الحقيقة التي لم تروى عن سورية
فريدريك هوف – اتلانتك كونسيل)
أدهشني العدد الكبير نسبيا من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، الذين عبروا في شهاداتهم أمام لجنة الخدمات المسلحة في مجلس النواب في ١٧ تموز ٢٠١٣ عن عدم رضاهم عن نتائج السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وقال بعضهم “في كل مرة تحشرالولايات المتحدة أنفها في الشرق الأوسط تتلطخ ايدينا بالدماء. المعركة في سوريا هي بين نظام وحشي ومجموعة من المتطرفين … بما في ذلك تنظيم القاعدة، امريكا ترغب بالتعامل مع معارضة مشتتة. واذا مضت الولايات المتحدة الأمريكية بمشروعها المطروح لتسليح الثوار المعتدلين فإنه من المرجح ان تسيطر الجهات المتطرفة على هذه الأسلحة وبهذا ستصبح الأمور أسوأ بالنسبة للمدنيين. وكلما صعد النظام ومؤيديه من مستوى العنف الذي يستخدمه، كلما اجبرنا على مصيبة التدخل. لذلك فمهما ساء الوضع في سورية، يجب عدم التفكير بأي حل سوى الحوار بين الطرفين. تركهم يقتلون بعضهم بعضا ينهكهم و يجبرهم في نهاية المطاف على التفاوض لايجاد تسوية أو لتقسيم البلاد. فيقتصر دورنا على تقديم المساعدة الإنسانية لضحايا هذا الصراع الدموي في سورية”.
ما نشهده اليوم من انتصار واضح لنظام الأسد في روايته التي يدعي فيها “انه يناضل من أجل سورية التي تتعرض لمؤامرة من صنع أمريكا. ودعم هذه الرواية بذكر ما قامت به امريكا من حروب غير مرضية النتائج في العراق وأفغانستان. رواية النظام كانت منذ البداية ومازالت تركز وتدعي انه لا يوجد مشكلة بين النظام والشعب. فالنظام يحارب الارهابيين الاجانب المدعومين من الخارج. ويبرر ذلك بطرح سناريوهات مرعبة كأن تسيطر القاعدة وأصدقائها على أسلحة الدمار الشامل التي يملكها النظام الذي يحمي المسيحيين وغيرهم من الأقليات من هؤلاء البرابرة الأصوليين المدعومين من القطريين، السعوديين، الكويتيين، الأتراك والأميركيين، والإسرائيليين.”
لقد عمد النظام منذ بداية الاحتجاجات السلمية على تحويلها الى مقاومة مسلحة وذلك بتصعيد العنف تجاه المتظاهرين باستخدام وحدات مسلحة (اغلب افرادها من العلويين) لقتل المتظاهرين (واكثرهم من السنة).مما جذب إلى سوريا تنظيم القاعدة في العراق (مثل جبهة النصرة)، وهي عصابة من القتلة التي كانت ذات صلات عميقة مع مخابرات نظام الأسد.
وجود جبهة النصرة والجهاديين التفكيريين في سوريا هو هدية لنظام الأسد ما بعدها هدية.
كذبة النظام الكبيرة الآن تحولت في جزء كبير منها الى حقيقة: في حين لم يكن هناك أجانب أو إرهابيين عندما بدأت الاحتجاجات السلمية في سورية. والمعاملة الوحشية للمحتجين من قبل النظام انجبت التطرف المطلوب، ووقعت المعارضة في الشرك وأصبحت افعال المتطرفين تخدم وتؤكد رواية النظام. وخير مثال على هذا المقاتل الذي أكل لحم احد جنود الأسد في شريط فيديو على اليوتوب. عندها تنفس النظام والمدافعون عنه الصعداء واستعملوا الفيديو ليقولوا “آه، قلنا لكم ذلك اننا نحارب متوحشين.” وبذلك تخلص النظام من عبء وجود قوى ثالثة أساسية متعددة الطوائف، غير متطرفة في المعارضة السورية. واصبح يقدم روايته عن النزاع السوري كحرب بين النظام والمتطرفين الجهاديين الذين لا يستطيعون هزيمة النظام عسكريا، ويشكلون حجرالاساس في ذريعة تدخل حزب الله العسكري والقتال نيابة عن النظام وقد مكنت إدارة الرئيس باراك أوباما عن غير قصد من هيمنة رواية النظام. فهناك شك حول ما اذا كان الرئيس اوباما حقا قادرا على الحسم بعد وضعه خطوط حمراء تم تجاوزها مرار دون رد فعل حقيقي منه. فإدارة اوباما كانت غير حاسمة في تعاملها مع الصراع السوري. فقرار البيت الابيض الاخير بمساعدة المعارضة المسلحة (بسبب استخدام الأسلحة الكيمياوية من قبل النظام) لم يغير المعادلة وذلك بسبب الشعور السائد والتشكيك الدائم فيما اذا ما كانت الولايات المتحدة تستطيع أن تفعل أي شيء مفيد عن بعد. فتردد البيت الابيض كل هذا الوقت يسلب القرار الاخير قوته. في الأشهر الأخيرة ساوى الرئيس أوباما بين سوريا والكونغو، فرد الفعل سلبي اتجاه البلدين. وعبر رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي عن ترجيح عدم اتخاذ اي خطوة لدعم المعارضة السورية بحجة عدم وجود معارضة جديرة بالدعم الأميركي.
الآن تم إرسال نائب الرئيس الامريكي السيد بايدن إلى الكونغرس حاملا مهمة حل القضية السورية التي كان ينبغي أن تحل من قبل إدارة اوباما قبل عام.
قوى المعارضة المعتدلة بقيادة اللواء سليم إدريس طلبت المساعدة من الولايات المتحدة الامريكية في شهر تموز ٢٠١٣ وذلك لحاجتها الماسة إلى المساعدة. واوضح إدريس ان قوات المعارضة فاعالة على أرض الواقع في سوريا وتحقق استقرار الوضع التكتيكي وتمنع مقاتلي حزب الله من دخول منطقة حمص.الآن مصداقية الولايات المتحدة على المحك فتصريحات الولايات المتحدة كتشجيع الأسد للتنحي، ودعوة الأسد للموافقة على تسليم السلطة سلميا قد انتهت صلاحيتها. فالاسد استخدم الأسلحة الكيمياوية وتجاوز الخط الأحمر،فقد حان الوقت للولايات المتحدة أن تفعل أكثر من فرك يديها وكتابة الشيكات السخية للمساعدات الإنسانية.
لخص السيناتور راند بول (المدعوم من أعضاء مجلس الشيوخ من كلا الحزبين :توم أودال، مايك لي، وكريس ميرفي) في ١٧ تموز ٢٠١٣ اسباب وجوب تردد امريكا بدعم المعارضة داعما رواية النظام السوري بالقول:
“إن أي محاولة لمساعدة المعارضة السورية معقدة وخطيرة، وتحديدا لأننا لا نعرف من هم هؤلاء الناس. لدرجة أننا لا نعرف من هم المعارضة حقا، ونحن نعلم أن أعدادا كبيرة منهم (ما يصل إلى ١٠٠٠٠ مقاتل) ترتبط بالقاعدة، حسب بعض التقديرات.
– إذا أرادت الولايات المتحدة أن تختار مساندة طرف من اطراف الصراع في سوريا، فالخيار لن يكون أخلاقيا. الأهم من ذلك كله، ليس هناك مصلحة وطنية واضحة للولايات المتحدة في سوريا.
-وهناك أيضا مسألة الاقليات، فمليونين مسيحي في سوريا يحميهم نظام الأسد، يستهدفون من قبل بعض الجماعات المتطرفة. تخيل لو ان الولايات المتحدة سلمت الأسلحة إلى المتطرفين فهم حتما سيستخدمونها ضد المسيحيين. تخيل النتيجة المأساوية نفس الجماعات الإسلامية في العراق وأفغانستان تحارب قواتنا.
ملاحظة منهجية: التأكيد على أن عناصر الجيش السوري الحر تتعرض للهجوم من قبل النظام ومن قبل الجهاديين على حد سواء؛ الخلط بين المعارضة و القاعدة خطأ كبير. لا يوجد مجال لافتراض التكافؤ الأخلاقي بين النظام وأولئك الذين يعارضونه. ثم تجاهل مأساة سورية من قبل أصدقاء الشعب السوري ومن ثم انكار وجود مصلحة قومية للولايات المتحدة في سوريا، تقبل فكرة ان النظام يحمي المسيحيين في سوريا؛ وخلق شبح المتطرفين لابعاد الولايات المتحدة لمنع تقدم الأسلحة إلى من يقاتل امريكا في العراق و أفغانستان ليس منطقيا.
فمن المفهوم أن المسؤولين الأميركيين يجب ان يقتربوا من الدوامة السورية بحذر وبتواضع: فالولايات المتحدة لن تكون قادرة بأي حال على خلق حل نهائي في سورية، فنظام الأسد قد امعن في تدمير سورية. فلا توجد وسيلة لضمان النتائج مئة في المئة. على الرغم من أنه تم إنشاء سجل حافل في تقديم المساعدة غير القاتلة للمعارضة فهذا لا يكفي وهذا لا يعني ان تكف واشنطن عن حذرها و لكنها يجب في ذات الوقت ألا تقف مشلولة وعاجزة فعلى واشنطن ان لا تقبل برواية النظام وعليها ان تمضي قدما بخطوات ثابتة و حذرة.
السيناتور بول وزملاؤه صدقوا في شيء واحد: فإدارة اوباما يجب أن تطلع الكونغرس على أهدافها المتعلقة في سوريا واستراتيجيتها هناك. فيجب شرح ما يتعلق بالتدابير العسكرية المحتملة التي تهدف لدعم المعارضة ويجب دراسة قدرات نظام الأسد البرية والجوية على المدنيين من السكان، وعلاقة ذلك بارتفاع عدد اللاجئيين السوريين. يحتاج الكونغرس إلى أن يقتنع أن القائد الأعلى للجيش الحر لديه القدرة على المضي قدما ودحر النظام ومن ثم ضمان السيطرة على البلاد وعدم السماح للمتطرفين بنشر نفوذهم، و ذلك لتأكيد قدرة الولايات المتحدة وشركائها في التأثير على مسار سورية بطرق إيجابية، بدءا من وضع تكتيكات ضد الإرهاب داخل سوريا وعلى اراض جيرانها ، والتي تشمل حلفاء أميركا والأصدقاء. سيكون نائب الرئيس بايدن فعال في عمله إذا بدأت الولايات المتحدة بالتحرك والانتقال لمرحلة الافعال وعلى الرئيس أوباما ان يشرح للشعب الأمريكي وليس فقط لممثليه في الكونغرس الأهداف والإجراءات من وراء التدخل في سورية.
بدأ نظام الأسد برواية خالية من الحقائق ولكنه استطاع كسب بعض الثقة بروايته المزعومة عندما بدأ بخلق الحقائق المطلوبة لإثبات روايته التي حافظت على وجوده حتى الآن. تهدف إيران بدعمها للاسد الحفاظ على ميليشيا حزب الله في لبنان. بينما تظهر روسيا للعالم أنها تقف الى جانب عملائها. فيما كبار ضباط الجيش الامريكي منهكون من العراق ويودون تجنب الالتزامات التي ستبدأ في سوريا ، وأعضاء الكونغرس لديهم أولويات أخرى ،بعد انهاك العراق والازمة المالية في امريكا. أحد أهم الأسباب وراء كشف كذب رواية النظام هو ابتعاد التحالف الوطني السوري عن الشرك الذي حاول النظام جاهدا دفعه اليه وهو شرك التشرذم، فالتحالف خلق كيانا متماسكا طرح من خلاله قضية السوريين وأصدقاء سوريا على حد سواء.
إدارة أوباما، كانت (ولا تزال) بطيئة في تفعيل وشرح الخطوات التي يجب اتخاذها بما يتماشى وسرعة الاحداث على الأرض والمصالح الأمريكية الناشئة عنها. على الرغم من وقاحة النظام فإن التنظيم العالي في صفوفه قد اكسبه قوة، ولكن وفق القول القديم المأثور “لا يمكنك ضرب شيء ما بدون شيء آخر” فإذا ارادت الولايات المتحدة انهاء صراع عليها الانتقال لفعل ملموس ولكن دون اغفال اهمية الزمن الذي لا يرحم.
http://www.acus.org/viewpoint/syria-losing-narrativ
(ترجمة كلنا شركاء
كلنا شركاء