الشعب يريد إسقاط الأحزاب
خليل كالو
خمسون عاماً من البيانات الباهتة والكلام الإنشائي والحجج والذرائع والزعم بأنهم ممثلون حقيقيون للشعب الكردي( مع فائق الاحترام والتقدير لكل من قدم شيئا لهذا الشعب أيا كان ومن أي حزب ) وإذا بهم فجأة في الفخ من حيث لم يحتسب والآن هم في هرج ومرج وهروب دائم من مسؤولياتهم لا يعرفون ما يفعلون والشعب الكردي ينتظر منهم ترجمة الأقوال إلى أفعال في هذه اللحظات الحساسة والمفصلية من تاريخ سوريا حيث بات كل شيء يدار على المكشوف ولم يعد للمراوغة والحيلة والتضليل من مكان أو هناك من أحد له وجدان وضمير يقتنع بأداء وموقف الأحزاب الكردية به سوى من يسعى إلى انتهاز الفرص وركوب الموجة للعوم على حساب آلام الناس وكد الشباب وحراكهم الداعي إلى الحريات العامة والتغيير . لا يزال سلوك وحراك الكثير من الشخصيات التقليدية والنخب الانتهازية والأحزاب الكردية الآن بالمقارنة مع ما تمر به سوريا هذه الأيام من أحداث تاريخية ومع ما قبل هي ذاته دون أن يغيروا ما في أنفسهم قيد أنملة والمتتبع للمشهد السياسي العام والكردي بشكل خاص سوف لن يكتشف شيئا جديدا أو تغيرا ملحوظا وتقدماً نحو الأمام في رؤى ومواقف وتفكير ومنهج العمل ممن يدعي أنهم يعملون في السياسة وربما هذا السلوك قد بدد في ذهن الكثيرين من الناس مباشرة كل الشكوك حيال مواقف ورؤى تلك النخب فيما مضى وقد أصبحت حركة البعض منهم مكشوفاً على الأرض وكل الهالات والدوائر المرسومة من حولهم قد أزيلت من تلقاء ذاتها وانكشفت عوراتهم بعد هبوب رياح الشارع السوري والآن ينتظر البعض منهم الفتات والوعود من النظام ويبحثون على مكان للجحشنة . فلم يكن في مقدور المرء سابقاً الجزم والحكم على سلوك ونوايا هؤلاء بناء على الملاحظات الميدانية والتصورات الشخصية والانطباعات لسنوات التي يمكن من خلالها تكوين رأي وتقييم حول طبيعة هؤلاء الشخصيات وإقناع الرأي العام بنتائج واستنتاجات تلك الملاحظات اعتمادا على ما كان يصدر منهم من سلوك ومواقف وحراك بعيد عن دائرة الكردايتي والسلوك الديمقراطي ولكن بعد أن دخل الجميع “المجتمع والنخب ” في حقل التجربة وميدان العمل الحقيقي والأجواء الساخنة انقشع الضباب وبانت النوايا . فعند المحك انكشف المستور وسقط القناع عن القناع بسرعة كبيرة بشكل لم يكن في الحسبان لدى الكثيرين علما أن البعض من المهتمين بالشؤون الكردية والسورية كانوا ينتظرون مثل هكذا ظروف حتى يبان الكبش من الخروف وثبتت الرؤية الآن .
يوم بعد يوم يدب الذعر والهلع في نفوسهم ويزداد التفكير بالمصالح الشخصية والنظر إلى الخلف لإيجاد سبيل ومخرج آمن ليحافظوا على ماء الوجه أمام المجتمع في نفس الوقت يوفر لهم الأجواء للتصيد في الماء العكر على حساب حراك والآن لم يعد بمقدور المرء رؤيتهم عن قريب واختفوا عن المشهد العام واقتصر تواجدهم في الأماكن الشعبية لا للتعبئة والتنوير بل يجدون أنفسهم مرتاحين فيها وخاصة في مجالس العزاء وبين أربعة جدران صماء بعيداً عن السياسة ومشاكلها وقيام البعض منها عقد لقاءات بينية ( ليالي سمر) تحت عنوان التشاور ومناقشة الوضع الراهن وعقد الندوات وإحياء بعض المناسبات تهرباً من استحقاقات المرحلة في الوقت الذي أضحى المشهد العام سهل القراءة لدى أبسط الناس وبات يفهمه الجميع دون حاجة لمساعدة سياسي الغفلة ولكن لسوء حظ هؤلاء ومع إطالة أمد واستمرار التظاهرات على طول البلاد وعرضها بدؤوا يفقدون التوازن والتخبط في التفكير السليم وكفوا عن التنظير وفبركة الأمور والكذب على من حولهم حيث لم يعد السلوكيات السابقة مجدية في إقناع الناس بما يحملون في رؤوسهم من أفكار ميتة ومبتذلة إلى أن بدأت تلك المخلوقات تطفو على سطح مياه فيضان الشارع كالفلين رويداً رويداً وسقطوا في عيون الناس شر سقوط في نهاية كل يوم مليء بالأحداث والمستجدات والآن قد طفا الكثيرين منهم كالزبد وانكشفت حقيقتهم فإذا بهم أشكال آدمية بلا لب ومزيفون من الطراز الرفيع يتحركون وفقا لمصالحهم الشخصية لتسيس الواقع كما يريدونه هم ويطلبون من الناس أن يصدقوهم بعد أن سار عليهم المثل السوري القائل ” المية تكذب الغطاس ” لا شك الآن أن الأحداث كذبتهم بشكل لا يصدقه العقل ولا التأويل فلم تعط لهم الأحداث المتلاحقة الفرصة الكافية للتفكير وهامش للمناورة كي يستطيعوا الاختباء والقيام بالتضليل كما كانوا يفعلون منذ أكثر من أربعة عقود .
لم يعد الرهان على تخلف الثقافي والمعرفي للمجتمع ممكنا للخداع والمناورة ليسكت الناس على أفعال وسلوكيات ممن أمتهن الزعامة المزيفة على حساب آلام وشقاء الكرد بسبب الثورة التقانية ووسائل الاتصال السريعة ولم يعد درجة تخلف وتفكير وإحساس الناس بنفس السوية والتواكلية كما كان في السابق وبشكل خاص من حيث الثقافة الكردوارية ولا تزال هناك جذوة ضمير ووجدان الكردايتي متقدا وحافزا كبيرا لإحياء روح الشعور بالظلم والاضطهاد القومي والاستعداد للتمرد على الواقع والتفاعل مع ثقافة التظاهر والتحرر من الكثافة الشخصية مما تفاعل شباب الكرد مع الواقع الراهن بجدية ردا على ما كان يعانون من تهميش وسلب الرأي من قبل تلك النخب حيال مستقبلهم فقد كان الكرد يدركون أن هناك خللا بنيويا حاصلا في جسم الحراك الكردي وتنظيمه سببه النخب السياسية التي أصبحت بمثابة إقطاعيات عصرية تبتز وتتجه نحو الاتجاه غير الصحيح وفي غضون مراحل سابقة من وجودها ذاق الكرد من جراء تلك السياسات الشقاق والتشتت وتعرضوا للتقسيم والتجزئة والفوضى والضعف . بحيث وصل منهج التفكير والفكر والرأي والتخبط في العمل الجدي إلى درجة من الدرك وفرضت تلك الإقطاعيات السياسية نفسها كأمر واقع وضرورة لا بد منها.
من أكبر المشاكل المنظورة وما يعانيه الكرد من التشتت وضعف الحراك في المجتمع هو استمرار الأطر الحزبوية بنفس الشخوص ومنهج العمل وبالذهنية المتخلفة وتكريس الخطاب الثقافي اللاتنويري والسلفي الحزبوي المبني على أسس ومناهج و تصورات وخيالات ثبت فشلها في السابق وعقم نتائجها علماً كان لهؤلاء اليد الطولى في تسطير تاريخ فاشل من النضال ولهم تاريخ شخصي وجماعي خاوي من الثمار والآن تدل طريقة تعاملهم مع الواقع الراهن على اضطراب في منهجية التفكير وفي إثارة الفوضى بين الناس والتخبط حين العمل والعشوائية في الرأي والمواقف فكل المسائل التي ناقشتها وتناولتها أجهض السبيل في إيجاد حلول حقيقية لمشاكل الكرد لذا بقيت مجمل القضايا معلقة وتراكمت دون حل من الناحية العملية و اقتصرت الحلول على التشخيص المشوه والتحليل الشخصاني والارتجالي والوعود الفارغة كما أن انعدام الرؤية المستقبلية والدقة في التشخيص وتقدير الأمور كان من أهم سمات وصفات تلك الشخصية مما أشارت عليها أصابع اتهام كثيرة . فعلى الكرد أن أرادوا السير من جديد عليهم إسقاط أحزابهم لأن وجود تلك الأحزاب من عدمها لا يغير من شان الكرد بل أمر ضار لهم أولا والعمل على بناء إطار جمعي شامل لهم ثانيا وإلا لن يكون لهم مستقبل مشرق أبداً .