“القاعدة” تطالب “تحرير الشام” بالعودة إلى بيت الطاعة/ عقيل حسين
رغم كل الجدل الذي أثير داخل التيار السلفي الجهادي حول موافقة “هيئة تحرير الشام” على دخول الجيش التركي إلى محافظة إدلب، في 9 تشرين الأول/أكتوبر، إلا أنه كان واضحاً توظيف تلك المسألة في إطار خلاف يتفاقم، وبلغ ذروته معها، بين “القاعدة” و”هيئة تحرير الشام”، خاصة مع عودة الحديث عن ملابسات قرار فك ارتباط “الهيئة” بالتنظيم الأم، ودعم الأخير تشكيل فصيل جديد في سوريا يتبع له رسمياً.
صحيح أن قرار فك الارتباط رسمياً بين “جبهة النصرة” و”القاعدة” كان مثار جدل، سابق للإعلان عنه في تموز/يوليو 2016، إلا أن هذا الجدل بقي على نطاق ضيق. وظهر أن “تحرير الشام” استطاعت السيطرة عليه واحتواء تبعاته، من خلال محاصرة الشخصيات الرئيسية التي انشقت عنها احتجاجاً على هذه الخطوة، عبر التضييق عليها ومنع أصحابها من تنظيم أنفسهم في جماعة، وكذلك إعلامياً، من خلال الهيمنة على المشهد بمختلف الوسائل. الأمر الذي ابقى الأصوات المعارضة ضعيفة على مدار أكثر من عام. إلا أن عناد هذه الشخصيات، والنفس الطويل الذي تميزت به، يبدو أنه كان تكتيكاً ناجحاً، ويكاد يأتي بثماره.
استغلال مسألة التدخل التركي في محافظة إدلب، منح الفريق المنشق عن “النصرة/تحرير الشام”، فرصة للظهور أخيراً، بعدما كان قد استغل من قبل كل الفرص، مهما كانت صغيرة، لتوظيفها في الحرب ضد “الهيئة”. ويهيمن على هذا الفريق أردنيون بارزون، على رأسهم سامي العريدي وأبو جليبيب، ممن يحظون بدعم كبير من المرجع الجهادي الأردني أبو محمد المقدسي، من أجل تنفيذ الخطوة الأهم: الإعلان عن تأسيس “جماعة أنصار الفرقان” في سوريا.
ويضاف إلى ذلك، تصريحات لقادة في “الهيئة” دعوا فيها للتعاون مع “الحكومة المؤقتة”، واعتُبِرَت وقتها “لا تمثل الهيئة”. وكذلك انشقاق كتل مهمة عن التشكيل الاندماجي الذي قادته “جبهة النصرة” بسبب الاقتتال مع “حركة أحرار الشام” في تموز/يوليو 2017، وصولاً إلى الخطب الأخيرة لزعماء في “القاعدة” التي تم بثها قبل اتفاق “تحرير الشام” مع الحكومة التركية. وركزت تلك الخطب على أمرين: دعوة أنصار “التنظيم” لتكثيف حضورهم ونشاطهم في سوريا كما ورد في كلمة حمزة بن لادن، في 15 ايلول/سبتمبر، والغضب من السعي لاقصاء “القاعدة” من سوريا، الذي عبر عنه أيمن الظواهري، في كلمته الصادرة مطلع تشرين الأول/أكتوبر، ما أكد عدم رضى زعيم “القاعدة” عن عملية فك الارتباط.
انتقاد الظواهري وغضبه الشديد من سعي البعض لتقويض أي وجود لـ”القاعدة” في سوريا، كان واضحاً أن المقصود به هو “هيئة تحرير الشام”، التي سبق وأكدت لمرات متعددة، أنها لن تسمح بتشكيل أي فصيل جديد يعلن تبعيته لـ”القاعدة” في سوريا. أما في ما يتعلق بقضية فك الارتباط، فقد كاد الظواهري في كلمته الصوتية أن يقول ببطلان الخطوة، وإن لم يقل، لكنه قال ذلك بالفعل في رسالة خاصة أرسلها مؤخراً لقيادة “هيئة تحرير الشام” وبقية رجال “القاعدة” ومنتسبيها الذين ما زالوا موجودين في سوريا، بحسب ما كشف عنه سامي العريدي، في قناته في “تليغرام” قبل أيام.
تطورات كانت كافية لشد أزر التيار المطالب باستمرار “القاعدة” في سوريا، ومنحهم نقاطاً فارقة في الصراع مع “هيئة تحرير الشام”، التي سارع رئيس مجلسها الشرعي عبد الرحيم عطون، إلى التعليق على كلمة الظواهري الأخيرة ورسالته، والعمل على تفنيد التهم فيهما، معتمداً بشكل رئيس على مباركة نائبي الظواهري في سوريا؛ المصريين أبو الفرج وأبو الخير، لقضية فك الارتباط، وظهور الأخير في التسجيل المصور الذي أعلن خلاله ذلك القرار، للتأكيد على أنها تمت ممهورة بخاتم رسمي.
عطون، خاض في مسألة البيعة والتحلل منها فقهياً، كما أثار قضية بيعة الظواهري لـ”حركة طالبان” وتفصيلات المسألة التي تعتبر محل جدل بين قيادة “القاعدة” وفروعها، بما يوحي باستعداد “هيئة تحرير الشام” للمزيد من التصعيد في الدفاع عن موقفها والتشبث به. عطون استغرب “تناقض الظواهري بين دعواته المستمرة للتوحد والاندماج في خطبه العامة، حتى لو كان ثمن ذلك التضحية بالاسماء وفك الارتباط، وبين ما جاء في كلمته الأخيرة ورسالته، التي يعلن فيهما بطلان فك الارتباط وضرورة العودة عنه”، الأمر الذي “سيسبب ضرراً للساحة لا يمكن تحمله”، بحسب عطون.
من جانبه، سامي العريدي، “الشرعي العام” لـ”النصرة” بين العامين 2013 و2015، والذي قاد بنفسه المنشقين عنها، وأغلبهم ممن يحملون مثله الجنسية الأردنية ويُعتبرون من المقربين من أبو محمد المقدسي، فقد أخذ على عاتقه التصدي لتعليقات عطون وتوضحياته، بينما ترك لأنصاره وانصار المقدسي مهمة التصدي لأنصار “تحرير الشام”، وفي مقدمتهم المصري طارق عبد الحليم، واسماعيل كلم “أبو محمود الفلسطيني”، الذي يعرف بأنه لسان حال المرجعية الأبرز في التيار أبو قتادة الفلسطيني.
وبحسب العريدي، فإن مباركة نائبي الظواهري، لإعلان فك الارتباط جاءت قبل وصول رد رسمي من زعيم “القاعدة”، وأنهما قدماها مشروطة بتعهد العدول عنها من قبلهما ومن قبل قيادة “تحرير الشام” في حال جاء قرار الظواهري مخالفاً لهذا الإعلان.
أما في ما يتعلق بما وصفه عطون، بتناقض الظواهري في قضية التوحد والاندماج مع بقية الفصائل، فقد أكد العريدي أن شرط الظواهري للتضحية بالعلاقة مع “القاعدة” رسمياً، هو أن يكون الثمن توحداً شاملاً لفصائل المعارضة في عموم البلاد، لا اندماجاً جزئياً ومحدوداً كما حدث عند تشكيل “هيئة تحرير الشام”. وكذلك أن يُعلَن فك الارتباط بعد حصول هذا المستوى من التوحد، وهو شرط الظواهري الثاني للقبول به، بحسب شهادة العريدي التي جاءت على أجزاء وما زالت مستمرة. الأمر الذي يؤكد على توظيف هذا الفريق ما يعتبره ورقة رابحة يجب التركيز عليها واستثمارها لاطول فترة ممكنة في اطار التنافس على الكوادر مع ” تحرير الشام”، الذي انطلق بعد الإعلان عن تشكيل “جماعة أنصار الفرقان” في سوريا. ورغم أن “جماعة أنصار الفرقان” أصدرت، إلى جانب بيان إنطلاقها في 8 تشرين الأول/أكتوبر، بيانين مقتضبين يوضحان إيديولوجية التشكيل الجديد وهويته السلفية الجهادية، إلا أنها لم تعلن بشكل رسمي عن بيعتها لـ”القاعدة”، ولا عن اسماء قادتها.
لكن ذلك لم يمنع مطلعين من التأكيد على أن “أنصار الفرقان” هي الفرع الجديد لـ”القاعدة” في بلاد الشام، ومن هؤلاء الشيخ صالح الحموي، المعروف في وسائل التواصل الاجتماعي بـ”أس الصراع في بلاد الشام”. وأكد الحموي، وبشكل قاطع، هذا الارتباط، كما أكد في الوقت ذاته أن الصراع بين الجماعة الوليدة و”هيئة تحرير الشام” على الكوادر قد انطلق بالفعل.
لكن ما الذي يمنع “القاعدة” أو مؤسسي “جماعة أنصار الفرقان” من الإعلان عن تبعية هذه “الجماعة” لـ”القاعدة” رسمياً؟ قد يكون ذلك بسبب الخشية من ردة فعل بقية الفصائل، وفي مقدمتها “هيئة تحرير الشام”، خاصة أن التشكيل الجديد لا زال ضعيفاً. كما أن هناك احتمالاً بمنح قيادة “القاعدة” فرصة لـ”هيئة تحرير الشام” للعودة إلى حضنها، وبالتالي لمّ شمل الجانبين من جديد، والاستفادة من القوة الضاربة التي باتت تتمتع بها “تحرير الشام”.
لكنها، وبحكم استشعارها بهذه القوة ربما، وكذلك أيضاً بحكم التمايزات الاستراتيجية التي بدأت تظهر بين الجانبين في بعض القضايا، وآخرها الاتفاق مع الحكومية التركية، فإنه من غير المتوقع أن ترضخ “هيئة تحرير الشام” لمطالب وتهديدات الطرف الآخر، خاصة بعد تعليق المسؤول الشرعي فيها عبد الرحيم عطون، على كلمة الظواهري الأخيرة، وإطلاق حملة إعلامية لنصرة موقف “تحرير الشام”، حتى ولو وضع ذلك قيادتها في مقارنة جديدة مع “الدولة الإسلامية” حينما أعلنت رفض الانصياع لأوامر الظواهري، في ربيع العام 2013، وأكدت اسقاط البيعة لقيادة “القاعدة”.
المدن