الضمائر المعذبة في سورية
عبدالله إسكندر
أمر جيد ان تكتشف الامم المتحدة، بكل مؤسساتها وهيئاتها ومندوبيها، حجم المأساة الانسانية والكارثة البشرية والخسائر الاقتصادية في سورية. لكن ان يأتي هذا الكشف بعد عامين من الحملة العسكرية على الشعب السوري، واستخدام كل انواع الاسلحة الثقيلة، فذلك ما يدعو الى التساؤل.
ألم يسمع مسؤولو المنظمة الدولية نداءات الاستغاثة من الشعب السوري الذي وجد نفسه فجأة تحت انقاض منازله وبعيداً من مصادر رزقه في المدن والقرى؟ ألم يصدّق هؤلاء المسؤولون بيانات لجان الثورة وهيئاتها والمعارضة حول حجم الخراب الذي حل بالبلاد منذ الاسابيع الاولى للحل العسكري؟
ألم يتلقوا رسائل التحذير من دول لجوء السوريين، خصوصاً لبنان والأردن وتركيا، والتي تعكس حجم الكارثة في الداخل، هذه الكارثة التي تنعكس مزيداً من اللاجئين والفارين من جحيم الموت؟
لقد كان واضحاً منذ الطلقات الاولى في الازمة السورية أن حجم الكارثة سيبلغ ما لا يمكن تصوره، وكان متوقعاً هذا الكم الهائل من القتل والتهجير ومن الدمار والخراب، ولكن اقتضى عامان وزيارات لامتناهية وتقارير وتكاليف ادارية لا حصر لها لاكتشاف ما كان معروفاً منذ الايام الاولى للحل العسكري.
وكان يمكن الأمم المتحدة أن توفر كل ذلك لو أن ثمة ارادة سياسية لدى اصحاب القرار الدولي لفرض الحل الذي كان حفظ للشعب السوري حقوقه ووفر عليه الكوارث والمآسي ولدولته استمرارها ووحدتها.
امر جيد ان تسعى الامم المتحدة حاليا الى عقد مؤتمرات واجتماعات لجمع الاموال لمساعدة الشعب السوري المنكوب داخل بلده وفي مخيمات اللجوء خارجها. لكن، حتى لو افترضنا انها استطاعت ان تؤمن بعضاً من الدعم وان ترفع بعضاً من المعاناة، فإن سيل الدمار والخراب والقتل واللجوء لن ينقطع. فاستمرار الحل العسكري يعني استمرار الكارثة ذاتها.
لذلك سيكون من الاجدى ان تعمل الامم المتحدة، ومعها اصحاب القرار الدولي على وقف الحل العسكري الذي وحده يوقف النزيف البشري والمادي.
مرة اخرى، سيتوجه الموفد المشترك الاخضر الابراهيمي الى اعضاء مجلس الامن في 29 الشهر، على امل ان يصل المجلس الى قرار موحد. لكن كل مقدمات الاجتماع، من الموقف الرسمي السوري من الابراهيمي شخصياً وآرائه في الحل، مروراً باللقاءات الاميركية-الروسية الفاشلة، وصولاً الى اعتبار ايران ان استمرار النظام مسألة حياة او موت بالنسبة اليها، كل هذه المقدمات تجعل سقف التوقعات في شأن ان تقوم الامم المتحدة بوظيفتها منخفضاً جداً.
ما يعزز مثل هذا التوقع، أن الحجة الروسية في شأن وقوع سورية في ايدي المتطرفين الاسلاميين بدأت تجد صدى لدى الدول الغربية. هذا الصدى الذي عكسه سابقا قرار الادارة الاميركية وضع «جبهة النصرة» على «لائحة الارهاب»، ومن ثم التصريحات الغربية عن خشية ان تستولي التنظيمات المتشددة في سورية على اسلحة متطورة، ومنها السلاح الكيماوي، ومن ثم تصريحات في منطقتنا بدأت تتحدث عن «طالبان» في سورية.
وفي الوقت الذي لم تتمكن المعارضة المسلحة السورية من احراز تقدم يدخل تعديلاً جوهرياً على ميزان القوى على الارض، وفي الوقت الذي لا تزال المعارضة السياسية عاجزة عن تقديم البديل ذي الصدقية، سيكون امام هيئات الامم المتحدة مهمة تعداد مزيد من البيوت المدمرة والزراعات المخربة، وتعداد مزيد من القتلى والمعتقلين ومزيد من الهاربين واللاجئين الذين سيكون تأمين الحد الادنى من مقومات الحياة لهم مناسبة جديدة لارسال بعثات الاستطلاع والشكوى من قلة الدعم المطلوب. لعل هذه الشكوى تريح الضمائر التي تتظاهر بالعذاب.
الحياة