السابقة الليبية تتكرر سورياً؟
عبد الباري عطوان
كنا نخشى ان يستخدم النظام السوري الفيتو الروسي ـ الصيني المزدوج كرخصة لتصعيد عملياته العسكرية ضد المدنيين، وبعض الوحدات التابعة للجيش السوري الحر، ويبدو، ومن خلال متابعة الاحداث في مدينة حمص وضواحيها ان ما كنا نخشى منه قد وقع، وان عشرات القتلى سقطوا يوم امس فقط برصاص الجيش، بعضهم من الاطفال.
المتحدثون باسم النظام يبررون اعمال القتل هذه بأنها تأتي كرد على هجمات للجيش السوري الحر ووحداته، ومحاولة لفرض هيبة الدولة وسلطتها على المناطق التي باتت خارج سيطرتها، مثلما حدث في الزبداني وحرستا ودوما ومناطق اخرى في ريف دمشق، ولكن هيبة الدولة لا يجب ان تستعاد او تترسخ على حساب الابرياء، فالمراسلون الأجانب الذين دخلوا مدينة حمص في الخفاء تحدثوا عن عمليات قتل للمدنيين، سواء بقصف الجيش ودباباته، او قوات الميليشيات التابعة للنظام.
الأزمة في سورية تتفاقم، والحلول السياسية التي من المفترض ان تتقدم على الحلول الأمنية باتت ابعد من اي وقت مضى، بسبب حالة الاستقطاب الدولي حول سورية، وتصارع القوى العظمى فيما بينها حول اقتسام مناطق النفوذ، واستخدامها، اي الأزمة السورية، ذريعة في هذا المضمار.
السيد رجب طيب اردوغان رئيس الوزراء التركي عاود نشاطه السياسي مجددا على صعيد الملف السوري، واوفد وزير خارجيته احمد داوود اوغلو الى واشنطن، وسط احاديث رسمية تركية عن انشغاله، اي السيد اردوغان، بصياغة مبادرة تركية جديدة تتمحور حول الدعوة لمؤتمر دولي لبحث الأزمة السورية.
المبادرة التركية الجديدة تتزامن مع تطورين رئيسيين: الاول يتمثل في نوايا امريكية اوروبية لاقامة مناطق حظر جوي في سورية، تلعب تركيا رأس الحربة فيها، باعتبارها عضوا في حلف الناتو، والثاني ما تحدث عنه الرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي من افكار حول تشكيل ‘المجموعة الدولية لأصدقاء سورية’ تضم الدول الثلاث عشرة التي صوتت لصالح المشروع العربي ـ الاوروبي في مجلس الأمن الدولي وعرقلة الفيتو الروسي ـ الصيني المزدوج، علاوة على دول عربية واوروبية ومن بينها تركيا.
المجموعة الدولية الجديدة لأصدقاء سورية (التي دعت امريكا لعقد اجتماع لها قريبا) هي الصيغة نفسها، ومن الدول نفسها، التي خططت واشرفت على التدخل العسكري في الأزمة الليبية، وجرى حلها بعد ان انجز حلف الناتو مهمته بتغيير النظام في ليبيا، وتنصيب المجلس الوطني الليبي المؤقت مكانه.
نتذكر هنا كيف ادى تقدم الدبابات التابعة للعقيد معمر القذافي باتجاه مدينة بنغازي لارتكاب مجزرة ضد المحتجين الليبيين فيها، وتصفية وحدات الجيش الليبي المنشقة بقيادة اللواء عبد الفتاح يونس وزير الداخلية السابق في نظام القذافي (اغتيل لاحقا على ايدي وحدة من الثوار في ظروف غامضة) لإعطاء الرئيس الفرنسي ساركوزي ومسؤولين غربيين آخرين، علاوة على السيد عمرو موسى امين عام جامعة الدول العربية السابق، الضوء الاخضر لطائرات فرنسية واخرى بريطانية للتدخل عسكريا وقصف رتل دبابات القذافي وتدميرها، تدشينا وفرضا لمنطقة الحظر الجوي.
‘ ‘ ‘
مدينة حمص السورية قد تلعب دورا مشابها لدور مدينة بنغازي الليبية، واعمال القتل التي ترتكبها قوات النظام حاليا تحت عناوين مواجهة المسلحين واعادة سلطة الدولة وهيبتها قد تكون الغطاء لإقامة المنطقة العازلة، او الممرات الآمنة التي تطالب بها المعارضة السورية وتلح في طلبها لإنقاذ المدينة من المجازر وعمليات ‘التطهير العرقي’، على حد وصف السيد رياض الشقفة، المراقب العام لحركة الاخوان المسلمين السورية.
تركيا تستعجل عقد المؤتمر، الذي تقول التفاصيل القليلة التي تسربت حوله، انه سيعقد على مرحلتين او اكثر، الاولى منه لأصدقاء سورية، والثانية بحضور اطراف اخرى، ربما الصين وروسيا، ولكن المرجح انه سيكون مؤتمرا من مرحلة واحدة، بالنظر الى تصريحات السيد اردوغان الشرسة ضد ما وصفها بالمجازر التي يرتكبها النظام السوري في حمص، والتي قال انها لن تمر دون عقاب.
الفرق بين المجموعة الدولية لانقاذ ليبيا ونظيرتها المجموعة الدولية لأصدقاء سورية (لاحظوا ان كلمة الانقاذ غابت في الصيغة الثانية) كبير وشاسع، فالاولى كانت مدعومة بقرار اممي رقم 1973 ، صادر عن مجلس الامن الدولي، يبيح استخدام جميع الوسائل لحماية المدنيين، الأمر الذي ترجمته واشنطن وحلفاؤها على انه يبيح تغيير النظام الليبي. اما المجموعة الثانية بشأن سورية فتصطدم بفيتو روسي ـ صيني مزدوج يعارض التدخل العسكري وفرض اي عقوبات اقتصادية على سورية يمكن ان تؤّل تأويلات تفتح الباب امام اي تدخل خارجي.
روسيا والصين ستقاومان اي تدخل عسكري، وستحاولان منع اي توجه لتغيير النظام في سورية بعد ان خسرتا الكثير، اقتصاديا واستراتيجيا، من تغيير النظامين العراقي والليبي، لأنهما تدركان جيدا ان الحرب العالمية الثالثة المرشحة للانفجار في اي لحظة وستكون ايران محورها، حسب تصريحات هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكية الاسبق ستتمحور حول النفط، واحتلال سبع دول اسلامية، وتوسع عسكري يضاعف حجم اسرائيل عدة مرات.
الموقف الروسي ـ الصيني في مجلس الامن لم يأت حبا في الرئيس بشار الاسد، ولا حتى سورية نفسها، فليس فيها نفط او غاز، ولا نعتقد ان البلدين يهمهما مخزونها من الفستق الحلبي، كما انه ليس من اجل القاعدة البحرية الروسية في طرطوس، فالصين التي اصرت على استخدام الفيتو في مجلس الأمن، ليست لها اي قواعد عسكرية في سورية، الموقف الروسي ـ الصيني جاء لاعتبارات استراتيجية يقف على رأسها وقف التغول العسكري الامريكي الاوروبي، ومسلسل تغيير الانظمة بالقوة، خوفا من تفجيرهما من الداخل، فالبلدان يضمان اقليات عرقية متمردة مثل الايغور المسلمين في الصين والشيشان وداغستان في روسيا وغير ذلك.
‘ ‘ ‘
النظام السوري بتصعيد العمل العسكري في حمص وتحويلها بذلك الى بنغازي ثانية، في تواصل لمسلسل اخطائه الكارثية وقصر نظره السياسي والاستراتيجي، ربما يقدم خدمة لأعدائه من حيث تسهيل مهمة المجموعة الدولية لأصدقاء سورية التي ما زالت ‘نطفة’ حتى الان.
بقي ان نقول مرة اخرى ان سورية ليست مثل ليبيا، حيث تختلف الظروف والمعادلات الدولية، فليبيا كانت معزولة بدون اي اصدقاء، اما سورية فتنتمي الى مجموعة اقليمية قوية تتزعمها ايران، وتضم حزب الله اللبناني وقسما كبيرا من العراقيين، وتسندها قوتان عظميان هما الصين وروسيا، ولذلك لا نعتقد ان مهمة التحالف الجديد ضدها ستكون سهلة.
الجميع يتحدث عن اطاحة النظام في سورية وتغييره، وهذا امر مفهوم، ولكن لا احد يتحدث عن المستقبل في سورية بعد اطاحة النظام، وخاصة في صفوف المعارضة، الا تستحق هذه القضية بعض الاهتمام حتى لا تصبح سورية الجديدة في حال قيامها اسوأ حالا من نظيرتها الليبية؟
سؤال مشروع نطرحه في السياق نفسه وهو اين محمود جبريل وعبد الرحمن شلقم وعلي الترهوني، الذين كانوا وراء تدخل الناتو في ليبيا ومن اشد انصاره، ويشاركون في كل اجتماعات التواصل الدولي بشأن ليبيا؟
القدس العربي