“الدولة الإسلامية” تتموضع/ فـداء عيتانـي
إنتشرت معلومات عبر وسائل إعلام سوريّة مُعارضة عن تحركات لتنظيم “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، تفيد بانسحابها من مناطق في الشمال والشمال الشرقي السورييَن، وتوجّه مقاتليها إلى الرقّة ودير الزور والأنحاء الشرقية الأخرى من سوريا.
قد يُخيّل للبعض أن انشاقاقات متفرّقة يشهدها تنظيم الدولة الاسلامية، أو حالات فرار لبعض العناصر، أو بضعة مئات من الضربات الجوّية يمكن ان تبشّر بانهيار التنظيم، وأنّ حراك قواته من الشمال والشمال الشرقي في سوريا باتجاه شرقها يمكن أن يكون بداية النهاية لمسيرة التنظيم الأكثر دموية الذي شهدته منطقة الشرق الأوسط. لكن وللأسف فإنّ من يعتقدون بذلك يجانبون الصواب إلى حدّ كبير، إذ لا يزال بإمكان قيادات التنظيم السلفي الجهادي المكابرة والقتال ورفع شعار “الدولة الإسلامية باقية وتتمدّد”.
لا شك أن بداية العام الحالي شهدت مفترقاً مهماً في حياة هذا التنظيم. فلقد تقصّدت العديد من الدول، وخاصة تلك المشاركة في التحالف العربي والدولي لضرب التنظيم، كما تركيا وغيرها، استنزاف التنظيم في معركة قاسية في مدينة كوباني، وإشغاله بها، مع توجيه ضربات جوّية له في عدد من المناطق العراقية والسورية، وفي الوقت عينه تجهيز عمليات برية ناجحة (أو نصف ناجحة) ضده في العراق.
هذه المسيرة القتالية الموجّهة ضد أكثر صيغ الإسلام السلفي تشدّداً أغفلت أربعة نقاط على الأقل تلعب لمصلحة بقاء التنظيم واستمراره:
الأولى هي بقاء النظام السوري، كمشكلة رئيسية مسبّبة لتحويل البلد إلى ملاذات آمنة لكل من هبّ ودبّ وحمَل مشاريع انتحارية، وأراد اللعب أو المشاركة في لعب دور في الصراعات القائمة في المنطقة.
النقطة الثانية هي تواصل الفراغ السياسي الخانق على جبهة المعارضات السورية، وعلى المستوى الإقليمي والدولي، مع إصرار بشار الأسد على عدم التفاوض مع المعارضة إلاّ شكلاً، وإصرار إيران على تسوية ملفاتها مع بقاء النظام السوري ولو كهيكل متكلّس لسلطة لا تتورّع عن قتل شعبها مع كل تراجع في نفوذها.
النقطة الثالثة هي قابلية تنظيم الدولة الاسلامية للتعلّم من تجاربه والتطور عسكرياً. فهو استنتج أن حرب الاستنزاف التي وقع فيها في كوباني لن تصل الى نتيجة، وبالتالي حوّل مساره، وهو يعلم أن الحرب المقبلة لن تكون بسهولة الحرب الماضية، لذا يتحضّر ويعيد تشكيل قواته، وهو لن يتأثر بانشقاق بضعة عشرات من مقاتليه أو أجزاء من مكوناته العرقية المختلفة، فهو تجمّع كبير يضم عشرات من المكونات المختلفة، ولن يضيره بعض التحولات في جسمه. ولن يغير في واقع أموره التحول من منطقة الى منطقة، وتغيير مواقع انتشاره، من شمال سوريا الى شرقها.
بل على العكس من ذلك، يعتبر التنظيم أن إعادة الانتشار بمثابة انطلاقات جديدة. ربما هذا لا يتفق هذا الاعتقاد مع الرؤية الكلاسيكية للتنظيمات المقاتلة، لكن هذا التنظيم الذي يعطي الأولوية لقادته ومقاتليه المهاجرين (الآتين من دول مختلفة) على حساب الأنصار (أهل الأرض الأصليين)، أثبتت التجربة معه في بداية العام 2014، أنه حين تم طرد التنظيم من إدلب وأغلب مناطق شمال وغرب حلب، وانتقل إلى مناطق اخرى، أعطاه ذلك دفعاً إضافياً حين حانت اللحظة للانقضاض على المناطق العراقية خلال أزمة حكومة نوري المالكي، فهو ركّز نفوذه في المناطق الشرقية من سوريا، وانطلق في حملة في العراق، كما في سوريا، لا زالت مفاعيلها قائمة حتى اليوم.
النقطة الرابعة هي الحاجة الدولية لوجود التنظيم، فالعديد من الأطراف الدولية الرئيسية في البركان المفتوح في المنطقة العربية حالياً، يحتاجون لوجود فوضى مشابهة، وصورة قاتمة عن المستقبل الذي يمكن أن يعصف بالمنطقة إذا سقطت الأنظمة القائمة أو تم الإخلال بالتوازنات الهشّة الموجودة في الشرق الأوسط أولاً، والدول العربية ثانياً.
وهذه الحاجة الدولية تفتح ثغرات في السياسة والأمن والتحويلات المصرفية والتجارات النفطية غير المشروعة، وتسمح للتنظيم ليس فقط بالعيش، بل أيضاً بتحقيق طموحه في بناء دولة اسلامية، والتمدد الى مناطق تشهد حروبًا أهلية كليبيا ومصر وغيرهما، ونشر فكرته مدعومة بحاجات دولية ملحّة لتحقيق مكاسب نقطية او موضعية في موجة التحولات في المنطقة وغياب اي وجهة لاستقرار قريب للامور او لايجاد عقود اجتماعية، وتسويات سياسية بين الفئات المحلية المتصارعة.
كل ذلك لا يمكن ان يبشر بنهاية قريبة للتنظيم السلفي الجهادي المتشدد، ولو تم تجريد حملات من العراق، أو من الأردن، او من غيرهما، ولو انتقل التنظيم من منطقة الى اخرى فذلك لن يكون اكثر من اعادة تموضع تساهم في اعادة توزيع قواته للمعارك المقبلة.
سيخسر تنظيم الدولة الاسلامية مرحليا الكثير من مقاتليه، وعتاده، وقياداته، لكنّ نظرة سريعة الى تاريخ هذا التنظيم والرحم الذي خرج منه تؤكّد أنّه سبق أن كان أصغر وأضعف وخسر أكثر لكنه عاد وانتشر كما لم يسبق له أن فعل. ببساطة العلاجات المقدمة لا تنظر الى اصل المرض في منطقة كلها تعيش في حالة انعدام الوزن.
موقع لبنان ناو