اللاءات الثلاث
الكثير منا يتعجب ويعترض على النهج الذي اتبعه اعضاء هيئة التنسيق, وتبنيهم هذه اللاءات, وتشنجهم تجاه اي قرار او فكر يمكن ان يخترق تماسكها, ويرون ان هؤلاء لا يهمهم دماء السوريون ولا القمع والتشريد والدمار الذي يسببه النظام, وانهم تمترسوا بهذه الكلمات {لا للعنف_لا للطائفية_لا للتدخل الخارجي}, وتجاهلوا اي شيئ آخر.
لا للعنف: العنف ابتدأ به النظام, لا جدال في ذلك, واستمات منذ البدايات ليورط الناس ودفعهم للوقوع في هذه الدوامة, من ترك الاسلحة للمتظاهرين, وتسهيل تهريبها, وقسوته وهمجيته في التعامل مع المظاهرات السلمية, والتمثيل بالجثث والاصابات القاتلة المتعمدة, والتركيز على الاطفال, وتسليم جثث المعتقلين بعد اعتقالهم سليمين, ومنع التشييع, وسرقة الجثث, واغتياله لدعاة السلمية, والكثير الكثير من الاستفزازات, وصمد الناس وقاوموا الاغراءات, مع الاقرار بوجود بعض ردود الافعال المنطقية, واحيانا تجاوزات مسيئة, ولكنها لا تقاس بما كان يفعله النظام, واستمر الضغط واستمر الاستفزاز, الى أن بدأنا نرى انسياقا الى الخط الذي رسمه النظام للناس, واصبحت المسألة اكثر من تجاوزات او ردود افعال, بل طريق يجب السير فيه وتبنيه, وخطة ممنهجة لا يمكن ان يسقط النظام بدونها.
كانت معظم الاصوات في البدايات تدعو الى عدم العنف, بعدها انقسمت المعارضة الى: متمسك بهذا المبدأ, وآخر يتبنى الاتجاه المعاكس, وان لا حل الا بالقوة والسلاح, وانطلقت عمليات الجيش الحر من الدفاع عن المدنيين الى عمليات نوعية, ومهاجمة بعض المراكز والحواجز والباصات. اضافة الى فتح الباب امام كل من يستطيع او يمتلك السلاح للمساهمة, وكان الوصول الى اعتراف وتخوف معظم الدول من وجود السلاح وماهية الايدي التي تحمله, وهذا ما كان النظام يبكي وينوح من اجل تصديقه. ووضعنا رجلنا في الدوامة.
لا للطائفية: سعى النظام بكل جهده الى ادخالنا هذه الحلقة, الطائفية, بفيديوهات سمجة, واعتداء على بيوت الله وتمزيق المصاحف وقصف المآذن وغيرها من السلوكيات التي تدفع الناس الى تضييق سعة الثورة من اجل الحرية والكرامة لكل السوريين الى مواجهات طائفية بين اطياف من الشعب السوري, ورغم الصمود في البدايات انما استطاع النظام, وبمساعدة بعض المعارضة,اصحاب الخطاب المريض, وتشجيع من بعض القوى الاقليمية, من الدفع الى هذا الاتجاه, واصبحت الامور بان ثورتنا, وبدل ان تكون من اجل الحرية والكرامة, اصبحت جزء من مواجهة اقليمية طائفية, وفقدت الكثير من اطيافها الذين لا يرون انفسهم معنيين بهذه المواجهة, ويرون فيها دمارا للبلد, الى درجة ان البعض اصبح يفضل بقاء النظام على الوقوع في هذه المخاضة. ووضعنا رجلنا الاخرى في هذه الدوامة.
التدخل الخارجي: كان مطلبا للجميع ,عدم التدخل الخارجي, هيئة ومجلس, بعدها ونتيجة التطورات على الارض انفلت المجلس من هذا الامر, وبقيت الهيئة متمسكة به مع علم الطرفين وبناءا على المعطيات الدولية والاقليمية بان لا تدخل خارجي, ولا حظر جوي ولا تسليح للمعارضة, علما ان موقف الهيئة ليس مبنيا على استحالة حصول هذه الامور فقط, انما لاستشعارها مدى خطورة الطروح المتعلقة بها, والنهاية الوخيمة لها, والمضاعفات المترتبة عن تبني هذا الطريق.
الآن: خطة عنان المطروحة لحل الازمة السورية تدور حول منع الوصول الى هذه المحاذير, العنف المرتبط بالطائفية, وعدم تطور الامور الى حرب اهلية تؤدي الى تداخلات اقليمية ينتج عنها تدخل دولي غير وارد على اجندة اي جهة مؤهلة له, يعني وبعد اكثر من 13 شهر, وآلاف الشهداء, ودمار العديد من المدن, وتشريد مئات الالاف, عدنا الى النقطة الاولى, ولكن بضغوط دولية مشفوعة بقرار اممي.
وهناك جهات تستبق خطة عنان وتبشر بفشلها, وترى ان الحل الامثل هو في تسليح المعارضة, والمعارضة الى الآن لم تصل الى حد تمثيل الشعب, واكرر الشعب السوري, بواسطة مجلس او هيئة او حتى تجمع او تحالف, يعني بدون تحديد للجهة التي ستتلقى السلاح, ويقولون الجيش الحر, الذي اصدر مجلسه بيانا على لسان رئيسه يدعو الى هذا الامر, وبموقف يناقض قبول المجلس الوطني لخطة عنان. اي ان المجلس الوطني لا يمتلك قرار الجيش الحر.
ومن يدعو الى تسليح المعارضة, من جهات اقليمية, غايتهم اشعال حرب بالوكالة عنهم, ينأون بأنفسهم عنها, ونحن ندفع الثمن ونواجه المخاطر, والتي لن تكون مقتصرة على ازدياد عدد الشهداء على الارض, وانما سينتج عنها انهيار سوريا كبلد ننتمي اليه, وسنغرق جميعا في دوامة لا يمكن الخروج منها.
هذا ما فهمته وعايشت بعضا منه.
والى الآن ارى ان موقف الهيئة اقرب الى واقع الامور, والى الوصول الى بلد مستقر وقوي, ولمن يرى غير هذا, فليأت بالخيارات المتاحة والامكانيات المتوفرة ويقترح رؤية اخرى.
تنويه: هناك من وصل الى قناعة ان الهيئة بمواقفها هذه كانت سببا واكثر من النظام لكل المآسي التي مر بها بلدنا, وخاصة هيثم مناع, وأرد عليه: ان كان لهيثم مناع كل هذا التأثير على العالم بمنع التدخل الدولي او الحظر الجوي, او الضغط على روسيا والصين لرفع الفيتو المزدوج مرتين, او عدم توحد المعارضة المتفرقة اصلا كل حسب الجهة الداعمة له, او منع تسليح الثورة {كونه مناع يعني}, فانه يستحق الاحترام ورفع القبعات. وقلتها واعيد, طالما يمسك كل هذه الخيوط بيده, علينا ان نسعى الى رضاه ومداهنته واقناعه بتغيير رأيه لا شتمه.
دعونا ولو للحظة واحدة نستذكر لم قامت هذه الثورة, ومن اجل ماذا دفع الكثير من السوريين دمهم فداءا. وكما اعادتنا الظروف الدولية الى النقطة الاولى دعونا نعيد ثورتنا الى غاياتها الاولى ومسارها الحقيقي.