الحل بيد الشعب السوري؟
غازي دحمان
باتت هذه الكلمة أكثر اللازمات ابتذالاً في حقل المصطلحات الذي ظهر على هامش ثورة السوريين وأزمتهم، الحل يقرره الشعب السوري، لازمة طالما كررتها ديبلوماسية الكرملين وبكين، بعد أن استوردتاها من رأس النظام في سوريا، وأخيراً يصاب بعدواها المبعوث العربي والأممي المشترك الأخضر الإبراهيمي، ولا أحد يدري من بعده سيصاب بهذه اللوثة.
الحل عن طريق الشعب السوري، عبارة تستبطن شعباً سورياً لا يعرفه السوريين أنفسهم، أو شعباً غير محايث، إما أولئك السوريين التاريخيين الذين مروا على سوريا على مدار القرون السابقة، بحيث يجري استنطاقهم بطريقة معينة وأخذ رأيهم بحقيقة ما يجري، أو يتم البناء على مواقف الأجيال السابقة من أحداث معينة، على طريقة الاستنتاج البحثي.
أو هي تخص السوريين الذين لم يلدوا بعد، ولهم الحق في أن يقرروا مصير وطنهم، أما كيفية تحقيق هذا الأمر، فالأرجح أنها متروكة لقادم الأيام، أقله لحين ولادة هذه الأجيال، وبالتالي ترك القضية للزمن وبقاء كل شيء على حاله.
لماذا؟، لأن من الواضح أنه بالنسبة للأطراف التي تقف وراء هذه الدعوة، أن الشعب السوري الحالي غير مؤهل للبت في قضية بهذا الحجم الكبير، كما أن هذا الشعب قد فقد أهليته بمجرد قراره بالخروج عن سلطة الأسد ومطالبته له بالتنحي، أو حتى فقد حياديته ونزاهته وصار شعباً( جيلاً) متطرفاً، ولا يعتد تالياً برأيه، هكذا على الأقل تحاول ماكينة النظام الديبلوماسية والإعلامية تصوير الثوار على أنهم متطرفون وأقلية، وتساند كل من موسكو وبكين وطهران هذه الحجج.
لكن حلاً لمعضلة استدعاء سوريي الماضي واستيلاد سوريي المستقبل، ثمة اجتراح آخر للسلطة ومؤيديها، على ما تقترحه لازمة (الحل بيد السوريين)، يقوم هذا الحل وفق المبدأ التالي، ثمة سوريون آخرون، مؤيدو النظام، ونخبة الشعب السوري ومن يستحق أن يؤخذ برأيهم، والواضح أن رأي كل واحد فيهم يساوي عشرة آراء من سواد السوريين العاديين، هم من يقرر مستقبل سوريا، ووفق ذلك لا يعتد هنا بالكم، ذلك أن الكم خادع ومضلل غالباً، ولكن بالنوع، وعند ذلك تختلف الأوزان والمقاييس والنسب، فالتاجر مثلاً بألف من العوام، ورامي مخلوف، بما أنه يساوي ألف تاجر فهو يساوي مليون من العوام، وهكذا تتناسل هذه المتواليات لتنتج صفراً شعبياً سورياً، مقابل 100% أو أقله99،99%. لصالح النظام ورأسه!.
لا تحتمل اللازمة المشار إليها تفسيرات أخرى، فعدا عن استحالة تنظيم عملية لأخذ رأي السوريين، ملايين النازحين ومئات الآلاف من الجرحى والمعاقين والمخفيين والمحبوسين، فكأن المطلوب من السوريين إعادة حراكهم من أوله، وبطريقة العرض على البطيء، ليتسنى الخروج بنتائج من هذه العملية، ولكن ألا تؤشر هذه الأرقام إلى معطى مهم للوصول إلى استنتاجات توفر كل هذا العناء؟ ألا تدل على بيئة الثورة الحقيقية وموقف السوريين من الحكم؟، ترى ألا تتطابق أعداد النازحين والمقتولين والمسجونين والمفقودين مع أعداد الثائرين؟. الأصح أنها تشكل جزءاً منهم وليست كلهم لأن ثمة آخرين نجوا من الموت أو صمدوا أو حموا أنفسهم بعمليات تمويه معينة، أو على الأقل اتبعوا طرقاً معينة في التعبير عن رفضهم وعدم رضاهم عن نظام الحكم، النتيجة هي تضاعف ملايين السوريين الرافضين لنظام الحكم.
لقد سعى النظام، ولا يزال، إلى إتباع نمط العقاب الجماعي لمعاقبة البيئة الثورية، أو على ما يسميها (البيئة الحاضنة للعنف)، على أمل أن يحدث انزياحاً لصالحه في توجهاتها، لذلك استخدم العنف المفرط وبالغ باستخدامه، فدمر الأرياف والضواحي والعشوائيات، ومارس كل ما هو بعيد عن الآدمية والاحترام بحق أهل هذه المناطق، مقابل مبالغته في استرضاء أبناء البيئات المدنية (الراقية حسب العرف السائد لدى النظام)، لكنه لم يفعل سوى زيادة التطرف، فكل قذيفة سقطت على منزل زرعت مكان الدمار متطرفين جدد، وكل رصاصة قتلت فرداً استولدت مقابله متطرفاً، لأن القذيفة والرصاصة كانتا تحملان رسالة واحدة مفادها أن لا خلاص لكم من قهرنا حتى موتكم ودماركم ليس ضمانة كافية لخلاصكم.
الحل بيد السوريين، أو يقرره السوريون، أو لا بد أن يأتي الحل من السوريين أنفسهم، وكذا ضرورة إشراك الشعب السوري بأي حل، هي مجرد لازمات تحيل إلى الفشل والعجز، أو محاولة للهروب إلى الأمام من الاستحقاقات، هي باختصار وصفة لاستمرار المحنة السورية.
المستقبل