القمة الخليجية وسوريا
محمد الحمادي
في الرياض يجتمع قادة دول مجلس التعاون الخليجي يومي 19 و20 ديسمبر الجاري حيث تعقد القمة الخليجية الـ32، وهذه القمة لا توصف إلا بأنها واحدة من أهم القمم الخليجية فالظرف العربي حساس للغاية والاقتصاد العالمي يعاني ودول الخليج أصبحت لاعباً رئيسياً فيما تشهده المنطقة من تغييرات، لذا لم يعد الدور الذي يلعبه المجلس اختيارياً بل تفرضه التغيرات الإقليمية… فما الذي نتوقعه من هذه القمة؟
أصبح واضحاً أن دول الخليج تتعامل مع المتغيرات الإقليمية بفلسفة مختلفة لم يعهدها الإقليم من قبل، ومن يتابع الوضع يدرك أن دول مجلس التعاون الخليجي استطاعت أن تكون القوة المؤثرة في الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة، سواء في اليمن أو ليبيا أو حتى مصر… لذا فإن دورها وموقفها سيكونان حاسمين للوضع في سوريا، فدول مجلس التعاون الخليجي في ظل ما تعيشه من استقرار سياسي واقتصادي يمكنها لعب هذا الدور الحيوي الحساس في ظل انشغال الدول العربية الكبرى بأوضاعها الداخلية.
الملف السوري هو الموضوع الرئيسي في هذه القمة وربما تقع على عاتق مجلس التعاون المشاركة في وضع حد لما يحدث في سوريا فالأوضاع تتأزم بشكل دراماتيكي: القتلى تزداد أعدادهم يومياً والنظام يزيد من قمعه للمعارضين ويصرعلى تجاهله للنداءات الدولية والعربية ويرفض الاستماع لأحد.
وبعد الحديث الأخير لبشار مع القناة التلفزيونية الأميركية ABC أصبح نظام دمشق في وضع لا يحسد عليه وأصبحت خياراته محدودة بشكل أكبر، ولم يعد السؤال المهم: ما هي سيناريوهات رحيل النظام، بل: ما هي سيناريوهات بقائه واحتمالات استمراره؟ فقد لعب هذا النظام بكل أوراقه، وأحرق جميع مراكبه، أما المجتمع الدولي فأصبح لديه موقف واضح ومعلن مما يحدث في سوريا، وهو أنه على نظامها الحالي أن يرحل. والدول العربية متمثلة في الجامعة أعلنت موقفها وقدمت خطتها التي لا يزال النظام يماطل في تنفيذها، فكيف يخرج من هذا المأزق؟ وما هي الأوراق التي “يعتقد” أنه يستطيع التفاوض أو اللعب بها؟ وبالمقابل ما هي الأهداف التي يريد الآخرون تحقيقها؟ يفترض أن تكون لدى كل طرف الإجابة الواضحة والصادقة حتى يستطيع اتخاذ قراره السليم.
يراهن النظام السوري على حساسية وأهمية موقعه ودوره كما يراهن على الدعم الصيني والروسي وقبل كل ذلك الدعم الإيراني، كما يقول إنه يعتمد على الدعم الشعبي الداخلي… هذه أهم الأوراق التي يعتقد أنه يمتلكها ويمكن أن يستخدمها. لكن على أرض الواقع كل هذه الرهانات ليست قوية مقابل استمرار الانتفاضة الشعبية في الداخل والرغبة العربية والإقليمية والدولية في إحداث تغيير بسوريا.
أما الأهداف التي يريد أن يحققها الآخرون سواء دول المنطقة أو المجتمع الدولي فتتلخص في التخلص من التدخل الإيراني في المنطقة، والتي يبدو أنها لن تسمح لهذه الفرصة أن تمر دون أن تحقق هذا الهدف، وبالتالي تقلم مخالب “حزب الله” الذي قبل أن تستخدمه طهران، وقبل أن يقف إلى جانب النظام السوري ضد الشعب المنتفض! وكذلك تسعى الدول العربية لإعادة سوريا إلى محيطها وعمقها العربي.
النظام السوري حصل على الفرصة تلو الأخرى كي ينهي أزمته ويعيد الأمور إلى وضعها الطبيعي لكنه فشل في ذلك طوال الأشهر الماضية، لذا فمن غير المنطقي أن يتوقع أن يمنحه المجتمع الدولي فرصاً بلا حدود أو أن يصبر عليه للأبد والعالم يرى العنف والقتل اليومي هناك.
تدويل المسألة السورية -والذي كان يرفضه الجميع ولا تتمناه الأغلبية- لم يعد بعيداً ولا مستبعداً، وإذا كان نظام دمشق لم يستوعب هذه الحقيقة فهذه مشكلته وحده، فإبقاء الوضع على ما هو عليه أمر لا يمكن قبوله، والعجز الواضح الذي يعاني منه النظام في التعامل مع المحتجين طوال الأشهر العشرة الماضية يضعه في موقف صعب. أما تنصل الأسد من قتل المدنيين خلال لقائه مع الـ “ABC” الذي لم يقنع أحداً ولم يكن موفقاً بالمجمل فيبدو أنه الشعرة التي ستقصم ظهر البعير.
تدويل الأزمة السورية والتدخل الخارجي قد يعني حروباً وقتالا، وربما حرباً أهلية وأخرى طائفية أو حتى إقليمية، ويعني تكرار المشهد الليبي بشكل أفظع، وهذا ما يجعل البعض يرى أنه بقي أمام النظام السوري مخرج واحد ووحيد وهو شبيه بما تم عرضه على صدام عام 2003، أي أن يترك البلد ويتجه مختاراً إلى منفاه ويترك الشعب يدير أموره. فهل يقبل النظام السوري بذلك، أم يرفضه كما رفض من قبله نظام صدام؟
والسؤال المبني على إجابة السؤال الأول هو: لماذا يرفض النظام السوري هذا الخيار؟ لماذا لا يقبل بخيار اتضح أن صدام لو كان قد قبله لتجنبنا كثيراً من الكوارث السياسية والأمنية التي أصبحنا نواجهها اليوم.
أمام بشار ثلاثة سيناريوهات هي: السيناريو العراقي الضائع، السيناريو القذافي المؤلم، وسيناريو “صالح” المعقول، والقرار في اختيار أي من السيناريوهات الثلاثة راجع للنظام السوري، أما مسؤولية دول مجلس التعاون في هذه المرحلة فتكمن في أن لا يسمح لما حدث في العراق عام 2003 أن يتكرر في سوريا الآن. وفي ذلك تكمن أهمية القمة المقبلة لمجلس التعاون، وهي مسؤولية عربية يجب أن تتحملها جميع دول المنطقة التي أثبتت الأحداث أنها تتأثر مباشرة بالوضع السياسي لأي دولة في المنطقة.
في مقابل هذا الدور الإقليمي والعربي المتنامي لمجلس التعاون، وبعد أن تأكدت دول الخليج مجدداً هذا العام أن مصيرها واحد والتحديات التي تواجهها مشتركة كما أن الخطر مشترك -وإن اعتقد البعض غير ذلك- فعلى دول المجلس إيجاد صيغة متقدمة أكثر ومرنة بشكل أفضل تساعدها على العمل المشترك والدفاع عن نفسها بشكل لا يثير التساؤلات حولها عندما تواجه الخطر على أي منها، كما حدث مع البحرين.
الاتحاد