الصمت العربي في حضرة الدم السوري
إياد الدليمي
صمت العرب، للأسف كل العرب، لم نسمع ردة فعل حتى لو كانت خجولة أمام ما يجري للشعب السوري، ترتكب المجازر وتنتهك الحرمات ويعتقل الآلاف ويحاصر حتى الهاربون ولا أحد يتكلم، وكأن هناك إرادة بالسكوت أقوى من إرادة الكلام، فأي فاتورة يجب أن يدفعها الشعب السوري من أجل أن تتحرك الدماء العربية؟
لا عذر لأحد اليوم، فكل شيء يجري تحت سمع وبصر الجميع، رغم كل أساليب التعتيم والتكميم والترهيب التي تمارسها سلطات دمشق، كل شيء معلوم، الشيء الوحيد الذي بات غير مفهوم هو هذا التراخي العربي تجاه ما يحدث في سوريا.
لقد تحدثت تركيا عبر رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان، والذي سعى من البداية إلى تبديد تلك الصورة الضبابية وغير المفهومة التي ظهر عليها إبان اندلاع الثورة الليبية، والتي أسهمت في الحط من قدر تركيا في نظر الشعوب العربية، تكلم أردوغان وحذر الأسد من مجازر كالتي حصلت في حمص وحماة عام 1982، ولكن لم نسمع صوت العرب.
وإذا كنا نرى أن أغلب الحكومات العربية تدور في الفلك الأميركي بطريقة أو بأخرى، فإنه من غير المفهوم أن يستمر الصمت المصري حيال ما يجري في سوريا، وهي التي استعادت حريتها ونجحت ثورتها في تحريك المياه الراكدة في الوطن العربي بعد أن حركها حَجَر الثورة التونسية.
لقد حفلت الصحافة الغربية والأميركية في الأسبوعين الماضيين بالعديد من التحليلات والتساؤلات حول سبب السكوت العالمي تجاه ما يجري في سوريا، مقارنة بينه وبين سرعة التحرك تجاه ما حصل في كل من مصر وليبيا، ولعل أغلبها خلص إلى القول: إن النظام الحالي في دمشق يمثل الجبهة الأكثر هدوءا مع إسرائيل، فطيلة 40 عاماً لم تسمع قعقعة السلاح رغم وجود احتلال هضبة الجولان السورية من قبل إسرائيل، ورغم أن نظام دمشق لم يوقع على اتفاقية سلام مع تل أبيب.
تحليل مقبول وربما منطقي جدا، فهل الصمت العربي مستوحى أو مفروض من الصمت الغربي والأميركي؟
وإذا كان للأنظمة العربية حساباتها في صمتها تجاه ما يحدث في سوريا، فكيف يمكن أن نبرر الصمت الشعبي على كل ما جرى في المدن السورية التي حولها نظام دمشق إلى ساحة حرب، فلا فعاليات شعبية أو حزبية أو دينية تخرج منددة بما جرى، ما خلا بعض البيانات الخجولة من بعض الجهات الحزبية هنا أو هناك، في حين شاهدنا كيف خرج الأتراك مناصرين للشعب السوري ومنددين بقمع سلطات دمشق.
حركة الشعوب اليوم سريعة، وسريعة جدا، وهي لن تبقي ولن تذر، فكل من يفكر الوقوف بوجهها ستسحقه، تلك الحقيقة التي يجب أن نخلص إليها بعد أشهر من الثورات العربية التي أسقطت حاجز الخوف وكسرت قاعدة المستحيل، وإذا لم تبادر الأنظمة إلى مصالحة حقيقية مع شعوبها تتمثل أولاً في نصرة الشعوب التي تطالب بحريتها، فإنها هي الأخرى لن تسلم من غضبة الشعوب.
الدم السوري يسفك كل يوم، والعديد من الوقائع الفظيعة التي تجري هنا أو هناك ما زالت طي الكتمان ولم يخرج منها شيء للعلن، رغم قساوة ما خرج ومرارة ما جرى، وبالتالي فلا بد من تحرك حكومي وشعبي عربي من أجل الضغط على نظام دمشق لوقف الفظائع التي ترتكب هناك، فمن لديه أي اتصال بأي سوري في الداخل يمكن أن يستمع من نبرة صوته لعِظَم ما جرى.
شعور النظام السوري بغضّ العالم العربي الطرفَ عن انتهاكاته بحق شعبه سوف يدفعه إلى مزيد من الفظائع، وإذا ما استمر فربما ينجح في قمع ثورة شعب تواق لنيل حريته، ساعتها فإن الشعب السوري لن يسامح العرب، الذين تخاذلوا عن نصرته في عز ساعات الشدة، وخسارة الشعوب أقسى وأمر بكثير من خسارة الأنظمة.
تحية للنواب في مجلس الأمة الكويتي الذين طالبوا بقطع العلاقات مع نظام دمشق، وبانتظار المزيد من التحركات الرسمية والشعبية التي تنتصر للدم السوري.
*نقلا عن “العرب” القطرية