صفحات الحوار

غطفان غنوم: تراجع الدراما التلفزيونية منجز ثوري

 

 

أجرى الحوار آرام

الاستمرار يكون بهمة طفل

بين الإخراج والتمثيل والكتابة، تتراوح موهبة الفنان السوري غطفان غنوم، هو ابن حمص، الذي عبر يوما ماشيا على قدميه إلى لبنان وهو أحد الناجين من الحرب، والذي شاءت له الأقدار أن ينجو، وأن يصل إلى فنلندا، حيث يتولى الآن إدارة المهرجان الاسكندينافي الدولي هناك. كتب في الصحافة، وعمل في المسرح، وأخرج مجموعة أفلام، ونال مجموعة جوائز، كان آخرها جائزة التحكيم الخاصة في المهرجان المتوسطي للهجرة في المملكة المغربية، عن فيلمه الوثائقي “بوردينغ”.

تكريس الأخطاء

يقول الفنان غنوم متحدثا عن بداياته “اعتقدت بأنني قد أكون كاتبا للقصة كتشيخوف أو للرواية كماركيز أو شاعرا كمحمود درويش، لكن كل ذلك لم يكن إلا وهما مساعدا”. هكذا يتحدث غنوم بثقافة عالية، و بنبرة عميقة، تكشف عن موهبة حقيقية ورؤيا واسعة، وهو الفنان الذي يفاجئك بعبارة لتشيخوف في مستهل حديثه إذ يقول “لا يرتقي الإنسان إلا عندما يلمس بيده حقيقة الحياة التافهة التي يعيشها” ثم يكمل على طريقته “وعليه فأنا شخص يحاول البحث عن الحقائق”.

شغل المسرح حيزا كبيرا من تجربة غطفان قبل تخرجه وبعده عمل في مجال الإخراج السينمائي، وأنجز فيلما سينمائيا ما يزال حتى الآن قابعا في أدراج المؤسسة العامة للسينما في دمشق بعنوان “صور الذاكرة”، كما حقق تعاونا فنيا مع المخرج سمير ذكرى في أحد أفلامه الطويلة، بالإضافة إلى أفلام قصيرة ووثائقية، كما قدم فيلما وثائقيا من مدينته الحمصية “القصير” قبل مغادرته سوريا، إبان المظاهرات الشعبية التي عمت مختلف المدن السورية آنذاك.

يقول ضيفنا “كانت التخبطات كثيرة في تلك الفترة من حياتي، والصعوبات كانت شديدة على شاب لم يزل في مقتبل العمر، خاصة وأن المجال الفني لم يكن مفروشا بالحرير في سوريا لمن لا يمتلك ظلا عاليا، من ناحية ثانية تدرك جيدا أن سوريا وللأسف لا تمتلك حتى الآن ولو كلية واحدة لتدريس السينما، ولم يكن من سبيل حينها لإنقاذ النفس سوى الدراسة في أوروبا”.

وعن نفسه يقول “لا يمتلك الكثير من الأشخاص موهبة التسويق الشخصي لأنفسهم، وأعتقد أنني منهم، ثم إن الحياة الفنية في العالم العربي تفتقر إلى صائدي المواهب وأنا هنا أتكلم عن حالة عامة يجب أن تترافق مع سوق الدراما، كما لا يعني الشركات سوى تقديم المنتج المربح والمضمون، وهم بذلك يكرسون وجوها على مدى سنوات طويلة جدا، وهذا ما يضعف فرص الكثير من الشباب الموهوبين في الظهور، وقد يحبط عزيمتهم”.

لكن غطفان غنوم لم يحبط عزيمته أي شيء، وحتى الحرب لم تستطع أن تقف في وجه موهبته، بل على العكس حرضته وزادت من عزيمته وإصراره. لكنه يرى أنه لا يمكن لأي باحث أن يقيم نفسه، لأن التجربة مستمرة، بل يمكنه فقط أن يقول بأنه يحاول أن يتعلم من فشله الدائم وتجاربه البسيطة، وأن يكرس الأخطاء دوما كمحفز له للاستمرار بهمة طفل. هكذا يتكلم غنوم مضيفا “شخصيا أعتقد أنني أمتلك مشروعي الشخصي الخاص وأحاول أن أبلور خطة واضحة كي أنقل أفكاري عبره، قد يتجسد ذلك في الفيلم الروائي الطويل الذي أرجو ألا يكون بعيد المنال كخطوة أولى”.

وعن اختياره لإدارة المهرجان السينمائي الاسكندينافي يتحدث لـ”العرب” قائلا “خلال عامين مضيا على تواجدي في فنلندا، تعرفت على الكثير من المهتمين بالشأن السينمائي، وتلاقحت الأفكار التي ساعدت على تأسيسي مهرجانا سينمائيا في فنلندا، وقد وفرت السبل اللازمة لتحقيق ذلك، وأعلن عن المهرجان في بداية الشهر الأول من هذا العام، ولا شك أن عضويتي في نقابة السينمائيين الفنلنديين، وتحصيلي العلمي وقدرتي على التكلم بعدة لغات كان لها دور كبير في تأهيلي لهذا الموقع، من الناحية الاستراتيجية للمهرجان أيضا لا تنس أننا ننحدر من ثقافة مختلفة جدا، وهذا سيوفر فرصا أفضل للانتشار في قطاعات قد لا يستطيع الأوروبيون الخوض فيها بنفس الرشاقة”.

الثورات التي قامت في أكثر من بلد عربي، كان عليها أن تطيح بالفساد الفني والدرامي بقدر ما يجب عليها أن تطيح بالأنظمة

سلسلة متصلة

يعتبر المخرج غطفان غنوم أن الفن هو خلاصة الروح التي يسعى الفنان إلى نشرها في العالم، مضمنا إياها كل وجدانياته وخبراته وأفكاره وطرائقه في فهم الأشياء، ثم يشرح مخرج فيلم “قمر في سكايب” الذي نال جائزة التميز في مهرجان هوليوود الدولي للأفلام المستقلة، أن الثورات التي قامت في أكثر من بلد عربي، كان عليها أن تطيح بالفساد الفني والدرامي بقدر ما يجب عليها أن تطيح بالأنظمة، ويضيف “لو رجعنا إلى قولة الشيخ الكواكبي بأن الاستبداد والتخلف هما أهم أسباب انحطاط المشرق العربي لاستطعنا القول بأن الكثير من الأعمال الدرامية العربية كانت مثالا وخلاصة لهذا التخلف، الدراما التي قدمت في الفترات المتأخرة قبل اندلاع الثورات كانت متماشية في رداءتها مع رداءة الواقع، أما خلال الثورات فإن تراجع الدراما التلفزيونية هو منجز ثوري بحد ذاته”.

كما يشير غنوم إلى أن من قام بالثورات وأشعلها لم يكن تلك الفئة القليلة التي كانت تتصدر المشهد الثقافي عموما أو الفني خصوصا، فتلك الفئة لم تكتف بالصمت حيال ما جرى من قمع للثورات على يد الأنظمة، بل سعت لمساندة البطش العسكري ببطش فني يشوه ويسيء لحقيقة ما يجري.

يتحفظ ضيفنا على مفردة العالمية، ومع ذلك يعتبر أن السينما السورية رغم كل ما تعانيه على مدار سنوات طوال، استطاعت أن تطرق باب العالمية، ويذكر أسماء أفلام مثل “أحلام المدينة” لمحمد ملص، وفيلم “نجوم النهار” لأسامة محمد، و”الفهد” لنبيل المالح. ويعتبر أن مخرجي تلك الأفلام لم يقلدوا الآخرين، ولم يصنعوا أفلاما كي يقال إنها أفضل من أفلام الآخرين، فهؤلاء، في رأيه، امتلكوا القدرة على تقديم كل ما تمكنوا من ذواتهم المستترة، وهذا هو السر وراء العالمية.

كما يرى المخرج أنه لم يعد من السهولة بمكان تطويق المشكلة الثقافية العامة، لأن أي ملف من ملفاتها سيحيلك رغما عنك إلى ملفات غيرها، حيث يقول “نحن أمام سلسلة من الأزمات المتصلة، الطبيعي أن تحل الأزمات حلقة حلقة، لكن في مجتمعاتنا يصعب ذلك”.

أما مشكلة السينما العربية فيلخصها بقوله “مشكلتنا هي الارتهان للأنظمة، ولمتطلبات السوق، وافتقار القائمين على الصناعة السينمائية إلى الوعي بأهمية الفن السينمائي، إضافة إلى افتقار صناع الأفلام إلى الحرية الكافية للتعبير، وخضوع الكثيرين منهم لضغوط العادات الاجتماعية والتخلف السائد، وعدم شجاعتهم للتصدي لهذا الضغط، علاوة على عدم توفير الضخ المالي اللازم للارتقاء بالفن السينمائي العربي لمواكبة السينما العالمية”. كل ذلك في نظر الفنان غنوم يجعل الكثير من الأفلام العربية أسيرة محليتها.

عن سوريا التي خرج منها لاجئاً إلى لبنان، ثم إلى فنلندة، يقول غنوم “انتهت برأيي ‘سوريا‘ التي نعرفها سابقا، ولا أستطيع التنبؤ بالشكل القادم، ولا العقد الاجتماعي الذي قد تتمخض عنه هذه الحرب”.

العرب

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى