العهد القديم والحكم بالخوف/ نارت عبدالكريم
يُسْتَدلُّ، عادةً، على نهاية صلاحية المواد الغذائية وفسادها من حصول تبدّل في لونها ورائحتها أو في مذاقها. وهذه الحال قد تنطبق كذلك على حضارتنا الحديثة، فهي ظاهرة تاريخية بدأتْ ملامحها الأولى بالتشكل مذْ حسمَ الرجل صراعه الأزلي مع المرأة حين سيطرَ على السماء من خلال مرويات العهد القديم وأساطيره، ومنذ ذلك الزمن لم يعد هنالك وجود لربات الخصب وآلِهة الأمومة، حيث تمَّ نهائياً شطبُ أسطورة ليليث المتمردة واستبدالها بأسطورة حواء التي خرجتْ من ضلع آدم.
لقد صبغ ذلك التحوُّل كل نتاجاتنا، الدينية والفلسفية والعلمية وحتى الأدبية والفنية، وعبر مختلف المراحل حتى عصرنا الراهن، ولأنَّها ظاهرة تاريخية فمن الطبيعي أنْ يأتي زمنٌ تنتهي فيه صلاحيتها، فلكلِّ شيءٍ اذا ما تمَّ نقصان، كما جاءَ في نونية أبي البقاء الرّندي، التي نظمها بعد سقوط آخر معاقل المسلمين في الأندلس بعد حكمٍ استمر 800 عام وأكثر.
إنَّ حالة الخوف والهلع التي يُراد لها أنْ تسري في مختلف أرجاء المعمورة وما يرافقها من حركات استعراضية تُشَارِكُ بها كل المؤسسات الذكورية، أي المؤسسات العسكريَّة والأمنيَّة والسياسيَّة في العالم، لهي خير دليل على انتهاء صلاحية النظام القائم وفساده، فالجنود المدججون بالسلاح، الذين ملأوا ساحات وشوارع العديد من العواصم في الغرب والشرق على حد سواء، ليس هدفهم نشر الأمن أو القضاء على الإرهاب كما يُشاع، بل تغذية القلق ونشر المزيد من الخوف الذي يشل الروح ويعتقل العقل، فالحكمُ بالخوف أجدى من الحكم بالحقيقة. وإلاَّ ماذا ستقول الحكومات الغربية لشعوبها بعد خمسة عشر عاماً من إعلان حرب عالمية شعواء على «الإرهاب»، بدأتْ من أفغانستان 2001 ولم تنته حتى اللحظة، حيث كل الدول قاطبة في معسكر واحد وصف واحد تحارب هذا «الإرهاب»؟ علماً أنَّه لم يعد هنالك معسكرٌ شرقيّ ولا دول محور، وليس هنالك لا هتلر ولا ستالين ولا حتى بن لادن، فمن أين يأتي هذا «الإرهاب» الذي لم تستطع دول العالم أجمع القضاء عليه؟.
* كاتب سوري.
الحياة