العنف واحد أينما كان و كيفما ظهر
أذكر ُ أنني في أحد دروس علم النفس التي حضرتها فُتح نقاش ٌ مرّة عن التدرّج الذي يعوّد الإنسان على شيء ما ، التدخين مثلا ً ، فإذا قررت حكومة ما أن تمنع َ التدخين بشكل ٍ كلّي في بلادها فأسوأ طريقة ستكون عن طريق منعه ُ بشكل ٍ مباشر لأنّ هذا سيكون مرفوض كلّيا ً بالنسبة للشعب . أمّا أفضل طريقة فستكون عن طريق التدرّج بالمنع . في البداية يصبح التدخين داخل الأماكن المغلقة ممنوع ، ثمّ و بعد أن تنتهي الاحتجاجات على هذا بفترة ٍ ، يصدر ُ قانون آخر يقضي بمنع التدخين أمام و حول َ مداخل الأماكن المغلقة ، و كذلك يترك المجال للممتعضين و المحتجين بالإحتجاج و الإمتعاض و بعدها تتسع الدائرة أكثر فيصبح التدخين مسموحا ً بأماكن معيّنة فقط ضمن غرف ٍ خاصة ، و يترك المجال مرة أخرى للمحتجين بالاحتجاج و من ثمّ تكون الخطوة التالية هي منع التدخين بشكل ٍ كامل ، و سيأتي احتجاج واسع ٌ عليها و لكنه ُ لن يكون كبيرا ً جدّا ً و سيهدأ بعد َ فترة فالفكرة لم تكن غريبة بل كانت متدرجة و كان المدخنون يتوقعون في لا وعيهم الوصول يوما ً إلى منع التدخين الكلّي أي أنهم مهيئين نفسيا ً مما يسهل عملية تقبلهم للفكرة .
كذلك الأمر بالنسبة للعنف ، فأذا أردنا السماح بالعنف العام الجماعي يجب ُ أن نبدأ بغضّ النظر عن العنف الخاص الفرديّ. من هذا المبدأ بالذات لا أقبل َ أبدا ً بأن لا أدوّن عن العنف الجندري و التحرّش الجنسي بحجّة أن هناك َ عنفا ً آخر يـُمارس ُ في شوارع سوريا. فالذي يحصل اليوم لا ينفصل ُ أبدا ً عن أحداث الشارع السوري بأحداثه اليوم. فمن يلجأ إلى العنف بدل الحوار لحلّ مشكلة ٍ في منزله سيلجأ للعنف لحلّ أي مشكلة ٍ تعترض ُ طريقه ُ و من يلجأ للعنف الجماعي العام لن يتأخر دقيقة باللجوء للعنف الفرديّ الخاص في منزله.
أمّا عن التحرّش الجنسي فهو ليس َ غريبا ً عن أساليب قمع الحريّات بل هو أكثرها استخداما ً ، فحتّى اليوم و مازالت أحد أساليب التعذيب النفسي المتعارف عليها هي تهديد المعتقل الذكر بـ “ شرفه “ من زوجته و بناته أو أمّه و أخوته ، و اتهام المعتقلة الانثى بشرفها بشكل ٍ طاعن .
و هذا قد يكون جوابا ً غير مباشر على غياب النساء إلى جانب الرجال في المظاهرات الاحتجاجيّة في سوريا في حين أنهم يخرجنَ في المسيرات المؤيدة. فمجتمعنا ، شئنا أم أبينا ، هو مجتمع ٌ ذكوريّ لن يقبل َ أبدا ً بأن تتعرّض نساؤه ُ لما يتعرّض له ُ رجاله ُ من عنف ٍ فيقوم بعزل المرأه في حالات ٍ كهذه للمحافظة عليها بالدرجة الأولى.
و كما دائما ً ، العنف لا يبرر العنف أو الأصحّ قوله هنا ، وجود عنف ٍ لا اخلاقيّ ضدّ الإنسانيّة لا يعتبر مبررا ً لعدم الحديث عن عنف ٍ لا أخلاقيّ آخر ضدّ النساء. فمن كان َ يوافق ضمنيا ً على العنف الجندري سيوافق ُ على عنف ٍ آخر ، و من كان َ يقبل بالتحرّش الجنسي في الأماكن العامة سيقبل ُ بالطعن ب”شرف” المرأه في المعتقلات. فالعنف واحد أينما كان و كيفما ظهر.
http://www.freesham.com/