الحسم” في مُنجِد “الأسد”: الحرب
علي الامين
انتقل النظام السوري من “الحلّ الأمني” الى “الحسم الامني”، في مواجهة الانتفاضة المستمرة ضده منذ 15 آذار 2011. هذا ما دلت عليه التسريبات الاخيرة التي ظهرت على السنة سياسيين لبنانيين نقلوا عن الرئيس السوري بشار الاسد ان مرحلة الحسم قد بدأها النظام السوري في مواجهة ما سماه “العصابات المسلحة”.
ولم يستطع “النظام”، بماكينته الامنية السياسية ولا العسكرية، فرض الحل الامني كما أفلحت الحكومة الايرانية في مواجهة الثورة الخضراء اثر الانتخابات الرئاسية الاخيرة عام 2009. في طهران تمكنت الحكومة من إنهاء الاحتجاجات رغم التحريض الخارجي الدولي والعربي ورغم المؤمرات التي نجحت السلطة الايرانية في استخدامها لانهاء الاحتجاجات الداخلية بأقل الاكلاف الممكنة. في المقابل، ورغم سقوط نحو 7 آلاف مواطن سوري وعشرات الآلاف من الجرحى وامثالهم من المعتقلين، فشل النظام السوري في تجاوز الازمة، ربما بسبب اصراره على انتهاج هذا الحل.
لذا ادرك “النظام” ان الحل الامني الذي استمر على انقاض الحل السياسي، بمعنى اقرار النظام بالآخر والمباشرة بالتنازل عن جزء اساسي من السلطة لمعارضيه، ادرك انه اصبح مستحيلا، في ظل تنامي القطيعة العربية والدولية، واشتداد الحصار عليه والحصيلة الدموية للمواجهات، وأنّه ذاهب باتجاه تكريس وجوده وتثبيت سيطرته من خلال الحسم الامني: الحرب.
والفارق بين “الحل” و”الحسم” هنا. فالحسم يعني خوض الحرب، وهو ما بدأت تبرز ملامحه بارتفاع معدلات سقوط الضحايا يوميا من نحو 30 ضحية الى ما يقارب المئة، وهو رقم مرشح للازدياد مع تسارع وتيرة الحسم. الملمح الثاني يبرز في دخول المدفعية والسلاح الثقيل وآليات تدمير البيوت إلى لغة تخاطب النظام مع المحتجين ومعارضيه.
ويعبر هذا المسار الدموي عن اقتناع كامل مكونات النظام الفعلية بأنّ خيار الاصلاح او المرحلة الانتقالية للسلطة غير وارد، وبالتالي فإنّ فرص زيادة عمر النظام او بقائه تكمن في استخدام النظام كل قوته الامنية والعسكرية وبطشها، واسوأ احتمالات النظام هو الدخول في نفق الحرب الاهلية، وهو خيار يتيح له، بعدما فقد فرص استمراره كما كان قبل انفجار الازمة، ان يكون الاقوى داخل سورية بعدما سلّم بحقيقة أنّه لن يستطيع وقف الانتفاضة، ولكنّه قادر على استدراج الداخل والخارج الى العسكرة.
وفيما كان النظام السوري يراقب عملية نزع اوراق قوته الاقليمية والداخلية طيلة الاشهر الماضية، إندفع اليوم بقوّة نحو رفع كلفة سقوطه. اذ ليس عاديا ان يرى النظام السوري كيف يتولى الاخوان المسلمون السلطة في مصر وتونس وفي ليبيا. ومؤخرا راقب فوزهم المدوّي في الكويت. وها هي قطر نفسها اليوم تستضيف على اراضيها الزعيمين الفلسطينيين أبو مازن وخالد مشعل، لتقديم دفعة دعم قطرية للمصالحة الفلسطينية بعد الدفعة المصرية، في خطوة لا تخلو من دلالة تعرية النظام السوري من اوراقه الفلسطينية.
بين تعرية النظام السوري من ابرز اوراقه الاقليمية، وتمدد الاخوان المسلمون على بساط الانتخابات التشريعية، وتضييق الخناق الاقليمي والدولي على النظام، ومع تبلور المكون المذهبي لمحوري الصراع في المنطقة العربية برأسين تركي وايراني، يبدو النظام السوري في اسوأ ايامه. فهو نظام تقوم مفاصله الرئيسة على العائلة التي اختصرت حزب البعث وعلمانيته، والعصبية الطائفية التي تقبض على الجهاز الامني السياسي المسيطر على الدولة، ونظام المافيا الذي يضخ المال لتعزيز هذه السلطة وتأبيدها. واذا كانت ايران رفعت الشعار الاسلامي وروجت لنظام ولاية الفقيه بين اتباعها العرب، فثمة من يلتقط سحر الشعار الاسلامي وبراغماتيته في مواجهتها ايضا: في العراق تمددت ايران وانتصرت بشعار اسقاط الديكتاتور والصحوة الاسلامية ورفع الغبن عن الشيعة، في سورية ايضا يجري اسقاط النظام السوري من بوابة رفض الاستبداد وحكم الاكثرية وهي بالطبع اسلامية لكنها ليست ايرانية.
خلاصة ما ينتظر سورية اليوم ازمة تطول: ليس هناك من يستعجل حقن الدماء، لا داخل النظام ولا بين الفرقاء الاقليميين والدوليين المتنازعين على سورية. واذا كانت الثورة فعلية في سورية ومبررات استمرارها متوفرة، الا أنّ ذلك لن يلغي حقيقتان تترسخان اليوم مع الفيتو الروسي، هما سقوط حتميّ للنظام، وكلفة دموية عالية ستقدّم من ارواح السوريين على مذبح التغيير… هذه الورقة الاخيرة التي يحملها النظام اسمها: الحرب… ويسميها النظام السوري: الحسم الامني.
البلد