“الحرس” للمرشد: لماذا وضعنا “كل بيضنا في سلة” الأسد؟
أسعد حيدر
الثورة في سوريا، حدث إيراني داخلي. لم تعد سوريا وما يجري فيها حدثاً يعالَج في إيران العميقة فقط. تحوّلت الثورة إلى نقاش عميق داخل مؤسسات النظام من القاعدة إلى القمّة عند المرشد آية الله علي خامنئي. الوضع الداخلي على الصعيدين السياسي المعقّد والاقتصادي الصعب والذي يزداد صعوبة يلعب دور المحرّك في عملية التمدّد الحاصلة من إيران العميقة إلى إيران الشعبية والعكس صحيح.
الثورة في سوريا، أفسدت أوّلاً كل الآمال المعلّقة على زيارة الرئيس المصري محمد مرسي. التباعد في المواقف خصوصاً في تعريف مَن الظالم ومَن المظلوم لعب أيضاً دوراً أساسياً في تعميق هذا التباعد. هذا أصبح معروفاً ومتداولاً. اكتمل ذلك كله بالكلام المصري أنّ الرئيس مرسي لم يناقش عودة العلاقات وتطبيعها بين بلاده وإيران.
الأقسى للسلطات في إيران لم يمر، بالعكس أمامها أيام صعبة عديدة خصوصاً أنّ التفاعلات الداخلية للحصار والمقاطعة الاقتصادية تكاد تتحوّل إلى نار في الهشيم، نتيجة لتدهور سعر التومان الذي تجاوز فيه سعر الدولار 2200 تومان وهو مرشح ليصل إلى ثلاثة آلاف تومان في نهاية العام. هذا التدهور ومصاعب التحويل لم تؤثر فقط على الحياة اليومية للإيرانيين بل أخذت تصيب مواقع اقتصادية أساسية منها ما يُعتبر استراتيجياً مثل النفط والغاز والحديد، وهي مواقع لـ”الحرس الثوري” يد مباشرة في الإشراف على إنتاجها وتسويقها وتصديرها.
استناداً إلى مصادر إيرانية مستقلة ومعارضة متقاطعة، فإنّ هذا الوضع الاقتصادي المتدهور إلى جانب تصاعد ضجيج الحرب الإسرائيلية الأميركية، دفع “الحرس الثوري” إلى لعب دور طليعي مباشر بدلاً من الاكتفاء بتحريك الخيوط من خلف المسرح. لذلك فإن وفداً من “الحرس الثوري” مشكلاً من خمسة جنرالات لهم حضورهم الفعلي والمعنوي ويمتلكون جزءاً من سلطة القرار توجهوا في سابقة لم تحدث من قبل للقاء المرشد آية الله علي خامنئي، طرحوا عليه رؤيتهم ومواقفهم من الأوضاع. ومن دون أولوية في خطاب “الحرس”، وهو في معظمه أسئلة مباشرة للمرشد، فقد دارت حول:
[لماذا وضعنا كل “بيضنا في سلة” الرئيس بشار الأسد بحيث أن سقوطه سيشكل خسارة ضخمة لنا؟.
طبعاً في خلفية هذا السؤال، رغبة “الحرس” في فتح أبواب الحوار مع أطراف المعارضة السورية ووضع خط أحمر أمام الانزلاق السريع نحو الهزيمة بسبب الانخراط العميق التاريخي لكن المتصاعد والنامي مع بشار الأسد. ومن ذلك أن ايران استثمرت طوال ثلاثة عقود حوالي مائة وعشرين ملياراً من أصل مائتي مليار دولار صرفتها ايران في المنطقة وتحديداً العراق وفلسطين ولبنان خصوصاً “حزب الله” منه.
[لماذا في الملف النووي لا نستخدم لغة شفافة طالما أنه ليس ولا نريد تصنيع سلاح نووي، بدلاً من استخدام لغة استفزازية تخلق إجماعاً دولياً ضد بلادنا. لماذا لا نكون شفافين ونتجنب وقوف العالم ضدنا؟.
[لماذا لم نحضّر أنفسنا لهبوط التومان، بحيث لا نصل الى وضع لا يمكن فيه دفع المستحقات أو تمويل الشركات الضخمة مما أدى الى افلاس بعضها ورفع نسبة العاطلين عن العمل؟.
[لماذا ندق طبول الحرب كثيراً ونحن لا نملك قدرات عسكرية فعلية لمواجهة الولايات المتحدة الأميركية واسرائيل؟.
[طبعاً توجد أسئلة اضافية حول مظاهر الثراء الفاحش أي حول انتشار الفساد بين قيادات معيّنة سياسية وعسكرية لكن كما يبدو فإن المرشد آية الله علي خامنئي الذي لم يعتد أن يطرح عليه “العسكر” أسئلة حول اداراته للبلاد أجاب الوفد بحدة متحملاً كامل المسؤولية عن كل ما يحصل في البلاد قائلاً: الأمر أمري وأنا أعرف ماذا أفعل وأعمل، وأعرف ماذا تفعل الحكومة وهو من أجل مصلحتنا وعليكم ألا تعلّقوا وأن تهتموا بأعمالكم”.
من الواضح أن المرشد رفض كامل طرح أعضاء الوفد، لا بل بالغ في تأنيبهم، لكن ايضاً كما ترى المصادر نفسها، فإن المرشد يعرف جيداً “ان احترامه” لا يلغي نقطة أساسية وهي أنه أصبح للحرس كلمة مفصلية في مسارات ايران، ولذلك فإن المرشد لا بد أن يأخذ كلامهم بجدية وبالحسبان، على الصعيد الداخلي أولاً، والذي متى حصل فتح الباب على الصعيد الخارجي.
لكن أكثر ما يزعج القيادة الايرانية اليوم وغداً أن سوريا خرجت من حساباتها عاجلاً أم آجلاً، لأن استمرار الحرب يلغي الدور السوري وسقوط الأسد ينهي رهانات كثيرة وخسارة أكبر استثمار قامت به الجمهورية الاسلامية في إيران.
المستقبل