الضحك على داعش/ روجيه عوطة
داعش ليست مقدسة بالنسبة للسوريين، هم يعرفون كيف يسخرون من أفعالها الإرهابية، التي تمارسها على المستويات كافة. يتهكمون على أسماء “الداعشيين”، على فتاواهم، محولين إياهم إلى شخصيات كاريكاتورية، تبالغ في تطرفها حتى انقلابه إلى مصدر ضحك. فالإستهزاء بالمستبد الجديد، يخفف من عبء تحمله، ويحفر طريقاً لمواجهته، بعيداً من التجهم والعبوس.
“والله لنكيّف”، هو شعار ثوري أيضاً، يعتمده السوريون في وجه النظام، وأشباهه المتعارضة معه. ذلك، رغم الأثمان الدموية الغالية، التي ما زالوا يدفعونها يومياً، خلال سعيهم إلى الحرية، والعيش من دون قيود جديدة. فالمعركة التي اندلعت لإسقاط الأسد، تستمر، ولا أسف، لإسقاط كل من يحاول إعاقة الثورة بدولته أو نظامه أو إديولوجيته. “داعش” سلطة، وهذا سبب نافذ ، لتهكم السوريين عليها.
من هنا، انطلقت صفحة “داعش فوتوغرافي” على “فايسبوك”، من أجل “تنمية المواهب التصويرية لدى الاخوة المؤمنين في الدولة الاسلامية في العراق والشام”، حسبما جاء في تعريفها. وسرعان ما يكتشف المستخدم أنها تهدف إلى نقد الداعشيين، ورصد المضحك من مواقفهم داخل ساحات الحرب. ذاك، عبر نشرها صور وفيديوات، تعنى بأنماط إدراكهم للحياة اليومية والجهادية على السواء، لا سيما نظرتهم إلى المرأة، وكيفية التصرف الإجتماعي معها. هذا، وتُصيّر الصفحة بعض الشخصيات العامة، من ممثلين ومغنين وسياسيين وغيرهم، داعشيين، بلحاهم وثيابهم، وغالباً ما تضيف إلى صورهم بعض الأقوال، التي تبعث على الهُزء والازدراء.
ففي إحدى الصور، الفاضحة بتركيبها الفوتوشوبي، يظهر المغني علي الديك بلحية سوداء، وقد ترك تحتها المجاهدان “أبو جبريل الكوالالمبوري”، و “أبو محمد السويسري”، كلمات موال داعشي، قاله الديك في حفلة ٍ من الحفلات:”تعو نفجر بداعش ولا نبناي، وانت بناي احزانك وانا بناي، متل ماصاحت الثكلى وين بناي، قلولا راح يفجر حالو بالحباب”. كما يظهر المطرب جورج وسوف، أو “أبو وديع الوسوفي”، في إحدى الصور، مرتدياً ثيابه شبه الأفغانية، وهذه المرة، بدون تحوير فوتوشوبي، وقد كتب “أبو محمد السويسري” كلمات إحدى أغنياته: “الهوى شيشان الهوى شيشان، يا جهاديين الهوى شيشان، أشكي للأفغان ويقللي الافغان، على الجهاد الهوى شيشان”.
يُضاف إلى ذلك، أن الصفحة نشرت غلاف الرواية الأخيرة لأحلام مستغانمي، مغيرة ً إياه من “الأسود يليق بك” إلى “داعش تليق بك”. أما عبارة “لا تحلقني مخطوبة”، التي كانت تُكتب على الزجاج الخلفي للسيارات، فقد أصبحت، في ظل الدولة، “لا تلحقني ملغومة”، تعبيراً عن الأحوال الأمنية، التي تتدهور بفعل السيارات المفخخة والحواجز الإعتباطية.
وتنقل الصفحة بعضاً من مواقف الداعشيين الساخرة، أو بالأحرى التي لا تلائم صورتهم الجهادية. ففي إحدى الصور، يجلس مجاهد على كرسي، وقد استرسل في تدخين النرجيلة (تصوير أبو ريتشارد الجولاني). ويظهر أحد المقاتلين الأفغان بينما يضرب رفيقه بقذيفة الـ”ب.7″ على مؤخرته. ومن الجدير الإشارة هنا، أن الصفحة توسع دائرة سخريتها لتطال الظاهرة المتطرفة عامة ً، وليس “الدولة الإسلامية في العراق والشام” فحسب. فتنتقد المتطرفين الإسلاميين في سوريا وخارجها، وعليه، تتهكم على سلوكياتهم وخرافاتهم. بالتالي، تنشر صورة معصم يد، وقد برز عليه آثار رباط الساعة الجلدي. وقد أشير إلى هذه الآثار بعبارة “من علامات الساعة”، أما ناقل الخبر فهو “أبو ريتا الاسكندنافي”.
توجه الصفحة، بتصويراتها الفوتوغرافية، نقدها الساخر على علاقة الداعشيين بالمرأة، فتنشر لافتة “حركة أحرار الشام الإسلامية”، والتي جاء فيها “حجابكِ أختي، أغلى من دمي، أختاه أنتِ بخمارك، كالدرة المكنونة”. بالإضافة إلى أن أحد المجاهدين قد نشر صورة هيفاء وهبي، بعد “تدعيشها”، فتحولت أغنيتها “رجب” إلى “داعش حوش صاحبك عني، داعش صحبك فجرني…”. فللأغنية، في هذا السياق، قيمة نقدية توازي قيمة الصورة، بحيث يتطوع المجاهدون لتحويل بعض الأغاني إلى أخرى داعشية، مثل:”لو شباكك عشباكي، كنت قصفتك وهربت سماكي، لكن ويني وإنت وينك، في بناية بيني وبينك” (أغنية راغب علامة).
إذاً، بالصور، والتعليقات عليها، تنتقد “داعش فوتوغرافي” ممارسات “الدولة الإسلامية في العراق والشام”، وتبيّن للمستخدمين أن لا طرف فوق النقد في سوريا، أو فوق السخرية أمام السوريين. هؤلاء الذين قرروا ذات يوم أن يضحكوا على نظام البعث، وعلى دولة داعش من بعده، أو أياً من المستبدين بالناس ويومياتهم، أمثال “أبو ريتشارد الجولاني”، أو “أبو محمد السويسري”، أو غيرهم.
المدن