العقل المدبر وراء فيديوهات الإعدام الداعشية/ وليد بركسية
كشف تقرير مصور لمجلة “دير شبيغل الألمانية” حقائق تكشف للمرة الأولى عن آلية صناعة الأفلام الدعائية الداعشية والمسؤولين عنها والميزانية الضخمة التي يخصصها التنظيم التكفيري لإعلامه، والفلسفة الشريرة التي تنبع منها والهادفة لتجنيد المقاتلين من جهة وتعزيز فكرة واحدة مفادها “أن الحرب ضد الكفار تعني دائماً الموت للآخرين” عبر تقنيات سينمائية وأفكار مستمدة من تلفزيون الواقع يهندسها رجل أميركي انضم للتنظيم بعد سنوات من العمل في استوديوهات هوليوود.
ومنذ ظهوره في سوريا والعراق، اعتمد تنظيم “داعش” على مقاطع الفيديو الدعائية المصورة بطريقة سينمائية لجذب الأنظار إليه ونشر دعايته لتجنيد مزيد من المقاتلين فيه، حتى بات التنظيم الإرهابي الأشهر على الكوكب، باعتماده فلسفة “جمال الشر” لصنع هالة أسطورية أحاط بها نفسه حتى اليوم رغم الانتكاسات العسكرية المتتالية التي أفقدته مساحات واسعة كان يسيطر عليها تعادل مساحة أيرلندا حسب تقرير لوزارة الدفاع الأميركية “بينتاغون”.
وكان “جمال الشر” كمصطلح فلسفي المحور الأساسي الذي انطلق منه مصورون داعشيون منشقون وإعلاميون سابقون في التنظيم التكفيري، ظهروا في تقرير مطول نشره الموقع الإلكتروني لمجلة “دير شبيغل” الألمانية قبل أيام، كشفوا فيه خفايا الماكينة الإعلامية الداعشية والأشخاص المسؤولين عن صناعة أفلام الإعدامات المروعة، من دون أن يكشف الموقع عن المكان الذي التقى فيه هؤلاء المنشقين، أو هويتهم الحقيقية ومن دون تقديم معلومات عن زمان التصوير وكيف استطاع فريقه الوصول لإجراء مقابلات بهذه الحساسية.
“أحب هذا الفيديو، لقد تم تصويره بتقنية الحركة البطيئة، يرى الإنسان السكين بالحركة البطيئة، كنت أتمنى لو كنت موجوداً عندما أعدموا هؤلاء الرجال لكنني لم أكن موجوداً حينها”، جملة رددها أحد المصورين الداعشيين بدموية وهو يشرح لمراسل المجلة الألمانية كيفية التصوير الاحترافية في المشهد، وبدت الجملة بكل ما فيها من شر وعنف للحظة غير واقعية تماماً وجديرة بأن تكون سطراً مؤلفاً من كاتب بارع لشخصية مضطربة نفسياً في فيلم من أفلام الرعب على طريقة آكل لحوم البشر هانيبال ليكتر من فيلم “صمت الحملان” مثلاً.
زياد (28 عاماً) كان مجرد ناشط إسلامي صغير قبل انضمامه لـ”داعش” حينما التقى بالمسؤول الإعلامي الداعشي الأول، المعروف باسمه الحركي “عبد الرحمن الأميركي”، الذي كان يعمل في مجال السينما الأميركية في هوليوود، قبل اعتناقه الإسلام وسفره للرقة بحثاً عن الانتقام من الغرب، مدفوعاً بشعوره بأن شركات السينما العالمية استغلته لسنوات من أجل تشويه صورة الإسلام والعرب، وهو الرجل المسؤول عن إعطاء المظهر الاحترافي السينمائي للدعاية الداعشية بالدرجة الأولى.
وكشف زياد أن عبد الرحمن الأميركي أراد “قلب الآية” وهو صاحب فكرة ظهور الأشخاص الغربيين في مقاطع الإعدام الداعشية بملابس معتقل غوانتنامو البرتقالية، وأنه بسبب خبرته الطويلة بات شخصية بارزة وهامة ضمن المكتب الإعلامي في الرقة لدرجة يمكن القول أنه كان المسؤول الأساسي هناك.
والحال أن التنظيم يعتمد على وحدة من خمس شخصيات من جنسيات متعددة لصناعة أفلام الإعدام، ومنها فيديو إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة، الذي كان أول فيديو للتنظيم تستخدم فيه تقنية الأبعاد الثلاثية والرسوم المتحركة فائقة الدقة، وفيه كان فريق التصوير مؤلفاً من خمسة أشخاص مزودين بكاميرات كانوا يرشدون الكساسبة كيف يتحرك وأين ينظر وماذا يفعل، فيما يظهر له المخرجون عن بعد “صور القتلى الذين قتلهم بقصفه”، كما تم توزيع ملابس جديدة على المقاتلين الداعشيين وأقنعة جديدة أيضاً، وهي نقطة تتكرر في كل إنتاجات التنظيم، “لأن كل شيء يجب أن يكون جذاباً ونظيفاً وعصرياً” لجذب الفئة المستهدفة من أجل التجنيد.
في ضوء ذلك أكد المصور أن الكساسبة لم يكن يعرف أنه سيحرق حياً وأن الفيديو المروع اعتمد المبالغة في المؤثرات الصوتية كصوت النار بموازاة الألوان الفاقعة، ورغم ذلك يؤكد أن الكساسبة حرق فعلاً ولم يقتل بطريقة أخرى.
وحسب رواية التنظيم الرسمية فإن الشخص الذي أشعل النار في الكساسبة هو أحد الناجين من قصف قوات التحالف، لكن الحقيقة التي يوردها الفيلم على لسان المسؤولين الإعلاميين المنشقين عن التنظيم، تفيد أن أبا محمد العدناني شخصياً هو من أشعل النار بيده، علماً أنه كان حتى مقتله أواخر شهر آب/أغسطس الماضي، المسؤول الإعلامي الأول للتنظيم والمسؤول الأول للتنظيم عموماً في سوريا.
في السياق، يفيد خبراء ألمان في الشبكات الجهادية مثل بيتر فان أوستاين وآخرين، بأن جذور الاهتمام بـ”الجهاد الإعلامي” ترجع إلى خطبة مشهورة لزعيم تنظيم “القاعدة” أيمن الظواهري قبل عشر سنوات تكلم فيها عن أهمية الجهاد الإعلامي، وطورها “داعش” استناداً إلى برامج تلفزيون الواقع، وتحديداً برنامج”Survivor” الذي عرضته قنوات أميركية العام 2000 ومازال مستمراً حتى اليوم، واستلهم منه “داعش” طريقة الإخراج المبالغ فيها والتي تتمحور حول “البقاء” وتعزيز هذه الفكرة بصرياً.
بموازاة ذلك، يزود كافة المقاتلين الداعشيين بكاميرات من نوع “غو برو” مثبتة على اسلحتهم بحيث تبدو المقاطع المصورة بها وكأنها مقاطع من ألعاب الأكشن ثلاثية الأبعاد من العالم الرقمي، وتحديداً لعبة “Call of Duty” وبدرجة أقل لعبتا “Counter Strike” و”Doom”، وبعد الانتهاء من تصوير الأفلام يتم جمعها من أقراص التخزين ونقلها للمكتب الإعلامي في الرقة حيث يعالجها مختصون محترفون جندهم التنظيم.
وحسب التقرير، أشرف طارق (اسم مستعار) وهو مصور ومدير تقني على إنشاء 7 – 8 مكاتب إعلامية مختلفة للتنظيم، وأفاد أن المسؤولين عن هذه المكاتب هم عراقيون يرافقهما رجلان فرنسيان يلقيان الأوامر وكانا على اتصال مباشر بزعيم التنظيم أبي بكر البغدادي، مضيفاً أن ميزانية المكتب الإعلامي الواحد كانت قبل إعلان الخلافة 100 ألف دولار، لكن ذلك الرقم بات يتراوح بين مليونين ومليونين ونصف دولار لمكتب الرقة وحده بعد العام 2014.
يذكر أن “داعش” خسر ما يعادل ربع الأراضي التي كان يسيطر عليها وفق تقارير أميركية، منها 45% من الأراضي التي استولى عليها في العراق وحوالي 20% منها في سوريا، كما انخفض عدد مقاتليه من 40 ألفاً التحقوا بالتنظيم خلال السنوات الخمس الماضية في سوريا، إلى حدود 19 ألفاً فقط يتوزعون بين سوريا والعراق، وحوالي 6000 آخرين في ليبيا.
المدن