الفجوة بين الأغنياء والفقراء في سوريا
فايز ساره
في حديث لنائب رئيس مجلس الوزراء السوري عبد الله الدردري في ربيع العام 2008، قال ان الاغنياء يزدادون غنى، والفقراء يتحسن وضعهم، وأن ظاهرة التفاوت بين الطبقات باتت أكثر بروزاً. ويبدو ان هذه الحقيقة لم تتغير بعد مرور اربع سنوات على ما قاله الدردري، ذلك ان الهوة بين الاغنياء والفقراء ازاددت وتعمقت، وهي تسير بسرعة في هذا الاتجاه رغم كل ما يقال عن السياسات الحكومية الهادفة الى اعادة توزيع الدخل وتحقيق العدالة الضريبية، وتضييق الهوامش بين الاغنياء والفقراء، والتقدم على جبهة مكافحة الفقر والحد منه.
ان الاستدلال عن حقيقة الفجوة القائمة بين الفقراء والاغنياء، يكمن في تلمس صورة كل منهما وموقعه في الحياة السورية. ففي صورة الفقراء السوريين وفق تقرير الفقر وعدالة التوزيع في سوريا الذي أعدته هيئة تخطيط الدولة بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة في سوريا 2008، أن الفقر الإجمالي (نسبة السكان تحت خط الفقر الأعلى) واسع الانتشار نسبياً في سوريا، اذ هو يشمل 33.6 % من السكان، مما يعني، ان حوالى 6.7 ملايين من السوريين يعتبرون فقراء، ومن هذه المجموعة الكبيرة فإن 12.3 % من السكان، يمثلون حوالى 2.4 مليون، يصنفون على أنهم يعيشون في فقر شديد، أي انهم تحت خط الفقر الأدنى.
وأوضح التقرير الأبعاد الجغرافية للفقر في سوريا، حيث ظهرت المنطقة الشمالية الشرقية باعتبارها الأكثر فقراً. والمنطقة الساحلية الأقل فقراً، وأشار الى تمركز الفقر في سوريا في المناطق الريفية. إذ إن فقراء الريف شكلوا 56% من الواقعين في دائرة الفقر الشديد و50% من المجموع العام للفقراء من اجمالي السكان، مما يعني زيادة واضحة للفقر في الريف مقارنة بما هي عليه الحال في المدن.
غير ان وضوح ملامح فقراء سوريا، لا يوازيه وضوح في صورة الاغنياء الذين تمركز اغلبيتهم في المدن وخاصة في مدينتي دمشق وحلب، حيث الاولى العاصمة ومركز القرارات، والثانية صاحبة الانشطة الاقتصادية الاهم ولا سيما في الصناعة والحرف، يميل اغلبهم الى التواري. ليس فقط بحكم أبعاد تقليدية وتاريخية، بل ايضاً باعتبار التواري له بعد قانوني وعملي في الاوضاع السورية الراهنة، وهو ما يمكن ان تشير اليه معطيات، تحيط ببعض الانشطة الاقتصادية التي يمارسها رجال مال واعمال في سوريا، التي تسجل فيها الشركات والمؤسسات العائلية حضوراً كبيراً، ولا يخضع تسجيل الشركات فيها للشفافية، ويسعى فيها رجال الأعمال، أن لا تكون جميع شركاتهم بأسمائهم الصريحة، والمصدرون لا يصدرون منتجاتهم وبضائعهم بأسماء شركاتهم أو بأسمائهم الحقيقية، وهناك تداخل وعدم استقرار اضافة الى عدم تخصص في الانشطة الاقتصادية، ومنها التنقل بين الصناعة والتجارة والزراعة، ويميل كثير من رجال المال والاعمال الى انشطة الظل تهرباً من الضرائب ومن الظهور في الصورة الحقيقية تجنباً للاتاوات والمشاركات غير المرغوب فيها من قبل اشخاص نافذين، اعتادوا فرض انفسهم شركاء وحماة على رجال المال والاعمال، وبطبيعة الحال فإن استشراء الفساد والرشوة، وتواطؤ دوائر وزارة المالية، يساعدان في استمرار أنشطة اقتصاد الظل، وتغييب صورة الاغنياء في اللوحة العامة السورية.
ورغم ضبابية الصورة، فإن ثمة معطيات توضح بعضاً من تفاصيل صورة الاغنياء السوريين، ولعل من اهم تلك المعطيات، ان الخطة الخمسية الحادية عشرة (2010-2015)، قامت على إشراك القطاع الخاص في العملية التنموية باستثمارات في مجالات الطاقة والبنى التحتية للطرق والمرافئ ومعالجة المياه، تصل قيمتها التقديرية إلى نحو 1000 مليار ليرة سورية، (أكثر من 22 مليار دولار) مما يعني مساهمة القطاع الخاص في الخطة بنحو 200 مليار ليرة سورية كل عام مستفيدين من مزايا تقدمها الحكومة لهم منها إعطاء القطاع الخاص مزيدا من التسهيلات الاستثمارية، وإزالة المعوقات من أمامه، من أجل توطين استثماراته ومشروعاته، الامر الذي يحقق لرجال المال والاعمال فرص تحقيق مكاسب وأرباح كبيرة، غالباً ما يحيط بها تهرب ضريبي حسبما اشار اليه وزير المالية محمد سورية، وجزء منه يمثله التهرب من ضرائب دخل الاغنياء، التي لوحظ ان قرابة 60 بالمئة منها، لا تخضع لضريبة الدخل، وهو امر أكدته معطيات رسمية.
ان الاعفاءات الضريبية من جهة، والتهرب الضريبي، يجعل من الاغنياء مساهمين بأقل قدر في الموازنة العامة للدولة، التي تقوم اساسا على موارد محلية، تشكل الضرائب قسما كبيراً منها حسب تأكيدات رئيس الوزراء، غير ان هذا الواقع لا يتناسب مع استهلاك الاغنياء من اجمالي الانفاق العام، وطبقاً للارقام الرسمية، فإن الـ20% الأكثر ثراء استهلكوا 45% من إجمالي الإنفاق, في حين ان الـ20% من السكان الأفقر استهلكوا فقط 7% من إجمالي الإنفاق في سوريا، وكانت حصة الـ10% الأكثر ثراء إلى 29.9% من إجمالي الإنفاق، في حين لم تتجاوز حصة الـ50% من المواطنين في الشرائح الدنيا 25.3% من إجمالي الإنفاق.
ان التمايز في صورة الفقراء والاغنياء وموقع كل منهما في الحياة السورية، تعكس حقيقة الفجوة التي تفصل بينهما في قضايا كثيرة كالملكية وطريقة العيش والاستهلاك والتعليم والصحة وأنماط الحياة وغيرها من مجالات تعكس عمق الفجوة القائمة بينهما.
ومما لا شك فيه، ان الفجوة القائمة، ليست قدراً رسم ذلك التمايز، بل هي نتيجة السياسات الاقتصادية التي تابعتها الحكومات المتعاقبة في سوريا، والتي دفعت فئات باتجاه الفقر، وأعطت فئات اخرى فرصة الغنى، وغالباً ما تم ذلك بطرق مواربة في خلال العقود الخمسة الماضية، ومنها الاربعة الاولى، التي تميزت بـ«اقتصاد مغلق» واحتكاري، ما زالت ملامحه قائمة، والذي لم يكن يسمح بمراكمة المال بصورة عامة الا عبر طرق غير مشروعة وغير قانونية ومنها شيوع اقتصاد الظل، والاعتداء على المال العام ونهبه، وكسب المال عبر طرق غير مشروعة من خلال عمليات تهريب الاسلحة والمخدرات والبضائع، وقبض الرشى والعمولات، وممارسة الفساد الذي تحول الى نهج وطريقة للحياة.
ان المؤشرات الاقتصادية، لا تمثل سوى مثال عن الفجوة العميقة القائمة بين الاغنياء والفقراء السوريين، وثمة مؤشرات في المجالات كافة عن تلك الفجوة، ومنها الحضور السياسي والاجتماعي المختلف للطرفين في الحياة العامة السورية، حيث للاغنياء قدرتهم العالية في التأثير على توجهات وقرارات السلطة، بل ان ثمة اندماجا بين الاثنين مقارنة بما هو عليه حال الفقراء الذين يحتلون موقع المتلقي بالنسبة لتوجهات وقرارات الحكومة وهم الابعد عنها، كما ان حصول الاغنياء على الخدمات المتاحة من تعليم وصحة وسكن وثقافة وغيرها افضل مما يحصل عليه الفقراء الذي لا يستطيع كثير منهم الوصول بيسر الى تلك الخدمات، وعندما يحصلون عليها تكون نوعيتها اقل بكثير من تلك التي يحصل عليها الاغنياء.
ان الفقر بما يمثله من هوة بين الاغنياء والفقراء، يجعل لكل منهما هوية ومكانة مختلفة عن الآخر ودورا مختلفاً في الحياة العامة، مما يعني، ان اية محاولة من اجل المساواة ومشاركة المواطنين في الحياة العامة لا بد، ان تبدأ من محاربة الفقر الذي يمنع الواقعين فيه من ان يكونوا بنفس القدر من المكانة التي يحتلها مواطنوهم الاغنياء.
([) كاتب وصحافي في دمشق