السوريون يستبسلون، ويحتاجون الدعم
فتحي بن سلامة وجاك مامو (لوموند)
ترجمة: مدني قصري
ما انفكت سورية تحصي موتاها ومفقوديها. والقمع الوحشي والمخيف الذي يمارَس بلا هوادة، وبالسلاح الثقيل أحيانا، ضد متظاهرين مسالمين، بات اليوم أمرا لا يطاق. وقد تحدثت التقارير عن اكتشاف مقابر جماعية، وهناك لاجئون يصلون اليوم إلى لبنان، فارين من اندلاع العنف الوحشي الذي يمارسه نظام البعث. ولذلك، بات ترهل وفتور ردود الفعل الدولية أمام هذه الأحداث أمراً غير مقبول.
فقرارات مجلس الأمن التي دانت النظام السوري، ما لبثت أن جمدتها الحكومتان الروسية والصينية. ومع ذلك، فإن الاعتقالات وقصف المدنيين، عندما تأتي بموجب سياسة مخططة -وليس ثمة شك في هذا الشأن- قد تشكل جرائم ضد البشرية. وفي هذا الوضع ما يبرر قيام مجلس الأمن بتقديم التماس في هذا الشأن إلى محكمة الجنايات الدولية.
كان مجلس حقوق الإنسان، التابع لمنظمة الأمم المتحدة، هو وحده الطرف الذي ندد بالقمع الذي يمارسه النظام السوري على شعبه. والحال أنه، على عكس ليبيا، لم يتم استبعاد سورية من هذه الهيئة. لذلك ينبغي العمل على استبعادها من هذه الهيئة من دون تأخير. أما هيلاري كلنتون التي حيّت قبل وقت قصير شخص الرئيس السوري بوصفه “الرجل المصلح”، ثم الرئيس ساركوزي الذي استضاف بشار الأسد في يوم 14 تموز (يوليو)، فينبغي عليهما أن يضعا هذه المسألة على جدول الأعمال على وجه السرعة. وهما معرّضان لحكم قاس من قبل الرأي العام العالمي، ومن التاريخ، فيما يتصل بتهاونهما إزاء نظام يجلد شعبه!
لقد قررت الولايات المتحدة الأميركية، والمجتمع الأوروبي، تجميد أصول بعض كبار الشخصيات في النظام السوري. والغريب أن الرئيس السوري غير معني بهذا الإجراء، ولا الأشخاص الذين يمارسون القمع؛ أمثال وزيري الدفاع والداخلية. فلماذا يتم إعفاء المسؤولين الكبار عن الهمجية في سورية؟
وفي هذه الحالة، كيف يمكن الاستمرار في إقامة علاقات طبيعية مع نظام يضحّي بشعبه؟ ينبغي للدول الديمقراطية، على الأقل، أن تستدعي سفراء سورية للمطالبة بوقف العنف، ولفرض عقوبات جادة. أما تصريحات السفير الفرنسي في سورية في شهر نيسان (أبريل) التي تبنت الدعاية التي يروجها حزب البعث، والتي لا تستبعد “ضلوع أياد أجنبية وراء المظاهرات”، فتصريحات مرفوضة وغير مقبولة. وهي تذهب أبعد بكثير من التصريحات التي أدلت بها ميشيل إليوت ماري؛ وزيرة خارجية فرنسا السابقة، حول الانتفاضة التونسية.
في المدن المحاصرة، أو التي داهمتها الدبابات وقوات الجيش، يعيش المواطنون في كوابيس مرعبة. فقد انقطعت عنهم الكهرباء والغاز، وكذلك الماء أحياناً، ناهيك عن أن المؤن الغذائية والدوائية التي تشهد نقصا ملحوظا. فيما الجنود والميليشيات يضربون ويقتلون ويرهبون السكان. ولذلك، يطالب الصليب الأحمر محقاً بوصول المساعدات الإنسانية إلى مدينة درعا من دون قيد أو شرط. وعليه، يجب على المنظمات الإنسانية الكبرى أن تكثف هذا المطلب وتسانده لفائدة المدن كافة التي يقع عليها القمع، مثل حمص وبانياس.
وفضلاً عن أعمال قصف وقتل المتظاهرين، هناك حالات عديدة من “الاختفاء” التي تثير مخاوف ومكامن قلق قوية. وهناك المئات من ناشطي حقوق الإنسان، ومن السياسيين، ممن تم اعتقالهم. ولذلك ينبغي على الدول الديمقراطية أن تساند وبقوة المحامين، والمنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان، الذين يطالبون بالالتقاء بهؤلاء الأشخاص من أجل إنقاذهم من التعذيب والموت.
لا بد من توجيه كل التحية لبطولة المتظاهرين السوريين الذين يطالبون بالحرية، وبوضع نهاية لنصف قرن من دكتاتورية العائلة التي تحكم البلاد. لكن الشجاعة والبطولة وحدهما لا تكفيان لمواجهة العنف الوحشي الذي يمارسه نظام شرس وبالغ القسوة. وقد قدم المجتمع المدني مبادرات كثيرة، مثل النداء الذي وجهه الفنانون السوريون، وآن الأوان لكي يدعمهم ويساندهم نظراؤهم الفنانون في العالم أجمع، وليس السينمائيين فقط. فالأمر ملح، ولا شك!
*نشر هذا المقال تحت عنوان: L’héroïsme des Syriens appelle notre soutien
كلنا شركاء