صفحات الناس

استغلال النازحات السوريات: إعلامي أردني يفضح فبركات/ سالم ناصيف

 

 

مرة أخرى تعود مسألة النازحات السوريات ومحاولات الإتجار بهن واستغلال أوضاعهن الإنسانية، الى التداول الإعلامي. لكن الحديث هذه المرة، يأتي كمحاولة لإثبات ما اقترفته الذهنية الإعلامية “الذكورية” والإعلام المسيّس أو الباحث عن “الإثارة”، في حق المرأة السورية. تضخيم الحدث وصولاً الى المساس بشرفها، ولو على سبيل تقديمها كضحية، وإن كان هناك شيء من الصحة في الملف ككل، إلا أنه تعرض إلى الكثير من الفبركة لغايات مختلفة. لكن الإعلامي الأردني حمودة مكاوي، سعى إلى إيقاف هذه “المجزرة الإعلامية”، عبر تحقيق إستقصائي بث في “يوتيوب”، ومدته 15 دقيقة.

ويبدو أن تحرك مكاوي، جاء بعدما بثّت وسائل إعلام مختلفة، عن قصد أو عن غير قصد، عناوين “مسفّة” سوّقت لواقع المرأة السورية على أنها سلعة تُباع وتُشرى بأثمان زهيدة، تبدأ بمئة دولار ولا تنتهي بأكثر من خمسمئة دولار. ما جعل المرأة السورية النازحة تحمل وحدها وزر وضعها المأساوي. لا حول لها ولا قوة، وعليها الإختيار بين العودة إلى حضن “الوطن” أو السقوط في حضن “مغتصب شرعي” لبضعة أيام، ثم يرميها كأي متاعٍ تم استهلاكه على عجل.

وفي تحقيق إستقصائي من 15 دقيقة، يحاول معدّ ومقدم الشريط، حمودة مكاوي، تسليط الضوء على الزاوية التي ركز عليها الإعلام سابقاً في مسألة النازحات السوريات، من دون أن ينكر وجود حالات إستغلال للمرأة السورية، كما لا ينفي أن هناك أمراضاً إجتماعية تسري بين صفوف ذلك المجتمع النازح. وفي قناة Balad TV في موقع “يوتيوب”، بث التحقيق الإستقصائي الذي استمر العمل عليه، بين إعداد وإنتاج، قرابة السبعة أشهر. ويقول مكاوي لـ”المدن” إن التحقيق هو “مجرد محاولة لتحفيز المشاهدين على التفكير مليّاً وإعادة النظر في ما يجري في دهاليز الإعلام وقراءة دوافعه”. ويرى أن بعض وسائل الإعلام حاول استغباء الناس بصناعة خبر تخدم أهدافه، بدلاً من لعب دور الناقل الأمين كما هو مفترض به.

واستخدم مكاوي في التحقيق تقنيات عدة، ضمنها شهادات لخبراء يروون كيف تم التعامل إعلامياً مع مسألة الزواج من السوريات. وأهم ما جاء في التحقيق هو إتصال أجراه مكاوي بـ”سمسار إعلامي” يقوم بتأمين أشخاص يتحدثون عبر الإعلام، وفق ما يتم تلقينهم إياه مقابل مبلغ من المال. يتحدث السمسار في الإتصال بعفوية عن استعداده لتأمين أي شهادة إعلامية يُراد أن تُقال. ويؤكد قيامه سابقاً بتأمين شهادات لقناة إعلامية وتم إملاء ما يجب على المتحدثين قوله أمام الكاميرا بعد تغطية وجوههم، مقابل مبلغ 100 دولار.

كان التحقيق قد بدأ بمشهد تمثيلي يحكي قصة اغتصاب فتاة سورية، وقصة عمل شاب سوري في السمسرة والإتجار بالفتيات السوريات. وهذا المشهد، كما يكشف مكاوي لاحقاً، هو من قام بكتابته وساعده بعض الأصدقاء في تصويره. وكان الهدف من هذا المشهد التمثيلي هو إثبات أنه في وسع أي كان في الإعلام اختلاق مشاهد غير حقيقية وتقديمها للمشاهد على أنها حقيقة وحدثت. وتزداد قضية الفبركة إقناعاً، نظراً إلى أن أكثر التقارير والتحقيقات التي تم عرضها عن النازحات السوريات، تتضمن صوراً لأشخاص تم إخفاء وجوههم(ن) خلال الحديث امام الكاميرا. ويلاحظ أيضاً تعارض واضح بين لغة الجسد والحالة النفسية التي من المفترض أن تكون عليها الفتاة المغتَصَبة. إحدى المغتصبات التي خرجت على قناة تلفزيونية داعمة للنظام، كانت تجلس أثناء التصوير وهي تضع رجلاً على رجل. وكانت قد استخدمت “مسكارة” لرموشها لتزيد من مفاتن عينيها الظاهرة من خلف غطاء الوجه.

هكذا، تضيع وظيفة الإعلام في سعيه إلى اختلاق الأحداث كما يريد، للتأثير في العواطف على حساب الوعي، بدلاً من عرض الحقائق برفعها من مستوى الحدث إلى مستوى الخبر كي يعلم المشاهد بما يجري، لا كما تريد له المؤسسة الإعلامية له أن يعرف.

وفي محاولة لقراءة التفاصيل التي سعى الإعلام إلى إبرازها من خلال مسألة الزواج بسوريات نازحات، وبثه لفتاوى “ذكورية” قيل عنها أن الهدف منها هو التستر على تلك الفتيات المغلوبات على أمرهن، يتضح أن الإعلام الداعم لنظام الأسد لم يحمل بمفرده أعباء القيام بتلك المهمة. فكانت مسألة اغتصاب السوريات تحت عنوان الزواج، بمثابة فصل آخر (إنما منمق) عن نسختها الأولى من بدعة “زواج النكاح”. وسقط الإعلام الداعم للثورة في فخ التعميم والتركيز على النتيجة من دون معالجة السبب. ولم يتمكن من دفع المؤسسات الإنسانية والحكومية إلى اتخاذ إجراءات من شأنها الحفاظ على كرامات النازحين والنازحات. عوضاً عن ذلك، ساهم في تأجيج الفضاء المتعاطف مع الشعب السوري وساهم في خلق نوع من الفرقة بين الشعب الأردني المضيف والشعب السوري المستضاف من خلال تصوير الإعلام للعرب على أنهم وحوش تسعى غلى نهش أجساد السوريات.

بذلك، كان أثر الإعلام سلبياً في مسألة التأثير لتغيير واقع السوريين النازحين نحو الأفضل. إضافة الى ذلك، قدم خدمات مجانية لنظام الأسد الذي دأب على الطعن في الثورة السورية من خلال النيل من أخلاقياتها وتصويرها على انها ليست ثورة، بل استباحة لكرامة المرأة السورية التي تتعرض للاغتصاب على أيدي العصابات المسلحة.

المدن

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى