الحقيقة مؤلمة كما هي و لا تحاج ُ تهويلا ً . . .
قررت ُ منذ ُ أيّام ٍ أن لا أعود َ للنقاش ِ مع أحد ٍ حول َ الأحداث الأخيرة في سوريا ، سواء الأهل أو الأصدقاء أو أيّ من المقربين ، فالمسألة لم تعد مجرّد آراء و حسب .. لكلّ شخص الحق ّ بأن يمتلك رأيه ُ الخاص و لكن لا يحقّ لأحد ٍ أن يبرر َ قتل أحد ٍ – سواء رجال الأمن أو الجيش أو المتظاهرين – تحت َ أيّ زريعه ٍ كانت.
كتب َ الصديق خضر سلامة ،في مدوّنة جوعان ضد الأنظمة ، منذ ُ أيّام ٍ عبارة ً استوقفتني كثيرا ً في حينها و عدت ُ إليها مساء الأمس :
“هل كان لا بدّ أن يموت آخرون بفعلٍ عاطفيٍ جميلٍ وعبثيّ، كي يكتب الشعراء ويخطب الساسة ويجتمع مجلس الأمن ويدين الرؤساء وتؤكد الفصائل وتنفي الأحزاب وتستهجن اللجان ويستنكر اليسار ويشجب اليمين؟ ماذا نقول للشهداء المقتولين كقصيدةٍ ملحقة بديوان مثقوب؟ أنا أعرف ماذا سنفعل بعد مجزرة الأمس، سنعلن افتتاح مهرجانات “التأبين والتشييع الرمزي والادانة والتأكيد وإعادة التأكيد”، لماذا؟ لأننا ببساطة شعب أصبح الموت خبزه اليومي، لم يعد الرقم، عشرة شهداء، يعني شيئاً، أصبح مجرد إحصاءٍ يوميّ، عشرة، عشرون، مئة، ألف، ما الفارق؟ ما دمنا لا نعرف أحداً من الشهداء، ما داموا من شعبٍ، يصح فيه أن نسميه مزاداً كبيراً، لكثرة المتاجرين بقضيته! “
هو َ كتب َ هذا في سياق الحديث عن عبور الحدود بذكرى النكبة ( للإطلاع على المقالة كاملة من هنا ) و لكن أليس َ هذا حالنا اليوم تعميما ً على معظم الشعوب و سوريا بشكل ٍ خاص ؟ اعتدنا الموت َ و اعتدنا أنّ حصيلة كلّ يوم ٍ هي عدد من الشهداء الذين كلّما زاد َ عددهم زاد الفعل العاطفي و ازداد التعاطف الدولي و ازدات البيانات ُ واحدا ً ؟ حتى وصل الأمر إلى أنّ البعض يعلن موت َ معتقل ٍ و التضامن معه ُ و قراءة الفاتحة و التكبير و الترحم عليه و الوعيد بالنيل من القتلى – بالأسماء – مرارا ً و تصدح بعض القنوات التلفزيونيّة بالخبر و ذلك كلّه ُ قبل َ أن يتأكد الذين يقفون َ خلف َ ذلك من الحقيقة . –تماما ً كما حصل َ عندما توفي كريم عربجي في بيروت و قال أحدهم أنه ُ توفي تحت ً التعذيب في المعتقل ، نعم لقد إعتقل كريم عربجي وهذا نفسه ُ مؤلم لكنه ُ لم يمت في المعتقل ، فلم َ التهويل ؟ — أتفق أنه ُ لو حصل َ ذلك في أحد الأفلام لكان َ ذو بعد ٍ فلميّ جميل سيجذب المزيد من الجمهور و لكن .. هذا ليس َ ما نحتاج ُ إليه في سوريا ففي حصيلة سوريا الكثير جدّا ً من المسلسلات و الخيال الدرامي لسدّ هذه الحاجة ، أمّا هنا فنحن ُ نكتب تاريخا ً و لا نكتب ُ أفلاما ً و الحقيقة مؤلمة كما هي و لا تحتاج ُ تهويلا ً أو أبعادا ً دراميّة ً .
و هنا لا أعني المتضامنين مع القضيّة أو منشئي الصفحات أو غيرهم مِن مـَن وثقوا بالراوي و لكن الذين ينقلون أخبار ذات حساسيّة عالية دون َ التأكد من صحتها ، الذين يتناقلون َ أخبار َ الموت و كأنها ليست سوى خبر ٍ جديد ٍ في إحدى صفحات الصحافة الصفراء. نعم أعرف أنهم ليسوا مهنين أصلا ً و لا يجب ُ أن نحاسبهم و كأنهم كذلك و أنّ الأفعال غالبا ً تأتي كردات ُ فعل تأتي ردا ً على التغطية الإعلاميّة الشبه معدومة لعدم السماح بترخيص قنوات إعلاميّة عدا التلفزيون الرسمي و الشبه الرسمي لتغطية ما يجري في الشارع، و لكن كروّاد الإعلام الحديث لا يجب ُ أن يـتم بيننا استخدام َ أسلوب َ التلفزيون الرسمي ( و الشبه الرسمي ) الإعلامي برواية الأحداث و تهويل الأمور التي تجذب ُ جمهورا ً فهذا سيفقد حتّى اعلام المواطن مصداقيته . نعم كلّنا مع الحق ضدّ اي ظلم و كلّنا ضد ايّ اهمال او اسكات ٍ صوت ِ الحق و لكن المبالغة هكذا تضرّ الجميع و لا تقف بمصلحة أحد ٍ .
بالعودة للحديث عن الموت ، مازلت ُ لا أستطيع ُ أن أفهم َ كيف َ لشخص ٍ يتضامن ُ مع حقوق الحيوان و الجياع في افريقيا و يشفق ُ على المتسولين و المحتاجين و لا يتأخر ثانية ً عن القاء الخطابات عن الانسانيّة و الإنسان ، أن يجد َ تبريرا ً للقتل ، أيّ قتل ، أو تبريرا ً لسلب الحريات ، و الاستهتار بحقوق الآخرين هكذا.
لا أفهم و لن أفهم .
قيل َ منذُ أيّام ٍ أنّ نهاية العالم بدأت الأمس 21 أيّار ، أنا لا أؤمن بهذه الروايات و لكنني أعتقد ُ أن نهاية العالم بدأت قبل َ أن يبدأ العالم عندما قتل َ قابيل ٌ أخاه ُ .
http://www.freesham.com/2011/05/blog-post_22.html