اللاجئون هم كلّنا/ رشا أبو زكي
أن يعيش المرء في بلد لا تتعدى مساحته حجم مدينة، وبرغم ذلك يشهد كوابيس معيشية وسياسية وأمنية واقتصادية يومية، فهو، بلا شك، يحظى بأسوأ أنواع السلطات السياسية والأمنية والإقتصادية. وأن يكون المرء نفسه مرغماً على سماع الكلام العنصري، ضد كل من يلجأ إلى أرض الفساد قسراً، من قبل مسؤولين حولوا غالبية المواطنين اللبنانين إلى لاجئين في أرضهم، فهو، بلا شك، يعيش في بقعة أرضية لم تصل بعد إلى حقبة اختفاء الديناصورات. في لبنان، لا يوجد لاجىء سوري وآخر فلسطيني، فالضربات الحياتية تطال كل من يطأ أرض الأرز ولم يصادفه الحظ أنه ولد في كنف عائلة ثرية، ولم ينعم برعاية إحدى المليشيات الطائفية.
إذ يتم تعريف اللاجىء (وفق قانون تنظيم اللجوء) على أنه “كل شخص يترك القطر الذي ينتمي إليه بجنسيته خوفاً من الاضطهاد أو الخطر (…) أو خوفاً من العمليات الحربية (…) أو الإضطرابات الداخلية، ولا يستطيع أو لا يرغب أحد بسبب ذلك الخوف من الرجوع إلى قطره”. وفق هذا التعريف، يجتمع في لبنان 436 ألف لاجىء فلسطيني (احصاءات الأونروا نهاية 2012) لجؤوا قسراً إلى لبنان بفعل الإحتلال الإسرائيلي لأرضهم. بالإضافة إلى أكثر من 750 ألف لاجىء سوري (الأمم المتحدة) لجؤوا قسراً إلى لبنان بفعل القصف النظامي وسيطرة عدد من الميليشات الدينية على القرى السورية. وفي حين أن اللاجئين السوريين كما الفلسطينيين بمعظمهم من الفقراء، فهم يتقاسمون رغيف الحرمان مع أكثر من مليون فقير لبناني مقيم، وأكثر من 65 ألف لاجىء لبناني سنوياً (وزارة الشؤون الإجتماعية) يلجأ قسراً إلى دول أخرى بحثاً عن وظيفة أو حياة آمنة أو كليهما هرباً من الإضرابات الداخلية، سياسية أكانت أم أمنية وإجتماعية.
عدد الفقراء هذا لم يشكل خبراً لدى اللبنانيين، وخصوصاً العنصريين منهم. فقد أشار البنك الدولي (وفق تصريح لوزير الشؤون الإجتماعية وائل ابو فاعور يوم الخميس) إلى انحدار حوالي 170 ألف مواطن لبناني إضافي إلى ما دون خط الفقر. وقد جاء هذا الرقم من ضمن تقرير يحصي ثقل النزوح السوري على الإقتصاد اللبناني. ارتفعت الأصوات، بدأت حملات الإستنكار التي تضمنت توليفات عجيبة للأدبيات العنصرية اللبنانية. وفات كل هؤلاء أنه يوجد في لبنان مليون فقير وفق تقديرات البنك الدولي نفسه، وأن هذا العدد لم يصنعه النزوح وإنما الخيارات الإنتخابية لمواطنين لبنانيين تتفوق عصبياتهم المذهبية والحزبية على أي حس بالكرامة والحياة اللائقة، إن لم يكن لهم، فعلى الأقل لأولادهم وأحفادهم. مليون و170 الف فقير، ربما عدد كبير منهم يشارك في جلد نفسه عبر شراء السوط لزعماء تتكرر أسماؤهم وأسماء أحزابهم منذ سنوات في المراكز الحكومية والنيابية، ولكن هؤلاء برغم ذلك لاجئون في أرضهم، يتشاركون مع اللاجىء الفلسطيني كما السوري الموت اليومي نفسه.
هكذا، فإن حوالي مليوني فقير في لبنان سيواجهون أعنف شتاء يمر على هذا البلد منذ 100 عام. فقد ضجت مواقع التواصل الإجتماعي بخبر دخول لبنان في قائمة الدول التي ستشهد أعنف شتاء منذ 100 عام. البرد سيكون مرعبا، حتى الصيف سيتأخر. أبناء بيروت وضواحيها من كل الجنسيات، ذهلوا بالخبر. البرك المائية ستنغّص يومياتهم على الطرقات، وبعض البيوت ستشهد طوفانات غير مسبوقة، بعدما كانت المياه تدخل إلى الغرف السكنية في كل شتوة خلال السنوات الماضية. أما أبناء البقاع والشوف والجنوب والقرى الشمالية فيعيشون في هاجس أسعار المازوت التي لن تدعمها حكومة مستقيلة، ومن برد قارس ستعيشه عائلاتهم من دون أي إجراءات رسمية قد تحميهم وتحمي أطفالهم من تبعات هذا البرد على أجسادهم وصحتهم. سكان المخيمات الفلسطينية، واللاجئون السوريون المتروكون لألسنة العنصريين من السياسيين والمدنيين، هؤلاء ليسوا خائفين من الطوفان، وإنما من صقيع قد يزيد من تعاستهم تعاسة. وهنا معلومٌ من المسؤول: حكومة مستقيلة بوزراء مستقيلين عن القيام بواجباتهم قبل استقالة الحكومة بكثير، مجلس نواب يختنق أعضاؤه بملايين دولاراتهم، وأجهزة رقابية صورية، تصدر تقريراً تلو التقرير من دون اتخاذ أية إجراءات رادعة.
خبران يطالان الفقراء في لبنان، مرّا بأنابيب العنصرية تارة والسخرية تارة أخرى، اللاجئون هم كلّنا، ولأن اللبنانيين يقفون بمعظم مكوناتهم ضد مصالحهم، ويتعاطون بعنصرية حزبية ودينية ومذهبية وعشائرية مع قضايا تمس حياتهم بشكل مباشر، لا يُستغرب أن يزاول عدد منهم مهنة العنصرية ضد كل فقير شاء القدر السيء أن يضعه في لبنان. أما سياسيو السموم العنصرية، فهم من يغرّب اللبناني عن همومه الفعلية ليعظموا ثرواتهم، وهم الذين يلاحقون كل لاجىء إلى ربوع مزرعتهم، لحسابات جلّها تتعلق بكرسي وزاري أو نيابي أو رئاسي.