحالف دولي جديد واسع تشارك فيه أمريكا وروسيا والسعودية وإيران وتركيا وقطر… يدا بيد مع النظام السوري لمكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وهو أمر وصف المعلم حصوله بـ»المعجزة».
روسيا، مع ذلك، نجحت في إنجاز «معجزة صغيرة» بإقناعها الرياض باستقبال اللواء علي مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي ومستشار الرئيس الأسد. ولأهمية هذا الاختراق للموقف السعودي فقد سارع النظام السوري إلى تسريب الخبر كدليل على إمكانية تطبيع علاقاته مع الرياض، وسعياً لشق حلف خصومه المكين ضدّه.
استمرار عمل القناة الدبلوماسية السعودية الروسية رغم الانزعاج الواضح الذي أبدته الرياض من تسريب خبر لقاء مملوك بالأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، دليل على أن الطرفين يجدان بعض المواقف المشتركة رغم الخلاف على الأسد، وهو الموقف من تنسيق الجهود ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
في استثمارها للخوف الدولي والعربي الناتج عن توسع «الدولة الإسلامية» تتجاهل موسكو، عامدة، حقيقة أن نشوء وتوسع التنظيم المذكور هو نتيجة قضايا معقدة، بدأت باحتلال أمريكا للعراق، وأدت، في النهاية، الى سيطرة إيران على مقدراته، كما يقع استمرار وجود النظام السوري، رغم جرائمه التي لا حد لها ضد شعبه، في صلبها. وقد شارك الدعم الذي تلقّاه الأسد من إيران وروسيا، وساهم في حماية آلته لقتل المدنيين السوريين، في خلق الظروف المناسبة لانتشار التطرّف ووسع، بشكل هائل، حاضنته الاجتماعية.
«معجزة» روسيا المفترضة غير قابلة للتحقيق لأنها ببساطة غير قادرة على إقناع السعودية وباقي الأطراف الإقليميين بتنفيذ أجندة إيران والنظام السوري وهي الأجندة التي ساهمت في تهشيم النسيج الأهلي في العراق وسوريا، وأدّت إلى وصول الخطر الإيراني إلى عنق السعودية.
القدس العربي
موسكو تحضّر مكاناً للأسد/ راجح الخوري
لم يكن باراك اوباما ليقول إن موسكو وطهران أصبحتا تشعران بأن الرياح لم تعد تجري لمصلحة بشار الاسد، لو لم تكن الوقائع الميدانية الأخيرة قد وضعت مناطق الساحل في مرمى نيران المعارضة، وكذلك لو لم تكن التحركات السياسية الناشطة وخصوصاً على المستوى الروسي، قد أعادت التركيز على مسألة محورية طالما أعاقت التوصل الى تسوية سياسية تنهي الأزمة السورية، اي الإتفاق على عملية الإنتقال السياسي!
وهكذا لا يغالي بعض المحللين في القول إن الزخم الروسي المتصاعد في تحريك الأمور لإحياء التسوية السلمية، بعدما سقطت كل رهاناتها ورهانات الاسد على الحل العسكري، عاد الى ما كان قد وصل إليه قبل أشهر عندما نشط السؤال وراء الكواليس:
من يقبل باستضافة بشار الاسد وحاشيته وتحت أي شروط؟
حتى الروس في بداية العام الماضي لم تكن لديهم الحماسة او القابلية لمنح الاسد اللجوء، خوفاً من ان يؤّثر هذا على مصالحهم مع الدولة السورية الجديدة بعد إنتهاء حكمه . لكن الحمّى الديبلوماسية الروسية المتصاعدة منذ أشهر توحي ان موسكو تتولى البحث عن صيغة مقبولة للحل تستند الى عملية مبرمجة للإنتقال السياسي تخرج الاسد من السلطة بعد تشكيل حكومة لفترة انتقالية تجري انتخابات تؤسس لقيام سلطة جديدة .
الحمى الديبلوماسية الروسية برزت في اللقاء الثلاثي الذي جمع سيرغي لافروف وجون كيري وعادل الجبير في الدوحة، وكذلك في المحادثات الثلاثية بين وليد المعلم وميخائيل بوغدانوف وحسين أمير عيد اللهيان التي جرت في طهران عقب محادثات الدوحة، وايضاً في إستدعاء فلاديمير بوتين وليد المعلم على عجل قبل اسابيع، للبحث في مواجهة تنظيم “داعش” وحل الازمة السورية .
كل هذا يؤكد ان الاميركيين الذين يعتمدون على الروس في إيجاد مخرج يمكن ان يحيي التسوية السياسية بالعودة الى عقد مؤتمر “جنيف – 3 “، باتوا يعرفون جيداً الآن ان لافروف ومعاونيه يعملون على صيغة تحيي “جنيف – 1 ” شرط وضع برنامج تطبيقي لعملية الانتقال السياسي التي تصر عليها المعارضات السورية سواء في الائتلاف او الذين اجتمعوا في القاهرة قبل أسابيع.
وهكذا عندما ينتقل بوغدانوف من طهرن الى القاهرة للقاء أحمد الجربا، وعندما يقرر الإئتلاف الوطني إرسال وفد برئاسة خالد خوجة الى موسكو التي كان قد رفض دعوتها لحضور مؤتمر “موسكو – 1″، وكذلك عندما يصادف هناك وجود وفد من لجنة المتابعة للمعارضة السورية في إجتماع القاهرة، يصبح من الواضح تماماً ان هناك صيغة لترجمة عملية الانتقال السياسي، تحاول موسكو تسويقها. وهو ما يطرح السؤال:
هل ان طهران بعيدة منها، وهل كان اوباما ليقول ان الريح ليست لمصلحة الأسد؟
النهار
بداية نهاية الأسد؟/ هشام ملحم
يتحدث المسؤولون الاميركيون بثقة متزايدة ولكن حذرة عن احتمالات بدء عملية سياسية انتقالية في سوريا تستمر ما بين سنة وسنتين تنتهي برحيل بشار الاسد والمقربين منه من مدنيين وعسكريين، “أي تغيير في القيادة وليس تغيير النظام” على حد قول مسؤول أميركي بارز معني مباشرة بالحرب السورية، يبقي مؤسسة الجيش وما سلم من بيروقراطية الدولة السورية. ويضيف هؤلاء ان واشنطن تقبل ببقاء الاسد خلال المرحلة الانتقالية إذا ادرك الجميع انه يجب ان يتنحى ويغادر البلاد في نهاية هذه المرحلة. ويحذر المسؤولون الاميركيون، ومنهم وزيرالخارجية جون كيري، من ان النجاح ليس مضمونا للاسباب التي قوضت المساعي الديبلوماسية السابقة، بما فيها موقف ايران.
ونسب المسؤول البارز المطلع على المساعي التي يبذلها الوزير كيري، الى مسؤولين روس قولهم إنهم “تعبوا” من الاسد، وباتوا أكثر استعداداً للبحث عن بديل منه. تأتي هذه المواقف على خلفية التراجع الميداني والنكسات التي تعرض لها الجيش السوري وحلفاؤه في شمال البلاد وجنوبها وفي محيط العاصمة دمشق.
وشهدت الاسابيع الاخيرة نشاطات واتصالات ديبلوماسية عدة وفي اكثر من عاصمة، اظهرت ان ثمة زخماً جديداً لايجاد حل سياسي للحرب التي اقتلعت نصف الشعب السوري وقتلت أكثر من 250 ألفاً، من بينها اجتماع وزراء خارجية الولايات المتحدة وروسيا والسعودية في الدوحة في 3 آب، وزيارة مسؤول المخابرات السوري علي المملوك للسعودية، ومحادثات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وزيارة نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف لطهران حيث اجتمع بوزيري خارجية سوريا وايران، وزيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم لعمان.
ويوم الثلثاء قال الوزير كيري إنه يشعر بعد اجتماع الدوحة بأن هناك “فرصة أكبر” للتحرك على خط التسوية في سوريا، مشيرا الى ان ايران “قالت لنا بالتحديد وانه في حال اقرار الاتفاق النووي، نحن مستعدون لنناقش معكم القضايا الاقليمية”. وكرر كيري انه على رغم كل هذه التحركات، لا ضمانات للنجاح. ويعول الاميركيون على ان يؤدي “التعب” الروسي من الاسد، الى زيادة الضغط على طهران لكي تبدأ جديا التفكير في مرحلة ما بعد الاسد، خصوصا ان ثمن ابقائه في السلطة سيزداد فداحة، اضافة الى “التزامات” ايران المكلفة في العراق واليمن.
وتتزامن هذه التحركات مع بروز مؤشرات لاستعداد البيت الابيض للاضطلاع بدور أكبر في سوريا وخصوصا لمعالجة الازمة الانسانية المتفاقمة، وان يكن الرئيس أوباما لا يزال مترددا في قبول الاقتراحات الداعية الى اقامة منطقة آمنة على الحدود السورية – التركية.
النهار
الأسد ورقة مساومة لإيران في سورية/ لينا الخطيب
بعد الاتفاق على صفقة نووية أولية مع إيران، سيكون الملف السوري هو الملف الدولي التالي الذي تفاوض عليه طهران. ليس مردّ ذلك أن إيران تمضي على طريق تحقيق النصر في سورية، بل لأن التطوّرات الأخيرة في سورية أجبرت إيران على تغيير حساباتها في شأن دورها في الصراع. فبدلاً من الدعم غير المحدود للنظام السوري، أصبح هدف تدخّل إيران في سورية اليوم هو التمسك بالرئيس السوري بشار الأسد فقط لاستخدامه كورقة مساومة في المفاوضات الدولية لإيجاد تسوية للصراع.
جاء تغيير إيران لاستراتيجيتها في سورية كنتيجة مؤلمة لحساباتها الخاطئة في التعاطي مع الصراع الذي بدأ قبل وقت طويل من تحوّل الانتفاضة السورية إلى حرب أهلية. فإيران اعتقدت أن في وسعها توجيه الانتفاضة في سورية لمصلحتها الخاصة، وأن مساعدة النظام في سحق ما كانت آنذاك انتفاضة سلمية، ستكون مهمة سريعة وسهلة من شأنها الإبقاء على الوضع القائم. ولكن الانتفاضة السورية تطورت إلى صراع مرير تلقّى الجيش السوري فيه ضربات كبيرة من المعارضة السورية المسلّحة المعتدلة، وكذلك من مجموعات جهادية لا تُعدّ ولا تُحصى.
وبالتالي، أصبحت إيران تشعر بالقلق في شأن بقاء نظام الأسد، ليس لأن دمشق كانت حليفاً سياسياً لطهران في «محور المقاومة» ضدّ إسرائيل وحسب، بل أيضاً بسبب علاقتها مع «حزب الله»، الذي ينقل الأسلحة التي تزوّده بها إيران إلى لبنان عبر سورية. وبما أن الحزب يبني قوته السياسية في لبنان على أساس امتلاك الأسلحة التي يخيف بها معارضيه السياسيين اللبنانيين، فقد استدعته طهران للقتال في سورية لدعم نظام الأسد. جرى ذلك في البداية عبر إرسال مستشارين عسكريين مخضرمين من الحزب إلى سورية. ولكن مع تنامي الصراع من حيث طوله وشدّته، تغيّر التكتيك ليتحوّل إلى إرسال قادة وقوات في «حزب الله». كما أرسلت إيران مستشارين من «الحرس الثوري» وأنشأت ميليشيات سورية محليّة (قوات الدفاع الوطني) لمساعدة الجيش السوري.
ولكن في حين نجح هذا الدعم لفترة من الوقت، قابلته زيادة الدعم للمجموعات الجهادية من مختلف الجهات المانحة. بدأت الانتصارات المتتالية لـ «حزب الله» وإيران بالتلاشي عندما ضخّ الطرفان المزيد من الموارد البشرية والمادية في الصراع السوري. فما كان قد بدأ كتدخّل قصير الأمد تحوّل إلى معركة وجودية لـ «حزب الله»، وبالتالي لنفوذ إيران في بلاد الشام.
أدّى صعود تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) في سورية، والتقدم الذي أحرزه لاحقاً في العراق، إلى خلق مشكلة أخرى لإيران. في البداية، كانت المجموعات الجهادية السنّية الصغيرة في سورية مفيدة لاستراتيجية إيران لأنها «أثبتت» أن الأسد لم يكن يقمع انتفاضةً سلمية، بل يحمي سورية في مواجهة تهديد التطرّف العنيف. ولكن عندما تحوّلت الساحة الجهادية إلى ساحة تهيمن عليها أغنى منظمة إرهابية في العالم، مع تقدّم تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق، وجدت إيران نفسها في مواجهة تهديد وجودي محتمل يزحف نحو حدودها.
كانت العقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها لتخصيب اليورانيوم قد أضعفت اقتصادها بالفعل، كما تسبّب دعمها لأنشطة «حزب الله» في كلٍّ من لبنان وسورية بضغوط مالية كبيرة على طهران، غير أن الجبهات الجديدة في العراق كانت تتطلّب تكريس المزيد من الموارد لحماية المصالح الإيرانية. ونتيجةً لذلك، تعرّضت إيران إلى مزيدٍ من الضغط عندما بدأت برعاية الميليشيات الشيعية في العراق لمحاربة تنظيم «الدولة الإسلامية»، وبدعوة «حزب الله» وقوات النخبة في «الحرس الثوري» إلى وقف تيار «الجهادية التكفيرية» في البلاد. وجدت إيران نفسها تخوض معركتين ضخمتين دفعة واحدة، وكانت بحاجة إلى اتّخاذ قرار في شأن المحافظة على مواردها. ولأن إيران محاصرة في العراق أكثر مما هي عليه في سورية، اختارت إعطاء الأولوية إلى العراق. على سبيل المثال، تم استدعاء اللواء العراقي «لواء أبو الفضل العباس» من دمشق إلى العراق فور استيلاء تنظيم «داعش» على الموصل.
في الوقت نفسه، بدأت المملكة العربية السعودية تضيق ذرعاً بتصرّفات إيران في العالم العربي وكذلك بافتقار الغرب إلى استراتيجية لإنهاء الصراع السوري. راهنت الرياض على وجود إحباط مماثل لدى قطر وتركيا، وعمدت إلى زيادة الضغط على النظام السوري بعد التنسيق مع حلفائها، فبدأ النظام السوري و»حزب الله» يتكبّدان المزيد من الخسائر. وتفيد معلومات أن «حزب الله» خسر ربع قوات النخبة الخاصة لديه في الحرب السورية، في حين تقلّص عديد الجيش السوري إلى مجرّد نصف ما كان عليه قبل العام 2011. وبدأ النظام السوري والحزب في الاعتماد بشكلٍ متزايد على مقاتلين ومرتزقة عديمي الخبرة، يتم استقطابهم من بلدان خارجية مثل أفغانستان.
وبالتالي، تحوّلت استراتيجية الأسد في سورية، بيد أن هذا التحوّل ليس في مصلحة إيران. فبدل محاولة الحفاظ على وجودٍ للجيش السوري في جميع المحافظات السورية تقريباً، يتراجع النظام الآن في العديد من المناطق التي يسيطر عليها المعارضون أو تنظيم «داعش»، ويركّز على إحكام سيطرته على معاقله في الساحل الغربي ودمشق. وتتمثّل حسابات الأسد في أنه إذا ما نجح «داعش»، في نهاية المطاف، في التغلّب على سائر المجموعات في سورية، يستطيع أن يُظهر للمجتمع الدولي أن سورية أمام خيارَين: إما نظامه أو تنظيم «داعش». ولكن كلّما قويت شوكة التنظيم في سورية، استمر في تهديد المصالح الإيرانية في العراق.
نتيجةً لكل تلك التطوّرات، أدركت إيران أن الرهان على الأسد لكسب الحرب يعني الرهان على حصان خاسر. لذلك، غيّرت استراتيجيتها من الاستمرار في ضخّ الموارد في سورية لدعم الأسد، إلى استراتيجية تتمثّل في مجرّد الحفاظ على النظام عبر استخدام الحد الأدنى من الموارد. وتصرّ طهران على عدم إرسال قوات إلى سورية، كما أعادت توجيه رسائل للغرب والدول الإقليمية مفادها أنها مهتمة بعقد صفقة كبرى في شأن دور كلٍّ من هذه الدول في منطقة الشرق الأوسط، وأن الصفقة لن تشمل سورية وحسب، بل أيضاً ملفات أخرى مثل اليمن.
على رغم أن شكل هذه الصفقة الكبرى غير معروف حتى الآن، من المرجّح أن تشمل قبول إيران تشكيلَ حكومة انتقالية في سورية تحتفظ بعناصر من النظام الحالي، وتضمن امتيازات «حزب الله» الحالية. ولا تزال إيران تصرّ على ضرورة أن يؤدّي بشار الأسد دوراً في هذه الصفقة، بحجّة أن الانتخابات ستُجرى في نهاية المطاف، وبالتالي ستنتهي رئاسته بصورة طبيعية. مع ذلك، المقصود من ذلك هو استرضاء الأسد فقط بحيث تضمن إيران أن يحتفظ ببعض الأهمية، لأن إسقاطه الآن يعني خسارة فادحة لإيران.
بدلاً من ذلك، يعني التمسّك بالأسد بينما تُجرى المفاوضات في شأن تسوية الصراع السوري أن إيران يمكنها استخدامه كتضحية صغيرة مقابل تحقيق مكاسب أكبر تتمثّل في تشكيل حكومة تحظى بمباركة الغرب، وكذلك الجهات الفاعلة الإقليمية مثل السعودية، طالما أن هذه الحكومة تحافظ على مصالح إيران في بلاد الشام. ولذا، فقد الأسد مكانته كحليف لطهران وأصبح مجرد ورقة مساومة لإيران في سورية.
* كاتبة لبنانية ومديرة مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت
الحياة
باب الصفقة يفتح من اليمن إلى دمشق و … أوكرانيا!/ جورج سمعان
الاتفاق النووي صار نموذجاً. الأطراف المعنيون، خصوصاً الإيرانيين، يعدّونه مثالاً على قدرة الديبلوماسية وفاعليتها. وهو بلا شك أطلق دينامية نشطة تتمحور حول الأزمة السورية. الاتصالات واللقاءات تتكثف، كأن المنطقة تقترب من استحقاقات وتحولات تعيد جميع الأطراف المتصارعين إلى سكة الحوار والبحث عن تسويات. لكن هذا الحراك الذي سبق لقاءات الدوحة وتلاها لم يلجم أو يخفف من وطأة التصعيد العسكري. في سورية كما في اليمن. وحتى العراق الذي يواصل قتاله «الدولة الإسلامية» يقترب من حراك شعبي واسع. كأن «الربيع العربي» الذي يأبى الغياب عن بلاد الرافدين. فليس قليلاً هذه التظاهرات الشعبية في المحافظات الجنوبية التي ترفع شعار محاربة الفساد وتوفير الخدمات الأساسية وتحسينها… لم توفر أصوات كثيرة فيها إيران. طالبتها برفع يدها وإبعادها عن بغداد!
الحركة الديبلوماسية التي نشطت في الأسابيع الأخيرة، من السعودية إلى قطر وإيران وروسيا وسلطنة عمان فالأمم المتحدة والقرار الأخير لمجلس الأمن الرقم 2235، لم تنطلق من فراغ. سبقتها مقدمات ومواقف، على الصعيدين العسكري والسياسي. ولا بد من أن تفضي في نهاية المطاف إلى دفع جميع المعنيين بشؤون الإقليم وأزماته، إلى سكة الحوار بحثاً عن تسويات تعزز الحرب على الإرهاب وتوفر التغيير المطلوب، سواء في اليمن أو في سورية وحتى في العراق ولبنان. وهناك من لا يستثني من الحوار الأميركي – الروسي في هذا المجال قضية أوكرانيا أيضاً. كأن الجميع حريصون على صفقة شاملة.
من المبكر التنبوء بملامح هذه الصفقة. فمن الطبيعي أن يتمسك كل طرف من المعنيين بهذه الأزمات سواء في الداخل أو الخارج بموقفه المبدئي. لا تنازل عن سقف المطالب قبل ان تنضج الحلول ويستجيب الأطراف للشروط المتبادلة من هنا وهناك. وهي كثيرة محلية وإقليمية ودولية ترتبط بمصالح هؤلاء. ليست المرحلة رمادية إلى حد التعمية على بوادر ومؤشرات. فكسر كثير من المحرمات في بحث مواضيع ومشاريع وخطوات كانت محظورة أو خارج أوراق التفاوض والمساومة باتت على الطاولة. يكفي أن الذين كانوا يصرون منذ البداية على رفع شعار محاربة الإرهاب وحركات الجهاد في سورية قبل البحث في أي تسوية في جنيف أو خارجها، باتوا مقتنعين بأن الحشد الإقليمي والدولي المطلوب لدحر «الدولة الإسلامية» مثلاً لا يمكن أن يرى النور في بلاد الشام من دون تحريك السكة السياسية التي يجب أن تنتهي بالتغيير المنشود.
روسيا عبرت باكراً عن استعداد للتغيير المدروس. لم تتردد في تمرير القرار 2216 الخاص باليمن. وعلى رغم حرصها على العلاقات الثابتة مع إيران، سهلت تبني القرار الذي وفرت بنوده شرعية وتغطية دولية للتحالف العربي و «عاصفة الحزم». وهذا ما عزز التواصل المستمر بين الرياض وموسكو في القضايا الإقليمية الأخرى، خصوصاً الأزمة السورية. ويشي تطور الأحداث في اليمن أن التقدم العسكري الذي تحرزه قوات الشرعية لن يتوقف إلى أن يرضخ الحوثيون وشركاؤهم من فريق الرئيس السابق علي عبد الله صالح للقرارات الدولية التي تبنت صراحة المبادرة الخليجية ومقررات مؤتمر الحوار ودعتهم إلى تنفيذها والانسحاب من المناطق التي احتلوها بما فيها العاصمة وإعادة العتاد الى الثكن العسكرية للجيش الوطني. ويفترض بالضغط العسكري المتصاعد الذي تمارسه قوات التحالف والقوات الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي أن يقنع خصوم الشرعية بوجوب استجابة القرارات الدولية.
بالطبع إن السرعة والتهور اللذين تمدد بهما الحوثيون في السيطرة على مناطق شاسعة من اليمن، خصوصاً في المحافظات الجنوبية يدفعون ثمنهما اليوم. وتدفع إيران معهم ثمن هذا التهور والاندفاع غير المحسوب. أخطاء كثيرة وكبيرة ارتكبها هذا الفريق. من المغامرة في دخول العاصمة وتولي إدارات الدولة وشؤون الناس إلى التردد في إحالة استقالة الرئيس إلى مجلس النواب، إلى الاندفاع نحو الجنوب وعاصمته عدن. أخطاء لا تحصى يدفع ثمنها اليوم وسيدفع ثمنها. وستدفع طهران أيضاً قسطاً من هذا الثمن. كان عليها أن تصبط الحركة السياسية والعسكرية لحلفائها، بدل التهليل لانتصاراتهم التي لم تطل! تحرير عدن ومناطق جنوبية كثيرة ليس نهاية المطاف. تبقى تعز هي المحك أو المفصل. أهل الميادين العسكريون يدركون أن معركتها تختلف عن باقي المعارك الأخرى بما فيها معركة طرد الحوثيين وأنصارهم من العاصمة الجنوبية.
إن سقوط تعز سريعاً سيدفع قوات الرئيس هادي نحو العاصمة. ونتائج مثل هذا التطور ستعزز النقمة على الإنقلابيين حتى داخل صفوفهم التي بدأت تشهد تصدعات هنا وهناك. وثمة قوى عشائرية وقبلية وسياسية تقف مراقبة للأوضاع بانتظار أن تنحاز للفريق… المنتصر. إلا أن هذه الانجازات العسكرية التي يجنيها فريق الشرعية يجب أن توظف في تعجيل التسوية السياسية… قبل أن يكتفي أهل الجنوب بما حققوا، أي أن يكتفوا بـ «دولتهم» وإن لم يعترف بها المجتمع الدولي. والخشية في غياب تسوية إقليمية ترضي السعودية وشركاءها من جهة، ولا تغيب إيران وتحرم الحوثيين حصتهم من جهة أخرى، أن تنزلق المحافظات الجنوبية نحو حروب أهلية لن تتوقف مع معركة فاصلة لا بد منها مع «القاعدة» التي تحتل المكلا عاصمة حضرموت، بل تتجاوزها إلى حروب قبلية في منطقة كانت تقيم فيها 23 سلطنة قبل استقلالها عن بريطانيا في العام 1967. وحتى الشمال لن ينجو من ثارات في أوساط فريق الرئيس صالح القبلية والعسكرية والسياسية. وكذلك داخل صفوف الجماعة الحوثية وبيئتها الحاضنة. فالعناد والإصرار والمكابرة قد تدفع إلى خسران الجماعة ما انتزعت في مؤتمر الحوار.
ولا جدال اليوم في أن ثمة مصلحة للأطراف الإقليمية، خصوصاً السعودية وإيران، في وجوب استغلال التطورات العسكرية الأخيرة من أجل إبرام تسوية لن يكون فيها عبدالملك الحوثي وشريكه الرئيس صالح شريكين فيها. يستحيل بعد الذي حل باليمنيين أن يعود الرجلان إلى صدارة المشهد. والخوف أن يعاند الحوثيون ويغلبوا نظرتهم في دفع الجنوب إلى الاستقلال ليتفرغوا لتعزيز مواقعهم في الشمال والإفلات من العقاب أيضاً. بخلاف ما قد يراه فريق الرئيس السابق الذي تهمه المحافظة على مصالح بناها ورعاها في طول البلاد وعرضها لأكثر من ثلاثة عقود. فهل يفرض الضغط العسكري على اللاعبين الإقليميين، خصوصاً إيران، الذهاب نحو تسوية تقي اليمن الفوضى والتفتيت والتشرذم، فيتحول مصدر خطر على الجوار المباشر والبعيد؟
الإجابة عن السؤال هنا مرتبطة إلى حد كبير بما يجري في سورية أيضاً. ليس من باب المقايضة بقدر ما ربما شرط من شروط الصفقة الشاملة التي بات يفرض استعجالها التحدي الذي يشكله تنظيم «داعش». أفاد أطراف كثيرون من قيام «الدولة الإسلامية» من الولايات المتحدة إلى إيران مروراً بتركيا ودول عربية كثيرة. لكن هذا التوظيف بلغ غاياته القصوى. ولم يعد ممكناً المجازفة حيال الأخطار والتهديدات التي يرفعها «ابو بكر البغدادي» في وجه الجميع، ليس في المشرق العربي وحده بل في شمال أفريقيا وشبه الجزيرة العربية وحتى أوروبا وروسيا… في جعبة التنظيم بنك أهداف لا ينضب ولا يتوقف عند حدود إرهابه الأخير في السعودية ودول مجلس التعاون أو في تونس وليبيا. ألا يكفي ما يقوله خصومه أن أعداده لا تتناقص في بلاد الشام بقدر ما تنتشر وتتزايد في شمال أفريقيا ووسطها وبات هاجساً للغرب والشرق معاً؟
ترجمة هذا الإجماع على وجوب توحيد الجهود الإقليمية والدولية لا يطرح سوى خيار وحيد هو البحث عن توافق سياسي. أي التوجه نحو تسوية شاملة أو صفقة. فتعب إيران في اليمن لا يقل عن تعبها في سورية حيث يكاد يغيب طيف المؤسسة العسكرية الرسمية التي يدير قادتها في أكثر من خمسين موقعاً عمليات عسكرية بالتوازي مع «تجارة حرب» تجعل كثيرين منهم عقبة لا مصلحة لهم في وقف المواجهات. صحيح أن للجمهورية الإسلامية يداً عليا في دمشق، ولكن تبقى لموسكو كلمة فصل وتظل الجمهورية الإسلامية في حاجة إلى روسيا سنداً دولياً كبيراً في قضاياها الحيوية. ولا يمكنها والحال هذه أن تسد الطريق أمام تحرك الكرملين. أو أن تتجاهل ما بدر منه أخيراً من إشارات ومواقف تفتح الأبواب التي ظلت مغلقة طوال السنوات الأربع الماضية. كما لا يمكنها تجاهل التحول التركي حيال الأزمة السورية سواء كان العنوان الأساس الكرد و «داعش» و… نظام الرئيس بشار الأسد. ولم يكن الموقف الروسي في قرار مجلس الأمن 2235 الذي يسلط «السيف الكيماوي» فوق رأس الأسد مثلما يسلطه فوق رأس «الدولة الإسلامية» أو الفصائل المتهمة باستخدام السلاح الكيماوي، الموقف الأخير. سبقه دفع المعارضة السورية إلى توحيد برنامجها السياسي، من «الائتلاف الوطني» إلى هيئة التنسيق. وقبل ذلك استياؤها من تصرف النظام حيال لقاءي موسكو مع المعارضة، ثم غياب أي تصور لدمشق من مستقبل الصراع أو مآل التسوية السياسية وشروطها. هذا في كفة وفي كفة أخرى لا تبعد موسكو أزمة أوكرانيا وما جرّت عليها من عقوبات اقتصادية عن سلة الصفقة.
الرئيس باراك أوباما رأى بعد تبني مجلس الأمن القرار 2235 أن نافذة فتحت قليلاً لإيجاد حل سياسي في سورية. وما الشروط التي قيل أن السعودية أبلغتها إلى سورية سوى تصور أو موقف من مواقف متعددة لجميع المعنيين من شروط التسوية التي لا بد أن تنتهي بطرح مصير النظام ورأسه على بساط البحث. وما على المستعجلين سوى الانتظار بعض الوقت للخروج من الأجواء الرمادية حتى تتوضح الصورة. في الطريق إلى ذلك يظل التصعيد العسكري آلة الضغط الضرورية في اللعبة السياسية، سواء في اليمن أو في بلاد الشام.
الحياة
أزمات المنطقة وإرهاصات التغيير/ عبد الوهاب بدرخان
الغارة الأميركية الأولى من نوعها، دفاعاً عن مجموعة سورية معارضة درّبها الأميركيون لمحاربة تنظيم «داعش»، قد تشجع أعداداً أكبر من المقاتلين للإقبال على برنامج التدريب، خلافاً للصورة الباهتة التي قدّمها وزير الدفاع الأميركي قبل بضعة أسابيع. ذاك أن الوضع الأولي الذي كان يحجب مثل هذه الحماية هو الذي دفع «جبهة النصرة»، المبايعة لتنظيم «القاعدة»، إلى استباحة «مجموعة سوريا الجديدة»، كما تسمّى، وخطف عدد من أفرادها، معتبرة أنهم خطرٌ عليها طالما أن أميركا المعادية لـ«النُصرة» قد تستخدم أولئك المقاتلين لمحاربتها في سياق محاربة «داعش». وفيما أثارت الغارة جدلاً استغلّته دمشق للتحذير أولاً من المسّ بسيادة سوريا وثانياً من القصف خارج مناطق «داعش» من دون التنسيق مع النظام، ردّت واشنطن للتذكير بأن المجموعة المدرّبة ليست معدّة لمقاتلة النظام، ثم زادت بأن طائراتها لن تضرب مواقع «النصرة»!
يصعب تصور وضع أكثر تعقيداً وتشابكاً، حتى أنه بالكاد يمكن رسم خريطة جغرافية له نظراً إلى تداخل مناطق سيطرة القوى المتصارعة. ولاشك أن الغارة الأميركية أوجدت واقعاً جديداً على الأرض، سواء للنظام أو للمعارضة غير المصنَّفة «معتدلة». وكان احتجاج النظام يبحث عن أي سبيل لإشراكه في الحرب على «داعش» وليس تحدّي الولايات المتحدة، كما أنه استثير بدخول تركيا تلك الحرب. أما خطف «النصرة» للمقاتلين فشكّل اختباراً اضطرّ واشنطن إلى حسم مسألة ترددت حيالها طويلاً الى أن بتّها الرئيس أوباما، ولم يكتف الأميركيون بالغارة الجوية بل زادوا بأن على النظام «ألا يتدخل في العمليات» التي تقوم بها القوات المدرّبة «وإلّا فإن خطوات إضافية ستُتخذ». وإذ لفت أن «النصرة» أقدمت على إخلاء بعض المناطق في ريف حلب الشرقي، فإن الخطوة فُسّرت بأنها تراجعٌ بعد الغارة الأميركية. أما دمشق ففضّلت عدم الاستمرار بالمجادلة في هذا التطوّر، ولكن وزير الخارجية الروسي قال إن التصريح علناً عن حماية مجموعات مسلّحة «يؤتي نتائج عكسية».
إن ما تقدّم يجب أن يُقرأ بما حصل ويحصل بموازاته، فالإقليم يتحرك خارج الجمود الذي سيطر عليه طوال الأعوام الماضية، ولاشك أن الاتفاق النووي كان العُقدة التي انحلّت وبثت حيوية عملية افتُقدت في الدبلوماسية الأميركية التي باتت أكثر إقبالاً على حلحلة القطيعة مع روسيا وعلى قبول مبادرات لطالما عرقلتها أو أحبطتها لئلا تنعكس سلباً على المفاوضات النووية ومسار الاتفاق المرتقب. وقد جاءت عملية «عاصفة الحزم» في اليمن في لحظة تأكُّد بلوغ الاتفاق نقطة النضوج والشروع في إنجازه ثم توقيعه. أي أن مفاعيل الاتفاق راحت تظهر تباعاً قبل التوصّل إليه، إذ كانت واشنطن تشدّدت في شروطها لخوض حرب تحرير المناطق العراقية من سطوة «داعش»، كما أن الدول الداعمة للمعارضة السورية وفّرت إمكانات غير مسبوقة لتمكين الفصائل المقاتلة من تغيير المعادلة الميدانية. وغداة توقيع الاتفاق كانت عدن قد حرّرت من سيطرة الحوثيين، وأمكن أخيراً إبرام اتفاق أميركي- تركي بشأن الحرب على الإرهاب، وأحيت أميركا شراكتها الاستراتيجية مع مصر… أي أن واشنطن أدركت وجوب البحث مجدّداً عن توازنات في المنطقة. وغداة الاتفاق أيضاً وجدت طهران نفسها في يوم آخر يتطلّب مراجعة السياسات التي اتّبعتها حتى الآن، وإذا كان هناك من تغيير إيراني مرتقب فإنه سيحصل ببطء ولكن طهران تعرف أنها لن تعود وحدها مَن يتحكّم بالوتيرة لأن الحراك الدولي بات مؤثراً وملموساً.
كل ذلك جعل البيئة الإقليمية مهيّأة لتشهد متغيّرات ستدفع معظم الأطراف إلى تليين شروطها سواء بالنسبة إلى حلٍ سياسيٍ في سوريا واليمن، ولذلك وجدنا أن الأميركي والروسي يحضران للاجتماع تباعاً مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون، وليشاورا ثلاثياً مع نظيرهما السعودي بشأن سوريا وكذلك اليمن. وهذه الإرهاصات باشرت عملياً إعادة الأطراف جميعاً إلى توضيح مواقفها والاعتراف بالحقائق المتعلقة بكلّ واحدة من الأزمات المعتملة في المنطقة. ولولا هذا المناخ الجديد لما ذهبت واشنطن إلى حدّ توجيه شبه إنذار إلى النظام السوري ولما توافقت مع موسكو على إثارة مسألة استخدام السلاح الكيماوي في سوريا. وفي المقابل نجد أيضاً أن طهران ودمشق استشعرتا ضرورة طرح مقاربة واقعية لحل سياسي كان مستبعداً لديهما لمصلحة حل عسكري لم يعد ممكناً بأي حال.
الاتحاد
عن تقسيم سورية وتقاسمها/ خالد غزال
أجرت الحرب الأهلية السورية جراحات عميقة في الكيان السوري، على صعيدي الجغرافيا والديموغرافيا، بحيث تحولت سورية بحكم الواقع إلى مجموعة «سوريات»، كل قوة من القوى السياسية والعسكرية تقتطع قسماً من الأرض وتقيم عليها ما يشبه الحكم الذاتي. لم يقتصر الأمر على «الميليشيات» المنتشرة، بل إن النظام نفسه بدأ ينطق في شكل شبه رسمي عن إمكانية انكفائه إلى الشاطئ السوري، بما يعني الذهاب نحو الدولة العلوية التي سبق لحافظ الأسد أن وضعها احتمالاً حقيقياً خلال حربه مع إسرائيل وإمكان وصول الدولة العبرية إلى دمشق.
لا يعني القول بحصول تقسيم واقعي على الأرض السورية أن هذه «الكيانات» قد رسمت حدودها الجغرافية والسياسية، وأنها مقبلة على تشريع وقوننة، فالحديث لا يزال يدور على وحدة سورية بكيانها الحالي. فمن المعروف أن القوى التقسيمية الآن الموجودة على الأرض من قبيل: قوى المعارضة المسلحة، «داعش»، «جبهة النصرة»، النظام نفسه…، لم تصل إلى الإعلان عن حدود دويلتها، لأنها تدرك أن كلفة التقسيم والحسم به أكبر بكثير من كلفة التوحيد والوحدة. إذا ما وضعت مشاريع لتقسيم سورية، عبر استعادة تاريخية تنطلق من كون سورية كانت مقسمة في الأصل إلى دويلات قبل قيام الدولة الراهنة، فإن ذلك يعني أن هذا البلد يجري التخطيط لإدخاله في حروب أهلية دموية لا نهاية لها. فالذهاب في التقسيم إلى نهايته يعني إجراء عمليات تطهير ديموغرافية وطائفية، إذا لم تكن صافية بالكامل، فعلى الأقل فيها غلبة عددية لفئة على أخرى. لم تخل الحرب السورية من مثل هذا التطهير نسبياً في مناطق حمص، حيث الحديث شبه صريح عن شريط جغرافي وديموغرافي من الطائفتين العلوية والشيعية، يجري بناؤه احتياطياً لما ستؤول إليه أمور الحرب. وهو أمر لا يزال ضمن الافتراض والتوقعات المستقبلية. لذا يبدو الكلام التحليلي عن استعادة سورية مقسمة على غرار ما كانت عليه كلاماً قد تنقصه المتطلبات السياسية والعسكرية، ناهيك بأن مثل هذه القرارات ليس بمقدور القوى المحلية المتصارعة تحقيقها. فالتقسيم قرار إقليمي ودولي، تدرك القوى الخارجية مفاعيله الخطرة داخل المنطقة العربية وخارجها.
يمكن القول، بديلاً عن توقعات التقسيم، إن ما يجري هو إعادة رسم الحدود بين القوى المتصارعة، وإيجاد مناطق نفوذ تسمح لهذه القوى أن يكون لها موقع في التسوية السياسية القادمة التي بات الحديث عنها متداولاً، بما يوحي أن سكة هذه التسوية قد وضعت، وأن الاتفاق النووي الإيراني الغربي شكل أحد روافعها. هذا يفتح على شروط التسوية ومدى نضجها، وموقع اللاعبين المحليين من قوى النظام وقوى المعارضة على السواء، ومدى حظوظ أي تسوية من النجاح. يصدر تقدير الذهاب إلى التسوية من عجز أي قوة داخلية عن الحسم العسكري، أو بالأحرى منع أي قوة من الوصول إلى هذا الحسم. هذا يفتح ملف الخارج ومعه مسائل التقاسم الممكن للكيان السوري.
لم تعد القوى المتصارعة في سورية مالكة القدرة على إنجاز تسوية تعيد تركيب السلطة وتضمن مصالح المجموعات والمكونات السورية. باتت سورية ملعباً لقوى خارجية تتحكم بمسار الحرب، صعوداً أو خفوتاً. على غرار الحرب الأهلية اللبنانية، لن يمكن الوصول إلى تسوية إلا بتدخل خارجي من القوى اللاعبة العربية والإقليمية والدولية. والحديث عن «طائف» سوري ليس من الخيال، فأي تسوية سورية لا يمكن أن تقفز على الانقسام الطائفي والمذهبي والإثني الذي اندلع كله على الساحة السورية، مطالباً بحقوقه، مما يعني أن التسوية ستكون محاصصة بين هذه المكونات.
يطرح سؤال عن مدى نجاة سورية من تقاسم ما ترغب فيه قوى إقليمية تريد حصة في الكيان السوري. فإسرائيل سبق لها أن نالت حصة من هذا الكيان عبر ضم الجولان إلى أراضيها، وتخلي النظام عن هذه الأرض، بل وتسخير الجيش السوري لحماية حدود اسرائيل. الدولة العبرية تبحث اليوم عن شريط حدودي على غرار ما حصل في جنوب لبنان. وتركيا التي ضمت لواء الاسكندرون إليها، وتخلى النظام السوري عنه كلياً في الاتفاق المذل الذي وقعه حافظ الأسد مع تركيا عام 1996، هذه الدولة ترغب أيضاً في منطقة نفوذ جغرافية. وإيران مهتمة بمنطقة نفوذ عبر «حزب الله» الذي يريد شريطاً طائفياً صافياً يربط سورية بالقرى الشيعية في البقاع، بما فيها إلغاء بلدة عرسال أو تهجير أهلها بصفتها إحدى عقبات الصفاء الطائفي المنشود.
ما جرت الإشارة إليه لا يزال حتى الآن يدور في دائرة الاحتمالات والتوقعات، فهل ستكون سورية أمام تسوية تعيد لها وحدتها على قاعدة ضمان مصالح المجموعات، أم أن مبضع التقسيم سيكون نافذاً بما يغرق هذا البلد في حرب أهلية لا قعر مرئياً لها؟
* كاتب لبناني
الحياة
الرياح تجري بما لا تشتهي سفن الأسد؟
رأي القدس
تشهد الأوضاع في سوريا اختراقات دبلوماسية وعسكرية وشعبية جديدة لمحظورات سابقة.
كان لافتا، على الصعيد السياسي، إعلان السعودية أخيرا عن زيارة قام بها ضابط الاستخبارات السوري الكبير علي مملوك إلى المملكة التقى فيها ولي وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان. وجاء الإعلان بعد أسبوع من تسريب أوساط محسوبة على النظام السوري للخبر، وتزامن مع زيارات قام بها وزير الخارجية وليد المعلم إلى روسيا وإيران وعُمان.
المملكة أوضحت أن اللقاء تمّ بناء على اقتراح روسيّ. وبيّنت لهجة المصدر السعودي عن انزعاج من استغلال دمشق للحدث، إذ اعتبرت أن «اللقاء أسقط القناع الذي يخفي وجه النظام السوري وتعرية رئيسه بشار الأسد أمام الروس».
وجاء الاتفاق الأمريكي الروسي المفاجئ الذي نتج عنه قرار لمجلس الأمن بالإجماع حول جرائم استخدام أسلحة كيميائية، وتصريح الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن وجود «بارقة أمل» في سوريا «لأن روسيا وإيران باتتا تدركان أن الرياح لا تميل لمصلحة الأسد»، ليرفع بورصة التكهنات حول انفتاح الطريق نحو حل سياسي في سوريا.
تشير الأحداث الأخيرة في سوريا حقيقة إلى أن الرياح «لا تميل لمصلحة الأسد» وهناك وقائع عديدة تدعم هذا. فبعد استيلاء فصائل المعارضة المسلحة على أغلب محافظة إدلب الشمالية، تساقطت أغلب قرى سهل الغاب في ريف حماه أمام تقدمها الجديد. وإذا استمر تقدم المعارضة فهي ستصل إلى تل يونس الذي يطلّ على ريف اللاذقية وتصبح «القرداحة»، مسقط رأس عائلة الأسد، في مرمى نيرانها المباشرة.
يضاف إلى ذلك صمود المعارضة أمام حملة تدمير شاملة لمدينة الزبداني وحصار يقوم به «حزب الله» مع جيش النظام، وتقدّم لفصائل معارضة أخرى على جبهتي داريا وجوبر، في ريف دمشق، مما أضاف ثقلاً إلى انتصاراتها في ادلب وحماه.
الحدثان الشعبيان البارزان كانا حصول مظاهرات في اللاذقية عاصمة الساحل السوري، وفي مناطق أخرى كالحي الشمالي وقرية بسنادا، وهي مسقط رأس العقيد حسان الشيخ، الذي قتله سليمان الأسد، ابن عمّ الرئيس السوري، قبل أيام، وكان شديد الدلالة استخدام الجمهور، وهو من الحاضنة الشعبية للرئيس، شعار «الشعب يريد إعدام سليمان».
الحدث الآخر الذي لا يقل دلالة هو خروج مظاهرات في غوطة دمشق الشرقية تندد بممارسات الفصيل المعارض «جيش الإسلام»، والذي باتت حواجزه تتصرف كحواجز النظام السوري. كما تحدثت أنباء عن قيامه بعمليات خطف واعتقال وقتل عديدة داخل المناطق التي يسيطر عليها، وهو ما يشير إلى تململ سكان هذه المناطق من ممارسات الاستبداد وانتهاك حقوق السوريين من أي طرف جاءت.
يأتي ذلك بينما وصلت إلى «القدس العربي» أنباء عن اعتماد «البيت الأبيض» استراتيجية قانونية جديدة ستسمح لواشنطن بالدفاع عن فصائل من المعارضة السورية وتوجيه ضربات جوية ضد قوات الرئيس السوري بشار الأسد.
أسباب هذه التطوّرات عديدة لكنّها ترتبط أساساً بحدثين كبيرين: الأول هو إنجاز الاتفاق النووي الإيراني، وبذلك انتهت ضرورة مراعاة واشنطن لطهران في ساحات اشتغالها، من اليمن، وصولا إلى سوريا ولبنان. والوجه الآخر لذلك أن طهران نفسها ستكون مضطرة للتلاؤم مع حالة «الدولة الطبيعية» التي تلتزم بالقوانين الدولية، مما يرتب انكفاءها بالتدريج عن حالة «الدولة المارقة».
كما أن روسيا، المنهكة بالعقوبات الاقتصادية وتراجع الروبل والتي يستنزفها القتال في أوكرانيا والقوقاز، تجد أن تجربة الاتفاق النووي الإيراني وفّرت لها مكاناً مهما بين مقرّري مصائر العالم وقرّرت أن تستمر فيه.
الحدث الثاني هو دخول تركيّا المباشر في العمل العسكري داخل سوريا، من خلال فتح قاعدة «أنجرليك» لقوات «التحالف» واستهدافها قوات «حزب العمال الكردستاني»، وعملها على موضوع «منطقة آمنة»، مما يدفع عملياً إلى توازنات عسكرية وسياسية جديدة في سوريا.
رغم التعقيد الهائل للوضع السوري فالواضح أن هناك خيوطاً عديدة تتقاطع وتشير إلى أن هيكلية النظام السوري صارت موضوع الصفقة الجديدة الممكنة. لكن مسار المفاوضات حول الاتفاق النووي، الذي يتم البناء عليه، لا يتشابه مع مسار المفاوضات حول سوريا، بسبب طبيعة النظام نفسه، ووجود لاعبين آخرين، إضافة إلى إيران وروسيا وأمريكا.
القدس العربي
مقاصد هذا الحراك السياسي حول الأزمة السورية/ د.بشير موسى نافع
تشهد الأزمة السورية حراكاً سياسياً متزايداً؛ ليس أمريكياً ـ روسياً وحسب، ولكن عربياً كذلك؛ بل وعربي في صورة بارزة. مفتي نظام «الأسد» الوفي يصل إلى الجزائر؛ وزير الخارجية، «وليد المعلم»، الذي قلما يسمح له بالسفر خارج البلاد، يزور العاصمة العمانية مسقط، ويلتقي وزير الخارجية العماني؛ ثم اللقاء بين الجنرال «علي مملوك»، أحد المساعدين الأمنيين الرئيسيين للأسد، وولي ولي العهد وزير الدفاع السعودي، الأمير «محمد بن سلمان».
ولأن لقاء «مملوك» و«بن سلمان» كان الأبعد عن التوقع، والأكثر مفاجأة على الإطلاق، فقد طغت التقارير المتعلقة به على كل شأن آخر في تطورات الأزمة السورية طوال الأسبوع الأول من هذا الشهر.
تلاحقت هذه التحركات العربية ـ السورية بعد أيام فقط على إعلان حكومة «السبسي» في تونس عن إعادة فتح الممثلية التونسية في دمشق، في خطوة صريحة إلى استعادة العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، التي كانت قطعت بقرار عربي لسحب الاعتراف بنظام «الأسد» بعد تصاعد وتيرة الثورة السورية وتعهد النظام لحرب شاملة ضد شعبه.
ثمة من يرى أن هذا الحراك العربي هو في الواقع جزء من حراك دولي أوسع، تتقدمه واشنطن وموسكو، لإعادة استكشاف طريق الحل السياسي للصراع المتفاقم على سوريا. ويشير هؤلاء إلى أن إعلان طهران مؤخراً عن مبادرة إيرانية جديدة للتوصل إلى حل الأزمة السورية ليس سوى انعكاس لإدراك روسي ـ إيراني بأن مستقبل نظام «بشار» بات محسوماً، وأن من الضروري الآن التوصل إلى بديل مأمون لـ«الأسد»، يحافظ على مصالح طهران وموسكو في سوريا.
كما يشير هؤلاء إلى تصريحات الرئيس التركي «أردوغان» بأنه يلاحظ تغيراً ما في الموقف الروسي من سوريا، وتصريحات الرئيس الأمريكي «أوباما» بأنه بات يرى ضوءا في نهاية نفق الأزمة السورية، وإلى لقاء وزيري الخارجية الأمريكي والروسي في الدوحة، باعتبارها أدلة إضافية على تسارع عجلة الحراك السياسي.
قد تكون هذه القراءة صحيحة وقد لا تكون، سيما أن لا إيران ولا روسيا قد كشفتا بعد، وهما من يوفر الدعم الرئيسي لنظام بشار، عن أي تغيير جوهري في الموقف من الأزمة، أو ما إن كانتا قررتا القبول بسوريا بدون الأسد والطبقة الحاكمة المحيطة به.
لكن، وسواء كانت هذه القراءة تعكس متغيرات ملموسة في أرضية الأزمة أو لا، فثمة ما يشير إلى أن الحراك العربي يستند إلى منطق أطرافه الخاص، بغض النظر عما إن كان ثمة تصور دولي وإقليمي لحل الأزمة في طريقه إلى التبلور.
تؤكد مصادر عربية وثيقة الصلة بمجريات الأزمة السورية أن هناك توافقاً، يشمل مصر والإمارات والأردن وعمان، على إعادة العلاقات مع دمشق، بهدف البدء بإعادة تأهيل تدريجي لنظام «الأسد». وأن ردود الفعل العربية الباهتة وغير ذات الأثر على القرار التونسي بعودة العلاقات مع نظام الأسد شجع على الإسراع في خطوات هذه الدول باتجاه دمشق.
تجد هذه المجموعة من الدول العربية دعماً، متوقعاً، من روسيا؛ ولكنها لا تريد اتخاذ مثل هكذا خطوة باتجاه نظام «الأسد» بدون محاولة الحصول على تأييد، أو على الأقل عدم اعتراض، السعودية. ويبدو اللقاء الذي تم بين «مملوك» و«بن سلمان»، الذي عملت كل من مصر والإمارات وروسيا على ترتيبه، وكأنه تم في سياق محاولة تغيير الموقف السعودي من الأسد ونظامه.
المدهش في هذا الحراك العربي المستجد تجاه دمشق أنه يأتي في وقت اشتداد الخناق على النظام السوري وعلى مشروع التوسع الإيراني في المحيط العربي. خلال الشهور القليلة الماضية منذ بداية هذا العام، حقق الثوار السوريون تقدماً كبيراً في الجبهتين الشمالية والجنوبية، سيما في محافظتي إدلب ودرعا، اللتين توشكان على التحرر كلية من قوات النظام وشبيحته والميليشيات الشيعة المساندة له.
وفي الوقت الذي كان «مملوك» يلتقي بـ«بن سلمان»، كانت مجموعات الثوار تحث الخطى نحو ريفي اللاذقية وحماة، في الشمال، تضع أقدامها للمرة الأولى في محافظة السويداء، في الجنوب، تحقق صموداً أسطورياً في الزبداني، وتتقدم من داريا نحو مطار المزة في ريف دمشق.
وربما كان خطاب «الأسد» الأخير، الذي اعترف للمرة الأولى بتراجع قواته عن مواقع هامة في سبيل الحفاظ على مواقع أخرى، أبرز دليل على حجم الانهيارات العسكرية المتسارعة لقوات النظام وعجزها الملحوظ عن الوقوف أمام التحولات المتسارعة في ساحة المعركة.
إضافة إلى ذلك كله، توشك المعادلة الإقليمية ـ الدولية للأزمة السورية على الانتقال إلى مرحلة جديدة بعد الاتفاق التركي الأمريكي على تأمين قطاع واسع من شمال سوريا من قوات تنظيم «الدولة الإسلامية»، ونقلها إلى إدارة الجيش الحر، تمهيداً لتحويلها إلى حاضنة آمنة للاجئين السوريين.
ليس ثمة من يقول بأن هذا الصراع الملحمي على سوريا يوشك أن يحسم قريباً؛ ولكن الواضح أن ميزان القوى يتحول بصورة حثيثة لصالح الشعب وثورته، وأن هذا التحول يواكب تراجعاً ملموساً للمشروع الإيراني في اليمن، وتأزماً متفاقماً للوضع الإيراني في العراق.
ربط «الأسد» مصير نظامه، منذ اندلاع الثورة السورية، إلى حد كبير، بمصير حلفائه في إيران، وليس من الغريب من أن تصاحب تراجعات حظوظ النظام تراجعات للمد الإيراني في الإقليم. فلماذا إذن تسعى دول عربية إلى إعادة تأهيل «الأسد» ونظامه، في الوقت الذي تتزايد المؤشرات على تراجعه وتراجع حلفائه الإيرانيين؟
تعرف مجموعة الدول الساعية لإعادة تأهيل نظام «الأسد» بأنها إما دول ثورة مضادة انقلابية، مثل مصر، أو غير انقلابية، مثل تونس، أو أنها تمثل قوى رئيسية في حركة الثورة المضادة في المجال العربي، مثل الإمارات والأردن، أو أنها وثيقة الصلة بإيران، مثل عمان.
لا تنظر هذه الدول بأي شيء من التعاطف مع الشعب السوري وثورته، ولا يهمها، في كثير أو قليل، التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية يؤدي إلى انتقال سريع للسلطة من نظام «الأسد» إلى قوى الثورة.
ورغم أن أغلب هذه الدول ينظر بقلق إلى التوسع الإيراني في الإقليم، فإن قلقها الأكبر ينبع من احتمال انتصار الثورة السورية، سواء في ساحة الحرب أو عبر حل سياسي، وتحول سوريا بالتالي إلى دولة حرة، تعبر عن إرادة الشعب وقراره.
كما عملت دول الثورة العربية المضادة على إجهاض عملية التحول نحو الحرية والديمقراطية في مصر وتونس وليبيا منذ صيف 2013، وتستغل الآن مشاركتها في الحرب اليمنية من أجل إجهاض عملية التحول في اليمن، باتت ترى أن إعادة تأهيل نظام «الأسد» هي الوسيلة الوحيدة لهزيمة الثورة العربية في سوريا. وسيكون للموقف السعودي، بلا شك، الدور الرئيسي في نجاح أو فشل مشروع إنقاذ نظام الأسد العربي.
٭ د. بشير موسى نافع كاتب وباحث عربي في التاريخ الحديث
القدس العربي
سوريا: تسريبات وتسوِيات ولا حلول/ زيـاد مـاجد
سرّبت إحدى الصحف اللبنانية الموالية لحزب الله والنظامين السوري والإيراني، خبراً حول اجتماع جرى في السعودية بين وليّ وليّ العهد السعودي ورئيس مكتب الأمن القومي السوري علي مملوك برعايةٍ روسية.
ونقلت الصحيفة المُحتفية باللقاء عن “مصادرها” أن مملوكاً عاتب السعوديين على دعمهم الإرهاب وسيرهم خلف قطر، وأنه ذكّرهم بتاريخ التحالف السوري السعودي المصري وأهمّيته بالنسبة للمنطقة بأسرها.
عقب التسريب المذكور، انبرى صحافيّون لبنانيّون من وسائل إعلام محسوبة على أطراف سياسية موالية للنظام السعودي ومخاصِمة للنظامين السوري والإيراني لنفي الخبر والسخرية منه واعتباره فبركةً ونفاقاً.
بعد ذلك بأيّام، أكّدت صحيفة عربية واسعة الانتشار خبر الاجتماع، لكنّها نقلت عن مصادر سعودية روايةً مختلفة عن فحواه، إذ قالت إن وليّ ولّي العهد السعودي طلب من مملوك إخراج الميليشيات الأجنبية من سوريا، أي تلك التي زجّت بها إيران للدفاع عن الأسد، وإنه عرض ما كانت الرياض قد بحثته مع موسكو من ضرورة الوصول الى حلّ سياسي يتضمّن انتخاباتٍ بإشراف الأمم المتّحدة بعد انسحاب إيران وحزب الله وسائر المقاتلين الذين جنّدتهم.
ويَظهر من صيغة خبر المصادر السعودية أن الأمور لم تتطوّر إيجاباً بعد الاجتماع، إذ زعمت مقالات علّقت لاحقاً على الموضوع أن الرياض أرادت أن تُثبت لموسكو أن الأسد لا يريد حلّاً، وأنّ انسحاب إيران من سوريا يعني سقوطه…
ما الذي يمكن استخلاصه من الخبر المُسرّب بنسختيه وبعض ردود الفعل عليه؟
أوّلاً، من وجهة صحافية، يمكن القول إن مصداقية مسّربي خبر الاجتماع الأوائل ومن تنطّحوا (بتكليف أو من دون تكليف) لِنفيه مفقودة، تماماً كما هي مفقودة مصداقية التبريرات اللاحقة للإقرار بصحّة حدوث الاجتماع. ذلك أنه لا يمكن لضابط أمن “استُدعي” إلى الرياض وأتى بمعيّة وسيطٍ دولي أن يتحدّث بفوقيّة مع مستقبليه، تماماً كما لا يمكن لاجتماع من هذا النوع أن يتمّ فقط لإحراج النظام الأسدي أو للبحث مع ممثّله في سبل إنهاء نفوذ منقذه الوحيد! بهذا المعنى، لا يستقيم الخبر بروايتَيه صحافياً، بل هو على الأرجح تسريب مخابراتي في حالة النشر الأولى جرى الردّ عليه سياسياً وبارتباك شنيع في حالة النشر الثانية.
ثانياً، ومن وجهة سياسية – بروتوكولية، يُظهر الخبر إحدى مفارقات “الممانعة” الدائمة، تلك القائمة على سياسة شتم السعودية ثم الاحتفاء بقبولها لقاء “ممانعين” واعتبار الأمر نصراً. ويُظهر كذلك مدى الحرج الذي صار يُصيب كلّ من يتواصل مباشرةً مع “ممانعة” البراميل والكيماوي إذ يُضطر لإخفاء الأمر أو قول ما يظنّه تخفيفاً من شأنه.
ثالثاً، والأهمّ، أن الخبر بنسختيه وبما رافقه وتبعه من معطيات حول اجتماعات في الدوحة وطهران وموسكو وعُمان ومن معلومات حول تفاوض إيراني مباشر مع قوى عسكرية سورية إسلامية معارضة، ومن جلسة مجلس أمن لمناقشة استخدام الأسد للكلور ضد المدنيين، يعكس حراكاً سياسياً إقليمياً ودولياً متسارعاً، ويُظهر أن مفاوضات واستعدادات لتسويات يجري البحث عن تسويقها. غير أنها لا تبدو قادرة على تغيير الكثير من المعادلات، لأنها تؤجّل الحسم في مصير الأسد كأولوية، ولأنها تحاول إغفال اللاعب الإقليمي الثاني في سوريا بعد إيران، أي اللاعب التركي، الذي لا تبدو أولويّاته والعمليات العسكرية التي يخوضها وتلك التي يتقدّم فيها من يدعمهم من قوى سورية معارضة في مناطق استراتيجية في الشمال متوقّفةً على الحراك السياسي المستجدّ هذا.
بكلام آخر، يمكن القول إن الاتصالات والمبادرات بصيغها المختلفة ما زالت بعيدة حتى الآن عن التأثير العميق في مسارات الأمور في سوريا. فلا حلّ جدّياً ولا حرب على الإرهاب الداعشي ممكنة مع بقاء بشار الأسد في السلطة أو على مقربة منها. كما لا حلّ متاحاً في ظلّ استمرار موسكو وطهران بتأجيل تخلّيهما عن الأسد.
وهذا يعني أن التطوّرات الميدانية هي ما سيكون له التأثير الأكبر في المقبل من الأيام على رسم المواقف وحدود التسويات ومفاعيل التوازنات التي يجري البحث في أُطرها، بمعزل عن التسريبات من هنا والردود من هناك.
موقع لبنان ناو
عن لقاء جده المحيّر/ ساطع نور الدين
من أهم ألغاز السياسة العربية وأصعبها ذاك الذي يربط بين دمشق والرياض، ويحيل العلاقة الثنائية بين العاصمتين الى نزاع دائم لا يخلو من الود الذي أباح في الماضي التضحية بالكثير من الفلسطينيين واللبنانيين والاردنيين..ويبيح الان الضحايا السوريين.
كأن الرياض لا تتسامح الا مع دمشق، مهما قست وتجبرت، ولا تنسى الا الاساءات السورية، و لا تغفر الا الضربات الاتية من بلاد الشام. وكما كانت الذاكرة السعودية ضعيفة في مرات عديدة سابقة، ها هي اليوم تقدم في لقاء جده، نموذجا جديداً ، محيراً ، لا يستقيم حتى مع ابسط سرديات الازمة السورية التي كان السعوديون شركاء في صنعها منذ اللحظة الاولى.
في البدء كان ثمن وقف التظاهرات الشعبية إدخال اصلاحات فورية على بنية النظام الامنية، لكن الرئيس بشار الاسد رفض ان يدفع.. ثم صار الثمن إدخال اصلاحات سياسية وإقتصادية ضرورية، عندها تراءت له المؤامرة، برغم ان جميع دول الخليج العربي من دون استثناء ظلت حتي نهاية العام الثاني من الثورة تتوسل اليه عدم التورط في الدم، لكي لا تصبح سوريا عراقاً ثانياً، وبرغم ان تركيا كانت تعرض عليه مشاريع اصلاحية متعددة لا أثر فيها ل”الاخوان المسلمين”، وكانت تتمنى عليه ان يجري انتخابات نيابية ورئاسية مبكرة، بل وتعرض عليه تمويل حملته الانتخابية لا سيما وان فوزه مضمون بها بنسبة تفوق الستين بالمئة، وعندما كان الغرب كله يتمنى عليه ان يحافظ على صورته المختلفة كرئيس إصلاحي درس في الجامعات الغربية وإطلع على القيم والمعايير الغربية. لكن الاسد الابن أبى أن يتخلى عن وصية والده وأصر على ان السوريين شعب عصي على الحكم الا بالقوة وشعب صعب المراس الا بالقمع.
تلك كانت قصة السنتين الاوليين من عمر الثورة السورية، اللتين توجهما النظام بشعار “الاسد او نحرق البلد”، وبهمس مفاده انه لا مانع من ان يعود عدد سكان سوريا الى ما كان عليه عند وصول الرئيس حافظ الاسد الى السلطة. وهو ما حصل بالفعل، عندما أقحم سلاح الطيران والبراميل المتفجرة والصواريخ البالستية في الحملة العسكرية التي ليس لها هدف سوى اسقاط العدد الاكبر من المدنيين السوريين وإركاع الباقين منهم.. فكانت النتيجة ان أُسقط من يد المعارضة التقليدية، وخرجت الى النور أشد التنظيمات والشبكات الاسلامية وحشية وظلامية، وتحولت سوريا بسرعة الى مركز تجمع رئيسي لمختلف اشكال المتطرفين الاسلاميين المتسللين من مختلف انحاء العالم.
في تلك الفترة بالذات، كان مجرد التوقف عن استخدام الطيران والبراميل والصواريخ ضد المدنيين بالتحديد كافياً لمنح النظام فرصة ثانية، ولفتح قنوات الاتصال معه من أجل البحث في سبل مواجهة ذلك السيل الارهابي المتدفق على الارض السورية، وفي طرق اقامة تحالفات ضمنية لازالة هذا الخطر الاقليمي والعالمي الطارىء الذي تمثله تنظيمات مثل داعش والنصرة. لكن الاسد مرة أخرى رفض ان يدفع هذا الثمن العسكري المتواضع وقرر بدلا من ذلك ان يضيف الكيماوي الى لائحة خياراته وادواته العسكرية وان يرمي حلفاءه المحتملين في الخليج وفي تركيا والغرب بتهم تصدير الارهاب الى سوريا.
في السنة الماضية وتحديدا في الاشهر السابقة من العام الحالي كان الثمن المطلوب من الاسد هو ان يفك تحالفه العسكري مع ايران وان يخرج مليشياتها من الاراضي السورية، لكن قراره المرجح، الذي لم تأخذه السعودية في الحسبان عندما استأنفت التواصل مع نظامه أخيراً ، هو ان يظل جزءاً من منظومة التفاوض الايرانية مع الغرب، وان يحاول، بالتعاون الوثيق مع طهران، تحقيق مكاسب شبيهة بمكاسب الايرانيين الذين لن يترددوا، حسب تقديره، في فتح العواصم الغربية أمام نظامه مجدداً، تحت شعارهم الاثير وهو اولوية مكافحة الارهاب.
ما شاع عن لقاء جده وما سرب حتى الان من روايات سورية او سعودية لا يوحي بان النظام السوري صار على وشك تغيير سلوكه، او ان الحكم السعودي قد غير اسلوبه.. ولا ينبىء بان ذلك اللغز التاريخي القائم بين دمشق والرياض سيجد طريقه الى التفكك.
المدن