العالم القديم ينهار..
فلننقذه بصمت!
ثمة فكرة «استثنائية» تبرز في هذه المرحلة: صناع القرار يعيشون حالة إرباك بكل ما للكلمة من معنى. كل ما تقع عليه أبصارنا، ليس أكثر من مماطلة وتردّد وخلافات. وهذا «العطل» يشبه، إلى حد بعيد، ذاك الخيط الأحمر الذي يصل أحداثاً ببعضها، لا تكون مختلفة سوى بالشكل.
فإذا تناولنا الجانب العسكري بداية. أميركا القوية تجهد في الخروج من وحول أفغانستان والعراق. سوف تفعل، ولكن ذلك سيكون بمثابة اعتراف بالفشل في كابول، وبنصف الفشل في بغداد. الإحراج نفسه موجود في ليبيا. فحتى لو أن سقوط العقيد معمّر القذافي بات معلناً، لا أحد يعرف كيف ومن سيسيطر على الفوضى التي تهدّد باجتياح البلاد في أي لحظة. وحتى اللحظة، ما زال الجميع يتقدّم في حقول ضبابيّة، بدءاً من باريس ولندن.
الأمر نفسه ينطبق على المسألة النقديّة. الأزمة اليونانية لا تصل إلى نهايتها أبداً، وأوروبا لم تنجح في تفادي انتشار «العدوى»، أي في أن تنقذ اليورو بأن تنقذ نفسها أولاً. وبعيداً عن سياسة التباهي، فإن أوروبا تتردّد بين «استحالتين»: خيار الحل الفدرالي الذي يرسّخ مبدأ التضامن وخيار الكسر الواضح والبسيط للمشروع الوحدوي. فيما نحن نرفض هذا وذاك. وفي لعبة الإخفاقات، تتم تسمية ذلك بـ«الطريق المسدود».
الوضع ما وراء الأطلسي ليس أفضل حالاً. القوة العظمى، المنهكة تحت وطأة الديون، تواجه خطراً غير مسبوق. هناك الملايين من المتقاعدين على سبيل المثال من الذين عانوا من فقدان مدخراتهم ثم منازلهم لاحقاً. إنها نهاية الحلم الأميركي. وهذا ليس كل شيء.
نضيف لتلك «الأعطال» النقاش الكاذب حول النووي أو المضاربة المستمرة على المنتجات الزراعية، في حين أن القرن الأفريقي غارق في المجاعة.
يبدو أنه عجز غريب يطبق على السياسة. سيكون ضرباً من الغباء الاستهزاء بالوضع، ومن السهل جداً أن نعطي لأنفسنا الحق في إعطاء الدروس، كما يفعل الكثير من المعلقين. فإذا أصبحت السياسات عاجزة، وأحزاب اليمين كما اليسار خالية الوفاض حتى من الأفكار، وإذا كان ضجيج الشجارات الإعلامية التي تستنفذ معناها بعد يومين قد احتلّ الفراغ الحاصل، فالسبب بسيط للغاية. العالم القديم بدأ ينهار أمام أعيننا، وهذه هي الحقيقة المحدقة. وهو، في انهياره، يحمل معه مراجعه وأفكاره وانشقاقاته. هكذا، وفي خضم الظلمة المطبقة، ندخل، نحن والسياسات، إلى عالم «آخر».
عسكرياً، لقد خسرت الدول الغربية السيطرة التي أفرطت في استخدامها (واستغلالها) على مدى أربعة قرون متتالية، حتى أن أميركا القوية باتت تفتقر لوسائل إدارة النزاعات في العراق وأفغانستان. واليوم، يبدو أن إعادة التوزيع الحاصلة كوكبياً للقوى ستتفاقم في العقود المقبلة. واقتصادياً، نواجه ما أسميه بـ«الهيمنات الجديدة» حيث يدفع الفقراء في كل مكان الثمن، وحيث تستفيد هذه الهيمنات مما نسميه «الفكر الجماعي»، ومن ان جائزة نوبل باتت تعطى لأولئك «الأغبياء العقلانيين» الذين يحتلون الأولوية عوضاً عن الفاعلين الديموقراطيين.
هذه إشكاليات مستعجلة يتحتّم علينا مناقشتها، بصمت.
جان ـ كلود غيبو، كاتب فرنسي
ترجمة: هيفاء زعيتر