الروائية والمناضلة الهندية أروندا تي روي: أخشى أن تحرف الثورات العربية الراهنة عن مساراتها الأصلية
اعداد وترجمة : يقظان التقي
سوزانا أرونداتي روي(مواليد 1961)، كاتبة هندية باللغة الانكليزية، وناشطة فازت بجائزة بوكر عام 1997 عن روايتها “إله الأشياء الصغيرة” وفي عام 2002 فازت بجائزة “Lauan” لحرية الثقافة. كما انها كاتبة لإثنين من السيناريوات وعدد من مجموعات من المقالات. ولكن الأهم انها معروفة كناشطة للعدالة الاجتماعية والاقتصادية.
ولدت ارونداتي في شيلونج في ميغالايا الهند من أم Krealite مسيحية سورية وهي ماري روي الناشطة في حقوق المرأة وأب بنغالي يعمل في زراعته الشاي.
في حوار أجرته معها “لونوفيل أوبسرفاتور” ترد الكاتبة الهندية على مجموعة من الأسئلة التي وجهت اليها كروائية كبيرة تصارع ضد اللاعدالة في بلدها الهند وعن تصورها للعالم وانتقادها للامبريالية الجديدة والنظام العالمي وسياسات الولايات المتحدة الأميركية وسياسات التسلح النووي في الهند ودعمها لنزعة كشمير الانفصالية وذلك الخليط من الامبريالية والديمقراطية. وتبدي وجهة نظر جريئة جداً في موضوع الارهاب والحركات الثورية الجديدة في العالم العربي ورؤيتها لعالم آخر يردم الهوة والفجوة الواسعة في الأغنياء والفقراء.
“إله الأشياء الصغيرة” هي الرواية الأولى، وبالمستطاع تصور يوم استثنائي تعطى فيه دوي جائزة نوبل للسلام أو في الآداب وقد وضعتها روايتها الأول والاخيرة في قائمة النجومية الأدبية بأسلوبها التراجيدي وتلك الواقعية السحرية وبمستوى عال جداً في قراءتها الأشياء التي تكتبها.
ما معنى الهند
بعد نشرها رواية “إله الأشياء الصغيرة” توجهت أنظار العالم الى الهند وبدأ العالم يكتشف “ما معنى أن يكون المرء هندياً؟” “وما معنى الهند” وتعيد تصويب السؤال أكثر في اجاباتها لتقول “ما معنى أن تكون انساناً وتبدي تصوراً آخر للعالم من حولك”؟.
ما تكتبه هو “الواقعية في الحقيقة” وتقارن بكتّاب كثيرين منهم ماركيز وجويس وفوكنر “على الرغم من انني لم أقرأ للأخير من قبل.. لكنني قرأت لكتّاب آخرين من الجنوب الأميركي أمثال مارك توين وهاربر اس.لي.. أعتقد ان العلاقات الانسانية والتقسيمات بين البشر هي الأكثر وحشية ومباشرة”.
على الغلاف الخارجي لروايتها “إله الأشياء الصغيرة” كتبت العبارة التالية” درست فن العمارة وكتبت سيناريوين لفيلمين” وهناك مصادر تقول أنها مدربة “ايروبيك”.
بعد روايتها لم يكف الناس عن سؤالها عما اذا كانت ستكرر التجربة وتكتب عملاً بالمستوى نفسه؟.
الروائية الكبيرة نشرت أخيراً مجموعة أبحاث ومقالات عن الوضع السياسي الدولي” بالانكيليزية وصدرت ترجمتها الحديثة “La Democratie: notes de compagne” بالفرنسية لكلود وايمانويل عن “دار غاليمار” للنشر. الباريسية وهي تشرحها.
في مجموعتها الجديدة المقالية، تعمل روي أكثر على الأسباب الاجتماعية كشخصية مناهضة ضد الامبريالية الأميركية وحركة العولمة منتقدة الامبرياليين الجدد والنظام العالمي وسياسات الولايات المتحدة الأميركية. كما انها تنتقد “الاحتلال الهندي” لكشمير وتعرب عن تأييدها لاستقلال كشمير عن الهند بعد التظاهرات المؤيدة للاستقلال، حيث احتشد لها نصف مليون من الانفصاليين في سري نينغار في كشمير كجزء من ولاية جامو وكشمير في الهند.
الابادة الجماعية
وتحذو روي من عمليات الابادة الجماعية أو ما تصفه “بالحرب العنصرية المفتوحة” على غرار تلك التي ترعاها حكومة التاميل من سريلانكا، أو تلك الفظائع التي ارتكبت أثناء العنف من غوجارت 2002 أو هجمات بومباي والصراع القائم على كشمير.
تعتقد روي بوضوح ان “لا شيء يبرر الارهاب” وهو “ايديولوجيا منزوعة القلب”، كما تحذر من استمرار الحرب في أفغانستان اذ من الصعب “اثبات البرهنة على الهجوم الارهابي وعزله داخل حدود ولاية وطنية واحدة”. هذا يمكن أن يقود الى “سقوط المنطقة كلها في حالة فوضى”.
في العام 2004 واثر حادث “موتاني” في “كيرالا” المحمية الطبيعية، تحركت روي كناشطة اجتماعية وسافرت الى المنطقة وزارت قائد الحركة المعارضة لعملية احتلال الأراضي من قبل الشرطة في سجنه وكتبت رسالة مفتوحة الى رئيس وزراء كيرالا ووزير الدفاع في الهند قائلة: “لديك دم على يديك”.
أمضت أسابيع عدة من شباط 2010 في منطقة معزولة حيث رجال القبائل في قلب غابات “Daudakaranya” في ولاية “Chhatisgarh” يحاربون بالسلاح ضد تلك الشركات العاملة ضد البيئة والطبيعة وتساهم في تصحر الأراضي(…).
تجمع روي بين صيغة التضامن مع من لا يملكون القوة، والتحليل الذكي، القائم على سرد وقائع محددة ومتابعتها بالتحليل وهذا ينطبق على كتبها “نهاية الخيال (1998)، و”ثمن العيش” (1991)، و”علم جبر العدالة اللانهائية” (2011)، و”سياسات القوة” (2001) و”حديث الحرب” (2003).
ارونداتي روي تنتقد اندفاعة أوباما بتوسيع محيط الحروب في آسيا وتقديمه الدعم للحكومة الباكستانية وبتحويلها الى دولة نووية في عصر أزماتها الاقتصادية والاجتماعية وتراجع احتياطاتها النقدية في البنك المركزي الباكستاني الى حدود دنيا في ما يشبه “الدراما البشرية” في دولة نووية تستحق الشفقة الاقتصادية وبالكاد تملك موازنات اجتماعية ولا توفر لها الدروب النووية أي سياسات ثمينة حقيقية.
دعم أميركا لباكستان
روي تنتقد دعم الولايات المتحدة الأميركية للباكستان في ملفها النووي، كما تنتقد أسلوب الرأسمالية الاميركية في ذلك الخليط المتفجر بين الامبريالية والديمقراطية “ففي أميركا صناعة السلاح، وصناعة البترول، وشبكات الاعلام الرئيسة وسياسة أميركا الخارجية تحت سيطرة مجموعة الأعمال هذه، لذلك تسأل هل الممكن مشاهدة أضواء خافتة والأسوار تهمس بنهايات ما للامبراطورية الأميركية” وتطلق عليه “ضوء الديموقراطية الخافت نتيجة لائحة تصرفات الولايات المتحدة الأميركية بشان حرب العراق، كما انتقدت روي زيارة الرئيس السابق جورج بوش للهند، حيث أطلقت عليه “مجرم حرب” وحيث لا تبدي سروراً بوصول أوباما الى البيت الأبيض.
الثورات
وحول نظرتها ورؤيتها للثورات العربية في تونس ومصر وليبيا؟ تقول روي (التظاهرات تبرهن عن واقع جريء وشجاع تعيشه المجتمعات الشابة العربية، ولكن أعتقد أن خلف هذا الواقع أشياء أخرى، لعبة دولية ما، وأخشى على هذه الطاقة التقليدية الكبيرة أن يصار الى حرف تلك الطاقات الثورية عن مساراتها الشعبية لصالح استخدامات أخرى غير الأشياء المرسومة لها بالأساس. وحين اقرأ في الصحف والاعلام من مثل “مصر حرة” والمجلس العسكري الأعلى أمسك بالسلطة” لا أتمالك نفسي من الابتسامة! وكلنا يعرف أن العسكر في مصر والادارة الأميركية يمشيان يداً بيد.
الرئيس السابق حسني مبارك، خلص كان! لم يعد “سكوب”، كان مريضاً ويقترب من النهاية. العملية الانتقالية كانت مغامرة، خطراً أو مجازفة ما، لا تحب اعطاء القليل من الهواء للشعب المصري قبل أن توثق أواصره مع التحولات وتربطه جذرياً بعملية الانتقال الى الديمقراطية. ثم من دون مصر لا تستطيع إسرائيل أن تنظم المعابر مع غزة.
هل تقبل الولايات المتحدة الأميركية بذلك؟ عندما تعلق الميديا الاعلامية الغربية عن الثورات بكثير من الاحتفالية والحماسة، هذا يقلقني كثيراً. بعد ذلك ماذا تنتظر انتفاضة فلسطينية، شاهدنا مقتل اعلاميين في “الكونغو”.
على مدى سنوات، سارت في شوارع كشمير مظاهرات ضمّت مئات الآلاف مطالبة بالاستقلال والانفصال عن الهند، والسلطات الهندية من بعيد حافظت على تماسكها وهدوئها. الشجاعة تصنع هناك في الصحافة الغربية أكثر.
الارهاب العالمي
بشأن الارهاب العالمي، هل تعتقدين أن الأمور ستتفاقم في المستقبل؟.
(مع تزايد الفجوة بين الأغنياء والفقراء تتزايد المعركة للسيطرة على الموارد، وتتزايد السيطرة الرأسمالية، والعولمة الرأسمالية تجد نفسها في حاجة الى اتحاد دولي من الحكومات السلطوية وبالارتكاز الى لغة رأسمالية السوق. صواريخ، طائرات للحروب، طائرات هيلكوبتر، قنابل ذرية، المال، البضائع والعلاقات التجارية، والخدمات من دون أن ينطبق ذلك على حرية حركة البشر، ولا احترام حقوق الانسان ولا الاتفاقات الدولية الخاصة والتمييز العنصري أو الأسلحة الكيميائية والنووية أو التغيرات المناخية أو العدالة.. بل هو التراكم الفج لمصادر القوة والسيطرة، وتلك الفجوة شديدة الاتساع بين صانعي القرارات من ناحية وبين من يعانون من تلك القرارات من ناحية ثانية.
يبلغ تعداد سكان الهند 800 مليون نسمة، كثافة سكانية كبرى تعيش بأقل من 20 روبية في اليوم، فيما السلطة تنفق المليارات لشراء أسلحة من هذا النوع.
في باكستان الشيء نفسه، اقتصادات ضعيفة جداً ومتعثرة والسؤال هل لتلك الأسلحة النووية فاعلية تذكر في مواجهة الارهاب والتهديد الارهابي؟
بالعكس هذا يعطل اعادة الهيكلية البنيوية ويحدّ من دعم التنمية الريفية الزراعية والطاقة والنقل والصحة العامة. وتخلي الدولة عن دورها الرعائي التقليدي والأموال التي تصرفها على الحاجات الاجتماعية لا تمثل سوى الجزء اليسير من المبالغ التي تقطع من الموازنات المخصصة لشراء مثل هذه الأنواع من الأسلحة، والمحصلة عجز وخفض كبير في النفقات الحكومية، ما يعني فراغ تتركه الدولة كأرضية لظواهر خطرة تزاول أعمال الارهاب والانتقام في الداخل وضد شعوب العالم”).
في التحليل النهائي ترى روي أن أسلوب الرأسمالية الأميركية هو الجاني، وهو نقد للسياسات النووية للحكومة الهندية وتضيف: لقد “شاهدنا أحداث مدينة مومباي 2008 والمجموعة الانتحارية التي وضعت البلد بكامله لأيام على ركبتيه.
هجمات مومباي لا يمكن النظر اليها بمعزل عن غيرها، ولكن يجب أن تفهم في سياقها على نطاق واسع من تاريخ المنطقة والمجتمع مثل انتشار الفقر وتقسيم الهند، والفظائع التي ارتكبت من غوجارت 2002 والصراع القائم على كشمير.
مع ذلك لا شيء يبرر الارهاب.. هل مزاعمكن مشاهدة حلول أو التفكير بحلول ما، ان هدفنا ومعركتنا ورؤيتنا “لعالم آخر”، خالٍ من الارهاب يجب أن نقضي فيه على تلك الفجوة والعدالة هي أكثر ما نحن نحتاج اليه”).
المستقبل