القاعدة الاجتماعية والعصبوية الطائفية للنظام السوري/ شمس الدين الكيلاني
ليس للنظام في سوريا من قاعدة طبقية فعلية، أنها (طغمة)، استطاعت أن تنسج لها وللمحيطين بها مصالح مشتركة ملموسة معززة بقانون القوة:(الأجهزة الأمنية ومنظمات الضبط الاجتماعي: البعث ،المؤسسات النقابية، الشبيبة وغيرها، ثم تناسلت بفعل الفساد واستغلال النفوذ إلى ثروة ومؤسسات استثمارية أصبحت قاطرة الاقتصاد السوري)، ثم كرَّست قانونياً تميزها عن المجتمع كـ(قائدة للدولة والمجتمع). أما موضوع (الشراكة) بين بيروقراطية السلطة وطبقة رجال الأعمال فهو مجرد غطاء لوقائع النهب في اتجاه واحد، يبدأ من قمة الهرم البيرقراطي السلطوي ويمر بوسطائه الدنيا برجال الأعمال. إنها شراكة قسرية يفرضها من يملك السلطة والقوة، فإذا استثنينا القلة القليلة من رجال الأعمال الذين أثروا بفعل سمسرتهم لرجال السلطة، وبيروقراطيتها العليا، فإن الفئات الصناعية وجدت نفسها مُجبرة، في ظل غياب القانون والقضاء، على دفع (الأتاوات) للأجهزة السلطوية لتأمين مصالحها، أو لعقد (شراكة) كي تحافظ على أموالها. إن علاقة رجال السلطة بالمستثمرين شبيهة بتلك العلاقة التي هيمنت في العهد المملوكي بين المماليك وشهبندر التجار. فالأخير معرض دائماً لخسران كل شيء بقرار من فوق، وهو ما حدث للكثير من المستثمرين السوريين أمثال أمينو وكلاس، لتبقى السيادة، في مجال الاستثمار، للنخب العليا للسلطة وبيروقراطيتها التي حازت على القطاعات القيادية للاستثمار. لذا فإن ما يوحد السوريين هو أنهم جميعاً في القانون: (محكومين)، في المرتبة الثانية من التراتبية الاجتماعية، يقفون جميعاً في مواجهة (الحاكمين) قادة الدولة والمجتمع. غير إن هذه اللوحة الطبقية السلطوية لايمكن فهمها وإدراك أبعادها، وأيضاً خطورة هذه الابعاد إذا تجاهلنا (العروة الوثقى) والمحور الاجتماعي السلطوي الذي يحرك مجمل التركيب الاقتصادي ويمسك في أطرافها، فيدخل الرياح الطائفية السوداء في مجمل الجسم الاجتماع السياسي السوري، ونقصد بذلك ما يمكن أن نطلق علية (العصبية الطائفية العلوية السلطوية)، التي تمسك في مفاصل السلطة ولاسيما أدواتها وأجهزتها القمعية والرقابية للمجتمع السوري برمته. صارت مؤسسات الدولة القمعية، وقوى الضبط الاجتماعية (الجيش، أجهزة المخابرات كلية القدرة والنفوذ والبطش، والشرطة) تحت سطوة أفراد أو جماعة من الطائفة العلوية، الشيء الذي أحدث علاقات عصبوية صلبة بين هؤلاء الأفراد والجماعات، امتلكت مع الأيام عصبية صلبة موحِّدة في وجه المجتمع، يمكن أن نطلق على تلك العصبية تسمية (العصبية العلوية السلطوية) التي لا تتساوى ولا تتماهى مع الطائفية العلوية غير أنها من خلال رعايتها في الممارسة والنظرية (في دعايتها الشفوية وأحياناً العلنية) لفكرة رجحان أبناء الطائفة على ماعداهم في وظائف الدولة والحكم، وحصرية الهرم القيادي في الجيش والمؤسسات القمعية الأخرى فيهم وفي أبنائهم، دفعت الوعي العام، أكان وعياً علوياً أو الوعي العمومي لجميع مكونات الاجتماع السوري، نحو الاعتقاد، بأن نوعاً من التطابق والتماهي بين العصبة العلوية السلطوية وبين العلويين كجماعة مذهبية طائفية، لاسيما إذا رأينا أن هذه العصبية العلوية السلطوية، قد جعلت نفوذها على جسم الطائفة مهيمناً بطريقة حاسمة، حتى على حساب نفوذ الهيئة الدينية أو المشيخية العلوية التي تحول غالبيتها، بحكم تلك الوقائع الصلبة، إلى هيئة منضوية تحت نفوذ السلطة فلا يتبقى للقوى المدنية الديمقراطية أو الراديكالية سوى الهوامش من الحركة في قلب الجماعة العلوية. ولقد عملت (العصبة العلوية السلطوية) هذه، من موقعها في ذروة هرم السلطة على تصدير ما تريد أن تقوله إلى المجتمع السياسي بأسرة لاسيما للجماعة العلوية لتحفزها كي تحتل موقع الجبهة الأولى في الدفاع عن النظام بصفته المدافع الصلب عن الطائفة وعن مصالحها الجوهرية(!). ولقد نجح النظام إلى حدٍّ كبير في التغرير بالطائفة العلوية من خلال شبكة المصالح التي ربط أفرادها ومجموعات نافذه فيها بالطغمة الحاكة، وأيضاً نجح في إخفاء توجهات السلطة أحياناً ونزعتها الطائفية، إلى حدٍّ ما، عن بقية أفراد المجتمع في دفع جماعات وأفراد من الطوائف إلى الواجهة الأجهزة الإدارة والتنفيذية، لاتملك من السلطة في الأمور المفصلية سوى تنفيذ الأوامر لصاحب السيادة المتمثل في العصبة العلوية السلطوية. ومن خلال الشراكة الزبائنية التي أقامتها، من موقع السيد، مع قمم المستثمرين السنة والتجار والصناعيين في المدن الكبرى، وفي الحالين حاولت (العصبية العلوية الحاكمة) إخفاء موقعها كطغمة حقيقية/عصابة دينها الحقيقي هو السلطة والنفوذ والثروة. وبالمقابل صار الأمر من البداهة في وعي الكثيرين، بعد الأزمات والصدامات الكبرى بين المجتمع وسلطة الدولة، أن سلَّم جميع شركائهم من الدرجة الثانية، في البعث والمؤسسات النقابية، والشريك في المال، سلموا ضمنياً بالموقع المسيطر للعصبية العلوية السلطوية على الدولة والسلطة، وأن تكون مؤسسة الجيش حكراً على أفراد طائفة بذاتها، على الأقل أن تحتل القمم المركزية لهذه المؤسسة، صاحبة السطوة والقرار على الأقل.
وعلى هذا حدث نوع من تقسيم العمل احتلت فيه تلك العصبية العلوية المتكونة بفعل سيطرتها على المؤسسات القمعية والسيادية، في موقع تفاضلي متميز على بقية الجماعات الأخرى، واحتلت موقع السيد والموجه للمجتمع يمتلك القرار السياسي السيادي، ويمتلك المرجعية للهيمنة على الشأن الاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وهو ما تلخصه المادة الثامنة من الدستور التي تعطي البعث موقع القيادة للدولة والمجتمع، إذا عرفنا أن البعث ليس سوى الواجهة الهشة للجسم السلطوي الصلب الذي يمسك بمؤسسات (القوة والسطوة) للدولة، وعلى مؤسساتها الأخرى السلطوية بالتبعية.
هذا الجسد العصبوي الطائفي السلطوي، عزز استقلاله واستقلال أجهزته القمعية عن المجتمع السوري، كما عزز تماسكه الانصهاري، فصار باستطاعته أن يضرب بالمجتمع السوري ويوغل في التنكيل به. يقتل ناسه ويشرد أهله، ويدمر مدنه ومعالم حضارته، ويرتكب مجازر تطهير طائفية تعود في مقاصدها وأساليبها إلى زمن الوحشية، ويغذي دخول التكفيرين إلى البلاد، فقط ليقول للغرب أنه يحارب خصومهم الإسلاميين، دون أن ترتعش له ولأجهزته رعشة ضمير، ناهيك عن المشاعر الوطنية التي افتقد إليها منذ لحظة التأسيس!
المستقبل