السويداء:من تجميد”الخدمة الإلزامية” إلى منع”الاعتقال السياسي”/ همام الخطيب
اعتصم العشرات من أبناء محافظة السويداء، خلال اليومين الماضيين، أمام مبنى “قيادة الشرطة” في السويداء، للمطالبة بإطلاق سراح الناشط السياسي جبران مراد، الذي اعتقل في 9 حزيران/يونيو، من قبل حاجز لفرع “الأمن السياسي” في مدينة السويداء، على خلفية نشاطاته السياسية في الثورة السورية.
ومراد، كان قد اعتقل سابقاً ثلاث مرات منذ العام 2011، من قبل الأجهزة الأمنية، وبعد تضييق الخناق عليه خرج إلى محافظة درعا ومنها إلى الأردن، وعاد مؤخراً إلى محافظة السويداء.
وسبق الاعتصام أمام مبنى “قيادة الشرطة” قيام “رجال الكرامة”، وتحديداً “بيرق العز” و”بيرق الفهد”، وأقرباء المعتقل، بأسر عناصر وضباط أمن. ولم تتوقف عمليات الأسر إلى الآن، بغية تدعيم الموقف في التفاوض لإطلاق سراح مراد. وبلغ عدد الأسرى من القوى الأمنية 15 عنصراً منهم ضابط برتبة مقدم وصف ضابط، وسط معلومات عن إطلاق سراح الضابط من دون التحقق من الأسباب. وترافق الاعتصام مع إطلاق المعتصمين النار في الهواء، وإشعال الإطارات أمام مبنى “قيادة الشرطة”، والتهديد باقتحامه بقوة السلاح وأسر قائد الشرطة.
وتعاملت القوى الأمنية مع الأحداث ببرود شديد ولم تتخذ خيار المواجهة، بل سعت للتهدئة عبر “مشايخ العقل” وبعض الزعامات التقليدية، وقدمت الوعود بإطلاق سراح المعتقل. كما نشرت الفصائل التابعة لها، والمشكّلة من أبناء محافظة السويداء، في المدينة، لتفتعل صداماً بين أبناء المحافظة، من معتصمين وفصائل، إن تصاعدت الأحداث إلا أن هذا لم يحدث إلى الآن.
الوعود المتتالية “الكاذبة” التي قدمتها القوى الأمنية بقرب إطلاق سراح مراد، أججت الموقف في مدينة السويداء، ودفعت المحتجين إلى أسر المزيد من العناصر الأمنية، ورجحت خيار المواجهة لدى المحتجين، إلا أن دعوات السلم الأهلي ما زالت تلقى آذاناً صاغية إلى الآن.
وسبق أن شهدت محافظة السويداء اعتصامات مشابهة، لكن على خلفية اعتقال مطلوبين للخدمة العسكرية، وغالباً ما كانت الأجهزة الأمنية تطلق سراحهم فوراً، وذلك منذ عام 2015 عندما تشكل شبه إجماع شعبي على رفض الخدمة الإلزامية إلا من يريد تأديتها وفق رغبته. وكان لحركة “رجال الكرامة” دور كبير في تثبيت الظاهرة وحمايتها وتعميقها، ما أدى إلى امتناع أكثر من 30 ألف مطلوب وفار عن الالتحاق بصفوف قوات النظام.
سارعت الشبكات الإعلامية التابعة للقوى الأمنية في المحافظة إلى وسم المعتقل جبران مراد، بـ”الإرهاب” وزعمت انتماءه إلى “جبهة النصرة” والجماعات “التكفيرية”، ووصفت الحراك الشعبي لاطلاق سراحه بـ”المشبوه”، وأنه تنفيذ لأجندات تدفعها وتدعمها قوى من خارج المحافظة. كما أشاعت ماكينة النظام الإعلامية أن المعتصمين أحرقوا مبنى قيادة الشرطة ويريدون تخريب الممتلكات العامة ومؤسسات الدولة وإشاعة الفوضى وخرق السلم الأهلي في المحافظة.
ويرى ناشطون في الاحتجاجات الأخيرة خطوةً غير مسبوقة في طريق كسر هيبة السلطة وخلق “توازن رعب” مع الأجهزة الأمنية، ما قد يحد من ممارساتها القمعية والتعسفية، ويجعلها تفكر مليّاً قبل أن تقوم بهذه الممارسات. بينما يرى آخرون أن السلطات الأمنية سوف تستثمر بهذه الأحداث وتخلق مزيداً من الفوضى في المحافظة، وقد تزج بأبناء المحافظة في مواجهة بعضهم. كما أن تلك الأحداث قد تدفعها إلى الخروج من مأزقها الذي يتجلى بعدم قدرتها على بسط الأمن في المحافظة وتغول المليشيات عليها وعدم قدرتها على ضبطهم وضبط عمليات الخطف والسلب والنهب والقتل والفوضى. ذلك الواقع الذي ساهمت في ترسيخه وتغذيته ليبقى “غولاً” في مواجهة المبادرات الأهلية والحراك المجتمعي، إلا أن “السحر قد ينقلب على الساحر”. وقد تكون الأحداث الأخيرة فرصة الأجهزة الأمنية لتعليق فشلها في ضبط الفوضى ومكافحة الجريمة على شماعة “الأيادي الخفية” التي تلعب بأمن المحافظة وتهددها؛ أي إن المعارضة الموسومة دائماً من قبل السلطة بـ”العمالة” لجهات دولية وخارجية هي المسؤولة عن تلك الفوضى، وبالتالي تكون تلك الأحداث فرصة للقوى الأمنية لتنفيذ المزيد من التفجيرات والاغتيالات وإلحاق مسؤوليتها بالمعارضة و”رجال الكرامة”، والتي تسعى جاهدة لتصفيتهم وسحب سلاحهم منذ تفجيرات أيلول/سبتمبر 2015.
الأيام القليلة القادمة سوف تقرر مجريات الأحداث في المحافظة؛ فإذا رضخت الأجهزة الأمنية لمطالب المحتجين وأطلقت سراح المعتقل السياسي سيكون هذا كسراً لهيبتها وإرادتها وهو بعيد عن طبيعتها الأمنية المتصلبة و”عنجهيتها”، ومرده إلى عدم رغبة الأجهزة الأمنية بالمواجهة حالياً ضمن محافظة السويداء، وإبقائها محافظة “آمنة”، ريثما تتفرغ لها. وإذا تعنتت السلطة في إخراج المعتقل مراد، ستدفع المحتجين إلى المزيد من التصعيد، وهو ما يبرهن على أنها قد حسمت خياراتها في المواجهة مع “رجال الكرامة” والمحتجين، وضرب المعارضة و”رجال الكرامة” في آن واحد.
المدن