الحل الروسي في سوريا والعقبة الإيرانية/ سلام السعدي
عاد الحديث مجددا عن افتراق مصالح الجانبين الروسي والإيراني في سوريا وخصوصا بعد لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ببشار الأسد الأسبوع الماضي في مدنية سوتشي. في أعقاب اللقاء، صرح الرئيس الروسي لوسائل الإعلام بأن الدخول في مرحلة الحل السياسي سوف يترافق مع انسحاب كل القوات الأجنبية من سوريا، ويشمل ذلك القوات الإيرانية. وسارعت طهران إلى الرد بالتأكيد على أنها موجودة بطلب من الحكومة السورية، وأن لا أحد يملك إنهاء وجودها في سوريا.
أظهرت تلك التصريحات قلق طهران من المرحلة الجديدة، وخصوصا بعد التحولات العسكرية والسياسية المتتالية خلال الأشهر الماضية والتي قد تقود إلى عزلها في ظل حدوث تغير تدريجي في حسابات اللاعبين الدوليين في سوريا.
أول تلك التحولات هو إنهاء الاتفاق النووي الإيراني وما أعقبه من سلسلة مطالب أعلنها وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو. تبدو مطالب واشنطن صعبة التنفيذ على الجانب الإيراني، وهي مصممة بشكل خاص لكي ترفضها طهران بما يفتح الباب أمام واشنطن لاتخاذ خطوات أكثر تشددا تتراوح بين إعادة العقوبات الاقتصادية وعزلها دوليا، وصولا إلى تطوير استراتيجية عسكرية.
السيناريو العسكري هو ما يخيف طهران وخصوصا مع تصاعد الأعمال العسكرية الإسرائيلية في الأشهر الماضية، وآخرها استهداف مواقع إيرانية في سوريا بصورة غير مسبوقة فتحت أفق المواجهة المباشرة بين البلدين.
على خلفية هذا التصعيد الأميركي – الإسرائيلي المشترك، تراقب طهران بحذر مخططات موسكو وتصريحاتها الدبلوماسية وتخشى تحركها المقبل بعد أن كرست نفوذها في سوريا وباتت تحضر للمشهد الختامي للحرب، وهو مشهد سياسي قد يتطلب تقديم تنازلات سياسية تمقتها طهران ودمشق مهما كانت التنازلات متواضعة.
وفي سياق التحضير لمرحلة سياسية جديدة، فإن أكثر ما يقلق طهران، ومعها نظام بشار الأسد، هو حدوث صفقة سياسية أميركية – روسية بما يخص إنهاء الحرب. إذ لم يكف الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن إبداء الرغبة في الانسحاب من سوريا في وقت قريب.
ويرى البعض أن أميركا قد تقايض انسحابها العسكري بقبول روسيا لحل سياسي شامل يفضي إلى دولة لا مركزية تتقلص فيها صلاحيات الرئيس الأسد، كما يقبل الأخير بإجراء انتخابات عامة بمراقبة دولية وبمشاركة اللاجئين السوريين في كل أماكن تواجدهم. قبول موسكو يعني موافقة أميركا والدول الأوروبية على المساهمة في إنجاح العملية السياسية وإعطاء النظام الجديد الشرعية المطلوبة وصولا إلى المساهمة في عملية إعادة الإعمار.
من هنا عاد الحديث عن خلاف روسي – إيراني حول المستقبل السياسي لسوريا. نقول عاد من جديد لأن الشائعات حول توتر إيراني – روسي قديمة قدم التدخل العسكري الروسي في سوريا في نهاية العام 2015. حينها، ظهرت تحليلات تربط التدخل الروسي بالرغبة الدولية، وخصوصا الإسرائيلية، في تقليص نفوذ إيران في سوريا من دون الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة معها. لم يكـن ذلك هـو السبب المباشر ولا حتى غير المباشر للتدخل الروسي، إذ كان التدخل مدفوعا بمهمة عاجلة هي إنقـاذ النظام السوري وإنقـاذ أربع سنوات من الاستثمار الروسي في سوريا، فيما اتصل السبب غير المباشر بتحسين موقع موسكو على خارطة العلاقات الدولية.
ولأن وجود إيران لم يكن، على الإطلاق، ضمن الحسابات الروسية، شهدت الأعوام الثلاثة الماضية توسعا مزدوجا للنفوذين الروسي والإيراني. لم يكن لروسيا أن تنجز مهمتها وتؤسس نفوذها من دون إيران، كما لم يكن للأخيرة أن تكرس هيمنتها وتتجنب الهزيمة من دون روسيا.
ولكن تلك الشراكة العسكرية انتهت وتتحضر البلاد في الفترة القادمة لدخول مرحلة جديدة تحاول روسيا فيها أن تكون اللاعب الأبرز الذي يرسم ملامحها. ولكن تعقد وتضارب مصالح اللاعبين يعقدان المهمة الروسية ويتركان مساحة مناورة لكل طرف، وهو ما يدفعها إلى القبض على العصا من المنتصف حتى الآن.
أوفت روسيا بكل التزاماتها للنظام السوري ولإيران حيث ساعدتهما خلال فترة قصيرة نسبيا، على عكس مسار الحرب لصالحهما بعد أن كانا على وشك السقوط. على المستوى السياسي، عملت موسكو بفاعلية على إنهاء الحل السياسي القائم على اتفاق جنيف للعام 2012 والذي تضمن تفكيك النظام السوري ونقل السلطة للهيئة الانتقالية. المطروح حاليا هو إصلاحات سياسية محدودة يقوم بها النظام نفسه، وتتضمن مستوى محدودا من التعددية السياسية وحكما محليا ذاتيا للمناطق ذات الغالبية الكردية.
هكذا تأمل موسكو أن يقدر النظام السوري وإيران ما قامت به من تدمير لآفاق التغيير السياسي وتحويل العملية السياسية بصورة جوهرية بحيث لم تعد تشكل أي خطر على وجودهما. مع ذلك، لا يبدو النظام السوري وإيران منفتحين على تقديم حتى أقل التنازلات السياسية.
وبالتالي، لا يمكن للرغبة الروسية أن تتحقق إلا بالضد من إرادتهما، وهو ما يتطلب قدرا من المواجهة في حال امتلكت موسكو أوراق الضغط المطلـوبة. ولكن شكوكا كثيرة تدور حول النفوذ الحقيقي لموسكو في سوريا حيث لا يزال في طور البناء رغم أنه قطع شوطا طويلا خلال الأعوام الماضية.
كاتب فلسطيني سوري
العرب