الصراع في سوريا: منعطف جديد
د. أحمد عبد الملك
لا شك أن دخول الطيران الإسرائيلي الحربَ الدائرة في سوريا يشكّل معادلة جديدة لم يتنبأ بها المحللون السياسيون، وقد تتطوّر الأحداث لتشمل مناطق ظلت في مأمن من تبعاتها. وكانت الصحف الإسرائيلية قد ذكرت أن طائرات من سلاح الجو الإسرائيلي دمرت مخازن لصواريخ متطورة كانت في طريقها إلى «حزب الله» في لبنان. واعتبرت صحيفة «يديعوت أحرنوت» أن الغارات الإسرائيلية على مخازن السلاح السورية رسالة إلى إيران، ولم تكن بقصد دخول الحرب الدائرة في سوريا، وأن الرسالة أصبحت واضحة الآن. كما نقلت الإذاعة الإسرائيلية عن متحدث باسم السفارة الإسرائيلية في واشنطن تأكيدهُ أن إسرائيل مصممة على منع نقل أسلحة كيماوية أو أسلحة أخرى من شأنها أن تغيّر قواعد اللعبة من النظام السوري، إلى تنظيمات إرهابية، خاصة «حزب الله» في لبنان.
ومن جانبها نفت إيران استهداف َالطائرات الإسرائيلية لمستودعات أسلحة إيرانية، كما أدانت الخارجية الإيرانية القصف الإسرائيلي للأراضي السورية معتبرةً أنه يهدف إلى زعزعة أمن المنطقة وضرب استقرارها. ودعا المتحدث باسم وزارة الخارجية (رامين مهمابنرست) دول المنطقة إلى التحرك والوقوف بشكل حازم في وجه العدوان الإسرائيلي على سوريا.
واعتبرت روسيا الغارات الجوية الإسرائيلية بمثابة تهديد من شأنه تصعيد التوتر في الدول المجاورة لسوريا، مما يخلق مراكز توتر في لبنان ويزعزع الاستقرار النسبي على الحدود الإسرائيلية اللبنانية. كما انتقدت الصين الغارات الجوية الإسرائيلية وأوضحت أنها تعارض استخدام القوة، وأنه لابد من احترام سيادة كل دولة.
وما زال موضوع استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية متأرجحاً في الدوائر السياسية، وقد تواترت شكوك ومخاوف من وقوع تلك الأسلحة في أيدي المعارضة، وقال الناطق الرسمي باسم الخارجية الروسية (الكساندر لوكاشيفتش) إن عضو لجنة التحقيق بانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا «كارلا ديل بونتي» أشارت إلى وجود معلومات لدى الخبراء تتحدث عن احتمال استعمال السلاح الكيماوي، خاصة غاز «السارين» من قبل المعارضة وليس من قبل القوات الحكومية! وأكد لوكاشيفيتش أن «بوادر تهيئة الرأي العام لاحتمال التدخل العسكري في النزاع السوري تبعث على القلق».
واعتبرت مصر «العدوانَ الإسرائيلي على سوريا انتهاكاً للمبادئ والقوانين الدولية، ومن شأنه أن يزيد الوضع تعقيداً، فضلاً عن تهديده لأمن واستقرار المنطقة». وقال بيان للرئاسة المصرية: «إن مصر رغم معارضتها الشديدة لما يجري في سوريا من سفك للدماء واستخدام لأسلحة الجيش ضد الشعب، وسعيها لإيجاد مخرج سلمي للأزمة السورية، فإنها في الوقت ذاته ترفض الاعتداء على مقدرات سوريا، أو المساس بسيادتها واستغلال أزمتها الداخلية تحت أية ذريعة كانت».
ورأى وزير الخارجية اللبناني (عدنان منصور) أن هذه الغارات تمثل أعمالاً عدوانية تستوجب الإدانة والتنديد، وأنها قد تكون مقدمة لعدوان واسع النطاق لتفجير المنطقة ودفعها إلى مواجهة مدمرة.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه «الجيش السوري الحر» ما حدث «قصف للبلاد على أيدي الأسد وإسرائيل»، واستنكر منسقه الإعلامي «وجود تشكيلات عسكرية وصواريخ في محيط دمشق، بينما يفترض أن تنتشر على الجبهة في الجولان المحتل».
جامعة الدول العربية أدانت القصف الإسرائيلي، وحذّر أمينها العام من «التداعيات الخطيرة الناجمة عن تلك الاعتداءات العسكرية الإسرائيلية».
فإلى أين سيقود هذا التطور الجديد والمفاجئ للحرب الدائرة منذ عامين في سوريا؟ ونحن وإن كنا ندين تعرّض أي بلد عربي لأي عدوان إسرائيلي، كونه يخالف الأعراف الدولية وينتهك سيادات الدول ويؤزم الوضع المتأزم في المنطقة، فإننا في ذات الوقت ندين أي تدخل من أي نوع في قرارات الشعب السوري. وإن اتخاذ بعض الدول والقوى من سوريا مسرحاً لبطولات تعبوية، لن يفيد الشعب السوري بقدر ما يزيد في معاناته وآلامه.
ورغم الإدانة الإيرانية، فإن إيران ذاتها تمدّ أصابعها جلياً لدعم نظام ما زال يقتل شعبه على مدى أكثر من عامين. وحريٌّ بطهران الوقوف على الحياد، وعدم المشاركة في معاناة الشعب السوري، عبر مد الأسد بالأسلحة التي كشفتها إسرائيل ودمرتها! وإذا كانت طهران ترى في نفسها الموثوقية والقوة، فلماذا لا تنتقم لما جرى ضد الأراضي السورية وتردَّ الصاع صاعين لإسرائيل؟ ولماذا ترسل إيران خبراءَها وأسلحتها لدعم «حزب الله» الذي هو الآخر لم يحترم سيادة سوريا ودخل مدناً سورية بدعوى حماية الشيعة فيها؟ أليس هذا تدخلاً في شؤون الغير وتعدياً على سيادة بلد شقيق؟
نعتقد بأنه لن تُطلق رصاصة واحدة على إسرائيل من سوريا، لأنه فات وقت البطولات، ومضى عليه أكثر من 47 عاماً منذ تأجيل الرد الحاسم على احتلال الجولان، حيث لم يحرّك النظام ساكناً لاسترداد الأرض وقت الرخاء والسيطرة الحديدية، فكيف يتحرك الآن وسط غليان الشعب وانفلات الأمن في أغلب المدن السورية؟!
كل التصريحات الأخيرة لا تنبئ بموعد قريب لإنهاء الأزمة السورية؛ فلا النظام قادر على التراجع وحفظ ماء الوجه، ولا مجلس الأمن المنقسم على نفسه يستطيع منع إسرائيل من العبث في السماء العربية، ولا العرب قادرون على الرد! أما الولايات المتحدة و«الناتو» فمازالا ينظران إلى الوضع السوري نظرة تختلف عن نظرتهما لما حدث في ليبيا ومصر واليمن. لقد دخل الصراع السوري منعطفاً جديداً قد لا يكون أقل قسوة على الشعب السوري الطامح لاسترداد كرامته وحريته كأي شعب على وجه الأرض.
الاتحاد