العقل الواحد… من تحرير فلسطين إلى إسقاط الأنظمة/ محمد ديبو
كشف الربيع العربي، من ضمن ما كشف، وجود نمطين مهيمنين على التفكير فيما يخص شؤوننا العربية، بدءاً من قضايا التحرّر التي تشكل فلسطين محورها الأهم لدى فريق، وليس انتهاءً بقضايا الحرية التي تمحورت حولها الثورات العربية لدى فريق آخر، عبوراً بقضايا التنمية والعلمانية والمسائل الاجتماعية السياسية الاقتصادية التعليمية التي تقرأ أساساً ضمن دائرة القضايا السابقة، أو على ضفافها.
يجعل النمط الأول من التفكير في فلسطين محور التفكير بكل شيء، فكل القضايا، بما فيها قضايا الربيع العربي ومسائله المعقدة، تُقرأ عبر بوابة فلسطين، فإذا كانت الثورة السورية ستؤدي إلى قطع صلة الوصل بين إيران وحزب الله “المقاوم”، فهذه الثورة “عميلة” و”إمبريالية” بالضرورة، وإذا كانت عملية عاصفة الحزم العسكرية ستؤدي إلى هزيمة الحوثيين الحلفاء لإيران “الداعمة” لمحور “المقاومة”، فإن الشك واجب وضروري في الحزم وعاصفته، فما بالك إن كانت تقوده السعودية التي تحتل في مخيال هؤلاء شرّاً لا يمازجه أي خير أو سياسة.
لا يجري النظر إلى الواقعة المعنية (الثورة السورية أو أي ثورة أخرى)، هنا، من واقع الثورة نفسها، وحق الشعوب في التحرّر من ديكتاتورياتٍ عفنة، بل من منظار انعكاسها على “القضية الأم”، أي يحتل الثانوي مكان الرئيسي في قراءة هذا العقل الذي يبتكر دائماً مصطلح “الأولويات السياسية”، فالصهيونية هي الخطر الأول الذي ينبغي محاربته قبل الاستبداد أو أي شيء آخر، والعلمانية شرط شارط لكل مشروع حداثي، ولو حملها ديكتاتور لا يعنيه من العلمانية إلا أن تكون تغطيةً لسجونه وقتله شعبه المطالب بأبسط الحقوق، أو “ممانعٍ” لا يفعل إلا استجداء إسرائيل حماية عرشه سرّاً، فيما خطابه الممانع يلاحق معارضيه باتهامهم بالعمالة، وسياسته اليومية لا تفعل إلا تعبيد الطريق لإسرائيل، لتحقيق مزيدٍ من الانتصارات، وغالباً ما يحمل هذا الخطاب “مثقفون” يقدّمون أنفسهم يساريين وقوميين وعلمانيين. ولتسهيل عملية القراءة سنسمي هذا العقل هنا “العقل الممانع”.
يتمحور النمط الثاني من التفكير حول أولوية إسقاط الأنظمة المستبدة، فهي، من وجهة نظرهم، الأولوية الكبرى، لأنها تعيق أي شيء آخر، فلا تحرّر من أي نوع، من دون التحرّر من الاستبداد أولاً، وعليه هو المعركة الكبرى التي يجب أن يحشد لها كل شيء، إذ تحول الأمر إلى غايةٍ بحد ذاتها، يجوز الاستعانة بأيٍّ كان لتحقيق الأمر، بعيداً عمّا إذا كان إسقاط الأنظمة سيوصلنا إلى دولةٍ ديمقراطيةٍ مدنية أم لا، وهو خطابٌ يحمله مثقفون يقدّمون أنفسهم ليبراليين، في الغالب، الأعم أو “يسار حديث”، وسنسمي هذا العقل “العقل المتلبرل”.
“الصهيونية هي الخطر الأول الذي ينبغي محاربته قبل الاستبداد أو أي شيء آخر، والعلمانية شرط شارط لكل مشروع حداثي، ولو حملها ديكتاتور لا يعنيه من العلمانية إلا أن تكون تغطيةً لسجونه وقتله شعبه المطالب بأبسط الحقوق”
الملفت للنظر أن أصحاب الخطابين يقفان على طرفي نقيض، مع رمي كل منهما الآخر بكل النعوت والصفات، وتحميله وزر كل ما جرى، علماً أن الاثنين ما انفكّا يطالبان بالديمقراطية وحرية الرأي التي لا يمنحها أي منهما لخصمه الفكري!، الأمر الذي يدفعنا إلى قراءة بنيتي هذين العقلين، وآليات تفكيرهما، ومن ثم وضعهما على مشرحة النقد.
صفات العقل الممانع
(1): لا ينظر هذا العقل إلى الربيع العربي إلا من منظار القضية الفلسطينية، فإذا ارتفع صوت معارض ما ضد سلطته، يتم مباشرةً البحث عن موقفه من إسرائيل، وإذا أصدرت جهةٌ معارضةٌ بياناً ما، ولم تذكر إسرائيل فيه، ينطلق التشكيك مباشرةً، باعتبار أن ثمة أجندة خفية خلفه، وهي حتماً في عرف هؤلاء لصالح إسرائيل، إذ هل يعقل أن يصدر بيان ما من دون وضع إسرائيل في المقدمة والمتن والخاتمة، حتى لو كان هذا البيان يتحدّث عن الديمقراطية في شأن داخلي.
(2): يبرّر هذا العقل لأي جهةٍ ترفع لواء “تحرير القدس” أن تفعل ما تشاء، أن تجتاز الحدود لتقاتل إلى جانب الأنظمة المستبدة بحجة “حماية المقاومة”، حتى لو تسبّب الأمر في تشريد شعب بأكمله، ومن يتجرأ وينتقد يكون نقده بحدود: “أنا مع المقاومة، ولكن ضد تدخلها في سورية”، وعلى الله السلام. وكأن الضحايا الذين يسقطون على يد إسرائيل نخبٌ أول، فيما الذين يسقطون على يد الاستبداد و”المقاومة” نخب عاشر في سلم البشرية.
(3): لا يجوز، في عرف هذا العقل، المقارنة بين جرائم الاستبداد وإسرائيل، فأن تقول إن النظام السوري قتل من السوريين أكثر مما قتلت إسرائيل، وإن سجون الاحتلال الإسرائيلي أفضل من سجون الاستبداد، وفق معايير حقوق الإنسان، فهذا في عرف هؤلاء “عمالة” و”تطبيع” وخدمة للعدو الإسرائيلي (نقد هذه الرؤية في الأدنى).
(4): يعتبر العقل الممانع أن دول الخليج موطن كل داء، وكل من يدور في فلكها سياسياً هو “سياسي نفطي”، أو “كاتب نفطي” يتلقى أجراً معلوماً جرّاء ما يكتب أو يفعل، مقابل التغاضي عن “النفط الإيراني” الذي يموّل صحفهم ومشاريعهم و”مقاومتهم”، وكأن إيران جمعية خيرية.
(5): تحتل أميركا في ذهنية هذا العقل موقعاً متقدماً باعتبارها “الشيطان الأكبر”، فنظرتهم وطريقة تعاطيهم مع أميركا هي طريقة سحرية أيديولوجية، تعتبر أميركا كلاً واحداً، منذ الأبد إلى الأزل، فهي الشرّير الذي لا يتغيّر أبداً، باعتبارها الإمبريالية (وهي إمبريالية حقة، لكنها ليست الوحيدة) المعادية للشعوب، وليست دولة كبرى لها مصالح تعمل لها، وتسعى إلى تحقيقها كأية دولة أخرى.
(6): لا ينفكّ هذا العقل يرفع شعار “تحرير فلسطين من النهر إلى البحر”، من دون أن يقدّم لنا، حتى اليوم، استراتيجيةً عمليةً وحقيقيةً لكيفية تحقيق هذا الشعار الذي تحول إلى مخدّر للجماهير والحشود، أكثر مما هو برنامج عمل وطني مبني على خيارات واقعية، ومن دون تحديد محتواه وماهيته.
(7): ازدواجية المعايير المتمثلة بتشريع مقاومة إسرائيل بالسلاح، وعدم مقاومة المستبد بالسلاح، فالعقل الممانع يقدّس السلاح بمواجهة إسرائيل، في حين يحرمه بوجه الاستبداد.
صفات العقل المتلبرل:
(1): تحتل فكرة الحرية والتحرّر من الاستبداد الأولوية الكبرى لهذا العقل، فهي الممهد الأساسي للمحتل، وفق مقولة “الطغاة يجلبون الغزاة”. وعليه، فإن إسقاط الأنظمة المستبدة يجب أن يسبق أي عمل آخر.
(2): في سبيل تحقيق هذا الهدف، تبرّر الاستعانة بأيٍّ كان من تنظيمات (جبهة النصرة، تنظيمات إسلامية متطرفة..) أو دول، بعيداً عن قراءة مصالح هذه الدول أو الجماعات، ومعرفة ما إن كانت تخدم الهدف الأساسي بالدولة المدنية الديمقراطية أم لا.
(3): تحتل أميركا (والغرب) في أذهان هؤلاء موقعاً سحرياً، كدول تقدمية حداثية، تدافع عن حقوق الإنسان، من دون قدرة هذا العقل على تبيّن لعبة المصالح المعقدة والازدواجية الغربية التي تضحي بالمبادئ لصالح المصالح، إلا بعد فوات الأوان، وبعد خراب البصرة.
(4) لم يتوقف هذا العقل عن الدعوة إلى إسقاط الأنظمة، أو القول إن “النظام ساقط لا محالة”، من دون أن يقدم لنا استراتيجية علمية واقعية، لطريقة إسقاط الأنظمة، وفق خطةٍ علميةٍ، تأخذ ممكنات الواقع في الاعتبار، أي أن “إسقاط النظام”، هنا، مجرد إيديولوجية تحشد الجماهير خلفها غريزياً.
“لم يترك المستبد مساحةً لأحد، وما ترك أكمل عليه الإرهاب الإسلاموي والمحتل الإسرائيلي الذي يفتك ببطء بما تبقى من فلسطين أمام أعيننا العاجزة، والخانعة في آن”
(5): غياب كلي، أو خجول، لقراءة الدور الإسرائيلي في الربيع العربي ومعرفته، فإذا كان العقل الممانع يتهم إسرائيل بكل شيء، فإن العقل الليبرالي يتعامل معها وكأنها غير موجودة على الكوكب، وهي التي تقع بجوار سورية ولبنان والأردن ومصر.
(6) التركيز على نقد إيران، مع تجاهل شبه تام، أو خجول، إن وجد، لدور خليجي وإعلام تابع له في دعم الإسلامويين المتطرفين، وشراء المعارضات لتصب في خدمة أجندته أيضاً، بعيداً عن مصالح الشعوب.
(7): غالباً ما يميل هؤلاء إلى رجم الكفاح المسلح بوجه إسرائيل، متبنين رؤية “السلام” على عواهنها، في حين أنهم يؤيدون الكفاح المسلح ضد المستبد من دون تردّد، في ازدواجية معايير واضحة.
في نقد العقل الممانع
يتساءل العقل الممانع، بدهشةٍ محمولةٍ على نبرة تخوين، عن السبب الذي يدفع إلى القول إن من قتلوا على يد الأنظمة المستبدة أكثر ممن قتلوا على يد إسرائيل، قائلا إن الأمر يصب في مصلحة إسرائيل، أو هو تبرير لها، في حين أن أي محتل أو مستبد لا يحتاج تبريراً في حقيقة الأمر، فالجريمة جريمة، ارتكبها مستبد أم محتل، في حين أن التفريق يأتي، هنا، لضرورة التزام المثقف بقول الحقيقة، حتى لو كانت مؤلمة (لا أكثر إيلاماً بالنسبة لنا من أن تكون أنظمتنا أكثر إجراماً من إسرائيل)، لأن المعرفة الحقيقية هي ما تساعدنا على اتخاذ قرار صحيح، فكلما كانت معارفنا وأرقامنا دقيقةً تمكّنا من اتخاذ القرار الصحيح والموقع الصحيح، فالمثقف ينحاز للمعرفة والحقيقة أولاً وآخراً. وعليه قول هذه الحقيقة، مهما كانت قاسية، بعيداً عن الأدلجة التي لا تعمل، هنا، إلا تبرير الجرائم والتغطية عليها، إضافة إلى أن معرفة هذه الحقيقة المؤلمة، والتركيز عليها، يدفعنا إلى معرفة أننا أمام أنظمةٍ مستبدةٍ قاتلةٍ، كانت، ولازالت، سبب بلائنا أولاً، وسبب بقاء إسرائيل ثانياً، ومقاومة إسرائيل و”الطريق إلى القدس” تمر من هنا، وليس من أي مكان آخر، أي أن الأولوية، اليوم، لإسقاط هذه الأنظمة لصالح أنظمةٍ وطنيةٍ، تأخذ مسألتي الحرية والتحرّر بالاعتبار، وذلك لا يتم من دون وضع مسألة إسرائيل في صلب برامج الطريق إلى الحرية وإسقاط الاستبداد، لأنها فاعلٌ أساسيٌ في عملية بقاء هذه الأنظمة، وتخريب بلداننا. ودون ذلك هو أدلجة لا تعمل إلا إدامة الاستبداد وإعاقة “تحرير فلسطين”، فهذا الشعار، على نبله وعدالته وأحقيته، يهوّم في عالم الفراغ، حين لا يسند باستراتيجية علميةٍ، تأخذ ممكنات الواقع وقوة العدو الإسرائيلي، ومقارنة قوتنا الحقيقية، لا المتخيلة، بقوة العدو، ليتم بناءً على ذلك اختيار شكل المقاومة الممكنة، والتي لا تختزل بالسلاح وحده، فواقع القوى هو من يحدّد طبيعة المقاومة، في حين أن رفع شعاراتٍ خلبيةٍ لا يفعل إلا مغادرة الواقع، والسكن في السماء، من دون أن يتحقق شيء من هذا. ولا تحتاج هزائمنا المتكرّرة في ساحة الصراع مع إسرائيل دليلاً، في وقت يتذرّر فيه العالم العربي، بينما تصمد إسرائيل، إضافة إلى أن هذا العقل لا يحدّد لنا ماذا يعني بتحرير فلسطين، فهل يريد أن يحرّرها كلها؟ وكيف؟ وماذا سيفعل باليهود كلهم؟ وماذا سيفعل بالأجيال التي ولدت على أرض فلسطين خلال سبعين عاماً؟ تلك أسئلةٌ لا نعثر على أية إجاباتٍ لها عند العقل الممانع، لأن “تحرير فلسطين” بالنسبة له ليس أكثر من إيديولوجيا تصب في دعم رؤية الأنظمة، والمقاومات التي كشفت أجندتها بالمحاربة في البوسنة واليمن وكل مكان تقتضيه داعميها، في حين أن عقل مثقف “الممانعة” لا يزال متمسكاً بها، في مفارقةٍ مفجعة.
“أي محتل أو مستبد لا يحتاج تبريراً في حقيقة الأمر، فالجريمة جريمة، ارتكبها مستبد أم محتل، في حين أن التفريق يأتي، هنا، لضرورة التزام المثقف بقول الحقيقة، حتى لو كانت مؤلمة”
تشكل أميركا أيضاً، ودول الخليج معها، أحد دوغمائيات هذا العقل السكوني، إذ يجري النظر إليها لا كدولٍ، لها مصالح تتحرّك على هديها، بل “شر مطلق”، لا بد من رجمه على طول الخط، وكأن كل ما جرى من تحولاتٍ في العالم، منذ نهاية الحرب الباردة، لم يسمع به أصحاب هذا العقل. وهذا ما يحكم رؤيتهم لإيران وروسيا أيضاً، فالأولى تدعم المقاومة، وفق عرفهم، على الرغم من أن ملالي طهران لا يخفون مشروعهم التوسعي الذي يعبّرون عنه بلسانهم، في حين يكذّبه أصحاب هذا العقل الذين غدوا ملكيين أكثر من الملك. في حين يجري التعامل مع موسكو البوتينية وكأنها موسكو السوفييتية، ما يعني أن هذه النظرة الأحادية لا يمكن أن تخدم قضية فلسطين، عدا عن أنها، معرفياً، قاصرةٌ عن فهم آليات الصراع المعقد والمتشابك في العالم، والذي تعكسه الوقائع الحاصلة في سورية اليوم، ففي وقتٍ رحب العقل الممانع بالتدخل الروسي، أعلن نتنياهو عن تنسيق أمني عالي المستوى مع الروس في سورية، وصل حد عبور الطائرات الإسرائيلية لاغتيال سمير القنطار! هل هناك أكثر فاجعةً للعقل الممانع من أن يؤيد من يستهدفه.
في نقد العقل الليبرالي
لم يتوقف العقل الليبرالي، منذ بداية الثورات، عن صدع رؤوسنا بأن الأنظمة ساقطةٌ لا محالة، كما لم يتوقف العقل الممانع، سبعين عاماً، عن إتحافنا بأن تحرير فلسطين قاب قوسين أو أدنى، في حين أن لا فلسطين تحرّرت ولا الأنظمة سقطت، لأن “إسقاط النظام” تحوّل إلى إيديولوجية للحشد، بعيدا عن أية رؤية علمية معرفية، تأخذ ممكنات الواقع وقوة المعارضة وقوة النظم وقراءة ما سبق ضمن الوضع الجيوسياسي، وطبيعة القوى الإقليمية والدولية ومصالحها. والأهم أن إسقاط النظام، عند هؤلاء، تعامى كلياً عن العامل الإسرائيلي الذي يستحيل إسقاط نظامٍ من دون أخذه بالاعتبار، نظراً للتشابك الدولي الإقليمي أولا، ومدى ترابط مصالح الاستبداد مع إسرائيل ثانياً، ولأن مسألة الحرية ضد المستبد لا تتحقق من دون أخذ مسألة التحرّر من الاحتلال في الاعتبار.
ولأن الأمر كذلك، لم يتورّع هؤلاء عن الهرب من مطبٍ إلى آخر مع كل انتكاسة، بدءاً من المراهنة على الخارج الذي اكتشفوا أنه لا يعمل عندهم، إلى تبرير الاستعانة بجبهة النصرة والتنظيمات الجهادية المعادية لأفكارهم أساساً في الحرية والديمقراطية، ليغدو إسقاط النظام بأي طريقة هو الحاكم الأساسي لعقلهم، ولو على خراب البصرة، ومن دون أن يتمكّنوا من تحقيق ذلك، وهذا غير مستبعد، فمن يسكن في السماء سيبقى فيها، لأن للواقع مساره وآلياته ومعارفه التي لم يتمكن هؤلاء من القبض عليها، فقبضوا الريح ولا زالوا، لأن نقدهم قاصر، وجبانٌ أيضاً، عن مواجهة ونقد الحلف الذي يقفون فيه، أو يستظلون بفيئه، فسياسات دول الخليج وتركيا وأميركا وإعلامهم تجاه الثورات كانت كارثية بما فيه الكفاية، للوصول إلى ما وصلنا إليه.
خاتمة
يبين تأمل آليات تفكير العقلين السابقين أننا أمام عقل واحد، في حقيقة الأمر، وتتجلى المفارقة بأن كلاً منهما يتهم الآخر بـ “السبعة وذمتها”، كما يقول المثل العربي، في حين أن الاثنين يهوّمان في فضاءات السحر والأسطورة، ويفكران بالطريقة نفسها مع فارقٍ في اللون فقط، فالأول يدّعي أن لونه “الممانعة”، في حين يدعي الثاني أن لونه “الليبرالية”، في حين لا يمتُّ أيٌّ منهما لصفته تلك، إلا بمقدار ما تقترب الجنة من إبليس، كما يقول الإسلاميون، فكلاهما يحتاج صفته غطاء لا أكثر، في حين أننا، في حقيقة الأمر، نعيش، حتى اللحظة، في العالم العربي، من دون ليبراليين أو يساريين، فالمستبد لم يترك مساحةً لأحد، وما ترك أكمل عليه الإرهاب الإسلاموي والمحتل الإسرائيلي الذي يفتك ببطء بما تبقى من فلسطين أمام أعيننا العاجزة، والخانعة في آن.
العربي الجديد