القلب الذي لا ينبض
حازم صاغيّة
بدا طبيعيّاً أن تضمن الثورة السوريّة تأييد الثورة المصريّة ودعمها لها، على لسان الرئيس المنتخب محمّد مرسي. لكنّ ما بدا غريباً هو الموقف العراقيّ كما عبّرت عنه كلمة هوشيار زيباري، وزير خارجيّة العراق، في مؤتمر المعارضة السوريّة في القاهرة.
فزيباري تجاوز تأييد الثورة السوريّة سياسيّاً وديبلوماسيّاً إلى كلام حماسيّ وعاطفيّ يشبه ما كان يمكن أن يصدر عنه في وصف نظام صدّام حسين قبل تسع سنوات.
فهل الأمر يتّصل بانفضاض متعاظم عن دمشق يرى بعض المراقبين أنّ موسكو نفسها لم تعد، منذ مؤتمر جنيف الأخير، غريبة عنه؟ أم أنّه يتّصل بتحوّلات في الداخل العراقيّ، منها اضطرار رئيس الحكومة نوري المالكي إلى مراعاة الأكراد أكثر من ذي قبل، ومنها رغبة بالتفلّت من النفوذ الإيرانيّ الذي يراه البعض أداة التحريك المزعج لمقتدى الصدر، فيما يراه بعض آخر عجزاً بيّناً عن ضبط الصدر… والاحتمالان مغريان لتفلّت المالكي. أم أنّ ذاك التحوّل العراقيّ ليس بعيداً عن ميل إيرانيّ لرسم بعض المسافة الفاصلة عن حكم بشّار الأسد؟
كائنة ما كانت الاحتمالات، وبعضها متضارب، يبقى أنّنا أمام تغيّر عراقيّ يُرجى أن يُكرّس ويُعزّز. فإذا ما تسنّى ذلك، أمكن القول إنّ جناحي المشرق العربيّ، المصريّ والعراقيّ، يقتربان من اصطفاف موحّد تجاه دمشق والأزمة العاصفة هناك. وهذا يعني أنّنا حيال معادلة نادراً ما كانت مسبوقة في الجغرافيا السياسيّة العربيّة وتحالفاتها.
ففي الخمسينات، ووفق النظريّة الشهيرة لباتريك سيل في كتابه «الصراع على سوريّة»، كان بردى موضوع التنازع الضاري بين النيل والفرات. وهذا ما ينقلب إلى ما يشبه نقيضه.
صحيح أنّ هذه ليست حالاً فريدة أو استثنائيّة. ذاك أنّ الثمانينات التي شهدت الحرب العراقيّة – الإيرانيّة سجّلت تقارباً عراقيّاً – مصريّاً تولّى إرجاع مصر إلى الساحة العربيّة بعد قطيعة كامب ديفيد. ومعروف أنّ هذا التقارب، وكان الأردن في صلبه، فضلاً عن دول الخليج، كان يناوئ السياسة السوريّة المتحالفة مع طهران.
الفارق البارز بين الثمانينات واليوم هو مدى تماسك السلطة السوريّة. فحينذاك استطاعت الأخيرة، الخارجة للتوّ من حربها مع «الإخوان المسلمين»، ومن ثمّ سائر المجتمع، ومن «حرب الوراثة»، أن تصمد في مواجهة إجماع عربيّ مضادّ لها. وغنيّ عن القول إنّ هذا الشرط لا يتوافر اليوم لسلطة تكاد لا تسيطر إلاّ على نصف مساحة بلدها. وهذا، في أغلب الظنّ، سيكون عنصراً مغرياً للأطراف الخارجيّة التي تدخّلت كي تتدخّل أكثر، وللأطراف التي لم تتدخّل كي تتدخّل.
هل هذا كافٍ؟ طبعاً لا. فالأسئلة المتعلّقة بتركيا وبالبلدان الغربيّة تبقى مطروحة بإلحاح، ناهيك عن السؤال الدائم المتعلّق بالمعارضة السوريّة التي قدّمت، في القاهرة، صورة لا تحمل البتّة على التفاؤل. لكنْ يبقى من المهمّ جدّاً ظهور اصطفاف موحّد يجمع مصر والعراق، فضلاً عن بلدان الخليج، كما يحمل الأردن على فرز موقفه، وهو ما بدأت تشير إليه علامات متكاثرة. ومن الواضح أنّ نظام بشّار، الذي استنزف أوراقه الكثيرة، قد لا يجد ما يواجه به هذا التحوّل سوى توسيع استخدامه لمصطلح «العربان» بالدلالات العنصريّة التي يزخر بها.
إنّ «قلب العروبة النابض» يخرج تماماً من جسده.
الحياة