صفحات العالم

تفكيك سوريا.. استراتيجية جديدة لحرب ميؤوس منها

 

 

 

على الرغم من أنّ استراتيجية إدارة أوباما في العراق تتطلب تطويرًا كبيرًا في ظل نجاحات تنظيم الدولة الإسلامية الأخيرة في الرمادي وما حولها، إلّا أنّ خطة سوريا في وضع أسوأ من ذلك بكثير.

عملية السلام ميتة، وكذلك ربع مليون سوري، مع 12 مليون آخرين مشردين. رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال مارتن ديمبسي قد شهد أمام الكونغرس أنّ ما يقرب من 150 من مقاتلي المعارضة المعتدلين يتلقون التدريب من البنتاغون، في الوقت الذي وصلت فيه قوات داعش إلى 30 ألف مقاتل وبلغ عدد جيش بشار الأسد عشرات الآلاف أيضًا. وفي الوقت نفسه، يواصل تنظيم داعش تهديد المنطقة وشنّ المزيد من هجمات “الذئب المنفرد” في جميع أنحاء العالم.

ما يجب القيام به؟ بشكل غير متوقع، وفي هذه المرحلة، فإنّ المسار الواقعي الوحيد للمضي قُدمًا قد يكون خطة واقعية لتفكك سوريا؛ فالحل الشامل على المستوى الوطني يصعب تحقيقه بل وتحديده في هذه المرحلة. وبدلًا من ذلك، ينبغي على المجتمع الدولي أن يعمل على خلق أماكن جديدة يتوفر فيها الأمن والحُكم بمرور الوقت داخل سوريا. ومع وجود أماكن آمنة، يمكن أن تتطور هذه الاستراتيجية إلى حملة تسعى لضم مختلف المبادرات المحلية في جهد أوسع نطاقًا وأكثر تكاملًا.

مناطق حكم ذاتي آمنة

يستند هذا النهج إلى الاستراتيجية الأمريكية الحالية، ولكن مع عدم تطابق بين الوسائل والغايات. طلب النقاء الأيديولوجي من مقاتلي المعارضة لم يعد من الممكن تمامًا ويمثل عقبة حقيقة، كما أنّ تدريب المعارضة على سلامة تركيا والأردن والدول الصديقة الأخرى لا يزال الخطوة الأولى، ولكنها ليست كافية.

تكمن الفكرة في مساعدة العناصر المعتدلة على إنشاء مناطق آمنة داخل سوريا، وسوف تساعد في ذلك القوات الأمريكية، وكذلك القوات السعودية والتركية والبريطانية والأردنية وغيرهم، ليس فقط عبر الجو ولكن على الأرض من خلال القوات الخاصة. إنّ هذا النهج سوف يستفيد من التضاريس الصحراوية المفتوحة في سوريا التي قد تسمح بإنشاء مناطق عازلة يمكن رصدها في حال ملاحظة علامات لهجوم محتمل من العدو. القوات الغربية نفسها سوف تبقى في مواقع أكثر أمنًا بشكل عام، حتى تتمكن القوات المحلية الحليفة من الانتشار والعيش في أماكن آمنة.

إنّ إنشاء هذه الملاجئ الآمنة سوف يخلق مناطق حُكم ذاتي لن تضطر لمواجهة حُكمها من قِبل الأسد أو داعش. كما أنّها ستمثل المناطق التي يمكن أن تتوفر فيها الإغاثة الإنسانية، وإعادة فتح المدارس، وتجنيد وتدريب القوات المقاتلة من المعارضة، وسوف تساعد وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية بأقصى حد ممكن، ومن المؤكد أنه يمكن توفير الإغاثة على نحو أكثر فعّالية مما هو عليه الحال اليوم.

المرحلة النهائية لهذه المناطق ليس من الضروري أن يتم تحديدها مسبقًا؛ فالهدف المرحلي قد يكون سوريا اتحادية، مع العديد من مناطق الحكم الذاتي وحكومة وطنية. ومن المرجح أن يتطلب ذلك دعمًا من قوة حفظ السلام الدولية، إذا كان من الممكن الإعلان عن هذا الترتيب في اتفاق رسمي. ولكن على المدى القصير، ستكون الطموحات منخفضة للدفاع عن هذه المناطق وجعلها قابلة للحُكم، والمساعدة في توفير الإغاثة للسكّان بداخلها، وتدريب وتجهيز المزيد من المجندين بحيث يتوفر الاستقرار لهذه المناطق ومن ثم التوسع تدريجيًا.

تغيير النهج

تختلف هذه الخطة عن الاستراتيجية الحالية في ثلاثة نقاط رئيسة. أولًا، سيتم تحديد الفكرة بوضوح باعتبارها الهدف المعلن للولايات المتحدة، وهذا يمكن أن يقلل من الخلافات مع الجهات الراعية الأخرى للتمرد، والعديد من المسلحين أنفسهم، لأن السياسة الأمريكية سوف تعتمد على تسوية أكثر واقعية للوسائل مع الغايات، وهذا من شأنه أيضًا أن يساعد على تبديد الشكوك الكامنة بأن واشنطن كانت مقتنعة بأن حكومة الأسد الآن هي أهون الشرين. ومن بين فوائد أخرى، هذا يمكن أن يقلل التوترات في العلاقات الأمريكية مع تركيا والمملكة العربية السعودية، وعدد من الدول الإقليمية الرئيسة الأخرى.

ثانيًا، سيتم فحص المتمردين السوريين وفقًا لمجموعة مختلفة من المعايير. وفي حين أنّه لا يزال يُنظر إلى الأيديولوجيات المتطرفة كأيديولوجيات إقصائية، لكنّ التعاون السابق مع عناصر متطرفة من التمرد لن يُنظر إليه باعتبار أنه أمر شائن في ظل أنّ هذا التعاون يمكن أن يكون وسيلة ضرورية للبقاء على ساحة المعركة السورية المعقدة.

ثالثًا، فرق الدعم المتعددة الأطراف التي ترتكز على فصائل القوات الخاصة وقدرات الدفاع الجوي ستكون مستعدة للانتشار في أجزاء من سوريا بمجرد قدرة عناصر المعارضة على الاستيلاء على الأماكن القوية.

هذا الجزء الأخير سيكون الأكثر تحديًا، والنشر الفعلي لأي من هذه الفرق سيكون محفوفًا بالمخاطر، ولذلك؛ ليس من الضروري أن نتسرع. يمكن أن يتم ذلك في المناطق الأكثر أمانًا، أولًا، ربما في المناطق الكردية، على سبيل المثال، وبعد ذلك بالقرب من الحدود الأردنية بالتعاون مع القوات الأردنية. ولكن هذا جزء ضروري من الجهد. البدء بالتخطيط على الفور لن يساعد فقط على إثبات جدية أمريكا بشأن خطة الحملة الشاملة، ولكن سوف يسمح أيضًا بالتنسيق مع المنظمات الإنسانية.

سيتم توجيه هذه الخطة ضد داعش والأسد أيضًا، ولكن في الواقع، لن تسعى صراحة إلى الإطاحة به بقدر حرمانه من السيطرة على الأراضي التي يطمحون في حُكمها مرة أخرى. وسوف تتحرر مناطق الحكم الذاتي مع فهم واضح بأنّه لا توجد عودة إلى الوراء لحُكم الأسد أو أي خليفة له. في كل الأحوال، لن يكون الأسد هدفًا عسكريًا في ظل هذا المفهوم، ولكن المناطق التي يسيطر عليها حاليًا ستكون هي الهدف. وإذا تأخر الأسد في قبول صفقة نفيه، فإنّه قد يواجه مخاطر مباشرة تهدد حُكمه وشخصه أيضًا.

انتهز هذه الفرصة

قد تكون هذه الخطة هي المسار الواقعي الوحيد للمضي قُدمًا، مع الاعتراف بواقع المعركة، والمصالح الأساسية للجهات الفاعلة الإقليمية المختلفة، والخيارات الفعلية أمامنا.

وعلاوة على ذلك، في حين أنها لا تخلو من المخاطر بالنسبة للولايات المتحدة، لكنّ حجم التورط العسكري المتصور ليس أكبر مما كنا نقوم به في العام الماضي في أفغانستان. يمكن أن يظل الرئيس أوباما وفيًا لتعهداته بتقليص دور أمريكا في حروب الشرق الأوسط، وفي الوقت نفسه القيام بكل ما في وسعه لحماية البلاد من المزيد من الهجمات الإرهابية من خلال هذا النهج؛ فهو لا يجب أن يرى سوريا باعتبارها مشكلة يسلمها لخليفته، وإنما أزمة تتطلب اهتمامه واستراتيجية جديدة الآن.

بروكينغز

ترجمة: صحيفة التقرير

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى