المخطوفون الأربعة بين شعارين/ زمنين: ألق البدايات وصعوبة الآن/ راتب شعبو
“خاين يلي بيقتل شعبو”.
“خاين يلي بيخطف ثائر/ثورة”.
هما شعاران يختصران ثورة السوريين بين بدايتها المشرقة وتشعباتها وانزلاقاتها اليوم.
شعاران لم يتوقع الناشطون الذين رفعوهما بوجه النظام أنهم سيرفعونهما بوجه غيره، وأنها سترفع لأجلهم، في مفارقة تجعل من مبتكر ورافع الشعار الأول موضوعه اليوم!
الشعار الأول رفعه السوريون قبل أن تبدأ ثورتهم بأيام، إذ حين قصف القذافي شعبه بالطائرات صرخ السوريون أمام السفارة الليبية بدمشق “خاين يلي بيقتل شعبو” إدانة للقذافي ونظامه و رسالة واضحة لنظامهم الذي فعل أكثر مما فعله القذافي منذ تلك اللحظة إلى اليوم، ممهدا البيئة الحاضنة لمن يخطف ثورتهم و نشطائها الآن، فكان شعارهم الثاني “خاين يلي بيخطف ثائر/ثورة” مشتقا من الأول، وكأن حال لسانهم يقول: الاستبداد واحد وإن لبس لبوس الثورة! فما هي الحكاية؟ و من هذا الذي يسير على درب النظام في الخطف والقتل؟ ومن هؤلاء الناشطين المخطوفين الذين تطلق الحملة لأجلهم؟
بعد مرور خمسة أشهر ونصف على اعتقال وخطف النشطاء: رزان زيتونة وسميرة الخليل و وائل حمادة وناظم حمادة مساء يوم 9/12/2013 في دوما، التي تسيطر عليها كتائب مسلحة من المفترض أنها تابعة للمعارضة السورية، أطلق مجموعة من النشطاء حملة “الحرية لنشطاء الحرية” و “أطلقوا نشطاء الحرية” للمطالبة بكشف مصير المعتقلين، حيث بدأت الحملة ببيان موجه للرأي العام من “أهالي المخطوفين الأربعة في دوما”، جاء فيه: “الواقعة مُشينة وإجرامية بحد ذاتها، يزيدها عارا أن الثائرين الأربعة العُزّل اختطفوا من “منطقة محررة” وعلى يد جماعة مجهولة، عملت كل ما تستطيع لحجب هويتها مثلما يفعل اللصوص وقطاع الطرق. ويزيدها عارا فوق عار أنه لم يجر تحقيق جدي أو ربع جدي لإظهار الحقيقة.. أن يختطف مُقنَّعون مجهولون أربعة ناشطين عُزّل، امرأتان ورجلان، ويُخفونهم عن العالم، هذا ما لن تنساه ذاكرة الناس ولن تغفل عنه صفحات التاريخ”، مطالبين “كل الأحرار والعادلين في العالم” التضامن مع المخطوفين الأربعة و”عموم المعتقلين والمخطوفين في سورية، ومع الشعب السوري في كفاحه المرير من أجل حريته”، خاصة أن الأمر تكرر في أكثر من مكان وطال أكثر من شخصية وطنية وناشط في الرقة وحلب وغوطة دمشق، حيث طال الخطف كل من “الأب باولو” الذي لا يزال مصيره غير معروف، والمصوّر “محمد نور مطر” والناشط “أبو مريم” و”فراس الحاج صالح” على سبيل المثال لا الحصر، ليكون الناشطون واقعون بين براثن الاستبداد والكتائب المسلحة التي يوجه لها الناشطون اليوم أصابع الاتهام دون القدرة على وجود دليل ملموس يشير إلى الخاطف الفعلي في ظل الفوضى الحاصلة، وكثرة الكتائب المسلحة، حيث يقول الناشط “أسعد العشي” المشارك في حملة “أطلقوا نشطاء الحرية” لموقعنا “سيريا أنتولد Syria untold” : “كل الكتائب العاملة في الغوطة الشرقية بما فيها جبهة النصرة وجيش الإسلام وقعت على بيان إدانة الاختطاف والتعهد بمتابعة الموضوع ومحاسبة الفاعلين. ولكن من الملاحظ أن جيش الإسلام لم يكلف نفسه حتى عناء مراجعة مكان الاختطاف و كونه الجهة المسيطرة على المنطقة فهو يتحمل المسؤولية الكاملة عن الحادثة وتقصيره بالمتابعة ملحوظ ومثير للاهتمام والتساؤل. أما باقي الكتائب كلواء شهداء دوما وفيلق الرحمن فالتعاون معهم جيد ولكن بلا نتيجة إلى الآن”.
لا يوجد أية معلومات دقيقة عن مكان تواجد المخطوفين، إذ كل ما هو متوفر “إشاعات عن مكان احتجازهم و الجهة الخاطفة. آخر معلومة أنهم محتجزين في بساتين دوما بمكان تابع لجبهة النصرة ولكنهم موجودين إيداع من جيش الإسلام” وهو ربما ما دفع “العشي” لتحميل الأخير المسؤولية.
المفارقة المفجعة اليوم تتمثل بكون الثورة تأكل أبنائها، فالمخطوفون الأربعة الذين عمل النظام كل ما بوسعه لاعتقالهم أو قتلهم، خطفوا على يد من يدعي الثورة، فهم ليسوا نشطاء حديثي العهد بالنضال في فترة الثورة فحسب، بل هم مناضلون يقارعون نظام الاستبداد منذ زمن طويل وتابعوا نضالهم بعد انفجار الثورة، حيث قدّموا كل ما يملكون فداء لها ووضعوا أرواحهم على أكفهم ومضوا في دربهم نحو الحرية متوّحدين مع شعبهم، إلى درجة أن قرروا ترك مخابئهم الآمنة نسبيا والبعيدة عن أعين النظام، ميممين وجوههم صوب الغوطة ليكونوا بين أهل الثورة وناسها وبسطائها، فكان جزاءهم الخطف! حيث أن “رزان زيتونة” محامية وناشطة حقوقية دافعت عن العديد من سجناء الرأي في أحلك الظروف حين كان الاستبداد قويا وقادرا على البطش والقتل، و”سميرة الخليل” هي معتقلة سياسية لمدة أربع سنوات في عهد الأسد الأب وإحدى المشاركات في تأسيس لجان “إحياء المجتمع المدني” و “إعلان دمشق”، و الاجتماعات التحضيرية التي تمخضت عن توقيع “إعلان دمشق – بيروت/ بيروت – دمشق”، في حين أن وائل حمادة ( زوج رزان والمخطوف معها) ناشط في نطاق “لجان التنسيق المحلية” والأنشطة الإغاثية التي كانت تقوم بها، واعتقل مرتين تعرض خلالهما للتعذيب، والشاعر “ناظم حمادة” عمل مع وائل في توصيل المساعدات الإغاثية عبر شبكة لجان التنسيق الفعالة التي كانت تغطي البلد كله تقريبا.
أطلقت الحملة مدونة خاصة بها، وصفحة على الفيسبوك وتوتير بهدف إيصال الحملة إلى أكبر قدر من الناشطين والمتضامنين والمؤسسات الحقوقية عبر العالم عبر خطة تهدف للتوجه إلى عدة فئات هي: المجتمع الدولي لتذكيره بحادثة الخطف وليقوم بدوره بالضغط على الكتائب المسلحة والدول الداعمة لها، ودول الخليج التي تدعم هذه الكتائب والمجتمع السوري لتذكيره بأهمية النشطاء المخطوفين ودورهم الرئيسي في الثورة، و المجتمع المحلي في الغوطة الشرقية وتحديدا دوما للطلب منهم الضغط المحلي على كل الفصائل، وهو ما تطابق مع بيان الأهالي الذي طلب من “أهالي دوما وثائريها وناشطيها المساعدة في كشف مصير الأربعة وإطلاق سبيلهم فورا”.
يعمل ويشارك في الحملة أهالي المختطفين والجهات الثورية التي يعملون معها، و أصدقاء المختطفين من الناشطين الثوريين في كل أنحاء سوريا، بمشاركة منظمة العفو الدولية و هيومن رايتس واتش، بالتزامن مع بيانات من العائلة والمنظمات الدولية والشخصيات العامة وحملة إعلامية في الصحف والجرائد العربية والعالمية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أطلقت الحملة على صفحتها بوسترات تحوي وجوه المخطوفين ( رزان، سميرة، ناظم، وائل) مع تعريف عنهم باللغتين العربية والانكليزية، كما ساهمت مجموعة “الشعب السوري عارف طريقو” ببوسترات تحمل صور المخطوفين وتحتها عبارة “خاين يلي بيخطف ثائر/ ثورة”. كما ستطلق الحملة “سلسلة فيديوهات قريبا من مقابلات مع أهالي المخطوفين وأصدقائهم. والحملة بصدد توثيق بورتريهات انفو غرافيك عن كل شخصية مختطفة من الأربعة قريبا” وفق ما قالت الناشطة “رزان غزاوي” لموقعنا “سيريا أنتولد Syria untold”.
قصة المخطوفين الأربعة بين شعار رفعوه في الأمس ( خاين يلي بيقتل شعبو) وشعار يرفع لهم اليوم ( خاين يلي بيخطف ثائر)، هي حكاية الثورة بكامل ألقها الأول الذي صنعه هؤلاء المخطوفين اليوم، وبكامل صعوبة وتعقد اللحظة الآن. وبين ألق الأمس وصعوبة اليوم لا يكف السوريون عن الصراخ بوجه الاثنين معا، مواصلين دربهم المتعرج نحو حرية طال انتظارها.