الشعب يريد إسقاط… «الإعلام المغرض»
حازم سليمان
يبدو أنّ الإعلام الرسمي في سوريا مصرّ على ممارسة الدور السلبي الذي لا يقلّ إرباكاً للرأي العام عمّا بات يُطلِق عليه «الإعلام المُغرض». مع محاولاتنا الإنصات إلى هذا الإعلام تجاوباً مع الدعوات المطالبة بعدم الانسياق وراء «الإعلام المغرض» ــ وجحافل شهود العيان الذين تلجأ إليهم وسائل الإعلام المختلفة نظراً إلى عدم السماح بوجود إعلامي خارجي وربما داخلي في أرض الحدث ــ سيتكشّف لنا ما يكفي من الإخفاقات التي تؤكد عدم قدرة هذه المؤسسة أو على الأقل أصحاب القرار فيها على التعامل مع أزمة داخلية من العيار الذي تعيشه سوريا حالياً. ى مدى أكثر من ثلاث ساعات ـــــ وهي المدة التي استطعت فيها احتمال صعوبة المتابعة ـــــ كانت إحدى مذيعات الإخبارية السورية تُطل بين الحين والآخر بخبر عاجل تتحدث فيه عن «تحوّل الحراك الشعبي السوري ومطالبه المشروعة إلى فتنة طائفية». لا ندري من هو صاحب هذا القرار الإعلامي الذكي وراء الإصرار على تمرير عبارة «الفتنة الطائفية» بين حين وآخر، من دون أن يدرك أثرها البشع في النفس، وما يمكن أن تخلقه من حالة تجييش لا في مواجهة الطائفية بل في تصديق وجودها حقاً. كانت الصور التي بثها هذا الإعلام ـــــ على الأقل للمقيمين خارج سوريا ـــــ سوداء ومرعبة. حالة خوف حقيقية انتشرت، خصوصاً مع أخبار عن دخول إحدى الفرق العسكرية إلى اللاذقية. مع العلم أنّ الجيش لا يتدخل إلا حين تكون الأمور قد وصلت إلى حدود خطرة. يبدو أنّ هذا الإعلام الفاقد لبوصلته والذي خرج علينا بمزيد من الصور والتقارير عن حشود بشرية تعبّر عن فرحها الغامر بالقرارات التي أصدرها الرئيس بشار الأسد الخميس الماضي، يواصل خلط الأوراق ولعبة الاسترضاء وضرورة خروجه بمظهر لا يعرّض المسؤولين عنه لأي مساءلة من أي نوع. لا شك في أن هذا النوع من الإعلام أكثر خطورة من أي مؤامرة يشير إليها. هذا الإعلام يقدم إساءات يومية لأناس من دون أجندات، بل لديهم فقط مظالم ومطالب. الناس اليوم أمام جدل متشعّب وله أكثر من نتيجة تصب بمجملها ضد الدولة وهي على الشكل الآتي: إما أن تكون هناك محاولة التفاف على حراك شعبي مطلبي بدأت تتسع دائرته في سوريا من خلال تحويل هذا الحراك إلى فتنة، وبالتالي التصدي لها من خلال قوى الجيش والأمن الذي سيخرج منتصراً وفي مظهر البطل والمخلّص، وهو الأمر الذي يبرر استمرار سطوته إلى ما شاء الله من السنين، أو أنّ هذا الأمن بكل قوته وتجذّره في الحياة السورية بات عاجزاً عن ممارسة دوره في فرض الأمن ومنع محاولات الإخلال بأمن البلد قبل وقوع البلاء لا بعده. فهل يعقل أن تكون هناك مؤامرة في هذا الحجم منطلية عليه ولا يراها؟ هذا يقودنا إلى المبررات التي تجعلنا نؤمن به وبدوره. إن محاولة الإعلام السوري التأكيد أنّ هذه «الشلل من الزعران» قادرة على خلق فتنة طائفية في اللاذقية وطرطوس وغيرها من المحافظات، فيه مذمة غير مباشرة للنظام نفسه وللإعلام اللذين لم يستطيعا خلال كل السنوات الماضية، إنتاج مجتمع مدني غير معني بالطائفة ولا تحرّكه النعرات الدينية. هذا الكلام ينسف بنية التعليم، والاقتصاد، والمجمتع عموماً، ويفضي إلى حالة الفراغ المجتمعي والسياسي الذي تسبّب فيه هذا الأمن بعد محاربته النخب الثقافية، وتمييعه لدور النقابات، ومؤسسات المجتمع المدني، والشخصيات السياسية والثقافية الواعية ذات الصوت المسموع والمؤثر في الناس. لم يعد وارداً ـــــ بأي شكل من الأشكال ـــــ ترك هذا الإعلام يمارس استخفافه بالناس الذين يجدون أنفسهم مجبرين على تقصّي الحقائق والمعلومة من آلاف الوسائل الأخرى المتاحة. من غير اللائق اليوم ترك كل ما يحدث داخلياً وتجييش الوقت لصور وتقارير تريد إثبات أنّ الناس يحبّون الرئيس بشار الأسد، وهو محبوب بالفعل ولا يحتاج إلى كل هذه التأكيدات. الناس لا يزالون مؤمنين بالرئيس، ويراهنون عليه في إنجاز مشروعه المدني الذي يبدو أنه يواجَه بتعطيل وتبطيء وتشتيت.. لا من بطانة لا تزال تفضّل الحمام الزاجل ـــــ وليس الانترنت ـــــ في التعامل مع الرسائل وإنجاز الحلول، بل أيضاً من إعلام عاجز عن التقاط مئات الإشارات المطلبية والتعاطي معها بمسؤولية حقيقية وتاريخية.
الأخبار