«الحلم الأميركي» كابوس العالم/ مصطفى زين
شيئاً فشيئاً تتضح سياسة دونالد ترامب في العراق. أخذ على سلفيه، جورج بوش وباراك أوباما، عدم سيطرتهما على النفط في بلاد الرافدين، وكرر ذلك بعد وصوله إلى البيت الأبيض، خلال لقائه مسؤولين في الاستخبارات، مبرراً طرحه بأن النفط كان مصدراً أساسياً لـ «داعش»، ولو أن واشنطن استولت عليه لحرمت التنظيم هذا المورد الذي كان ضرورياً لنموه وانتشاره. وبدل أن يلوم الدول التي احتضنت «داعش» واشترت النفط منه وأمدته بالسلاح والعتاد، مثلما فعلت تركيا، انتقد المسؤولين في البيت الأبيض وحمّلهم مسؤولية انتشار الإرهاب، ليس لأنهم فرضوا حصاراً على العراق وجوّعوا شعبه ثم احتلوه ودمروا بناه التحتية وقتلوا ما يفوق المليون إنسان، بل لأنهم لم يستولوا على النفط ولم يجبروا بغداد على دفع ثمن الاحتلال.
واقع الأمر أن قوات الاحتلال، فور سقوط بغداد في يدها عام 2003، دمرت كل المؤسسات ونهبتها، بما فيها المتحف الوطني، ولم تحافظ إلا على وزارة النفط. وهناك 18 شركة أميركية ضخمة، تعمل في مختلف المجالات، منحها بوش الابن عقوداً للعمل في العراق، مثل «هاليبيرتون» و «كيلوغ براون» و «إكسون موبيل». كلها استخدم مرتزقة عرفوا رسمياً باسم «المتعاقدين» لمساعدة أكثر من 170 ألف عسكري، وإلصاق الجرائم المرتكبة بهم لأنهم غير خاضعين لأي قانون، عدا قانون رؤسائهم. ارتكب «المتعاقدون» هؤلاء، بالتعاون مع الجيش، مجزرة مشهودة في الفلوجة، ودمروا المدينة، ما حولها إلى حاضنة لـ «القاعدة» ثم لـ «داعش». وارتكبوا أيضاً مجازر أخرى، من أبشعها مجزرة ساحة النسور، فاضطرت شركة «بلاكووتر» إلى تغيير اسمها، وبقيت تنفذ مهامها، في عملية احتيال مفضوحة. وليس سراً ارتباط مسؤولين كبار في البيت الأبيض آنذاك، بينهم نائب بوش ديك تشيني، بشركات النفط.
في معنى آخر، لم تقصر الإدارتان السابقتان في الاستيلاء على كميات ضخمة من أموال النفط العراقي. لكن ترامب، كونه رجل أعمال ناجحاً، يريد الاستيلاء عليه كله، وتعويض ما خسرته واشنطن في حروبها، فقدم إلى الكونغرس مشروع قانون بعنوان «النفط للإعمار» بكلفة تتجاوز الـ 400 بليون دولار، ينتظر أن تبدأ مناقشته قريباً.
لم يبدر من الحكومة العراقية أي تعليق على مشروع القانون، فهي لم تُستشر، وربما لم تحصل على نصه. لكن تصريحات المسؤولين عن الحاجة إلى إعمار البنى التحتية وتحديث أنابيب النفط والمصافي المهدمة توحي بأنها على استعداد لمناقشة أي خطة أميركية، فليس من عادة بغداد بعد الاحتلال أن تقول لا لمخططات واشنطن.
يذكّر مشروع «النفط للإعمار» بقرار تبنته الأمم المتحدة عام 1991 عنوانه «النفط للغذاء»، بعدما استنفد العراق موارده في حرب الخليج الأولى وغزا الكويت. وقضى هذا القرار بالسماح لبغداد ببيع النفط بإشراف المنظمة لتعويض الدول والشركات والأفراد المتضررين من الحروب التي شنها صدام حسين، وترك الفتات لإطعام الشعب العراقي، ومراقبة المواد المستوردة لضمان خلوها من أي مادة يمكن استخدامها في الصناعات العسكرية، فكانت النتيجة المزيد من الفقر واهتراء البنى التحتية وهجرة العقول وإعادة البلاد إلى القرون الوسطى، على ما قال أحد الجنرالات الأميركيين.
السيد ترامب ليس في حاجة للعودة إلى الأمم المتحدة لوضع يده على النفط، لـ «إعادة أميركا إلى عظمتها»، على ما يؤكد في كل خطبه. يكفيه أن يشرعن الكونغرس ذلك، كي يفرضه على بغداد بالقوة إذا عارضت، فلديه عدد كبير من العسكريين على الأرض يستطيعون «إقناعها» بالقرار، وإلا أوقفوا مساندة الجيش في حربه على «داعش».
«الحلم الأميركي» كابوس العالم.
الحياة